الفريق الدابي: لا مساومة على دماء السوريين، ومكانة السودانيين
مؤيد شريف
2 January, 2012
2 January, 2012
sharifmuayad@gmail.com
أثارت تصريحات الفريق الدابي الأولية، رئيس بعثة الجامعة العربية لمراقبة الأوضاع في سوريا، عن الوضع في سوريا بقوله المشهور : " لم نر شيئا مخيفا "، أثارت سخطاً واسعاً وإستهجاناً قوياً لدى قطاعات واسعة من الشعب السوري وأطراف المعارضة السورية على إختلافاتها بل والمراقبين الداعمين لثورة الشعب السوري المُنتفض في وجه دكتاتورية البعث وآلية الحكم بـ"شرعية التشبيح".
الغريب في الأمر أن تصريحات متواترة من مراقبين ينتمون لنفس البعثة العربية تناقلتها وسائل الإعلام بالصوت والصورة تؤكد وجود إستهداف مباشر ومتعمد من قوات الأمن السورية للمتظاهرين والمحتجين برصاص القناصة وإطلاق النار الكثيف بإتجاه المتظاهرين بل وبالمدفعية الثقيلة كما أظهرت صور حطام وركام المنازل في حمص المنكوبة.
تصريح الفريق الدابي الأولي لم يكن موفقاً بإعتبار أن عمر مهمة البعثة في وقت تصريحه ما كان يتجاوز الساعات المعدودة فضلاً عن الإمكانات المحدودة المتوفرة لبعثته والتى لم ولن توفر له القدرة على مسح وتغطية مساحة واسعة ومتسعة ومتحركة بإستمرار من الأحداث الدامية والكر والفر والقدرة العالية للأجهزة الأمنية السورية على المراوغة وتفادي نقاط تواجد البعثة وعيون مراقبيها.
تساءل الكثيرون تساؤلات مشروعة ومُحقة عن الحكمة من تعيين عسكري سابق على رأس بعثة لتقصي الحقائق يُفترض أن يقوم عملها على المعرفة الكاملة والإجادة التامة بمفردات وعناصر العمل القانوني والحقوقي مادام عملها منصب على الرصد والتقصي، ويبدو أن إختيار الفريق الدابي كان إختيارا للنظام السوري بعد أن رشحت معلومات عن ترشيح الجامعة العربية ثلاث شخصيات عربية كان الدابي واحدا منها.
التساؤل الأحق والأهم في تقديري يجب أن يكون حول الحكمة من البرتكول الذى على أساسه وُجدت بعثة مراقبة الجامعة العربية، وهل تحتاج الجامعة العربية لبعثة مراقبة للتثبُت من واقعٍ دامٍ ومقاتل وحشية تتناقلها وسائل الإعلام على مدار الساعة؟.
الرأيُ هنا أن الجامعة العربية أرادت "التهرب" من الخطوة اللازمة والضرورية بنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي مُرفقا بتوصية واضحة وصريحة من الجامعة العربية تدعو فيها المجتمع الدولي للإضطلاع بمسؤلياته في حفظ السلم والأمن الدوليين بالتدخل بإسرع ما يسعه لحفظ أرواح السوريين ومنع وقوع المزيد من الضحايا وإنجرار الإقليم كله بإتجاه أوضاع خطيرة لا يعرف أحد معالمها، بعد أن وقفت الجامعة موقف المتفرج أو المتردد لأشهر طويلة أمام فظاعات يومية ومجازر لا تُحتمل لاتزال جارية حتى بوجود البعثة العربية للمراقبة على الأرض في هذه اللحظات.
عملُ البعثة العربية للمراقبة المُفترض، سبق للشباب السوري الثائر والفدائي أن أنجزه بإحترافية عالية وفدائية قل أن تُوجد في ثورة نظيرة.
الكم الهائل المتدفق في كل لحظة من الفيديوهات يُوثق بوضوح لوقائع قتل بالرصاص الحي، وإستهداف متعمد للمتظاهرين السلميين بقصد القتل وإزهاق الأرواح وتخويف الجموع الثائرة لإفراغ الشوارع من المتظاهرين والمحتجين المطالبين بإسقاط نظام الأسد ومحاكمته وأعوانه.
أخشى أن تستغل أطرافا عربية تُريد أن ترفع الضغط العربي المتصاعد والدولي المُتحفز عن كاهل النظام السوري عمل البعثة العربية للمراقبة، وتتلاعب في مخرجات تقارير البعثة سواء بالتبسيط في النصوص المنتظرة من تقريرها الختامي أو التعمية على الحقائق بالوسطيات الظالمة وتوزيع المسؤليات بالمُناصفة. وتكشفُ التصريحات المُتضاربة عن تنازع داخل البعثة ينسحبُ بالضرورة على تنازع في الإطار العربي الأوسع.
أصابت تصريحات الفريق الدابي غير الموفقة من سمعة ومكانة السودان والسودانيين عند جموع الثائرين السوريين على أقل تقدير، وربط الكثير منهم بين الوضع الإنساني المُزري في دارفور والسودان وبين تقديرات الفريق المُختلة للأوضاع في سوريا، قائلين بأن الفريق الدابي ربما ينتظر أن تبلغ المقاتل والمآسي في سوريا ما وصلته قبلاً من فظاعة في دارفور والسودان ليقول بعدها قولاً قد يرتقي لمستوى الفظاعات.
المطلوب إلحاحاً أن تعي دوائر صناعة القرار في السودان حقيقة أن مهمة بعثة المراقبة العربية لا يُفترض فيها أن تُدرج تحت عنوان إرضاء النظام السوري وإستعادة ما إنقطعت معه من وشائج بسبب مساندة السودان للقرار العربي القاضي بالعقوبات على النظام السوري. فسمعة ومكانة السودان والسودانيين ليست سلعةً للمساومة، وقضايا الحقوق ودماء الشعوب وتطلعاتها المشروعة في الحرية والتغيير كذلك.