بين المرأة السودانية والفرنسية
كمال الدين بلال
28 July, 2011
28 July, 2011
kamalbilal@gmail.com
ذكرت أثناء مشاركتي في ورشة عمل متخصصة حول حقوق المرأة أن «نابليون بونابرت» يرى (أن المرأة التي تهز مرجيحة طفلها بيدها اليمنى قادرة على هز العالم بيدها اليسرى)، وتساءلت عما حل بالعالم حتى تصبح مناقشة قضايا العنف ضد المرأة من القضايا التي تفرض نفسها للمناقشة في السودان، وقلت مستدركاً: هل المرأة التي قصدها بونابرت لا تشمل المرأة السودانية التي يرى البعض أنها (لو بقت فاس ما بتكسر الراس).
نظمت كلية القانون بجامعة الخرطوم ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع وزارة العدل السودانية ورشة العمل المذكورة، وقد شارك فيها نخبة من كبار مستشاري الوزارة، وقد قدمت خلال الورشة مجموعة أوراق عمل متميزة نتج عنها عصف فكري أدى لتلاقح الأفكار والخبرات في نقاش مثمر حول الإيجابيات وأوجه القصور في الممارسة العدلية والقوانين السودانية في القضايا ذات الصلة بالمرأة وفقاً لقواعد الفقه الإسلامي والمعايير الدولية، وتأتي الورشة كأول حلقة من سلسلة ورش تنظمها الكلية والمنظمة الدولية للأجهزة العدلية في السودان، حيث ستليها ورشة مشابهة للقضاة وورش أخرى لضباط الشرطة والمحامين، وستختتم الورش بورشة عمل شاملة تضم مجموعة مختارة من المجموعات الأربع المستهدفة بهذا المشروع.
تنبع أهمية الموضوع من تطور مفهوم العنف ضد المرأة دولياً واتخاذه أشكالاً جديدة لم يعرفها المجتمع السوداني من قبل تتطلب تطوير القوانين والممارسة العدلية لتصبح مواكبة لتلك التطورات، ففي قضية الشابة سناء من قرية أم حجار ريفي المناقل، قام زوجها بالتآمر عليها وصب ماء نار حارق على وجهها مما ترتب عليه تشوهها خلقياً ونفسياً، وقد نجا الزوج من العقاب، حيث تنازلت المجنى عليها عن القضية تحت ضغط الأسرة بعد دفع الزوج حفنة من الجنيهات على سبيل التعويض عن جرمه، وقد قبلت الأجهزة العدلية السودانية تنازل الفتاة عن حقها الخاص وشطبت البلاغ في مواجهة المتهم دون معاقبته بالحق العام الذي لا يجوز التنازل عنه. جدير بالذكر أنه في واقع مثل هذا لا يعقل أن نقبل بنظرية المؤامرة التي يروجها البعض بأن الدعوة لتعزيز دور المرأة المستضعفة في الوصول للعدالة وإنهاء التمييز ضدها، نوع من أنواع الدعوة لاسترجالها ونفي الجسد الأنثوي عنها وتجريده من دوره الايجابي الخلاق في العلاقة بين الأزواج التي يفترض أن تقوم على المودة والرحمة وليس على التسلط والعنف.
ناقش المشاركون ضرورة إيجاد حزمة تشريعية جديدة متخصصة تتعلق بقضايا العنف ضد المرأة في السودان، وذلك لطبيعة المرأة التي تتطلب في بعض الأحيان تدابير خاصة، كيف لا وهي تمر بحالات من الضعف الجسدي والتعب النفسي لدرجة أن الله تعالى أسقط عنها أداء بعض الفرائض أو أجلها، وعليه فمن المنطق أن تنتهج قوانيننا هذا النهج الرباني بتمييز المرأة إيجابياً في بعض الأمور، وهو منتهى العدل، فالأب يعطي في العادة اهتماما أكبر بابنه الذي يكون ضعيفاً جسمانياً أو نفسياً مقارنة بالقوي جسدياً المستقر نفسياً. من ناحية أخرى أثبتت التجربة نجاح النهج السوداني في التعامل مع قضية الطفل واحتياجاته عبر إصدار قانون خاص بحماية الطفل لعام (2010م)، حيث يعتبر القانون بكل المعايير متماشياً بل متقدماً في بعض الوجوه على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام (1989م). وناقش المؤتمرون كذلك بنود الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام (1979م)، والمآخذ الإسلامية والثقافية على بعض بنودها، وإمكانية انضمام السودان إليها مع التحفظ على المواد التي تتعارض مع الخصوصية الدينية والدستورية للبلاد، وتطرق المحاضرون للكيفية التي انتهجتها غالبية الدول العربية والإسلامية بالانضمام للاتفاقية مع إيراد تحفظات عامة أو خاصة على بعض المواد. الجدير بالذكر أن (186) دولة انضمت حتى الآن للاتفاقية- من ضمنها دول عربية وإسلامية- ولم يتخلف عن الانضمام من دول العالم البالغ عددها (193) سوى سبع دول من بينها السودان وإيران والولايات المتحدة الأمريكية ودولة جنوب السودان الوليدة التي يرجح أن تنضم للاتفاقية قريباً.
ناقشت الورشة كذلك إمكانية الاستهداء بتجارب بعض الدول كالمملكة العربية السعودية التي تفرض قيوداً وإجراءات محددة لتعامل الشرطة والنيابة مع النساء المتهمات بارتكاب جرائم، كما ناقشت ضرورة إسراع السودان في إصدار قانون ينظم قيام الدولة بتقديم خدمات العون القانوني المجانية للمتهمات والمتهمين الفقراء منذ لحظة القبض عليهم، وناقشت كذلك بعض أوجه القصور في القانون الجنائي السوداني، وقانوني الإجراءات الجنائية والإثبات، وقد حظيت المادة (149) من القانون الجنائي المتعلقة بالاغتصاب بنقاش مستفيض، حيث يرى البعض أن الممارسة كشفت وجود خلل في صياغة المادة يقتضي إعادة النظر فيها، حيث أقحمت المادة لفظ الزنا في تعريف الاغتصاب مما أربك بعض القضاة في تطبيقها من حيث ثبوت التهمة، فقد اشترط بعضهم لثبوت تهمة الاغتصاب توافر شهادة الأربعة شهود التي تشترط في ثبوت جريمة الزنا، بينما الأصل ان الاغتصاب يتم عن عدم رضا الضحية ولا علاقة له بالزنا الذي تتوافر فيه موافقة الطرفين على المواقعة دون رباط شرعي.
تطرقت الورشة كذلك لبعض القضايا المثيرة للجدل، حيث اقترح البعض تحديد سن أدنى لتزويج الفتيات القاصرات أسوة ببعض الدول العربية كمصر وسوريا والكويت وقطر وسلطنة عمان، وفي هذا المضمار ناقشت الورشة تطور مفهوم جديد في العالم بدأ في فرنسا مرتبط بتجريم الاغتصاب داخل إطار الزوجية، بمعنى أن يعاقب الزوج الذي يجبر زوجته على الجماع دون رضاها. الجدير بالذكر أن هذا الأمر يندرج في السودان تحت مفهوم الضرر الذي يحكمه قانون الأحوال الشخصية وليس قانون العقوبات، ومن المستبعد أن يتقبل المجتمع السوداني في الوقت الراهن مثل هذا المفهوم الذي يعتبر منافياً لثقافته. كما ناقشت الورشة كذلك مسألة وزن شهادة المرأة أمام القضاء وإعتبارها نصف شهادة الرجل إستناداً لنص الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى). وقد قمت بلفت نظر المشاركين في الورشة إلى رأي جرئ لسماحة شيخ الأزهر (محمود شلتوت)، حيث يرى (إنّ شهادة امرأتين مقابل رجل لم يقصد بها الله تعالى القاضي وإنما قصد بها كاتب المواثيق والديون، والآية ذكرت الكاتب والكاتب بخلاف القاضي، ولذلك فإنّ آية الدين لا علاقة لها البتة بالقضاء... فللقاضي مطلق الحرية في أنّ يطلب شهادة من يشاء بغض النظر عن جنسه.