قتلى «الإنقاذ»: أرقام ضحايا الحروب والنزاعات والسياسة في السودان.. عداد لا يتوقف.. بقلم: طلحة جبريل
طلحة جبريل
26 May, 2012
26 May, 2012
في غمرة أنباء متضاربة وقتها بين «الانسحاب أو عدم الانسحاب» من بلدة «هجليج» في منطقة جنوب كردفان السودانية، استطاع المصور دومنيك نهير من مجلة «تايم» الأميركية أن يلتقط صورة تبين تخريبا طال إحدى آبار النفط.
من خلال الصورة بدا واضحا البترول الذي انسكب من أنابيب صدئة. إلى جانب البئر النفطية تمددت جثة ملطخة بالزيوت. اللقطة نفسها بثت كشريط فيديو. كان ثمة تعليق يقول «لم تبق في المنطقة سوى بضعة طيور جارحة وبعض كلاب ضالة تنبح في أرض يباب مليئة بالخوف ومزقتها الحرب».
كانت مسألة رصد تداعيات الحرب بين الجيش السوداني وجيش جنوب السودان يركز على «الخراب النفطي» لكن لا أحد اكترث لموضوع «قتلى» هذه الحرب. حتى تعليق صورة دومنيك نهير التي استعملت على نطاق واسع، لم يتطرق قط إلى جثة الشخص المرمية فوق بركة صغيرة من الزيت، ويتضح من حذائه أنه جندي، لكن مع أي «جيش» و«من هو» و«كيف قتل»؟ لا جواب، بل لم يكن هناك أصلا اهتمام بهذا الشخص.
صورة «هجليج» هذه ليست سوى «لقطة صغيرة» من صورة قاتمة لقائمة «قتلى كثيرين» تصل بهم التقديرات إلى مئات الألوف بل إلى ملايين، لقوا حتفهم خلال «حروب الإنقاذ» (نظام ثورة الإنقاذ في السودان) وهو النظام الذي استولى على السلطة في 30 يونيو (حزيران) من عام 1989، عبر انقلاب لم يكن عسكريا تماما، بل شارك فيه عدد كبير من المدنيين من أعضاء «الجبهة القومية الإسلامية»، مع عسكريين ينتمون إلى السلاح الطبي وبعضهم حتى من سلاح الموسيقى، وهو في هذه لا يشبه الانقلابات العسكرية، التي أدمنها ضباط الجيش السوداني.
ولعل من المفارقات أن الرئيس عمر حسن البشير (العميد آنذاك) قال في بيانه الأول في 30 يونيو إن «العبث السياسي أفشل الحرية والديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارته النعرات العنصرية والقبلية في حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب». من هذه العبارة التي جاءت في «البيان الأول» يتبين أن الوضع الجديد جاء ليضع حدا «للاقتتال والقتل». لكن الأمور سارت عكس التمنيات. فدخل في سلسلة حروب داخلية.. توجت بأن صار الرئيس مطلوبا للعدالة الدولية بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية.
كان «القتل» في الجنوب، ثم جاء «القتل» في الشرق عندما حملت بعض فصائل المعارضة السلاح، وقبله كان «القتل» في دارفور.. ثم الآن «القتل» في جنوب النيل الأزرق، وفي جنوب كردفان، لا تكاد منطقة من سودان الإنقاذ تخلو من قتل وتشريد. بيد أن بداية قتلى «الإنقاذ» جاءت من الخرطوم نفسها. وفي هذا السياق اكتسبت خمس عمليات «قتل» في العاصمة زخما كبيرا جعلها حاضرة باستمرار في الذاكرة السودانية.
الواقعة الأولى هي إعدام رجل الأعمال مجدي محجوب محمد أحمد، الذي يتحدر من أسرة ميسورة، وكان والده من كبار رجال الأعمال، وعمه السفير جمال محمد أحمد وزير الخارجية الأسبق. اعتقل مجدي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، في إطار حملة ضد «الاتجار بالعملات» في السوق السوداء، والمفارقة أن المبلغ الذي اعتقل بسببه مجدي، طبقا لإفادة أدلى بها صلاح كرار «عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ» كانت في حدود عشرة آلاف دولار. من أجل هذا المبلغ مثل مجدي محجوب أمام «محكمة عسكرية» وأصدرت ضده حكما بالإعدام «شنقا حتى الموت». وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت لإنقاذه من الموت، بما في ذلك تدخل والدة الرئيس السوداني عمر البشير لدى ابنها، بعد أن استنجدت بها والدة مجدي، فإن الحكم نفذ في ديسمبر (كانون الأول) عام 1989، أي بعد شهور من الانقلاب.
في شأن الواقعة يقول صلاح كرار «طبقا لما يتوفر لدي من معلومات أعتقد أن إعدام مجدي كان خطأ من أخطاء الإنقاذ» وأشار إلى أنه ليست له مسؤولية حول ما حدث على الرغم من أنه كان وقتها رئيس اللجنة الاقتصادية، وقال في هذا الصدد «عندما أعدم مجدي لم أكن موجودا في السودان». كانت الرسالة من وراء «قتل» رجل الأعمال مجدي محجوب، موجهة إلى «رجال الأعمال» لفتح الطريق أمام تجار آخرين لهم ارتباطات بالنظام.
الواقعة الثانية كانت أيضا تتعلق بمسألة «الاتجار في العملات» والمتهم هذه المرة مساعد طيار في الخطوط الجوية السودانية يدعى جرجس القس بسطس وهو قبطي سوداني، اعتقل عام 1991 وبحوزته عملات بالدولار والريال السعودي والجنيه المصري. تعرض جرجس إلى إهانات بالغة وتعذيب قاس خلال فترة اعتقاله، كما تعرض لضغوط نفسية رهيبة، حيث كان يستدعى عدة مرات على أساس أن ينفذ فيه حكم الإعدام لكنه يعاد إلى زنزانته. إلى أن أعدم في فبراير (شباط) 1990، ومما قاله صلاح كرار حول هذه القضية أيضا، «يقينا أن مجدي وجرجس لم يكونا من تجار العملة.. نحن كنا نعرف جيدا من هم تجار العملة». وكانت الرسالة واضحة وصريحة موجهة لجميع الأقباط السودانيين: ارحلوا.
الواقعة الثالثة تمثلت في «قتل» الطبيب علي فضل، الذي توفي نتيجة التعذيب في أبريل (نيسان) 1990. بعد اعتقال دام 23 يوما بسبب إضراب للأطباء لعب فيه الدكتور علي فضل، دورا بارزا. وأفاد التقرير الطبي أن فضل توفي نتيجة نزيف في الرأس وارتجاج في المخ بسبب ارتطام بجسم صلب (تعذيب بالضرب بآلة حادة). مع وجود جرح غائر ومتعفن في الرأس وكدمات في الوجه مع آثار حروق بأعقاب سجائر. أما الرواية الحكومية فتقول إن علي فضل توفي بسبب حمى الملاريا. الرسالة هذه المرة كانت للنقابات.
الواقعة الرابعة كانت عبارة عن عملية «قتل» جماعية، تمثلت في إعدام 28 ضابطا، يعرفون باسم «مجموعة الفريق طيار خالد الزين» ومعظمهم من سلاح الطيران اتهموا بالتدبير لانقلاب عسكري، على الرغم من أن بعضهم كانوا أصلا في السجن. وما تزال ظروف «قتل» تلك المجموعة من الضباط يحيط بها الكثير من الغموض، خاصة أنه لم يسمح لأسرهم حضور «محاكماتهم الميدانية» كما لم يعرف المكان الذي دفنوا فيه. وهناك رواية تقول إنهم أعدموا على عجل إلى حد أن بعضهم دفنوا أحياء. والرواية الرسمية تقول إنهم كانوا يعتزمون تنفيذ محاولة انقلابية وحوكموا أمام محكمة عسكرية وأصدرت ضدهم أحكاما بالإعدام. كانت الرسالة موجهة وقتها إلى «ضباط الجيش».
الواقعة الخامسة، وتعرف باسم واقعة «معسكر العيلفون» وهي ضاحية من ضواحي شرق الخرطوم. حيث دأبت السلطات السودانية على فرض التجنيد الإجباري على طلاب المدارس الثانوية والجامعات، خاصة في سنوات التسعينات، عندما كانت المعارك على أشدها في الجنوب. كان يتم تدريب «المجندين» قسرا تدريبا محدودا ثم ينقلون إلى ساحات المعارك. في هذه المعسكرات يتعرضون لمعاملة قاسية، ولا يسمح لهم في الغالب بالخروج، خشية ألا يعودوا. في أبريل (نيسان) عام 1998 طلب المجندون في «معسكر العيلفون» الذي يقع على الضفة الشرقية من نهر النيل الأزرق، السماح لهم بتمضية عطلة عيد الأضحى مع ذويهم، لكن إدارة المعسكر رفضت ذلك. هنا رتب المجندون خطة للعبور إلى الضفة الأخرى من النهر. وعندما بدأوا في عبور النهر خلسة، أطلق عليهم الرصاص من طرف حراس المعسكر، وأدى ذلك إلى مقتل العشرات وغرق عشرات آخرين بسبب إصابتهم بجروح. وتقدر أوساط المعارضة عدد القتلى في حدود 217 مجندا شابا، لكن السلطات الحكومية تقول إن عدد الذين لقوا حتفهم بسبب عدم قدرتهم على قطع المسافة سباحة بين الضفتين يقدر بنحو 12 شخصا وإن جثامينهم سلمت إلى ذويهم، وأشارت إلى وجود «مفقودين»، لكن أي تحقيق لم يتم حول تلك المذبحة، التي تعرف باسم «مذبحة العيلفون».
في هذه المرة كان واضحا أن الرسالة موجهة إلى الشباب في سن التجنيد. أما على صعيد حروب «ثورة الإنقاذ» فإن عدد «قتلى» هذا الحروب بلا حصر. في البداية كانت هناك حرب الجنوب التي اندلعت عام 1983، وجاءت «الإنقاذ» في يونيو (حزيران) عام 1989 ووجدتها مستعرة. وقال وقتها الرئيس عمر البشير في انتقاد صريح للأحزاب «ظلت قواتكم المسلحة تقدم ارتالا من الشهداء كل يوم دون أن تجد من هؤلاء المسؤولين (الحكومات الحزبية) أدنى اهتمام من الاحتياجات أو حتى في الدعم المعنوي لتضحياتها مما أدى إلى فقدان العديد من المواقع والأرواح.. لقد فشلت حكومات الأحزاب السياسية في تجهيز القوات المسلحة في مواجهة التمرد وفشلت أيضا في تحقيق السلام» وقال البشير أيضا «إن مشكلة الجنوب يتواجه فيها عسكريون مع عسكريين، لذلك العسكريون هم الذين يمكن أن يحققوا السلام».
لكن بدلا أن تجنح حكومة الإنقاذ إلى التهدئة، اتجهت نحو التصعيد، بيد أن الشعارات اختلفت هذه المرة حيث أصبحت الحرب في الجنوب «جهادا» وارتبط ذلك بظاهرة وافدة، تتمثل في الاحتفاء بالذين يسقطون في القتال فيما يطلق عليه «عرس الشهيد» يحضرها مسؤولون حكوميون وعسكريون. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1989، انهار وقف إطلاق نار هش وراح قطار الحرب يجري على القضبان بأقصى سرعة. ومع هذا الجريان كانت أرقام «قتلى» الإنقاذ تتصاعد. لا توجد أرقام دقيقة. مسؤولون في الحكومة السودانية، يقولون إن من قتل هو شهيد نحتسبه عند الله، وبالتالي لا توجد أرقام. أما قادة الحركة الشعبية، فإن لديهم رقما أصبح ثابتا. يقولون إن عدد الذين قتلوا في تلك الحرب في حدود مليونين ونصف المليون شخص.
يقول الدكتور جون هوقان، مساعد مدير مركز «القانون والعولمة» الأميركي في ولاية ألينوي، والذي أعد دراسة موثقة عن «جرائم الحرب وضحايا النزاعات في السودان (جنوب السودان ودارفور)» إنه «يصعب جدا تحديد رقم قتلى حرب الجنوب في الفترة ما بين 1990 و2005 (تاريخ توقيع اتفاقية نيفاشا) لأن الأمر لا يقتصر على قتلى المعارك، إذ إن هناك مدنيين ضحايا عمليات إبادة أو تطهير عرقي، ثم هناك ضحايا المجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض بسبب الحرب، ولا يمكن أن نسقط هؤلاء من الحسبان عندما نتحدث عن ضحايا الحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان». أوضح هوقان «نحن نعتمد الأسس التي حددتها وزارة الخارجية الأميركية لما يعرف بعمليات المسح لتحديد ضحايا الحروب». مشيرا إلى أنه وجد والفريق الذي عمل معه أن «هناك أعدادا جوهرية لم يتم وضعها في الاعتبار عندما جرت محاولات لحصر ضحايا حرب الجنوب الثانية» (حرب الجنوب الأولى يقصد بها حرب الانانيا المتقطعة في الخمسينيات ثم الستينيات وحتى بداية السبعينيات). ويعتقد الفريق الذي عمل مع هوقان أن هناك ما يربو على 200 ألف من المدنيين لا علاقة لهم بالقوى النظامية أو الميليشيات المساندة لها (قوات الدفاع الشعبي) قتلوا في الجنوب ومنطقة جبال النوبة، في مطلع التسعينيات. ثم هناك تقديرات المنظمات الطوعية التي تعمل في مجال تقديم المساعدات، التي تقول إن «قتلى» الحرب في الجنوب وصل عددهم إلى مليون وتسعمائة ألف شخص. في حين أن هناك أربعة ملايين شخص أصبحوا من النازحين، وفيهم من اضطر للنزوح أكثر من مرة. ويقول متحدث باسم منظمة «اللجنة الدولية للإنقاذ» (آي آر سي) التي عملت وتعمل في المجالات الإنسانية في جنوب السودان إن عدد « قتلى» الحرب في الجنوب يعد الأعلى وسط المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة عندما امتدت الحرب إلى جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان (منطقة جبال النوبة). في حين تقول تقارير الاتحاد الأفريقي، إن حرب الجنوب حصدت من الأرواح أكثر من أي حرب أهلية أخرى في القارة الأفريقية. ظلت تلك الحرب تحصد «القتلى» دون هوادة حتى عام 1997 عندما وقعت حكومة الخرطوم على الاتفاقية التي تعرف باسم اتفاقية «الإيقاد». وكانت هدنة قصيرة ثم عادت عواصف الحرب إلى هبوبها.
قبل ذلك كانت انفتحت جبهة في شرق السودان عندما اختارت أحزاب المعارضة في «التجمع الوطني الديمقراطي» أن تقاتل النظام، وبدعم إرتري تشكلت «قوات التحالف الوطني» عام 1994 بقيادة العميد عبد العزيز خالد. كان هناك أيضا عدد من «القتلى» في جبهة الشرق، وتضع بعض التقديرات قتلى حروب الشرق، التي شاركت فيها كذلك قبائل البجة والراشيدية والزبيدية، في حدود 800 شخص.
لم تقتصر حرب الجنوب على «مقتل» عدد غير محدد من الجانبين، بل شمل ذلك أيضا الأطفال، وتشير تقارير الأمم المتحدة وكذا «غلوبال ربورت» إلى أن الحركة الشعبية في جنوب السودان جندت ما بين 2500 إلى 5000 طفل ضمن قواتها، وعبرت «غلوبال روبرت» عام 2004، أي سنة قبل من توقيع اتفاقية السلام الشامل، عن اعتقادها أن ما يقارب ألفين من هؤلاء الأطفال كانوا من «قتلى» حرب الجنوب، وارتباطا مع هذه المسألة هناك أيضا ما أطلق عليهم «أطفال السودان الضائعين» وهي قضية وجدت اهتماما كبيرا في الولايات المتحدة. وفي عام 2001 مولت واشنطن بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين برنامج نقل 3800 من «الأطفال الضائعين» وجرى توطينهم في 38 مدينة أميركية. كان أولئك الأطفال والصبية يختبئون في الأحراش عندما تهاجم قوات الحكومة والميليشيات القرى، ثم يسيرون بعد ذلك مئات الكيلومترات حتى يصلوا إلى معسكرات اللاجئين في كينيا وإثيوبيا. ويعتقد أن 40 ألفا من أبناء قبليتي الدينكا والنوير إما تم تهجيرهم أو فقدوا والديهم، وخلال عمليات هروبهم، بات نصفهم في عداد المفقودين، وأصبحوا من «القتلى». وتقول تقديرات اليونيسيف إن عددهم في حدود 18200.
من أكثر حروب السودان التي عرفت تضاربا في أرقام «القتلى» حرب دارفور. اندلعت تلك الحرب في فبراير (شباط) 2003، عندما قرر «جيش تحرير السودان» و«حركة العدل والمساواة» حمل السلاح ضد الحكومة السودانية بدعوى قمعها لأبناء القبائل الأفريقية لصالح القبائل العربية، من خلال القوات النظامية وميليشيات «الجنجويد».
تقدر بعض المنظمات الإنسانية عدد «قتلى» حرب دارفور في حدود 70 ألف شخص، إما قتلوا مباشرة في المعارك، أو غير مباشرة بسبب تداعيات الحرب. في حين يعتقد فريق جون هوقان أن عدد قتلى دارفور يتراوح ما بين 200 إلى 400 ألف «قتيل». وتضخم الحركات المسلحة في دارفور هذا الرقم كثيرا. واللافت أن الخرطوم قالت رسميا وعلى لسان الرئيس السوداني عمر البشير شخصيا إن عدد قتلى نزاع دارفور لا يتعدى عشرة آلاف شخص.
وكان مسؤول في الأمم المتحدة أثار عاصفة من الجدل بشأن «قتلى» دارفور عندما قال في أبريل عام 2008 إنهم 300 ألف شخص، لكن كثيرين حتى داخل الأمم المتحدة شككوا في دقة هذا النوع من الإحصاءات. وقال وقتها جون هولمز منسق مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «إن دراسة أجريت في عام 2006 أشارت إلى مقتل 200 ألف شخص بسبب تداعيات النزاع. وهذا الرقم ينبغي أن يكون أعلى الآن، وربما بنسبة 50 في المائة». ويشمل هذا المجموع الضحايا الذين سقطوا أثناء المعارك، وكذلك بسبب تداعيات الحرب، مثل المجاعة والأمراض.
وكانت التقديرات الأولى البالغة 200 ألف قتيل مبنية على أساس دراسة لمنظمة الصحة العالمية. وقال هولمز «نحن اليوم على بعد سنتين (عام 2008) من تلك التقديرات، وبالتالي فإنه من المعقول القول إن الحصيلة لم تعد 200 ألف وإنما أكثر من ذلك» ووصفت وقتها الخرطوم الأرقام بأنها «غير موضوعية» وهي «تضخيم وتضليل متعمد».
وفي مقال نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» في عام 2005، حذرت ديبراتي غوها سابير المسؤولة في مركز الأبحاث حول الأوبئة والكوارث في بروكسل، من «أرقام مؤثرة لا تساعد قضية دارفور» وكانت سابير تشير إلى رقم 400 ألف «قتيل» الذي أعلن عنه «تحالف العدالة الدولية» في تلك الفترة. ويشير مركز الأبحاث حول الأوبئة والكوارث، الذي يعمل مع منظمة الصحة العالمية، ويعتبر بمثابة مرجع في موضوع عدد «قتلى» دارفور، إلى أن رقم 200 ألف قتيل يستند إلى إحصاء منظمة الصحة في عام 2004، الذي كان يدل على عشرة آلاف قتيل في الشهر عندما كانت المعارك على أشدها.
وكنتاج للحروب، غابت مشاريع التنمية بل إن القائم منها تعرض للدمار.. مثل مؤسسات التعليم العام لحساب التعليم الخاص، وكذا المؤسسات الصحية والمشاريع الزراعية الكبرى العامة.. وصارت الحروب والقتل السمة البارزة. إن عدد قتلى فترة الإنقاذ لم يحصر بعد، إذ إن القتال ما يزال مستمرا في دارفور وجبال النوبة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. والوضع كله على برميل بارود واللهب ما إن يخمد قليلا حتى يجري بسرعة في الفتيل المشتعل نحو البرميل، ليقفز عدد «قتلى الإنقاذ» من رقم إلى آخر، والمأساة أن «أرقام القتلى» في كل الحروب لا تنحدر بل تتصاعد. ولأنها هي حرب في المدن والقرى والبلدات فإنها قادرة على ابتلاع القوات وعلى أكل الجنود وتشريد المدنيين، وموتهم مرضا أو جوعا.
Talha Gibriel [talha@talhamusa.com]