الخواجة عبد القادر
د. عبد اللطيف البوني
26 August, 2012
26 August, 2012
[aalbony@gmail.com]
صابر الاعمى رجل شرير جاهل (كتال كتلة ) هائم على وجهه دخل على منزل الخواجة هيرمان (عبد القادر) ليلا باعتبار انه مستباح له لياكل ويشرب ويختلس ويقتل وكان مطمئنا الي انه سوف ينجز مهامه و(القشة ما بتعتر ليه) ولكن الخواجة عبد القادر قابله بنفس وسلوك صوفي فاجاه وشل قدرته العدوانية لدرجة ان وصل مرحل ان يعلم الخواجة الشيخ صابر الاعمى كيف يتوضا لكي يصلي , اثناء هذا الدرس جاءت الشرطة المطاردة لصابر فخرج لها الخواجة وسالوه هل صابر الاعمى معه فاجاب بالايجاب . اين هو ؟ اجاب انه يتوضا . اعتبرت الشرطة ان الخواجة يتكلم عن شخص اخر لان صابر الاعمى لايمكن ان يتوضا فانصرفوا دون ان يدخلوا بيت الخواجة
الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك كان يعمل في مزرعته بنفسه كعادته فمر عليه شخصا هاربا من اخرين يتعقبونه فطلب من الشيخ ان يخبئه فقال له ادخل هنا مشيرا لكومة قصب امامه فدخل الرجل وبعد قليل جاء المطاردين له فسالوا الشيخ عما اذا كان مر به شخص اوصافه كذا وكذا فاجاب بالايجاب فسالوه في اتجاه ذهب فقال لهم انه داخل كومة القصب هذة فاستبعدوا كيف يمكن ان يمكن لقصب ان يخبئ شخصا مثل زولهم واعتبروا الشيخ يمزح وواصلوا مسيرهم وبعد ذهابهم خرج الرجل وسال الشيخ فرح لماذا اراد له ان يقع في ايدي خصومه فقال الشيخ فرح قولته المشهورة :- اكان الصدق ما حلاك الكضب ما بحلك .
يجمع بين الحالتين اعلاه السلوك الصوفي القائم على قبول الاخر وتهذيب سلوكه بالصدق والقدوة اعتمادا على المشئية الالهية التي يتماهى فيها المريد الحقيقي ,فالحديث الشريف مازال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احببته فان احببته اصبحت ... فهذا الحديث المشهور يوضح المقام الذي يمكن ان يصل اليه العبد اذا خص الله بالواحدنية واستغني به عن غيره . الفكر الصوفي شانه شان كل الافكار العظيمة يصعب فهمه عند التجريد ولكن عندما يتم تنزيله في عمل درامي كمسلسل الخواجة عبد القادر يمكن استيعابه بسهوله
مسلسل الخواجة عبد القادر الذي يعتبر من اعلى المسلسلات مشاهدة في رمضان الاخير لانه يقوم على قصة واقعية او على الاقل من الخيال الواقعي وفانتازيا دينية فالخواجة هيرمان الذي شهد الحرب العالمية في اوربا واهوالها فمات شقيقه وهجرته زوجته فتاكد من العدمية التي انتجتها المادية الاروبية فاصبح مدمنا وحاول الانتحار واخيرا في خطوة اكثر ياسا عمل بشركة تعمل بالسودان وهناك تعرف على فضل الله السوداني (عبد الخالق عمر) الذي شده بسلوكه الصوفي وقاده للشيخ عبد القادر(ابراهيم فرح النوبي) الذي ادخله الاسلام وسلكه في الطريق فاصبح هو الاخر واصلا لانه اخلص النية فتنزلت عليه الواردات فاصبح سلوكه وهبي اكثر منه كسبي
امران شداني لهذا المسلسل الاول انه عرض الفكرة الدينية الصوفية بصورة مبسطة في مواجهة الفلسفة المادية ثم وضع الصوفية في مقابلة الفقهية الظاهرية وهذا يعيد للاذهان المقابلة بين الشيخ الحنين وامام الجامع في عرس الزين لادبينا الكبير الطيب صالح الامر الثاني ان المسلسل وعلى غير عادة المسلسلات المصرية عرض السودان بما فهو فيه حقيقة وانصف الممثل السوداني وجعل منه مربيا مع تواضع وظيفته (بائع شاي ) لكنه كان موصلا للشيخ الذي المسلك لطريق القوم وليس بوابا للعمارة يتستر على الرزائل .الجزء الخاص بالسودان تم تصويره بالفيوم ولو تم ذلك في السودان لكانت الرسالة ابلغ
(2 )
اسماه ابوه عبد القادر تيمنا بالخواجة عبد القادر اذ كان الاب يراه وليا من اولياء الله اصحاب السر الباتع ولكن الشاب عبد القادر اصبح سلفيا متطرفا يرى في حكاوي والده عن الخواجة مجرد شركيات و تخاريف وخزعبلات وحاول تطبيق مذهبه المتطرف على اخته في ملبسها ولكن وقف امامه الاب مناصرا ابنته التي يرى ان لبسها معقول طالما انه اللبس السائد في المجتمع فالاب يرى الباطن هو الاهم وان سلامة القلب اهم من مظهر الجوارح .
بمكيدة من القيادة المحلية اعتقلت السلطات الامنية الشاب عبد القادر باعتبار انه منتمي لخلية ارهابية واخضعته لعمليات تعذيب قاسية اضطر معها والده الاستعانة بخصمه المحلي الذي سجن ابنه فاطلق سراحه ولكنه اصبح مشككا في كل شئ في العدالة في الحكم وحتى الدين وبدا في الانحراف ولكن صفعة من والده المتصوف اخرجته من الطريق الجديد واصبح مسلما عاديا وواصل دراسته للهندسة ثم بدا يخطب المساجد اصبح خطيبا مفوها يقصده الناس من اماكن بعيدة واصبحت خطبه توزع في اشرطة الكاسيت وتعود عليه بعائد مادي كبير واصبح يفاخر بذلك ويلبي طلب من بقصده لخطبة لدرجة انه صار مساندا لخصم اسرته السياسي المحلي الذي سجنه من قبل فاصبح من الذين يطاردون النجومية الدينية ومتكسبا بها
مع ان الشاب اصبح خطيبا يسعى اليه طالبي المعرفة الدينية واصحاب الجاه والسلطان الا ان هذا لم يرق لوالده المتدين تدينا صوفيا فذات مرة دخل عبد القادر البيت فوجد والده يحكي لاخته عن كرامات الخواجة عبد القادر مع شريط لام كلثوم تمدح فيه مدائح نبوية فقام باخراج الشريط وادخل شريطا فيه خطبة له وقائلا لهم خليكم من الكلام الفارغ واسمعوا لهذا الشريط الديني الذي ملا الدنيا فساله من الداعية في هذا الشريط فقال له بفخر انه ابنه عبد القادر الواقف امامه فقال الاب (مش الواحد يعرف ربنا في الاول وبعد داك يخطب في الناس) فامره بنزع شريطه وارجاع ام كلثوم
هكذا عبد القادر ارهق والده عندما اتهم بالسلفية المتطرفة ثم ارهقه عندما انحرف وابتعد عن الدين مما اضطره لصفعه وهاهو يرهقه عندما اصبح عالما يتداول الناس اشرطته لابل وصفه بانه (لايعرف ربنا ) فالعلم بالدين وحده بحسب الوالد المتصوف لايعني الايمان لان الايمان مكانه القلب فبالنسبة لهذا الاب ان المهم حالة القلب وليس السلوك الظاهري حتى ولو كان ذلك السلوك لايتناقض مع الشريعة بل يدعمها بالخطابة فعلى حسب الصوفية مراتب التدين هي الاسلام والايمان والاحسان بينما الفقهاء يرون الايمان اولا ثم الاسلام
الذي يستحق التوقف في كل الذي تقدم وهو ان الدراما بدات تتناول الافكار الكبيرة المثيرة للجدل كصراع اهل الظاهر والباطن فالحوار الذي اوردناه اعلاه يختصر في مشاهد دارمية بسيطة حوارا استغرق ومازال يستغرق جهدا و زمنا طويلا وكتبت فيه الاف المجلدات قبل الامام الغزالي وبعده واعتبرنا الغزالي واسطة عقد لانه حاول التوفيق بين اهل الشريعة والحقيقة واصبح مذهبه العقائدي هو الذي عليه جمهور المسلمين مع ميل لذلك الطرف او ذاك . ان مسلسل الخواجة عبد القادر قائم على فكرة نادرة في عالم الدراما وفي نفس الوقت يكشف خطورة الدراما لابل يقول انها لم تعد تمثيل وفرجة وترفيه والذي منه ولكنها فكر له سيقان يسعى بين الناس فالحكاية لم تعد طق حنك وتذويق كلام انه زمان الدراما