لا إقصاء لأحد ولا إنتظار إلى الأبد!

 


 

 


-    أروع ما في الهبة الشعبية الأخيرة أنها نابعة من الشعب ومتوهجة بالشعب وعائدة للشعب، ولا تستطيع أي جهة أو حزب أو جماعة أيديولوجية أن تدعي صك ملكيتها، كما أن ثورة الشعب الجليلة لا تُقصي إلا من أبى ولا تستبعد إلا من لبد، وحواءها الولادة قادرة على إفراز قياداتها، ولعل مما يُفرح القلب ويثُلج الصدر أن الشباب يُمثلون عمودها الفُقاري وأن المرأة تُمثل رأس رُمحها، والجماهير خزان وقودها– إنها ثورة غمار الناس بحقٍ وحقيقة- ثُم أنها تنطلق من المساجد ودور العلم مما يعني أن أكاذيب المـتأسلمين وفرية صيانة الأرض والعرض لم تعُد تنطلي على أحد، فالأرض ذهبت جنوباً والعرض مفروش على قفا من يشيل (بشهادة حاجة/سُعاد الفاتح)، فالجوع الكافر لا يُفرق بين مُهمش وآخر بسبب اللون أو العرق أو الدين.

-    لن تُسكرنا الأماني الخُلب فنتوهم إن الأمر صبر سويعات أو أيام أو حتى أسابيع، كلا وألف كلا، فبالرغم من أن كافة الظروف الموضوعية قد نضجت حتى الإحتراق واكتمل تخلق جنين الثورة، إلا أنه وكما سبق وأن أسلفنا فإن المخاض عسير والطريق طويل، فالخصم لئيم زنيم لا أخلاق له والمولود تتربصه أيادي كثيرة تمرست على سرقة الثورات، ولكن هيهات فجيل الإنترنت والفيس بوك والآيباد (بالله عليك ديل شُذاذ آفاق؟!) وعى الدرس، وكما يقولون "الثالثة ثابتة" ولن تتكرر أخطاء أكتوبر وأبريل- والساقية لسه مدورة يا دوش يا رائع- عليك شآبيب الرحمة!!.

-    قد يستمر المخاض شهوراً وقد تبلغ آلام الطلق حد البُكاء، لكن ملاك الثورة أفرد جناحيه وطار مُحلقاً- فلا جنُ ولا سحرة بقادرين على أن يلحقوا أثره، ولن يلتفت إلى الوراء مُستجدياً هذا الزعيم أو ذاك، ولن نمل تكرار القول بأنه لا إقصاء- ولكن لا إستجداء، كما لا إبعاد- ولكن لا تهافت، ويا أبوعيسى أرمي طوبة الأحزاب التعيسة، فدعوتك  لمولاك للالتحاق بقطار الثورة صبت ماءً بارداً على لهيب الاندفاع الثوري، وجعلت الشباب يتساءل عن جدارتك، فأحذر ثُم أحذر؛ فأنت سيد العارفين بأن مولانا باع وأشترى وها هو الكومبارس (المُرسال المشى وما جا) عُثمان عُمر (الما شريف) يؤدي آخر أداوره على مسرح اللامعقول، ولكنه للأسف يؤدي دور الخائن، فيا لسوء الخاتمة وبئس المُنقلب.

-    ما يجعلنا نطمئن إن الثورة ماضية وبالغة ميسِها بإذن الله وإرادة أبنائها البررة وبناتها الرائعات (الشُذاذ علينا)، أن الخراب الإقتصادي بلغ درجة من الإنهيار الهيكلي لا تصلُح معه هذه الإجراءات الشكلية التي لا تمُس جوهر الداء، فالأدعياء الكذَبة يقولون أن إجراءاتهم التقشفية (كما أسموها) سوف تُصحح الميزان التجاري المائل، فكيف يستعدل ميزانهم والواردات الإستهلاكية (الكمالية) والتدميرية (الحربية) تتصاعد تصاعداً فلكياً نتيجة بذخ مُستجدي النعمة، والحروب التي أشعلها رأس النظام وزبانيته هرباً من العدالة المحلية والدولية (نباح الكلب خوفاً على ذيله المعووج)، أما الصادرات (القُطن والصمغ والكركدي والحبوب الزيتية- مثالاً) فقد أصبحت أثراً بعد عين، ومن فشل في إدارة مشروع الجزيرة (مُكتمل البنيات) لن يُقنع أحداً بأنه قادر على زيادة الإنتاج.

-    كما أنه ليس هنالك مُغترب نصف عاقل أو مُستثمر شبه مخبول سوف يُرسل دولاراته وعُملاته الصعبة إلى بلد بهذه الدرجة من عدم الإستقرار والتخبُط، فالسودان يحتل مرتبة أفشل دولة وأكثرها فساداً في العالم، ورئيسه لا ينفك ولا يتورع عن إشعال الحروب في أطراف مملكته التي وهبه الله حقوق مُلكها حصرياً (أو كما قال)، ويشتم ويسُب كُل من يتجرأ على أن يقول له (أرعوي يا عُمر)، فأين الإستقرار الذي يجلُب الإستثمار؟!..

-     ثُم بربكم ياناس كيف يُبشرنا الوزير/ علي محمود عواسة، والزبير إستغفار، وإقتصاديو آخر الزمان بإنخفاض تكلفة الإنتاج وقد زادت أسعار كافة مُدخلاته؟!. ولن استرسل في هذا الأمر، فقد سبقني إلى تسفيه وتفنيد أباطيلهم، من هو أدرى بشئون الإقتصاد والإدارة المالية والنقدية (التيجاني الطيب، عابدة المهدي، بشير حسن بشير، إبراهيم البدوي،، إلخ).

-    أما ما يُقال عن فرية إعادة هيكلة الحُكم فإنها ليست أكثر من ذر للرماد في العيون (لتمرير زيادة الأسعار)، فالهيكلة الحقة تستدعي حل الحكومة المركزية والحكومات الولائية (السبعة عشر) والمجالس التشريعية (التسعة عشر)، وإغلاق مكاتب الأمن الخارجية (فميزانية أي مكتب أمن خارجي تتجاوز ميزانية السفارة الموجود بها) وإعادة العسس الأمنيين المبثوثين في السفارات، والأرزقية المتخفين على هيئة طُلاب دراسات عُليا وغيرهم من آكلي السُحت وعرق الكادحين، والذين لا عمل لهم إلا ترتيب العمولات وفتل الدولارات والتآمر على الجاليات وتزوير إرادتها (وسوف نُفرد مقالاً خاصاً عن فساد هؤلاء المبعوثين المُعاقين لُغوياً والغير مؤهلين مهنياً)!!  ،

-    يعلم راعي الضأن في جهله وجالينوس في طبه، أن الحكومة تطبع جُنيهات (في مطابع سك العُملة) بدون تغطية من ذهب أو إنتاج، وبالتالي فإن نقوداً كثيرة تُطارد سلعاً وخدمات قليلة (وهذا يسمونه في علم الإقتصاد- الركود التضخمي)- يعني حاجة كده زي السرطان أو الأيدز اللذان لا علاج لهما!!، ولهذا فسوف تضطر الحكومة عاجلاً  (وليس آجلاً) أن تزيد الأسعار مرة تلو الأُُخرى  وتخفض سعر صرف العُملة الوطنية مثُنى وثلاث ورُباع لتنفيس الإحتقان، وهكذا دُقي يا مزيكة وهبة؛ وأتحداك يا محمود الكذاب إن لم تخفض سعر الصرف وترفع الأسعار قبل نهاية هذا العام !! فالغريق لي قدام!! ولا حل إلا بوقف الحروب الداخلية، والإتفاق مع الحشرات، ولحس الكوع وتطبيق وثيقة البديل الديمقراطي، بدون دغمسة، وهذا لن يحدث إلا بإسقاط  النظام.


يُضاف إلى الخراب الإقتصادي الذي أشرنا إلى بعضٍ تجلياته في السطور أعلاه، الفوضى التشريعية والدستورية التي تُثير العجب العُجاب، وهاك على سبيل المثال لا الحصر:-

i.    تم عرض الميزانية الأخيرة على مجلس شورى حزب المؤتمر اللاوطني الحاكم، فأجازها، وتم تطبيقها فوراً- وقبل أن تُعرض على البرلمان!!، فإذا كانت الميزانية العامة للدولة تُطبق قبل أن يجيزها برلمان السجم والرماد، فما جدواه وما الفائدة منه؟!. ثُم أليس الأجدى في هذه الحالة حل هذا البرلمان وتوفير القريشات، إن كانوا جادين فعلاً في خفض النفقات التي لا لزوم لها؟! بدلاً عن مسرحية إعفاء المُستشارين والخُبراء الوطنيين (وناس عبد العاطي) والشنو شنو؟!.

ii.    هل تعلم يا قارئ العزيز أن حوالي نصف ولايات السودان الفضًل، يحكمها ولاة غير مُنتخبين، وهي ولايات دارفور الخمسة (ومنها إثنتان ولدتا سفاحاً على يد القابلة الكيري/ تجاني السيسي) والنيل الأزرق والقضارف، وجنوب كُردفان التي تُحكم بالطوارئ وثالث الأثافي المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.

iii.    بالمُناسبة ماذا حدث لنواب الحركة الشعبية المُنتخبين في البرلمان والذين يُمثلون ولا يتي جنوب كُردفان والنيل الأزرق؟؟- والله العظيم ما عارف!!.

iv.    كيف لا تُجرى إنتخابات مُبكرة وقد تغيرت القاعدة الإنتخابية تغيُراً جذرياً بعد إنفصال الجنوب وذهاب أكثر من ثُلث سُكان السودان، وإن لم يُبكر بالإنتخابات في مثل هذه الظروف التسونامية فمتى يُبكر بها.!؟، فقد شارك في العملية الإنتخابية التي أتت بالبشير رئيساً (ولا يفرق شيئاً إن كانوا عارضوه أو أيدوه) ثمانية ملايين مواطن سوداني، أصبحوا الآن غير سودانيين؟!؟.

v.    هل تعلموا يا سادة يا كرام، أن عدد المُغتربين الذين شاركوا في الإنتخابات الأخيرة المخجوجة (خجاً لماً)، يبلغ حوالي 100,000 (مائة ألف) مواطن سوداني، مع أن عدد المُهاجرين والمُهجرين (وشُذاذ الآفاق خارجياً) يبلغ حوالي ثمانية ملايين نسمة؟! –وعلى أحزابنا المُعارضة (والجبهة الثورية تحديداً) إيلاء هذه المسألة ما تستحقه من إهتمام!!.

-    أما عن الضلع الثالث لمؤسسات وأعمدة الحُكم، (وأعني السُلطة القضائية) فليحدثكم عن فسادها مولانا/ سيف الدولة حمدنا الله (إذ لا يُفتى وسيف بالمدينة)، وما حكايات المُستشار مدحت، ولجنة التحقيق في إنتهاكات دارفور (توصيات لجنة دفع الله الحاج يوسف) وأقطان عابدين وتقاوي المُتعافن، وأحكام مُدثر الرشيد، وود أبكر،، ببعيدةٍ عن الأذهان.

-    أما السُلطة الرابعة (الصحافة والإعلام) فحدِث ولا حرج!.

-    في الختام يخشى البعض عن حُب نبيل وإشفاق أصيل، من حمام دمٍ وأذى قد يلحق بالثوار، ولا نملك إلا أن نُردد مع شاعر المقاومة:-

لا ترفعوا في وجهنا زناد بُندقية

ولو بحُسن نية

فإنها إن عاجلاً أو آجلاً

مُرتدةً إليكمو

عليكُمو نخاف

لا نخافُ مُنكمو

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

وأقعدوا عافية،، حبابكم عشرة

وجيتن جيتوا،، ثورتكم مُنتصرة


__________________________

مهدي إسماعيل مهدي

بريتوريا: 30 يونيو "التعيس" 2012

 

آراء