رحيل الهرم الفنيّ يُجمل مآقينا بالدمع .. بقلم: عبد الله الشقليني
عبد الله الشقليني
20 February, 2012
20 February, 2012
abdallashiglini@hotmail.com
الهرم الفني يجمُّل مآقينا بالدمع . رحيل
على نيل بلادنا .. سلام
ونخيل بلادنا.. سلام
وشباب بلادنا .. سلام
(1)
في وداع شجرة مُعمّرة بالمحبة والوطنية ، طرحت ثمرها في كل ربوع بلادي فأطعمت رحيق الروح.غني عميد الفن السوداني الفنان محمد عثمان وردي :
" أجول لانقَري نوي - أسمرِ اللّونا - ألمَا سُوكّي "... والكثير من النوبي المُعتق.
وغنى لتهراقا ولبعانخي ولحريق المك في قلب الدخيل ، وغنى للمهدي ولعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل صاحب المُدفَعْ و لعبد القادر الحبوب وللقرشي وأكتوبر ، وغنى للصبح حين أصبح ، لا السجن ولا السجان باقٍ . وغنى للحقول التي اشتعلت قمحاً وتمني .وغنى " يا شعباً لهبت ثوريتكْ " عند الانتفاضة . سلك درب الخليل وأمسك باللغة النوبية وجمل أيامها الزاهرات ،وغنى بها و باللغة العامية وغنى باللغة العربية وبالأمهرا .
وشهدت محبته الأمم المجاورة كلها ، وبقي وجداننا معطراً بريحه في كل مكان وزمان .
(2)
أمضى أكثر من خمسين عاماً في مسيرة الفن الزاخر بالوطنية ، غنى للمحبة الإنسانية وللوطن وللمرأة وللفقراء الذي تجملت بهم الأرض الطيبة . كان رفيقاً بالجميع ، غنى في المناسبات الكبيرة والصغيرة للأهل والعشيرة وغنى للخير متبرعاً.
*
وفي الوطنية نال عام 1974 م جائزة " بابلو نيرودا " العالمية للأغنية الوطنية .
(3)
جمّل الفنان " محمد وردي " التراث حين تغنى به ، وأعطى السودان وجهاً جديداً ثرياً بالإبداع ، فتغنى بأغنياته مطربون من مصر والكويت واريتريا وأثيوبيا وتشاد وليبيا والصومال ومالي والكاميرون .. ودول كثيرة قد لا نحيط بها علماً. مدّ هذا العملاق جذور شجرة الوجدان في باطن الأرض وسقاها من مياه النيل ، سليل الفراديس . كان شديد الولع بالقراءة والثقافة ، وسماع الموسيقى من كل بلاد الدنيا ، فتخضب غناؤه بتجربة إنسانية فريدة ، تمكن فيها من حَمل شعلة نار فنه من منبتها المحلي وصعد بها وملأ بها الدُنيا الفسيحة .
كان من المتبرعين الأوائل في احتفالات الجامعات بالأعياد الوطنية منذ كنا في مرحلة الطلب .
(4)
عانى من ضريبة الرأي من الذين لا يعرفون مقاييس الوطنية عند المطربين الذي جمّلوا أيامنا ، فسُجنَ، وتعذب منذ الستينات ، عندما غنى للتهجير القسري المُر لحلفا وأهلها أيام الحكم العسكري الأول ، وقد اضطر لاحقاً للهجرة عبر دروب المنافي ، ودفع أثمان باهظةً من حياته وحياة أسرته . كان قوياً لا تهده الأعاصير ، مناضلاً مُبدعاً يريد أن يكون كما يودُ أن يكون ، حراً مفتوح الآفاق لا تحُده الحدود. ما سمعنا غناءً أرقّ حناناً وأسلس قياداً كالذي صنعته بصيرته من نول الشعر وخيمة الموسيقى ورهافة الحُنجُور ، وانهمر الحُزن وبيلاً عند فراقه.
*
ألف رحمة ونور عليه ، أللهم أسكنه مسكن الصديقين من أحبابك الذين اصطفيت ، وأرزقه مما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر بقلوبنا جميعاً .
عبد الله الشقليني
19/2/2012 م