(امرأة البحر.. أنتِ ) ديوان للشاعر والروائي : جمال محمد إبراهيم . بقلم: عبد الله الشقليني
abdallashiglini@hotmail.com
(1)
أذكُرُ أنكِ غادرتِني قبلَ أن تصطفيك البِحارْ
و وَعدَكِ أني أُلاقيكِ في مَوجةٍ من نَضارْ ..
أو تكونينَ مَخبوءة ليَ في شَهقةِ المدِّ..
أو تنامين في زَفرةِ الانحِسارْ
بإطلالة هذه الموجة كان مطلع قصيدة ( امرأة البحر .. أنتِ ) . من أبجدية البحر نهضت اللغة بقاموس مضطرب بالأعاصير : سكونه وهياجه ، سكرات نشوته وشجونه . مدّه وجذره . أخذت هي من البحر ألوانه وعنفوانه و مُجونه وغدره كأهواء الحبيبة ومواعيدها على ذَنَبِ الزمان تكاد تُنبئ بالرحيل و بالفِراق .
(2)
وفي قصيدة ( امرأة في دُخانِ الغمامْ ) كتب ضمن ما كتب :
خارجةٌ منْ دُخانِ الغمامْ .
داخلةٌ في غَمَام الدّخانْ
مُسربلةٌ بالندى ..
و مغسولة مِن مياهِ الجنانْ
...........
أو حين كَتب :
ألاقيكِ .. إني بوحْ صدى ، يخرُج من رعدِ شوقكِ ليْ
ألاقيكِ .. يَمرحُ فيكِ الفراش ُ ، ويغرقُ في بَهَرجٍ مِنْ حُليْ
ألاقيكِ .. ثم أناجيكِ ، أُمنيةً في نهار الجسدْ
ويأتيكِ نبضي ، فيلقاهُ منكِ الشهابُ الرصدْ
......................
وهي القصيدة التي جارى فيها قصيدة ( غمائم الطلح ) للشاعر محمد المهدي المجذوب من ديوانه ( نار المجاذيب ) .
(3)
كتب الدكتور ( عمر عبد الماجد ) مُقدمة في مُستَفتح الديوان ننقُل بعضها :
.. يقيني أن القصائد التي بين دفتي هذا الكتاب ما هي إلا مقدمة لطفح شعري أخذ ينبجِس كعيون الأنهار دون تريُث مُسبَق ، أو صناعة أخذت تنحت في صخر قبل أن تتبلور في هيئة قصيد لا يعدو في حقيقة أمره أن يكون لملمة لفسيفساء الصور التي تنعكس على شاشة مخيلة هذا المبدع .
لم أجد في قصائد هذه المجموعة التزاماً صارماً بأسلوب مُعين دون غيره في كتابة القصيد ، إذ وجدتُ العمود الخليلي كما في قصيدة ( مقاطع من أجل المُتنبي ) والشِعر المُرسَل كما في قصيدة ( وا فجيعة الألوان فيك يا حُسين ) والتي حَملت بُكائية ناعمة المَلمس في رحيل الفنان التشكيلي ( حُسين شريف ) ، وشِعر التفعيلة كما جاء في معظم قصائد هذه المَجموعة ، خاصة تلك القصيدة التي كتب في مقطعٍ منها :
يرتَبِكُ الليلُ حين يَخطُف الأثير صوتكِ الدُريَّ لامِعاً كنجمةِ الصباحْ ..
ليرتدي من انبثاق الفَجرِ ثوبه من الندى وِشاحْ
يأخذني إلى قلاعه رهينة مهيضة الجَناحْ
فتستريح بعدها الجِراحْ
...............
(4)
يقولون لا يكتمل قُرص البدر بين يوم وليلة وكذا الشاعر . من خزانة صغيرة على طرف المكان المُخصص للأضياف في زمان قديم نَمَتْ مكتبتُه منذ طُفولته الباكرة . أسفارٌ بالعربية والإنجليزية تنام الواحدة على أختها حيناً قبل أن تفترسها عيونه القارئة . أما نحن فنتلصص من خلف ظهره لنقرأ ما يتيسر . الآن نهضت أحرُفنا وتجوَّلت سماوات وضربت أركان الأرض حيث أصدقاء الأمس الذين فرقتهم المهاجر . جَلَستْ الكلمات في النثر وملأت السماء ، ثم كِسفاً تساقطت من سُحب الخيال . سافر ما نكتُبه إلى المدائن البعيدة فما بال صاحب المَكتبة (الشاعر جمال محمد إبراهيم ) ينتظر ديوانه زماناً إلى الميعاد المُلوكي و بَسطة سجاد القُدوم ! .
لو يمنحنا الناشر فُسحة لبسطنا يد الشاعر ليُكرمنا النص من موائده المُترفة. اليوم غير الأمس في نظم القصيد . أنتَ تقرأ وتُشاهد وَ تَتَزيَّن . أما العيون فترى النور وتكتحل . تجوَّل معي سيدي أو تجولي معي سيدتي في مسبح اللغة وسلسبيل مياهها وأنتِ تقرئين ديوان شعره . ترين تقاطيع جسدك المُزججة و أنتِ تَخرُجين من ماء مسبح بلون كسائه القيشاني الأزرق . الأفق يعتدل مُستقيماً في أدنى الأرض حيثُ الشمس رسمٌ بُرتقالي كملصقٍ على مُعلبات الفاكهة .
(5)
وُلد بنان الشاعر ( جمال محمد إبراهيم ) غاطس يبتَردُ في سحر الكون وأحلامه . لوَّنه تسفار المِهنة بأحاجي الدُنيا في مجالس القِمم . الدبلوماسية ورغم ما تبدو عليها من فخامة للناظر إليها من خارجها ، فإن ممارستها كالسير على سطوع الجِمار أو الرقص على حبال في الهواء الطلق وسط صراخ النَظَّارة .
لستُ في مجلس الشعرِ إلا في ركنٍ قَصيٍّ أقرأ وتُضرِب وجهي الصور المُلونة . أتلصص على مَرَدته حين يخرُجون علينا من بطون الخيال الشِعري وأتعجب : كثافة في اللغة الباهرة ، و وشم موسيقى على طبولِ الآذان مُلتقى العَناقيد . جَزِلٌ ناعم يدلُف راقصاً تزدهي به العربية لُغةً وتُظهر مفاتنها للعَيان . نتجوّل نحن و ننظُر زخرُف الشعر على خُضرة الأحرُف ونمشي حُفاة على الرخام المنقوش وتحت ثُراياته التي تعبث أضواؤها بالأعيُن .
من يقرأ ديوان الشِعر يقنعُ بأن ثلاثة عقود في العمل الدبلوماسي المهني للشاعر ( جمال ) قد حرمتنا جميعاً من مورد عذب تنهل منه النفوس العَطشى . سَرَقت هي من عُمرنا الماضي حتى آن أوان قِطاف الكرز شِعراً لتنشُر ديوانه الأول بيروت .يُعيد الشِعر الذي يُخاطب الوجدان توازننا الهش الذي نعيش حاضره ، والنفس من وقع رُكام السُمُوم تكاد تتفتتْ . في الخِصر خناجر مسُمومة في جنب الوطن وسعادةٌ في الأحلام موعدها التفجير عند أول تقاطع طُرق ! .
(6)
يحوي الديوان ثلاثين قصيدة . هيَّ مهر لحظةٍ خاطفة من الصعب أن يقبض عليها المرء في دُنيا مُتقلبة الأهواء . قد يعجب القارئ أن الدُبلوماسي ( جمال ) قد بدأ كتابة الشِعر في الستينات وبَخل علينا بدفاتره إلا من رأى الشمس بازغة وهُم قلَّة تحسبهم أنتَ على أصابع اليد ولم نكُن منهم . خرج ديوانه اليوم علينا خُروج الصُبح يتنفس ضياءً ودِعة .
(7)
1..ديوان الشعر : ( امرأة البحر .. أنت)
2. ناشر الديوان : (رياض الريس للكتب والنشر ) / بيروت / لبنان .
elrayyes@sodetfl.net.lb.wwwelrayyes-books.com
3.. الطبعة الأولى : آزار مارس 2007 م
عبد الله الشقليني
2/5/2007 م