صفحات من دفتر زيارة الترابي لـ”قاهرة المعز”

 


 

صباح موسى
30 July, 2011

 

صولات وجولات فكرية للأمين العام للشعبي والسنوسي يؤم الترابي والمصلين في مقر " الإخوان "


القاهرة- أفريقيا اليوم :  صباح موسى
عندما خرج الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي من سجنه الأخير، كانت الثورة المصرية قد أطاحت بالرئيس حسني مبارك ونظامه، وهنا عادت الفكرة التي ظلت تراود الشيخ سنين طويلة بالزيارة للقاهرة، ولكن الوقت مازال غير مناسبا، فالثورة كانت في ذروتها  ، وعندما جاء خبر رفع قوائم الحظر من مطار القاهرة، عادت الفكرة مرة أخرى، وعند مناقشتها في الحزب وافق البعض وخالفها البعض الآخر على اعتبار أن مصر غير مهيأة الآن لإستقبال الترابي، فالزيارة لن تكون عادية بعد غياب 23 عاما.

وأخيرا رجح قرار الزيارة داخل أروقة الشعبي  ليبدأ  "وفد مقدمة " من المؤتمر الشعبي  زيارة للعاصمة المصرية  نظم  خلالها برنامجا جيدا للزيارة على مدى شهر، وكانت التخوفات من عدم نجاح الزيارة كبيرة، فلم تكن عادية  ، حيث النظام السابق نشر صورة مخالفة للترابي في الأوساط المصرية، والنخبة المصرية كانت مؤمنة بذلك تماما ، وبأن الترابي يمثل خليفة حقيقي لأسامه بن لادن، وأنه على خلاف تنظيم القاعدة لديه ذكاء ودهاء في استعمال الدين في السياسة، وأنه يطوع الأفكار والرؤى وفق الحالة والمكان، وهناك أيضا جماهير مصرية عريضة لا تعرف أصلا من هو الترابي، وهذه الشريحة تحتوي على معظم الثوار الشباب..  إذن الشيخ في هذه الحالة ليس له مكان في مصر الجديدة بعد مبارك بالإضافة إلى أنه كان متهما في مصر مبارك.

ويرى المراقبون أن الزيارة في هذا التوقيت كانت مجازفة كبيرة، فالأوساط المصرية منشغلة في بناء الدولة الجديدة، وهنا استخدم الشيح ذكاءه بالتمهيد للزيارة بوفد داخل القاهرة، وتصريحات استبقت دخوله إليها بنصائح لمن سيتولى الحكم في الدولة الجديدة، قرأها المصريون بأنها مفيدة، وعلى جانب الداخل المصري كان هناك بعض الحذر إزاء زيارة الترابي في هذا التوقيت، وإنقسم المتابعون إلى فريقين أحدهما يرى أن الزيارة لتقديم نصائح وتكوين علاقات وطيدة مع المصريين في عهدهم الجديد،فيما يري  الفريق الآخر أن الشيخ يريد من زيارته كسبا سياسيا على حساب خصومه وتلاميذه في حكم الخرطوم، فتواجده في القاهرة بعلاقات جديدة، وبثقل إعلامي واسع بالتأكيد سوف يكون له تأثير.

وسط هذا الزخم الذي سبق الزيارة يأتي الترابي إلى مطار القاهرة  قادما  من تركيا، وكان وفد من المؤتمر الشعبي ينتظره بالمطار، كانت السعادة تسيطر على الموقف، والكل في الوفد كان يردد لم نكن نتوقع أن نأتي إلى القاهرة، ومبارك على قيد الحياة، ولكن مشيئة الله كانت أكبر، وفي انتظار الشيخ ثلاث ساعات بالمطار كان هناك وفد من المخابرات المصرية مع المحبوب عبد السلام الناطق الرسمي للحزب بالخارج في صالة كبار الزوار لإستقبال الشيخ، وكان المحبوب قد نسق معهم قبل مجئ الترابي فذهبوا معه لإستقباله، ولأن الإجراءات كانت طويلة نسبة لوجود الشيخ في القوائم المحظورة طيلة هذه السنين، فقد أخذ ترتيب الأوضاع وقتا حتى يخرج الترابي، بالإضافة إلى وجود علي الحاج نائب الترابي والذي كان مجيئه مفاجأة أخرى، وهو أيضا أخذت إجراءاته بعض الوقت، فجاء بجواز سفره الألماني، وهذا يتطلب وقتا لأخذ تأشيرة دخول، وعندما انتهت الإجراءات خرج  الترابي مرتديا بدلته الأنيقة وهو في قمة نشوته، فإبتسامته هذه المرة عميقة ومعبرة، جعلته مرتجفا في حديثه من غبطة الفرح، والطريف أن وفد الشعبي بالقاهرة طلب من الشيخ إبراهيم السنوسي إرتداء بدلة بدلا من الزي السوداني نظرا للشبه الكبير بينه وبين الترابي، وحتى لا يختلط الأمر في المطار، فلبس السنوسي بدلته، ليفاجئ الترابي الجميع أنه يرتدي بدلة أيضا، خرج الترابي من المطار وسط زحام شديد من وسائل الإعلام التي علمت بموعد وصوله، وتجمهر حوله عدد من المصريين العاديين يسألون عن هذا الشيخ الذي ينتظره  هذا الإزدحام الشديد، فلم يعرفوه، وعندما  علموا أنه سوداني لايعنيهم  إن كان حاكما هو أم معارض يتجهون إليه بحب وترحاب فهو ضيف عزيز من جنوب الوادي، فالسودانيون تحديدا لديهم مكانه خاصة في قلوب المصريين، وكانت هناك فتيات من جنوب السودان جروا على الترابي فرحين بمشاهدته والتقطوا معه بعض الصور، وكأن الشيخ نجما من نجوم السينما العالمية، وعلى الفور أتت عربة ميكروباص لتقل الوفد وعربتان من نوع كرولا حديثه لنقل الترابي ومساعديه، لنفاجأ أن الترابي يركب الميكروباص، ويترك العربتين، وعندما سألنا لماذا؟ كانت الإجابة بأنها إجراءات أمنية، انطلقت العربات إلى فندق ماريوت الزمالك مقر الشيخ أثناء زيارته بالقاهرة، وفي استقبال الفندق جلس الترابي مع أعضاء الوفد وابنه عصام الذي رافقه في جولته خارج السودان، وكان اللافت عدم وجود أي من أفراد الأمن، ففي السابق عندما يأتي ضيف إلى القاهرة كانت أفراد الأمن والمخابرات تلازمه أينما كان، وتكتمل المفاجأة بوجود الدكتور كمال الهلباوي الناطق الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين العالمية، ليرتاح بعدها الترابي على أن يكون أول موعد له في زيارته مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المحتمل للرئاسة المصرية والقيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين ويفسر البعض ذلك بأن الترابي بدأ زيارته بالإسلامين المستنيرين أمثال أبوالفتوح، وبعدها تأتي زيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي يختلف تماما عن سابقية في مشيخة الأزهر، فالرجل بحق يليق بمصر الجديدة وبريادتها التي ضاعت منها سنين طويلة، وتأتي بعد ذلك في برنامج الزيارة لقاء الدكتور محمد البرادعي وكان ذلك بمقر حملته الإنتخابية لنجد خلية نحل من شباب مفعم بالحيوية والنشاط يؤمنون حق الإيمان بضرورة تقلد البرادعي مقاليد الأمور في مصر، خرج الترابي وأوضح تفاصيل اللقاء، ولكن البرادعي لم يصرح وقالت المسئوله الإعلامية له أنه دخل إجتماعا آخر.

بعدها دخل الترابي في لقاءات إعلامية مع أشهر برامج التوك شو المصرية مع الإعلامية الشهيرة منى الشاذلي على قناة دريم، ومع الإعلامي شريف عامر على قناة الحياة، كان برنامج الشيخ الإعلامي مزدحما جدا بصورة أنهكت القائمين على تنظيم البرنامج لدرجة أنهم رفضوا قنوات وصحف كبيرة من كثرة الزحام، وجاءت مفاجأة أخرى لم تكن موجودة في برنامج الزيارة وهي لقاء مولانا محمد عثمان الميرغني، وعندما ذهبنا إليه في فيلا طيبة بمصر الجديدة كان اللافت في صالون الإستقبال صور لمولانا مع زعماء ورموز مصرية، ونرى من بينها صورته مع الرئيس السابق مبارك متصدرة المكان، فمازال مولانا يحتفظ بها، رغم أن المصريين أزالوها من كل مكان!!، خرج الترابي والميرغني من لقائهما ليؤكد الترابي أن مولانا أكد له أنه لن يشارك في الحكومة الجديدة، أصررنا على نأخذ تصريحا من الميرغني ليؤكد لنا بنفسه هذا الحديث، في البداية وكعادته قال مولانا أن حاتم السر سيصرح لكم، وبعد دقائق دخل إليه حاتم ليخرج لنا مولانا ثانية ويدلي ببعض الكلمات ، وعند سؤاله مباشرة عن مشاركته في الحكومة أجاب بحزم هذا السؤال لن أجيب عليه، وبعدها مباشرة يستطرد بأنه ليس هذا هو وقت المشاركة في سلطة فعلينا أولا أن نجتمع لنحل أزمات البلاد، وعند سؤاله عن مبادرة الميرغني لجمع الصف الوطني وهل هناك لجنة لتحقيقها  على الأرض، أجاب بما يفيد مافات هو فات وما آت هو آت.

وجاء اللقاء الحاسم والمهم وهو ندوة جمعت الترابي بمثقي مصر ونخبتها في مركز الأهرام الإستراتيجي فهل ينجح الشيخ في تغيير الصورة في عقول رسخت بها صورة معينه عنه؟، كان اللقاء يجمع بين  أقصى اليسار لأقصى اليمين المصري، وبدأ الترابي بسرد تاريخي لما حدث بالسودان موضحا بمثالية كيف يدير الدين الدولة، مؤكدا أن الإسلاميين الذي أداروا لم يكن لهم علاقة بالإسلام، موضحا رؤيته بإسهاب في كيفية إدارة الدين للدولة، وكان الحاضرون ينتظرون من الشيخ أن يعترف بأن الدين فشل في إدارة الدولة، وأنه لابد من فصلهما، ليأتي الترابي إليهم بفكر جديد مستنير صمتوا طويلا لإستيعابه فالأمر يحتاج لدراسة، فالرجل الذي ظلت فكرته مخالفه في عقول النخبة المصرية يقول أنا أصوت للمسيحي إذا كان مفيدا، وأصوت للمرأة إذا كانت قادرة، لنرى نظرات الحيرة في العيون فهل هذه هي أفكار الترابي أم هي المراوغة التي عرفوها عنه؟، ليعلنها المنسق العام لحركة كفاية جورج اسحاق بالندوة بأن إبتسامة الترابي جذابة وذكية ولكنها خطيرة جدا، وكأنه يحذر من مكر ودهاء فيها، ويتداخل الدكتور مصطفى الفقي رئيس مجلس الشئون الخارجية بمجلس الشعب السابق والمفكر والسياسي ليبين أنه لم يعرف الشيخ إلا عندما نصح السنهوري باشا في 1970 دولة الإمارات العربية بضرورة الإستعانة بالشيخ حسن الترابي في دستور البلاد لما للرجل من خبرة قوية دستورية، وبعد اللقاء يستمر الفقي في شكواه الدائمه ويقول للشيخ كنت أريد أن أكون أمينا عاما للجامعة العربية ولكن حكومتكم رفضت ذلك، ليرد عليه الترابي مجاملا بأن الجامعة العربية ليس لها قيمة فلاتحزن من ذلك، وعندما جاء موعد زيارة ميدان التحرير والذي كان بعد ندوة الأهرام مباشرة طلب الترابي من هانئ رسلان رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام الإستراتيجي أن يأتي معه في هذه الجولة ، لم يتردد رسلان في الموافقة فالرجل معروف عنه اللطف والمجاملة، ولكننا قرأنا في عينيه بعد التصوير بالميدان بأن البعض من السودانيين سيهاجمونه بعد ذلك لأن رسلان يختلف مع الترابي في أرائه وكتب ينتقده كثيرا، فكيف يأتي معه إلى ميدان التحرير؟ خصوصا أن الصور أظهرت رسلان وكأنه حارس شخصي للشيخ، ولكنه في النهاية لم يعط  الأمر اهتماما فهو مدان في أي حالة لدى بعض السودانيين الذين يلقبونه (بسيف الإنقاذ المسلول) تحريفا لمقولة قيلت في ندوة بأن رسلان هو سيف السودان المسلول لما له من باع طويل وفكر عميق بالأمور السودانية، رغم أنه استضاف كل قادة الأحزاب السودانية وحركات التمرد في مركز الأهرام، وكان يعطي الكل فرصة لعرض أفكاره، إلا أن البعض أصر على تصنيفه مع المؤتمر الوطني، ليؤكدوا بذلك أن البعض من السودانيين إذا خالفتهم في الرأي فأنت عدوهم مهما فعلت.

في ميدان التحرير حيث شريحة كبيرة من الشباب لا تعرف الترابي، وظهر ذلك كثيرا أثناء طواف الميدان بسؤالهم من هو هذا الرجل ليفاجئنا أحدهم في بداية الجولة بهتاف (بنحبك ياالبشير) وسط ضحكات من الترابي ومرافقيه، وبعدها يردد الثوار مصر والسودان ايد واحدة، ويسأل أحدهم هل هو معارض أم مسئول، بعدها يهتفون يسقط البشير، ليأتي شخص آخر يشق الزحام إلى الشيخ ويقول له كيف تقول في الثمانينات أن مصر بها 55 مليون شمام، ليؤكد له الشيخ أنه لم يقل هذا، ويستمر الركب في السير ليسأل أحدهم أي سودان الذي نريد الوحدة معه أهو الشمال أم الجنوب؟، ويرد عليه آخر سنكون ايد واحدة للأبد بعدما أبعدنا الطاغية عن بعض كثيرا، وبعد طواف الميدان مرتين أصر الثوار على أن يلقي الترابي كلمة في مسجد عمر مكرم الكائن بالميدان، ليظهر أحد السلفيين بلحيته الطويله متوجها إلى الشيخ الذي يراه السلفيون بمصر مرتدا، وهنا ظهرت علامات الخوف على مرافقي الترابي، وكان القرار بإخراجه من الميدان بسرعه، وخرج الشيخ في تاكسي من  ناحية  مسجد عمر مكرم إلى مكان العربات على كوبري قصر النيل ليعود إلى الفندق في ثاني أخطر لقاء بعد ندوة الأهرام ففي الأهرام سجل في نظر البعض انتصارا محدودا على المثقفين ولكنه يمثل انتصارا لأن التأثير بنسبة على هذه العقول يمثل نجاحا كبيرا، أما ميدان التحرير لا يستطيع أحد أن يسيطر عليه فهناك خطورة، ولكن الشيخ أصر على زيارة الميدان، رغم رفض الوفد وابنه عصام الذي كان قلقا عليه أثناء الطواف بالميدان، فكان الزحام والهجوم على الشيخ قويا وسط درجة حرارة عالية كان الشيخ يتصبب عرقا، حتى أتى شباب الثورة بشمسية للتظليل عليه حيث بدا عليه الإجهاد، ولكن علامات السعادة والفرح تبدد هذا الإجهاد عندما يتفاعل معه الثوار ويهتفون بترحيبه.

وجاء اللقاء الثالث الذي كانت المخاوف منه كبيرة فالندوة مفتوحة بجامعة القاهرة، ومن الممكن أن يأتي سودانيون لايحبون الشيخ ويعكرون صفو اللقاء الذي من الممكن أن يفشل الزيارة كلها، إلا أن الترابي في هذه الندوة كان متمكنا وأخذ يسدد أفكاره بنجاح وبتفسير أوضح من ندوة الأهرام، الكل كان منتبها لهذا الفكر العالي الذي كان يحتاج إلى وقت للإستيعاب أفكار متقدمة أبهرت الحضور، فكان هناك بعض من النخبة المصرية التي كانت تعارض أفكار الشيخ رأينا الإبهار في عيونهم والصمت والمتعة في المتابعة رغم طول اللقاء، ظهر الترابي كمفكر أكثر مما هو سياسي ولذلك تجلى في عرضه، وعندما قالت له  الدكتورة إجلال رأفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إنك اليوم مفكر  ديني  أكثر منك مفكر  سياسي أجابها بأنه لايحب هذا التقسيم فهو كل شئ سياسي ومفكر وفنان واقتصادي، وأنه يريد أن يقابل ربه كاملا وليس قطعة قطعة، وبدا الترابي لطيفا عندما قام للدكتورة إجلال وسلم عليها وضبط لها الميكرفون الذي تتحدث فيه كما أتى لها بكرسي حتى تجلس،   وحاول الترابي في الندوة أن يظهر جوهر الإسلام الحقيقي، وكيفية إدارته للدولة، وعندما ربط ذلك بالدساتير الغربية كان يتحدث عنها وكأنه فقيه دستوري غربي، ظهر بلغة عربية قوية وفصيحة، وبلسان فرنسي وإنجليزي يطلق المصطلحات وكأنه صاحبها، لينتهي اللقاء الذي طال وسط أمنيات بإطالته أكثر، لأن حديثه كان شيقا وممتعا، لينهي الشيخ حديثه بالإعتذار للحضور من الإطالة وقال مداعبا ( أعذروني فقد كنت مسجونا فترة طويلة ولم أجد من أحدثه غير السجان، ووجدت فيكم فرصة وأنا سعيد جدا بها لأنها معكم في مصر)، وخرج الشيخ من هذه الندوة بإنتصار كبير أبهر الجميع لينطلق بعدها الترابي والوفد إلى مقر جماعة  الإخوان المسلمين الجديد بضاحية المقطم بالقاهرة فالموعد قد تأخر لطول ندوة الجامعة، وصل الترابي إلى مقر الإخوان ليجد في استقباله قادتهم ولم يكن المرشد العام موجودا بسبب سفره، وكان في استقباله نائب المرشد محمود عزت وقيادات من الجماعة، وبعد اللقاء أعد الإخوان غداءا فاخرا للشيخ ومرافقيه، لتأتي صلاة العصر وهنا وقف الترابي للصلاة مع مجموعة من الوفد، لنجد مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ إبراهيم السنوسي يؤم الترابي في هذه الصلاة، وهنا سألت نفسي هل لو طلبت من الشيخ أن أكون أنا الإمام كان سيوافق فهو ليس لديه مانع من أن تكون المرأة إماما في الصلاة على الرجال، ولكن المكان كان مقر الإخوان، وهنا أحسست أن السؤال سيكون صعبا فقررت أن يكون السؤال لنفسي وليس للشيخ.

وظهرت على هامش الزيارة كلمات من هنا وهناك بأن نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه يصر على زيارته للقاهرة والتي تصادف زيارة الترابي لها حتى يشوش اعلاميا عليها، وسط تأكيدات على الجانب الآخر بأن زيارة نائب الرئيس ليس لها علاقة بزيارة الترابي وأنها زيارة محددة سلفا، وعشية موعد الزيارة أعلنت السفارة السودانية بالقاهرة بالتأكيد عليها وعلى برنامجها، إلا أن القاهرة شهدت ارتباكا ملحوظا من جانب الثوار ورفضهم للحكومة الجديدة، الأمر الذي  شغل رئيس الوزراء المصري كثيرا، وأخذ كل وقته وبرنامجه، لنرى في يوم الزيارة إعلانا بتأجيلها بإتفاق من الجانبين المصري والسوداني، لتعود همهمات مرة أخرى بأن علي عثمان أجل زيارته إلى القاهرة خوفا من وجود الترابي بها.

الزيارة أيضا جعلتنا نتعامل عن قرب مع عصام نجل الشيخ الترابي لنجده شاعرا متواضعا بسيطا على عكس مايتردد عنه، دافع لنا عما يتردد عنه من احتكار بعض التجارة بالسودان، كما تحدث لنا عن حبه للحيوانات والتى يرى فيها وفاءا أكثر من الإنسان، وذكر أنه كان يربي أسدا ونمرا داخل منزلهم، وعن وفائهم ولطفهم، وسط ضحكاتنا على طريقة عادل إمام أسد؟ّ! نمر؟! وعصام يردد نعم أسد ونمر، وقال أنه أهداهما لعلي أكبر هاشمي رافسنجاني القيادي الإيراني الشهير، وردد لنا كثيرا من أبيات الشعر القديم والحديث والمعلقات والدوبيت بتمكن كبير، وعن حبه للخيل والصحراء والصيد والسباحة. كما تحدث لنا عصام عن إعلاميين كبار على الساحة العربية الآن، وكيف أتوا السودان في بداياتهم  .
تحدث عن خلافه مع الراحل محمد طه محمد أحمد رئيس تحرير جريدة الوفاق، وأنه التقاه قبل أيام من وفاته، وهو يتوجه إلى منزلهم ولكنه لم يتحدث معه، كما تحدث عن اتهامه بقتله، وأن المحقق كان يضعه في قائمة أول المتهمين بمقتله.

الزيارة أيضا شهدت بعض المغالطات بدأت بالحديث عن أن الترابي تم احتجازه ثلاث ساعات بمطار القاهرة، ثم أنه يرشح البرادعي رئيسا لمصر، وآخرها أنه ينتقد برنامج الإخوان المسلمين بمصر، وخرجت بيانات من المؤتمر الشعبي تصحح هذه الأخطاء التي فسرها القائمون على الزيارة أنها محاولات للتشويش الإعلامي عليها، ويبدو أن التفسير المقنع هو أن الشيخ الترابي لديه حديث إعلامي لم يفهمه الإعلام المصري ولم يتعود عليه، فالشيخ دائما يستخدم تعبيرات وايحاءات غريبة على المصريين، بالإضافة إلى طريقته في العرض التي لايمكن أن تفهمها الابعد أن تجلس للترابي عن قرب مرات عدة.

انتهت زيارة الترابي إلى القاهرة، وهي في تقدير الكثيرين كانت ناجحه حققت مساحة مفتوحة من التفاهم بين أفكار كانت متباعدة، إطمأن من خلالها المصريون على الفكر الإسلامي وإدارته للدولة، فالترابي نجح أن يقدم فكرا مستنيرا،  انتصر فيه للاسلام الحقيقي على حساب أفكار اسلامية حكمت وأخطأت فشوهت صورة الحكم الإسلامي بالعالم، ومن جانب الشيخ هناك تفسيرات أولها أن الشيخ أقنع الجميع أن أفكاره كانت تفهم خطأ، وثانيها يردده البعض بأنه حتى الترابي لو أخطأ وجاء ليعترف بالخطأ وقدم أفكارا ناضجة بعد تجربة فهذا أيضا مقبول ويجب التعامل معه، ويرى بعض آخر أن الترابي يملك مراوغة كبيرة وأنه يطوع الأفكار وفق المكان والزمان والظروف.
على أية حال انتهت الزيارة وخلقت جوا من التفكير والحوار والجدال والنقاش نحتاجه في هذا المخاض الصعب الذي تعيشه مصر هذه الأيام.
sabah mousa [sabahmousa@hotmail.com]

 

آراء