البعدين التقني والسيادي المغيبين في جدلية خصخصه الإمداد الكهربائي 2-4 .بقلم: بروفيسور: محمد الرشيد قريش
بسم الله الرحمن الرحيم
من وحى الرقابة الضبطية على العلوم والتقانه – قراءة موضوعيه:
دراسة مهداه إلى كل من يهمه رفاه هذا البلد ورفاه أهليه
بعد الترجع عن خصخصة سودانير كما دعونا،
والمطالبات الجديدة بدمج شركات الكهرباء
نجدد الدعوة لأعادة الدمج الرأسي للإمداد الكهربائي
البعدين التقني والسيادي
المغيبين
في
جدلية خصخصه الإمداد الكهربائي
(2 من 4)
بروفيسور
د.د. محمد الرشيد قريش (مستشار هندسي)
مركز تطوير أنظمة الخبرة الذكية
لهندسة المياة والنقل والطاقة والتصنيع
استهلال:
بعد الفراغ من إعداد هذه الدراسة أفصحت الحكومة عن خطتها لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء ، وأوصت اللجان الخاصة المنبثقه عن مجلس الوزراء ووزارة الطاقة :
1) بإعادة هيكله الهيئة القومية للكهرباء وتحويلها إلى شركه قابضه وشركات تابعه تتمثل في:
أ- شركة للتوليد الحراري
ب- شركة للتوليد المائي.
ج- شركة لنقل الكهرباء.
د- شركة لتوزيع الكهرباء.
2) أن تكون شركة نقل الكهرباء مستقلة عن الشركة القابضة مستقبلاً لتمارس دورها السيادي في شراء وبيع الكهرباء.
3) أن تكون هذه الشركات المقترحة مملوكه لوزارة المالية.
4) أن بكون قطاع الكهرباء مفتوحاً للاستثمار المحلى والأجنبي ( أي للخصخصة
5) تعديل قانون الكهرباء لعام 2001 لتمكين الجهاز الفني من مراقبه هذه الشركات وحماية المستهلك وحصر دور الجهاز في وضع مواصفة الإمداد الكهربائي.
6) أن تحكم اتفاقيات شراء الطاقة العلاقة بين شركة النقل وشركتي التوليد والتوزيع.
إنشاء قطاع كهرباء بوزارة الطاقة ليضطلع بالدور السيادي ويقوم برسم السياسات العامة ووضع الخطط وإجراء الدراسات لإنشاء المحطات المائيه وتوفير الطاقة ومتابعه أداء شركات القطاع العام والخاص العاملة في الإمداد الكهربائي ( الرأي العام 31 ∕ 1 ∕ 2010 ).
الإهـــــداء:
ربما كان من المؤكد إن من أول ما ستناقشه السلطة التشريعية الجديدة في السودان في الأشهرالقليلة القادمة سيكون قضيه إعادة هيكلة الإمداد الكهربائي، وقضية خصخصة سودا نير ( وفق تصريح رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة بالتدقيق في خصخصة سودا نير – السوداني 5- 2- 2010 ) وكلا القضيتين – الإمداد الكهربائي وسودا نير – تتقاطع عندهما بعضاً من أهم القضايا وأكثرها رهقاً في الشأن السوداني، التقنية منها والإقتصاديه، السيادية منها والأمنية، والصحية منها والإجتماعيه، "فكل الصيد في جوف الفرا". ولتشابه حالة الصناعتين، سنعقد أولا هنا مقارنه بينهما ليدرك القارئ أن الكثير مما يرد هنا ينطبق عليهما معاً. و بعدها-- في آخر هذه الدراسة—سنتناول بالتحليل ، خطه الحكومة لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء
ومن المفيد التنويه هنا الي أن هذه الدراسة هي جزء من بناء فكري عريض ىتصدي لقضايا هذا البلد العصية منها والملحة والمستجدة بهدف تقديم الحلول للمشاكل التنموية المختلفة—بما في ذلك قضايا اختيار التكنولوجيا وتطوير القدرات الذاتية التقنية واطلاق مشروع قومى للنهوض بالتعليم الفنى والتقنى والهندسى فى القرن الحادى والعشرين و في مجال المياه شملت تلك المنظومة تحديد الهوية النيلية للسودان وحجم اسهامه في مياه النيل وتطوير نماذج رياضية لتحليل مسببات الفيضانات والسيو ل والتنبوء بأحجا مها وتقديم حلول للحد من أضرارها كما شملت تقويما تقنيا لتعلية سد الدمازين وترويض نهرالقاش علي نهج المعالجة عند الحوض بدلا من نهج جدار الفيضان والتنبوء بالطلب علي المياه ، كما عنت أيضا باستراتيجيات إعادة تأهيل ورفع كفاءة المنشئات المائية واختيار تقنياتها ، وفي مجال الطاقة ، اختصت باستراتيجيات إعادة تأهيل ورفع كفاءة محطات التوليد الكهربائي واختيار تقنياتها وبالشراكة الاستراتيجية التكاملية التي ينبغي أن تقوم بين قطاعات الصناعة والري والكهرباء لتصنيع مهمات الكهرباء ومعدات الري ولتوفير الطاقة لهما ، واختصت في مجال النقل بتصميم طائرات أكثر مؤائمة لظروف الدول النامية وكيفية رفع كفاء ة شركات الطيران و السكك الحديدية والنقل العام والخاص وإعادة تأهيلهم ومتطلبات إدخال واختيار الترام ودراسة حوادث الطائرات الروسيه والتشيكيه في السودان وحادثتى طائرتي أيربص السودانية و الفرنسية ، كما اختصت أيضا بالتحليل العلمي لمشاكل الأحتقان المروري وحلولها ومشاكل الأوزان والأحمال العالية وأثرها علي سلامة الطرق والكباري والتنبوء بالطلب علي وسائط النقل المختلفة ، وعنت في مجال الصناعة باختيارالنقنية في صناعات الحديد والصلب والألمنيوم والأسمنت وبنقل المواد البترولية ، واختصت في مجال البني التحتية بكيفية المحافظة علي استثمارات السودن فيها وإطالة أعمار المنشئات الهندسية، أما في مجال المعلوماتية فقد عنت تلك المنظومة بتحليل قانوني المعاملات الالكترونية والتوقيع الالكتروني و بتقديم تصور متكامل للخيارات الاستراتيجية لقطاع المعلوماتية وفرص استثمار القطاع الخاص فيها، , وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى” " ، ويمكن الأضطلاع علي تفاصيل بعض هذه القضايا في الموقعين الأسفيرين الأتيين :
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1257866678&func=flatview
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1254489648&func=flatview
ولقد رأينا في هذا الصدد أن نهدى هذه الدراسة لكل من يهمه رفاه هذا البلد ورفاه أهليه، آملين من هذا "تنبيه الناس وإزالة الالتباس" ( وفق مقولة المفكر العربي الكبير عبد الرحمن الكواكبى المشهورة )، وذلك من أجل التأسيس لتنظيم وطني كفء يوفر الإمداد الكهربائي المستقر و"النظيف" وناقل وطني متميز، دون أن يغفل أياً منهما --في سعيهما لتحقيق الكفاءة والتميز -- قضية العدالة الإجتماعيه. وقد جاء في حديث الرسول ( ص ): (لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه إلى الحق، فأن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ). "ولا ينبئك مثل خبير" ( فاطر 1)
"نموذج المصلحة العامة":
في مقابلة "نموذج السوق" المغلق والمعزول عن التأثير السياسي، يقف "نموذج المصلحة العامة"
( Commonweal Model ) "كمنظومة مفتوحة" (Open System)، وذات أهداف أوسع ( تطال مثلاً حتى العمالة )، لكن هذه الأهداف غير دقيقه التحديد كما أن موارد تمويلها تتشابك عادة مع ميزانية الدولة، وهى مثلها في ذلك مثل الدولة – تقبل بالخسارة المالية لأسباب اجتماعيه.
مرفق الكهرباء في ظل "نموذج المصلحة العامة"، يكون عادة خاضعاً للتأثير السياسي، وللحكومة دور واسع فيه، بما في ذلك حمايته من المنافسة من خلال نشر حواجز تعويقيه وقانونيه أمام دخول الآخرين لهذه الصناعة، إلا أن عدم وجود آلية فعاله للتأثير السياسي عليه أو للمسائلة الشعبية له كثيراً ما تدفع بالمؤسسة إلى عدم كفاءة التشغيل للمرفق الكهربائي والكثير من الجور الإجتماعى والفساد المالي أن لم يتم ضبط ذلك من خلال الآليات الرقابية مثل " مراكز الكلفة (Cost Centres )، وغيرها من صيغ "الرقابة الضبطية" (Regulation)، وكل ذلك سيتضح أكثر للقاري من خلال فحص بنويه صناعه الكهرباء وأسواقها، كما سنرى الآن.
◊ بنيويه صناعه الكهرباء والمسوغات الإقتصاديه والإجتماعيه لتدخل الدولة فيها
وفق "نموذج المصلحة العامة "-- أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" ( البقرة 60 ).
تتمحور دفوعات دعاة تدخل الدولة في إدارة منشط الإمداد الكهربائي، وفق "نموذج المصلحة العامة"، في
خمس أمور:
1. الكهرباء كسلعه اجتماعيه:
صناعة الإمداد الكهربائي – مثلها في ذلك كمثل صناعه الطيران كما أشرنا من قبل – تنتج سلعه اجتماعيه عامه ( Social & Public Goods )، لاغني للاقتصاد الوطني عنها. بعض خواص مثل هذه السلع الإجتماعيه تتضمن:
أ. إن هذه السلع "كل لا يتجزأ" (Indivisible ) وغير قابله للقسمة تقنياً أو مالياً، وأن ريعها ينبغي أن يعود للمجتمع قاطبة لا لأفراد منه.
ب. إن هذه السلع لا تخضع لمبدأ الإقصاء ( Exclusion Principle ).
ج. أن نظام السوق السعرى --بفشله في توفير الموارد لإنتاج السلع الإجتماعيه – يسئ توزيع الموارد الإقتصاديه الوطنية مما يستوجب تدخل الدولة لإصحاح هذا الإخفاق
2. ظاهرة فشل السوق:
ظاهرة فشل السوق ( Market Failure ) هي أمر لاينكر أياً من الاقتصاديين حقيقته، رغم أنهم قد يختلفون في طرق معالجته. هذا الفشل يظهر في بروز عدة صيغ من المنافسات المنقوصة "كالاحتكار" ( Monopoly )، و"احتكار القلة" ( Oligopoly )، و"الاحتكار الفردي Monoposony) (، "والسعر القشط" ( Price Skimming ) والكارتيلات (Cartels )، مما يجعل الأسواق عادة غير قادرة على توزيع السلع والخدمات بصوره كفئه وتتمثل أسباب هذا الفشل بصوره أساسيه في ثلاث عناصر:
أ. "هيكلية الأسواق غير المثلي" ( Suboptimal Market Structure ).
ب. عدم التعبير الكافي للكلفة ( Cost ) والفوائد ( Benefits ) في الأسعار، وبالتالي عدم انعكاس ذلك على قرارات الأسواق.
ج. المعلومات الناقصة وغير الدقيقة لدى متخذي القرار في الأسواق
هذا الفشل في الأسواق تنجم عنه عادة عدداً من الإخفاقات المتنوعة نذكر منها:
أ. فشل المؤسسات الخاصة في القيام بالأدوار المناط بها إليهم بسبب أن قابليتها للمساءلة من قبل الرأي العام تكاد تكون معدومة.
ب. ظاهرة " الخارجانية الغير مرئية" ( Unseen Externalities أو" العوامل الخارجية")، والتي تعنى الإمداد (أو الدفق Spillover ) الناجم عن القرارات المتصلة بالمعاملات الإقتصاديه ( أو التقنية ) وتأثيرها على أطراف ليسوا مشاركين مشاركة مباشره في تلك المعاملات، بحيث لا تقوم المؤسسة ( أو الفرد ) بدفع الكلفة الكاملة للقرارات التي تتخذها ( كما في حالة "الخارجانيه السلبية" )، أو أنً لا تحصل المؤسسة ( أو الفرد )على الإستفاده الكاملة للقرارات التي تتخذها بسبب ذهاب جانب كبير منها لمنفعة المجتمع ( كما في حالة "الخارجانيه الإيجابية"، وهى أقل حدوثاً ).وكمثال "للخارجانيه السلبية"، يمكن الإشارة لمخاطر التلوث التي تصاحب توليد الكهرباء وتؤدى لتدمير طبقة الأوزون وعلى المخاطر علي صحة السكان في المناطق المحيطة بمحطات التوليد أو خطوط نقل الكهرباء ذات الضغط العالي.
ج. ضعف أسواق الأسهم المحلية Equity Markets) ) --في جانبي العرض والطلب:
تلعب أسواق المال ( Capital Market ) دوراً هاماً في تسهيل انتقال الملكية من القطاع العام للقطاع الخاص لكنها تتسم بالضعف والهشاشة في الدول النامية مثل السودان وذلك للعديد من الأسباب منها:
i- نقص رأس المال الوطني بالمقارنة بالاحتياجات التنموية.
ii- الاستثمار في الأسهم لازال متخلفاً في الدول النامية ويفتقر للأطر القانونية والمعايير المحاسبية الدقيقة وتوفر مراجعو الحسابات المؤهلين.
iii- الكلفة العالية والتعقيدات المصاحبة لإصدار الأسهم ( Cost of Equity Issue ).
iv- تخوف العائلات أصحاب المال من "تمييع" ( "إرتخاء") قبضتهم على أسواق المال أو كشف أسرار أوراقهم المالية.
لكل هذا يتم الاعتماد عادة على الدين ( Debt ) في تمويل المناشط الإقتصاديه بدلاُ عن الأسهم.
د. "تراجيديا الموارد المشتركة – المشاعة-" Tragedy of Commons) )، حيث يؤدى تكالب الجميع على استغلال الموارد المشتركة والمحدودة – مخافة أن يسبقهم غيرهم إليها-- إلى نفاذها المبكر.
بسبب كل هذه التشوهات والفشل في الأسواق، يرى المنتسبون "لنموّذج المصلحة العامة"، إن هذه الأسواق ليست بقادرة على توزيع الموارد المحدودة، والسلع والخدمات بصوره كفئه ولهذا لاينبغى أن تترك إدارة النشاط الإقتصادى للأسواق.
3. التحديات المرتبطة بأهداف التخطيط الإستراتيجي للإمداد الكهربائي:
كما أشرنا فيما سلف ، فأنه لا خلاف بين قطبي جدلية خصخصة الكهرباء حول أهداف – أي النهايات الإقتصاديه المطلوبة – للتخطيط الإستراتيجي لهذا المرفق والمتمثل في تبنى برامج تقود ليس فقط إلى تقديم الخدمات المطلوبة للمشتركين بل وتقديمها بصوره كفئه اقتصاديا، أي خفض السعر الإجمالي الكلى لتلك الخدمات.
الخلاف بين القطبين يدور حول الأوزان التي ينبغي إيلائها للتحديات الثلاث المنبثقة من هذه الأهداف، وهى
عامل المخاطرة ( Risk ).
كفاءة الأداء وفعاليته ( Efficiency & Effectiveness ).
العدالة الإجتماعيه ( أو الإنصاف Equity ).
ولتبيان أبعاد هذا الخلاف ينبغي أن نشرح دفوعات المنتسبين "لنموذج المصلحة العامة"، وكيف تختلف عن دفوعات "دعاة الخصخصة" بشأن هذه التحديات الثلاث !
عامل المخاطرة:
في رأى منتسبى "نموذج المصلحة العامة" – والكثير من الآخرين – فأن القطاع الخاص يحجم عادة عن الاستثمار في الصناعات مثل الإمداد الكهربائي وذلك:
أولاً: للحجم الكبير المطلوب للاستثمار فيها، خاصة وأن سوق "الخدمات" ( مثل الكهرباء ) ليست ناضجة بدرجه أسواق "السلع"
ثانياً: بسبب " الفاقد الإجتماعى" المرتبط بظاهرة الخارجانيه ( Externalities ) أحد أهم ظواهر "فشل السوق"، والتي تتمثل مخاطرها لمنتسبى دعاة الخصخصة في جنى الشركات المنافسة ثمار استثمارات غيرها.
ثالثاً: المفاسد الإدارية والمتمثلة في:
◊ قص الزوايا:
حيث تنحى الشركات الخاصة لقص الزوايا ( Cutting Corners ) لتوفير المال (مثلاً بتأخير الصيانة أو تسريح العمال أو بالإفراط في التحميل على شبكة المحطات الفرعية الخاصة بالتوزيع (Substation Overloading )، وكل ذلك لأن الشركات الخاصة تنزع نحو الحرص على جنى الثمار الآنية بدلا عن الأهداف بعيده المدى.
◊ اتخاذ التعقيد التقني "كستار دخاني" (Smoke Screen ) لإطلاق يد الإدارة:
فمثلاً تقود محوريه التخصص التقني العالي وتعقيداته في مجال الهندسة والصيانة ( M & E ) إلى فقدان الشفافية من قبل الإدارة ( كالانفتاح والاتصال بالمجتمع والمساءلة أمامه ومحاربة الفساد الخ…)، وذلك:
لأن التخصص العالي هنا يوفر للإدارة نشر" ستار دخاني" للعزل التقني" ( Techno – Insulation )، يجعل من مرفق الكهرباء "منطقة حظر طيران"(No Fly Zone) أمام السلطة والرأي العام، لا يسمح لهم بالتطواف فوقها من منطق " لا ينبغي الدخول بين العصا ولحائها " ومن منطلق أن القرارات التقنية المعقدة التي تتخذها إدارة الطاقة لا تقع في نطاق إدراك المسئولين الحكوميين أو السياسيين غير المتخصصين.
من جانب آخر فقد تلجأ إدارة المرفق ذات النفوذ الواسع في دهاليز السلطة إلى مناوره إستباقيه ( Pre-emptive Maneuver ) من خلال الدفع بأناس غير متخصصين إلى مجلس الإدارة من منطق أنه كلما كان أعضاء مجلس الإدارة قليلي المعرفة بالجوانب الهندسية المعقدة لتقنية الكهرباء كلما كان ذلك مدعاة لضمان تفرد الإدارة بالقرارات الحيوية دون مساءلة فنبه أو مجتمعيه.
رابعاً: هناك المخاطر المتصلة بعمليه الخصخصة نفسها والتي يمكن أن يعبّرعنها بالسؤال الآتي: "ماذا لو أغلق القطاع الخاص مولداته زمن الذروة بدعوى الصيانة وهو في حقيقة الأمر ينشد التلاعب بالعرض والطلب في أسواق الطاقة الكهربائيه" ؟ هذا بالضبط ما فعلته شركة ENRON المخصخصه في كاليفورنيا فيما سمي لاحقاً بالتلاعب بالأسواق (Gaming the Market )، لكي تستفيد من فرو قات الأسعار بين التوليد الداخلي والتوليد الخارجي، وتلك نقطه سنعود إليها لاحقا عن عرض تجارب الدول الأخرى مع خصخصة الإمداد الكهربائي.
كفاءة الأداء وفعاليته:
أحد أهم مرتكزات دعوى دعاة الخصخصة تنافح بأن "التنافس" في ظل "حافز الربح" الذي توفره الخصخصة يؤدى إلى خفض الأسعار وزيادة الكفاءة مما يبدو "كتفكير رغبي" (Wishful Thinking ) في نظر معارضي الخصخصة بالنظر لفشل شركة هاليبرتون الأمريكية ( Halliburton ) في إعادة خدمات الكهرباء لبغداد لسنين عدة، بعد غزو العراق. ومن جانب آخر-- كما يقول منتسبوا "نموذج المصلحة العامة" --فإن "كفاءة الأداء وفعاليته"، في ظل سيطرة الدولة على مرفق الكهرباء، أكبر منها في حالة خصخصة المرفق وذلك لأن كلفة نظام الكهرباء بمجمله هي أقل تحت "رقابة الدولة الضبطية" (Government Regulation ) منها في ظل تنافس شركات عديدة وذلك لأن:
◊ الرقابة الضبطية – بما تبسطه من حماية و"احتكار كلى" ( أو جزئي)، للمرفق، كوضع قيود على دخول السوق-- تخفض مخاطر الاستثمار في هذا القطاع وبالتالي تخفيض "كلفة رأس المال" ((Cost of Capital مما يعنى أن مؤسسة الكهرباء تستطيع خفض "معدل ( متوسط ) الكلفة" في هذه الصناعة (Average Cost )، أكثر مما تستطيعه الشركات الخاصة ، لما ينطوي عليه تعدد الشركات من تبديد وهدر إقتصادى بسبب تشظى الصناعة عند "كسر دمجها الرأسي" ( Vertical Integration ).
◊ الكهرباء كجسم مدمج رأسياً ( من التوليد وحتى التوزيع ) تكون في وضع أفضل لجنى "ثمار اقتصاديات الحجم الكبير" (Economies of Scale).
من جانب آخر فأن الدفع بشركات عديدة لسوق الكهرباء، لا يضمن وجود "منافسه" بينهما، كما لا يضمن كفاءة أداء وفعالية تلك الشركات، وفق زعم دعاة الخصخصة وذلك لأسباب عده منها أن:
أ. أن الخصخصة لن تقود للمنافسة إذا كانت الصناعة ذات " احتكار طبيعي"( Natural Monopoly)، كما هو حال صناعة الإمداد الكهربائي.
ب. أن أكبر فرصه للمنا فسه – نظرياً – هي في "توليد الطاقة الكهربائي"، لكن قطب التوليد لا يمكن إسناده للقطاع الخاص لأسباب سبق ذكرها وبعضها سنذكره لاحقاً بينما فرص المنافسة في التوزيع ( أو النقل ) هي شبه معدومة
ج. قد تتوزع الشركات الخاصة في الأرياف المختلفة مما لا تتحقق معه مثل هذه المنافسة المزعومة وحتى إذا تحققت المنافسة –مثلا في المراكز الحضرية -- فأن ذلك من شأنه خفض أرباح تلك الشركات مما يحد من قدرتها علي دعم منا شطها في الأرياف، حيث تتضاءل فرصة الربحية.
د. قد تفرض هذه الشركات سعر موحد للكهرباء إستجابه لقرار حكومي – مثلاً في الوقت الذي يشكل السعر ( Price ) العنصر الوحيد لتحقيق "التفاضل والتمايز" وسط الشركات المخصصة في صناعة يتسم منتجها بعدم التمايز (Non–differentiated Product ) كم أسلفنا.
العدالة الإجتماعيه "وقشد الزبد"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (حديث شريف):
يدفع منتسبو" نموذج المصلحة العامة" بأن القطاع الخاص يفتقر الي الحساسية تجاه غمار الناس ، اذ أن جلّ همه ينحصر في تحقيق الربح في الأسواق الحضرية ( أي "قشد الزبد" Cream Skimming)، وهم في ذلك "أجرأ من الليل" --كما يقول المثل العربي --مما لا يفسح لمكان في فكره لقضية العدالة الإجتماعيه، فهم – كما يصدع بعضهم –"ليسوا جمعيه خيريه"، و"لا يستطيعون أن يخدموا الله والمال"، خاصة وأنهم ليسوا عرضه للمساءلة أمام الرأي العام كما أن المنافسة بينهم في الأسواق المربحة تقلص هامش الربح لديهم مما يقوض قدرتهم في دعم عملياتهم في الأقاليم غير المربحة كما أسلفنا.
الخصخصة ومقايضة الأصول بالدخول:
السؤال الذي يقفز للذهن هنا – إذن-- هو كيف يمكن إن تتم خصخصة الإمداد الكهربائي إذا كان تعويم الأسهم في البورصات يصطدم بضعف أسواق المال المحلية وفى ظل غياب احتمال تمليك تلك المؤسسات للعاملين عليها الخ ، مما ذكرناه ؟
البديل المتبقي الوحيد – بالطبع – هو تمليك المؤسسات الحكومية للشركات الأجنبية، لكن هناك اعتقاد راسخ بأن الصناعات الإستراتيجية – كمرفق الكهرباء ، وأصولها المملوكة للدولة وبالتالي للشعب ---لانبغى أن تطرح للبيع وان مقايضة تلك الأصول بالعائد المالي الذي توفره الشركات الأجنبية فيه الكثير من الزلل والخطل: لماذا ؟ دعنا نستدعى التاريخ والتراث معاً للشهادة هنا " ومن أصدق من الله قيلاً " ( النساء 122 ):
غرم الأيلولة ومقايضة الأصول السيادية – "درس عصر" من سليمان الحكيم ( عليه السلام ):
" ودا وود وسليمان إذ يحكمان في الحرث. إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين.ففهمناها سليمان " ( الأنبياء 78 ).
ماذا أوحى رب الجلالة لسليمان الحكيم ( عليه السلام ) ؟
لقد حكم النبي داوود ( عليه السلام ) بدفع الغنم لصاحب الحرث ( الزرع ) عوضاً له عما فقده من حرثه الذي أكتله غنم غريمه، لكن سليمان الحكيم – وبإلهام من الله سبحانه وتعالى رأي –وهو ابن أحد عشر عاماً – أن "الأصول " Assets) -- وهى هنا الغنم ) لاينبغى أن تدفع في مقابل" الدخل" ( Income وهو هنا الزرع ):
أ- وإنما الذي ينبغي أن يدفع لصاحب الحرث هو لبن تلك الأغنام ( لأنه – كما الزرع-- هو أيضاًَ "دخل" ) ! أي أن تدفع "الغنم" مؤقتاً لمدة عام لصاحب الحرث لينتفع بألبانها.
ب- وأن تدفع "الأرض" مؤقتاً لصاحب الغنم، ليقوم عليها طوال ذلك العام، حتى تعود لحالها الأول من الاخضرار.
ج- وفى نهاية العام، يترادان: الغنم والحرث كل لصاحبه الأصلي – أي أن سليمان الحكيم " جعل الانتفاع بالغنم بإزاء مافات من الانتفاع بالحرث، من غير أن يزول ملك المالك لغنمه ".
تجارب الدول مع خصخصة الإمداد الكهربائي – " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " ( الأعراف 176 ) " أن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" ( ق 37 )، وإنما تعرف الشجرة من ثمارها" :
تحرص غالب الدول – خاصة الصناعية الكبرى منها – على فرض "سقف مساهمه أعلى" للأجانب في ملكيه مرافقها وصناعاتها ألإستراتيجيه – هذا أن سمحت أصلاً بمثل هذا التملك فمثلاً:
1. فرضت الحكومة الفرنسية عام 2006 شروطاً صارمة على أحد عشر من الصناعات المفصلية وذلك لتقييد تملك الشركات الأجنبية لها.
2. شهدت المملكة المتحدة حمله ضخمه مشهورة حمل لواءها المؤتمر النقابي الإنجليزي لمقاومة بيع شركة ليلاند ( BLMC Leyland ) وإبقاءها بريطانية.
3. ظلت الولايات المتحدة لعشرات السنين لا تسمح للشركات الأجنبية بتملك أسهم في شركات طيرانها أكثر من % 25 ، ينما ظلت الدول الأوربية طوال هذا الزمن لا تسمح بتملك أكثر من % 49 من رأس المال في شركات الطيران الخاصة بها.
أما بالنسبة لتملك الأصول في مرافق الإمداد الكهرباء، فأن الحرص على تقييد الملكية الأجنبية فيها ينطلق من عدة محاور:
1. استلاب السيادة – " لو جاز أن يحو علاك وهبتها لكن من الأشياء مالا يوهب " ( أبو الطيب المتنبي ):
لا يختلف الناس في الشرق والغرب في كون قطاع الكهرباء هو مرفق سيادي وإستراتيجي في غاية الأهمية . لكن الدول الصناعية والمؤسسات الدولية لا تألو جهدا في ترويج ثقافة الخصخصة في الدول النامية رغم أن نفس هذه الدول –كما رأينا--لا تتردد في استعمال سطوتها لمنع خصخصة إمداداتها الكهربائيه حتى ولو كان مثل هذا المنع يمثل خرقاً بائناً لقوانين الإتحاد الأوربي التي وقعوا عليها والتي تسمح بتنقل رؤوس الأموال والبضائع والخدمات والعمالة عبر الحدود السياسية فمثلاً :
أ- الدول الأوربية وتقييد خصخصة الإمداد الكهربائي " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم "
( البقرة 44) :
◊ أثارت قضية تملك الشركات الأجنبية للأصول الفرنسية جدلاً وقلقا كبيرين لبرنامج فرنسا الخاص بتفكيك التأميم لمصلحة الخصخصة ( De-Regulation )، ، حيث كانت الدولة متمثلة في (Electricite de France--EDF) تسيطر على % 85 من التوليد و % 100 من النقل للكهرباء و%96 من توزيعها ، وانتهت الدولة الفرنسية إلى إبقاء الأصول Assets) ) في يد الحكومة مع السماح بخصخصة التشغيل فقط (Operation ).
◊ وعندما قامت شركة الكهرباء الإيطالية ( ENEL ) بمحاولة تملك شركة الطاقة الفرنسية الكبرى ( SUEZ ) ، قطعت الحكومة الفرنسية الطريق على تمرير الصفقة بدمج شركة الطاقة مع شركة الغاز.
◊ منعت حكومة أسبانيا تملك شركة الطاقة الألمانية ( F.One) لشركة الكهرباء الأسبانية (ENDESA).
ب- تجربة ولاية كاليفورنيا مع خصخصة الإمداد الكهربائي – " ما كل ما يلمع ذهباً ":
كنا قد أشرنا عرضاً لهذا الأمر فيما سلف، لكن نعود إليه الآن بالتفصيل:
كانت صناعة الكهرباء في ولاية كاليفورنيا قبل التحرير ( De-Regulation ) عام 1996 ترزح تحت نظام رقابي صارم، وقد انطوى التحرير على بيع محطات توليد الطاقة لشركات مثل " أنرون " ( ENRON ) و"ريلانت انرجى" ( Reliant Energy ). كل هذه الخصخصة قادت لازمة طاقه حادة بسبب قيام تلك الشركات بأبشع استغلال لقوانين وأجواء تحرير الطاقة وذلك من خلال ما سمى "بالتلاعب بالأسواق" ( Gaming the Market ) والذي اتخذ شكلين من الممارسات غير المشروعة هما:
◊ "موازنة الأسعار" و " غسيل الميقاواطس ":
في عالم المال هناك ممارسات معروفه يطلق عليها " موازنة سعر الصرف (Arbitrage of Exchange )، تقوم فيها سلطات البنوك ( أو غيرهم من المستثمرين ) بشراء الأوراق النقدية الأجنبية من الجهات التي تدنت فيها أسعار تلك الأوراق النقدية ومن ثم بيعها الفوري في الأماكن التي أرتفع فيها السعر. وقد عمدت شركتي ( انرون ENRON ) وشركة "الطاقة المعول عليها" ! (Reliant Energy ) بالإقدام على شئ مشابه، يمكن أن نطلق عليه هنا "موازنة الأسعار" Price Arbitrage) )، بين أسعار التوليد الداخلي في هذه الشركات وبين أسعار الطاقة المستوردة، إذ أن قانون تحرير الطاقة في كاليفورنيا يسمح بفرض أسعار أعلى للطاقة المستوردة. وما فعلته هاتين الشركتين هو:
أولاً: إخفاء مصدر ( أصل ) الطاقة التي يبيعونها، وادعاء أنها كلها مستوردة، وذلك لجنى فروقات الأسعار بين المولد منها محلياً والمستورد.
ثانياً: إيقاف محطات توليد الطاقة في أوقات الذروة بدعوى الصيانة وهم في حقيقة الأمر ينشدون التلاعب بالعرض والطلب في أسواق الطاقة الكهربائيه
◊ الجدولة المفرطة والمفتعلة لخطوط النقل:
قامت شركتي انرون وشركة "الطاقة المعول عليها" ! بحيله أخرى من حيل التلاعب بالأسواق وبالقدرات المتاحة لنقل الإمداد الكهربائي، وذلك بانتهاك قوانين نقل الإمداد الكهربائي من خلال جدولة ( حجز ) خطوط النقل بأكثر مما تحتاج إليه هاتين الشركتين Overscheduling) ) ، وبالتالي خلق "قصور مفتعل" في طاقات النقل يمكنهما من جنى رسوم احتقان ( Congestion Fees ) من الحكومة تعوضاً لهما عن تضررهما المفترض من اكتظاظ الخطوط وعدم قدرتهما للوفاء لعملائهما بتوريد الطاقة الكهربائيه إليهم !
جرد حساب الضرر القومي لممارسات شركتي " انترون " و " وريلاينت انرحى"—"حشف وسوء كيله":
◊ كانت نتيجة " لعبة السوق" هذه هي انقطاع التيار عن أجزاء كبيرة من ولاية كاليفورنيا ولفترات طويلة، وصاحب ذلك الانقطاع ارتفاع مفرط في أسعار الطاقة وتقلب أسعار الجملة بصوره واسعة وتقويض وثتوقيه ( إعتماديه Reliability ) إمدادات الكهرباء وسط المستهلكين – وبالمقابل – أعلنت شركة " انرون إفلاسها، " فكما تزرع تحصد " !
◊ العبرة المستقاة من هذه التجارب هي أن الإمداد الكهربائي – كسلعه غير مرئية ولايمكن تخزينها، فرص التلاعب فيه غير محدودة في ظل الخصخصة، و"مالا يصلح، تركة أصلح " وفق الحكمة العربية الخالدة.
" أمن الشر خياراً " ؟
تساؤل عربي قديم لم ينظر طويلاً قبل أن تأتى إجابته من شاعر إنجلتري المشهور "تشو سر" (Chaucer ): أجل: "أختر أهون الشرين"، "وكذلك بعض الشر أهون من بعض"، وهذا بالتحديد ما أقدم عليه الأقتصادى الأمريكي الأشهر ( والحائز على جائزة نوبل ) ميلتون فريدمان ( Milton Friedman ) وليس هناك من يستطيع أن يزايد على من هو أحد غلاة المحافظين ودعاة إقصاء الدولة عن كل نشاط إقتصادى حين يقول: " إذا كانت السلعة ضرورية ( كما في حال الكهرباء والمياه )، والقوى الأحتكاريه (الطبيعيه ) ذات حجم كبير، فأن بسط الملكية العامة أو الرقابة الضبطية ( Regulation ) من قبل الدولة، قد يكون أقل الشرور"! ، أو كما قال الكميت بن زيد الأسدى" إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً: فما حيله المضطر إلا ركوبها "!
يتبع
"وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ" (النحل 9) ، "فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" (الأنعام 149) ،
" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " (سبأ 24)
* بروفسير قريش مهندس مستشار وزميل في "الجمعية الهندسية " و خبير في المياه والنقل والطاقة والتصنيع، عمل مديرا للمركز القومي للتكنولوجيا ومحاضرا غير متفرغ بجامعة الخرطوم وبروفيسورا مشاركا في جامعتي ولاية مينيسوتا الأمريكية وجامعة الملك عبد العزيز ومستشارا لليونسكو بباريس و مستشارا للأمم المتحدة (الأسكوا) ، وهو حائزعلي الدكتوراه الأولي له في هندسة النظم الصناعية والنقل والتي أتم أبحاثها بمعهد M.I.T.)) . كزميل "مركز الدراسات الهندسية المتقدمة" ، و حيث قام بوضع مواصفات تصميمية أولية لطائرتين تفيان بمتطلبات الدول النامية وأثبت --بالمحاكاة الرياضية علي شبكات الدول النامية-- تفوقهما علي الطائرات المعروضة ، وهو أيضا حائز علي (M. Phil.) و علي دكتوراة ثانية من جامعة مينيسوتا الأمريكية في موارد المياه بتخصص هيدرولوجيا و هيدروليكا، وعلي ماجستير اقتصاد وبحوث العمليات ، و هومجاز كعضو بارز" من قبل "معهد المهندسين الصناعيين" وكعضو من قبل "معهد الطيران والملاحة الفضائية " الأمريكي و"أكاديمية نيويورك للعلوم" والجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين" و الجمعية الأمريكية لضبط الجودة والمعهد البريطاني للنقل ".
E-mail: gore0111@hotmail.com
///////////////