هانئ رسلان الخبير بالشأن السودانى الأفريقى يتحدث الى صحيفة الحرية والعدالة :

 


 

 

العلاقات المصرية السودانية مسالة مركبة ولا يمكن تناولها بهذا القدر من التبسيط

مصر سوف تدفع ثمنا باهظا اذا استمر الانصراف عن ملفات السياسة الخارجية والامن الاقليمى

على مصر والعالم العربى مد يد العون  لجنوب السودان والا فسوف يتحول الى قاعدة للعداء

الحديث عن كونفدرالية عربية افريقية تعبير عن حلم بعيد المنال



حوار – شيماء جلهوم
يظل السودان ومصر امتدادا طبيعيا واحدا، وبرغم توتر العلاقات المصرية السودانية في العهد السابق، وبالأخص بعد محاولة اغتيال الرئيس المخلوع في أديس أبابا إلا أن الروابط التاريخية بين مصر والسودان أعادت هذه العلاقة إلى سابق عهدها، ويظل الأمل في أن تؤثر ثورة يناير في دفع هذه العلاقة إلى المزيد من التوثيق برغم محاولات زرع الفتنة، وبالأخص بعد تقسيم السودان.
في هذا الحوار يطرح هانئ رسلان خبير الشئون السودانية وحوض النيل، رؤيته حول أسباب تقسيم السودان، والقضايا والتداعيات المرتبطة بذلك علاوة على الدور الذى لعبه الكيان الصهيونى في خطة تقسيم السودان، مؤكداً أن السودان سيظل عمقا لمصر مثلما تظل مصر ظهيرا  استراتيجياً للسودان.

في البداية كيف ترى المشهد السودانى بعد الانفصال .. هل لا يزال شبح الحرب الأهلية قائماً؟
بالفعل هناك حرب الآن في السودان في منطقتين، هما جنوب إقليم كردفان والنيل الأزرق، ومؤخراً أيضاً حدثت صدامات بين تحالف "كودا" المناهض لنظام الإنقاذ في الخرطوم والذى يتكون من منتسبى الحركة الشعبية بشمال السودان، بالإضافة إلى ثلاث حركات متمردة في دارفور ويتمركز داخل جنوب السودان وينطلق من هناك، لكن يشن حرباً على القوات المسلحة السودانية في الشمال.
وإذا نظرنا الآن إلى خريطة السودان بشكل عام سنجد أن السودان خسر جزءاً من أراضيه، ولم يكسب السلام، فجنوب السودان قد انفصل، وأزمة دارفور المستمرة منذ عشر سنوات كانت آخر محاولة لحلها تلك التى تمت في الدوحة ولكن المشكلة دائماً تكمن في أنه عندما تحدث تسوية تنضم لها بعض الفصائل في حين تظل فصائل أخرى خارجها فتعود المناوشات، وهذا يعنى عدم الاستقرار في دارفور وعدم إنهاء الأزمة.
وهل الأزمة الاقتصادية في السودان "بشمال وجنوبه" تعد عاملاً مؤثراً في هذا الصراع الدائر هناك؟
بالطبع، وهذا جانب مهم في هذا الصراع، فكما نعلم، السودان نجح في استخراج النفط وتصديره منذ عام 2000 وبعد أن تم الانفصال فقد السودان الجزء الاكبر من عائداته النفطيه مما أدى إلى حدوث فجوة في ميزانية الشمال، وأصبح هناك عجز في موارد العملة الصعبة وهذا ترتب عليه انخفاض سعر الجنيه السودانى مقابل الدولار، وأيضاً ارتفاع حدة التضخم، وبالتالى صار هناك ضائقة اقتصادية يشعر بها المواطن العادى بقوة.
هل تعتقد أن هناك محاولات أخرى لاستكمال مخطط التقسيم في السودان بعد نجاح الفصل الأول من المخطط؟
بالفعل، فبعد انفصال جنوب السودان عن شماله بدأ البحث عن جنوب آخر، يتمثل في جنوب شمال السودان، أى في منطقتى جبال النوبة وجنوب إقليم كردفان، ومصطلح الجنوب يستخدم هنا استخداماً سياسياً وليس جغرافياً، بمعنى أن النظرية الأساسية لدى الحركة الشعبية لتحرير السودان هى "السودان الجديد" الذى يقوم على أن المثلث النيلى الذى يتمركز في الخرطوم وما حولها يستغل باقى الأطراف وهذه الأطراف هى جنوب السودان وغرب السودان  وشرق السودان.
ومؤخراً حدث خلاف على رسوم عبور نفط الجنوب الى موانى التصدير فى شمال السودان، ولم يتم التوصل لحل فكان أن اتخذت حكومة الجنوب القرار الصعب وهو وقف تصدير البترول .
وهذا القرار القوى من دولة الجنوب على أى أساس اعتمدت عليه؟
لقد اعتمدت على حملة تعبوية قوية لإقناع المواطنين بضرورة التغلب على استغلال الشمال حتى لو اضطرهم ذلك للاقتراض من الخارج بضمان النفط في باطن الأرض وتحمل بعض الأعباء الاقتصادية وتقليل الرواتب، ومحاولة الحفاظ على الأموال الموجودة في خزينة الدولة بترشيد الإنفاق.
ولكن ألا تقف إسرائيل داعمة هذه الخطوات من قبل دولة الجنوب؟
إسرائيل بالطبع لا تدعم جنوب السودان بالمال، فهى في حد ذاتها تعتمد على أموال المعونات والمنح المقدمة إليها من الولايات المتحدة وغيرها، لكن إسرائيل لها دور آخر فقد ساهمت في إنشاء دولة جنوب السودان، وهذا باعتراف سلفاكير نفسه، لأنها كانت تمد حركات التمرد في جنوب السودان بالأسلحة منذ منتصف الستينيات وصولاً إلى التدريب ومدها بالأسلحة الثقيلة والخبرات الفنية العسكرية وإمدادها بالمعلومات المخابراتية، ومؤخراً تم تطوير هذه العلاقة وأصبحت إسرائيل تقوم بدور كبير في تأسيس البنية الاستخباراتية والأمنية في دولة جنوب السودان، كما أنه مؤخراً تم الإعلان عن إنشاء قواعد عسكرية في دولة الجنوب، كما أن هناك مشروعات اقتصادية مشتركة في الجنوب لإنشاء بورصة واستثمارات أخرى في قطاع السياحة، كما أن هناك محطات للتنصت في جنوب السودان بالقرب من حدوده مع الشمال، وبطبيعة الحال إسرائيل لا تفعل كل هذا من أجل سواد عيون الجنوبيين، وإنما هى دولة عنصرية لا يهمها إلا مصلحتها في المقام الأول، لكن أهداف إسرائيل الحقيقية تتلخص في هدفين أساسيين، أولهما أن إسرائيل لديها خطة استراتيجية تقوم بتفكيك وتفتيت دولة السودان، أما الهدف الثانى الذى تسعى إليه إسرائيل هو عرقلة نمو السودان حتى لا يكون بمثابة ظهير قوى للبلدان العربية وبالأخص لمصر، بالإضافة لدوره المهم في القارة الأفريقية وهذا كله دور غير مرغوب فيه على الإطلاق من جانب إسرائيل، والحل لتلافى هذا السيناريو هو تقسيم السودان وتفتيته إلى دويلات صغيرة منشغلة بمشاكلها الداخلية، وبالطبع كل هذا المخطط يتضمن حصار مصر من الجنوب، فمصر والسودان بينهما علاقة استراتيجية نادرة . واسرائيل تطور استراتيجيتها باستمرار حيث أشارت بعض التقارير إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو يسعى فى الوقت الحالى إلى تشكيل ائتلاف مدرب على محاربة القوى الإسلامية الاصولية في شرق افريقيا  يضم بجانب كينيا كل من  جنوب السودان وإثيوبيا وتنزانيا
إذن وما تأثير هذه الخطة الصهيونية الجهنمية على منابع النيل والتوترات القائمة الآن؟
هذا هو احد المفات الهامة لدى إسرائيل، وهو ملف السيطرة على منابع النيل، وبالطبع الصراع الدائر حالياً سوف ينعكس بتداعياته المستقبلية على التوازنات القائمة في منطقة القرن الإفريقى والبحيرات العظمى التى بها المنابع الاستوائية لنهر النيل، وبوجود إسرائيل القوى في جنوب السودان وتأثيرها على صناعة القرار السياسى هناك ستستطيع أن تمثل شوكة قوية ضد أى مشروعات للاستفادة من الفواقد الهائلة فى هذه المنطقة، وبالأخص إذا علمنا أن دولة جنوب السودان بها حوالى 50 مليار متر مكعب من مياه النيل تضيع في البرك والمستنقعات، وطبقا لمعاهدة 1959 بين مصر والسودان كان من الممكن أن يتم إقامة هذه المشروعات، وأن يتم دفع تكلفتها مناصفة واقتسام عائدها من المياه مناصفة أيضاً، ولكن بالطبع هذا الاتفاق لم يعد سارياً الآن فجنوب السودان صار دولة ذات سيادة منفصلة، ومن ثم صار قبول هذا الاتفاق من عدمه مرهوناً بدولة الجنوب ، وفى الاغلب سيتم اختلاق ذرائع سواء فنية أو اقتصادية تمنع القيام بهذا المشروع، حيث تسعى  إسرائيل الى حرمان مصر والسودان من استغلال هذه المياه المهدرة، ومن جانب آخر عندما ترتبط إسرائيل بعلاقات قوية أفريقيا ليس فقط مع جنوب السودان، وإنما أيضاً مع أوغندا وكينيا وأثيوبيا فهى تلعب دوراً تحريضياً في أزمة مياه النيل بشكل كبير وبالأخص فيما يتعلق باتفاقية عنتيبى.
في ظل كل هذا المخطط المرسوم بدقة ألا ترى مصر هذا الخطر الذى يهدد أمنها القومى؟
بالطبع تراه، ولكن السياسة الخارجية المصرية كانت فاقدة للحيوية في عهد الرئيس السابق، وفى الفترة المقبلة سيكون هناك عبء هائل على مصر لا ينتبه إليه كثيرون، فهناك انصراف تام عن ملفات السياسة الخارجية المصرية والأمن الإقليمى، لكن سنفاجأ بكم الضغوط التى علينا خارجياً سواء في الملف السودانى أو غيره من الملفات المفتوحة، وعلى مصر أن تكون دائماً رائدة للدول المحيطة بها مهما زاد الضغط الداخلى عليها، فمصر إذا لم تكن في موقع القياده ستكون في موقع الاستهداف، وهذا سيمثل لها المزيد من الإضعاف.
الوفود الشعبية التى سافرت إلى السودان وكان بها رموز سياسية وشعبية وحزبية هل نجحت هذه الوفود في تحريك المياه الراكدة بين الجانبين؟
العلاقة المصرية السودانية هى علاقة مركبة، ولا يمكن أن نأخذها بهذا القدر من التبسيط، ويجب أن نعلم أن نظام الانقاذ كان يحظى بدعم نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، ومنها على سبيل المثال دعم الرئيس البشير فى قضية المحكمة الجنائية الدولية، أما المرحلة التى يتم التركيز عليها إعلامياً والمتعلقة بفترة ما بعد حادث أديس أبابا فهذا الجمود في العلاقات انتهى مع خروج الدكتور حسن الترابى من السلطة، وعادت العلاقات مرة أخرى بعدها للتحسن، والوفود الشعبية التى ذهبت للسودان لها أهمية بالفعل، لكن هذه الأهمية تكمن في تبيان أن السودان يحتل مكانة رفيعة في العقل الجمعى المصرى وفى الوجدان المصرى بشكل عام.
ولكن ظلت هذه الزيارات مقصورة على شمال السودان فقط ولم تتطرق لبناء علاقات ودية مع الجنوب لماذا؟
أنا أعتقد أن هناك عدم إلمام بطبيعة الوضع في الجنوب، فهناك بعض الأصوات التى تنادى بانضمام جنوب السودان للجامعة العربية، وهم لا يعرفون أن جنوب السودان عندما انفصل عن الشمال انفصل عنما يعتقدة الجنوبيون هيمنه على مقدراتهم ومصيرهم ، وفى الوقت نفسه اللغة الرسمية للجنوب هى الانجليزية اما اللغة المستخدمه فهى عربى جوبا وهى هجين ما بين العربية ومفردات جنوبية، والأهم من ذلك أن نسبة المسلمين والمسيحيين فيها لا تتجاوز النصف، والنصف الآخر من اصحاب الديانات التقليدية يعبد آلهة تقليدية قبلية فكيف لدولة، مثل هذه أن تقبل بالدخول لجامعة الدول العربية، وهى لا تعنيها بالأساس، ولهذا فليس منطقياً أن نتوجه إليهم بمنظور عرقى فلا تأخذنا العزة تجاههم وننظر إليهم باعتبارهم قرروا الانفصال والابتعاد، وإنما تكون نظرتنا إليهم بالود ومد يد العون لهم، نظراً لكونهم ليس لديهم من البنى الأساسية ما يسمح لهم ببناء مجتمع متطور، فهنا يكون دورنا ودور السياسة الشعبية الجادة. ويجب أن نعلم أننا إذا لم نبدأ تجاهها بذلك فستتحول هذه الدولة الجديدة لقاعدة للعداء وللهجوم على شمال السودان ولحصار مصر من الجنوب.
افتتحت إسرائيل سفارة لها في جنوب السودان فمتى سيبدأ التمثيل الدبلوماسى المصرى في فرض وجوده على الساحة هناك؟
مصر بالفعل كانت من أوائل الدول التى اعترفت بدولة جنوب السودان، ولكن ليست المشكلة في الوجود الدبلوماسى، ولكن الأهم من ذلك هو الوجود الحقيقى الاقتصادى والفنى والتدريبى، واللافت في هذا الموضوع أن جنوب السودان حينما أرادت أن تفتح سفارة لها في إسرائيل افتتحتها في القدس، وهى خطوة لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية الإتيان بها حتى الآن، وهذا ليس تصرفاً دبلوماسياً حكيما، وإنما هو سداد لفواتير واستحقاقات قديمة آن أوانها كى ترد.
جاء على لسان نائب الرئيس السودانى اقتراح بتكوين كونفدرالية عربية أفريقية لتحقيق مصالح هذه البلاد، فما الذى من الممكن أن تحققه هذه الدعوة على أرض الواقع؟
بالطبع هناك نوع من التوافق على المصالح المشتركة بين هذه البلدان، ولكن هذا الأمر يبدو لى ولكل المراقبين للأوضاع الحالية أنه حلم بعيد المنال، نظراً لصعوبة تحقق ذلك على أرض الواقع، ولأنه إذا اتخذنا مثالاً مثل جامعة الدول العربية التى تجمع دولا عربية بينها عوامل مشتركة، مثل الدين واللغة والتاريخ لم تحقق واقعاً ملموساً على الأرض، ولم تستطع أن تحقق أى نوع من الوحدة أو التكامل بين البلاد العربية، ولذا فهى دعوة سياسية مقبولة على المستوى النظرى، ولكنها عملياً غير متحققة.


 

آراء