وعبدالرحيم حمدي

 


 

 

(كلام عابر)

السيد عبدالرحيم حمدي الفيلسوف الإقتصادي الذي شغل منصب وزير المالية لفترات طويلة وصاحب فلسفة "التحرير الاقتصادي" كان يقيم في جناح في فندق فئة خمس نجوم  وهو في المنصب الوزاري الذي شغله أكثر من مرة ولا أدري على وجه التحديد فترة إقامته في الفندق الفخيم. قد تبدو الإقامة في الفندق شأنا يخصه وحده إن  كان هو الذي يسدد فاتورة الفندق ولكن الدولة السودانية كانت تتكفل بنفقات سكنه الباهظة وبالتالي يخرج الأمر من الخاص إلى العام. ثقافة الإقامة في الفنادق كانت إلى زمن قريب غير متعارف عليها في المجتمع السوداني إذ اصطلح الناس على الإقامة مع أقاربهم كلما سافروا  إلي بلد غير بلدهم وبلد هنا بمعنى مدينة أو قرية ، والمسألة ليست بدوافع اقتصادية أو بسبب ضيق ذات يد الضيف ولكنها جزء من النسيج الاجتماعي القائم ، وقد تجر الإقامة في الفندق أحيانا إلى خصام بين المقيم وأقاربه الأقربين الذين فضل الإقامة في الفندق على الإقامة في دارهم في فترة وجوده في تلك المدينة.
ومؤخرا ظهر مصطلح معارضي الفنادق فئة الخمس نجوم إشارة لمعارضي دولة الإنقاذ النشطين في فعلهم  المقيمين خارج الوطن والمصطلح يرمز لعدة أشياء منها أن المعارض مترف بفعل الأموال التي تغدقها عليه جهات ما في الدولة المضيفة له ومنها أن المعارض ألف العيش الناعم وليس لديه انتماء للجماعة التي يمثلها أو التي  يتحدث باسمها وأنه ليس صاحب قضية وغير ذلك  من الإيحاءات، مع أن المعارض يكون قد رتب سكنه وإقامته بعيدا عن الفندق  بحكم المدة الطويلة التي يقضيها خارج الوطن فالفنادق أصلا مكان إقامة لفترات قصيرة ، والمعارض سواء أقام في فندق أو  في شقة مستأجرة  فهو لا يملك دارا خاصة به في البلد المضيف ولا ينبغي له، بل تكمن المفارقة  أن كثيرا  من أثرياء النظام يمتلكون في الخارج ما يمتلكه معارضو الخمس نجوم من دور وقصور وأرصدة بنكية وأعمال تجارية لم يرثوها عن سلف ، كما في ماليزيا ودبي مثلا، وذلك موضوع آخر. ثقافة الإقامة الفندقية متعارف عليها في مصر ، فكثير من النجوم والمشاهير هناك  يقيمون لفترات تقصر وتطول في الفنادق فئة الخمس نجوم لغرض التغيير أو  الترفيه أو بحثا عن شيء من  الخصوصية لا يتوفر في الفيلا أو الشقة أو لأي سبب آخر، ولكن النجم يدفع تكلفة الفندق و(الفشخرة) من حر ماله.
قدوم السيد عبدالرحيم حمدي  من الخارج ليشغل منصب وزير المالية وإقامته في ذلك الفندق الفخيم  في عاصمة بلاده وهو وزير للمالية وليس معارضا في الخارج لها أكثر من دلالة، فالرجل في سعة ودعة من العيش لا تمكنه من سماع أصوات المطحونين خارج الفندق الذي شهدت ردهاته مولد الخديج الذي سمي بالتحرير الاقتصادي.
ورغم أن سيادته غادر الفندق وهجر الوزارة لكنه أطل من جديد هذه الأيام عبر وسائل الإعلام  وهو يحمل نفس المبضع الملوث  ويسوّق نفس البضاعة الكاسدة.. رفع الدعم عن الوقود والبحث عن الدواء  في الاستثمارات الأجنبية والمساعدات العربية لتغطية العجز المالي الذي ترتب على انفصال الجنوب،  وهي وصفة ثبت فسادها وانتهاء صلاحيتها فما من دواء يصلح لكل زمان ومكان أو يداوي كل سقم. لم يقترح  عبدالرحيم خفض الإنفاق الحكومي والقضاء على الفساد وخفض عدد الولايات  وترشيد قانون الحكم المحلي والاتحادي وكف عنف الدولة عن الهوامش والمركز وغير ذلك من الأمور التي تلتهم  الموارد ولم  يتطرق  للمعالجة عن طريق السلم الاجتماعي وبسط الحريات فتتوفر الموارد التي تروح للمعالجات الأمنية والعسكرية في ظل ظام طبيعي يجيء ويذهب في سهولة ويسر برضاء أغلبية الناس، وكل هذه  مسببات وجذور  للفشل الاقتصادي التي لا يحتاج اكتشافها لاجتهاد فيلسوف اقتصادي ، ولا تصبح من حاجة عندها لرفع أسعار البنزين ولا فرض إتاوات جديدة على الفقراء، وكل ذلك لا يحتاج لفيلسوف اقتصادي لرؤيته، ولكن  حمدي يعيش في عالم آخر يشكل الفندق أحد مظاهره، فقد قال لإحدى الصحف ذات مرة في لهجة مستفزة متعالية  إنه يود أن ينشيء (بنك) للأولاد ليكفل لهم العيش الكريم بعد وفاته (بعد عمر مديد إن شاء الله). في المهاجر آلاف يحملون مثل مؤهلات وخبرات عبدالرحيم حمدي وأفضل منها ولا تتجاوز طموحاتهم ستر الحال وحسن الخاتمة وبناء بيت للأولاد وليس (بنك). حتى  مشاريعه الشخصية وأحلامه  الخاصة مختلفة لا تشبه المجتمع الذي يفترض أن ينتمي إليه  رغم أن أسلافه  قد نزحوا لهذه الديار قبل عشرات السنين. المواطن السوداني له العذر  إذا أوجس في نفسه  خيفة من عودة  السيد عبدالرحيم حمدي للأضواء وعدّ  ذلك نذيرا لأسوأ قادم  في الطريق، و (الجرّب عضّة الدبيب يخاف من جر الحبل).
واللهم إنا نسألك أن تصرف عنا بلطفك ورحمتك شر ما قضيت.
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com

 

آراء