حول ندوة “السودان بين إحترام تنوعه الثقافي وإلغاء الآخر” .. رصد ومتابعة: بدرالدين حسن علي

 


 

 


وسط موجة عارمة من الفساد في السودان اليوم ، ووسط حالة من الهوس المجنون بالثراء واكتناز المال مما أصبح يتسيد المكالمات الهاتفية مع الأهل والصحاب في السودان ، ووسط أيضا حالة تشبه إلى حد كبير ثورة البراكين والزلازل ، تلقيت دعوة متواضعة من شباب شريف ووطني وقلبه على وطنه – وهي دعوة تجد مني كل الإحترام والتقدير – للمشاركة في ندوة بعنوان " السودان بين إحترام تنوعه الثقافي وإلغاء الآخر " التي إنعقدت في تورنتو الأسبوع الماضي .
هو عنوان كبير بلا شك ، وفضفاض ، ولكن لا مندوحة من طرحه خاصة في مثل ظروفنا الراهنة ، حيث يعود بنا السؤال إلى عشرات السنين الماضية عندما كنا طلابا في الثانويات والجامعات ونطرح سؤالنا اليومي عن : هوية السودان ؟ ، وكنا نتندر أثناء إجتماعات النخبة العربية لتأسيس جامعة الدول العربية وإختلافهم حول عضوية السودان في الجامعة وهل هو فعلا بلد عربي ؟ فتصدى لهم أحدهم قائلا : دعونا نسميها : جامعة الدول العربية والسودان !!!ها ها ها
وكنا أيضا نضحك بكل جوارحنا وعقولنا الشابة على مقولة ليوبولد سنغور الرئيس السابق للسنغال تعليقا على ما حدث عندما قال : كان من الممكن أن يكون السودان أفضل بلد إفريقي ولكنه اختار أن يكون أسوأ بلد عربي !!!ها ها ها .
تقبلت الدعوة وقررت المشاركة والإستماع باهتمام شديد لجيل جديد يحاول ترتيب أوراقه والمساهمة على نحو ما في الصراع الدائر في الوطن الملازم !!! الوطن الذي يتداعى تدريجيا نحو الإنقسام والتفتت  كما تتداعى الأشياء     THINKS FALL APART  في الرواية الشهيرة لشنوا أشيبي .
لا يهم هنا من الذي دعا للندوة سواء كان المركز النوبي الدولي للتنمية أو منظمة البجا الثقافية في كندا أو كلاهما معا ، المهم طرح السؤال ومحاولة الإجابة عليه مهما حدثت من أخطاء في التناول والطرح ، ويلفت الإنتباه بكثير جدا من الحذر أن مؤسسات المجتمع المدني في السودان وخارجه تسعى بكل ما لديها من قدرات وإمكانيات لتأخذ مكانها بعد التراجع المزري للقوى السياسية السودانية والذين رغم جهدهم الجبار لإنقاذ السودان -  على قلتهم -  إلا أنهم وللأسف الشديد فشلوا وها هم يعودون إلى المربع الأول الذي إنطلقوا منه ، ولا أدري إن كان ذلك بسبب عامل السن  والخرف السياسي أم بسبب ضعف الذاكرة وعدم الإلتزام بقضايا الوطن الرئيسية وربما بسبب قوة الخصم وسياسة التضليل .
جمعت أوراقي وتحملت كما يقولون " وعثاء السفر " وفي رأسي تدور عشرات الأسئلة عن أيتها الأهم للمناقشة الآن حول الحالة السودانية : النساء أم الأطفال أم الإقتصاد أم الشريعة أم الهوية السودانية ؟
توجهت إلى الندوة وفي خاطري أسماء رئيس الدولة  وعلي ونافع وغندور ومندور وأمين وصلاح وهلم جرا ، وأسماء أخرى مثل أكثم السيد السماني وحسام الدين السيد وجمال الدين حسن محمد طه ابن عم علي ومحي الدين برير من الذين بنوا بيوتا لهم في الطائف وأركويت وكافوري ، وأسماء شباب هنا في كندا لا يجدون أحيانا ثمن الخبز لإطعام أطفالهم .
فاستغربت كثيرا وأوشكت أن أعود أدراجي ولكن قررت مواصلة المسيرة ، تحدث في الندوة السادة د. ياسر محجوب ، سعيد شاهين ، حسين شنقراي وهاشم نوريت ومشاركة فعالة من الحضور .
ياسر تناول في ورقته إخفاقات الثورة المهدية بسبب الهجمة الإستعمارية وسياسة التفريق والتصنيف ، كما استعرض الفرض القسري للثقافة العربية واللغة العربية وعدم إشراك الآخر في السلطة واتخاذ القرار ، وفي الواقع توطين سياسة إقصاء الآخر ، ودعا في ورقته إلى دستور ملائم واحترام التنوع والأقليات .
شاهين شرح بإسهاب موضوع الإندماج في المجتمع الكندي كما تحدث عن أوضاع أطفال السودان والأسر السودانية وان اللغة أصبحت حاجزا بين الأجيال واطلق صرخة ضياع الهوية السودانية والرقم المخيف 911  الذي يتسيد الحياة الإجتماعية في كندا ، وقال إن الجهاد الأكبر حول تأكيد الهوية هو في داخل البيوت ، وصب جام غضبه على الدولار ، ثم شرح بالتفصيل ما ألم بأسرة درية وميسر بعد حادثه المشؤوم وموقف أخته تيسير .
أما شنقراي فقد تناول بشجاعة شديدة صراع الطبقات في مجتمع البجا ، وصراع الإنسان البجاوي سواء في مهنة الرعي أو الزراعة وصراعه مع متطلبات الحياة العصرية ، وقال أن الإنسان البجاوي تتحكم فيه الطائفية والتخلف ودعا إلى مزيد من التعليم وتوفير المرعى مستندا في ورقته على كتاب " التهميش في شرق السودان بين القضية والمطية " للكاتب أبو فاطمة محمد احمد أونور .
هاشم نوريت ورغم مرضه أصر على الحضور والمساهمة بورقة موضوعية وجادة حول مشكلة الهوية السودانية وإلغاء الآخر .
عدد كبير من الحضور طرح أسئلة وإجابات مفيدة لعل في مقدمتها أن الندوة أكدت أهمية تنظيم ندوات في المستقبل القريب لتناول موضوع محدد وتسليط الضوء عليه لتعم الفائدة

badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]

 

آراء