البعدين التقني والسيادي المغيبين في جدلية خصخصة الإمداد الكهربائي 3-4 . بقلم: بروفيسور/ محمد الرشيد قريش
بسم الله الرحمن الرحيم
من وحى الرقابة الضبطية على العلوم والتقانه – قراءة موضوعيه:
دراسة مهداه إلى كل من يهمه رفاه هذا البلد ورفاه أهليه
بعد التراجع عن خصخصة سودانير كما كنا قد دعونا،
والمطالبات الجديدة بدمج شركات الكهرباء
نجدد الدعوة لأعادة الدمج الرأسي التكاملي للإمداد الكهربائي
البعدين التقني والسيادي
المغيبين
في
جدلية خصخصه الإمداد الكهربائي
(3 من 4)
بروفيسور
د.د. محمد الرشيد قريش (مستشار هندسي)
مركز تطوير أنظمة الخبرة الذكية
لهندسة المياة والنقل والطاقة والتصنيع
استهلال:
بعد الفراغ من إعداد هذه الدراسة أفصحت الحكومة عن خطتها لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء ، وأوصت اللجان الخاصة المنبثقه عن مجلس الوزراء ووزارة الطاقة :
1) بإعادة هيكله الهيئة القومية للكهرباء وتحويلها إلى شركه قابضه وشركات تابعه تتمثل في:
أ- شركة للتوليد الحراري
ب- شركة للتوليد المائي.
ج- شركة لنقل الكهرباء.
د- شركة لتوزيع الكهرباء.
2) أن تكون شركة نقل الكهرباء مستقلة عن الشركة القابضة مستقبلاً لتمارس دورها السيادي في شراء وبيع الكهرباء.
3) أن تكون هذه الشركات المقترحة مملوكه لوزارة المالية.
4) أن بكون قطاع الكهرباء مفتوحاً للاستثمار المحلى والأجنبي ( أي للخصخصة
5) تعديل قانون الكهرباء لعام 2001 لتمكين الجهاز الفني من مراقبه هذه الشركات وحماية المستهلك وحصر دور الجهاز في وضع مواصفة الإمداد الكهربائي.
6) أن تحكم اتفاقيات شراء الطاقة العلاقة بين شركة النقل وشركتي التوليد والتوزيع.
إنشاء قطاع كهرباء بوزارة الطاقة ليضطلع بالدور السيادي ويقوم برسم السياسات العامة ووضع الخطط وإجراء الدراسات لإنشاء المحطات المائيه وتوفير الطاقة ومتابعه أداء شركات القطاع العام والخاص العاملة في الإمداد الكهربائي ( الرأي العام 31 ∕ 1 ∕ 2010 ).
الإهـــــداء:
ربما كان من المؤكد إن من أول ما ستناقشه السلطة التشريعية الجديدة في السودان في الأشهرالقليلة القادمة سيكون قضيه إعادة هيكلة الإمداد الكهربائي، وقضية خصخصة سودا نير ( وفق تصريح رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة بالتدقيق في خصخصة سودا نير – السوداني 5- 2- 2010 ) وكلا القضيتين – الإمداد الكهربائي وسودا نير – تتقاطع عندهما بعضاً من أهم القضايا وأكثرها رهقاً في الشأن السوداني، التقنية منها والإقتصاديه، السيادية منها والأمنية، والصحية منها والإجتماعيه، "فكل الصيد في جوف الفرا". ولتشابه حالة الصناعتين، سنعقد أولا هنا مقارنه بينهما ليدرك القارئ أن الكثير مما يرد هنا ينطبق عليهما معاً. و بعدها-- في آخر هذه الدراسة—سنتناول بالتحليل ، خطه الحكومة لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء
ومن المفيد التنويه هنا الي أن هذه الدراسة هي جزء من بناء فكري عريض ىتصدي لقضايا هذا البلد العصية منها والملحة والمستجدة بهدف تقديم الحلول للمشاكل التنموية المختلفة—بما في ذلك قضايا اختيار التكنولوجيا وتطوير القدرات الذاتية التقنية واطلاق مشروع قومى للنهوض بالتعليم الفنى والتقنى والهندسى فى القرن الحادى والعشرين و في مجال المياه شملت تلك المنظومة تحديد الهوية النيلية للسودان وحجم اسهامه في مياه النيل وتطوير نماذج رياضية لتحليل مسببات الفيضانات والسيو ل والتنبوء بأحجا مها وتقديم حلول للحد من أضرارها كما شملت تقويما تقنيا لتعلية سد الدمازين وترويض نهرالقاش علي نهج المعالجة عند الحوض بدلا من نهج جدار الفيضان والتنبوء بالطلب علي المياه ، كما عنت أيضا باستراتيجيات إعادة تأهيل ورفع كفاءة المنشئات المائية واختيار تقنياتها ، وفي مجال الطاقة ، اختصت باستراتيجيات إعادة تأهيل ورفع كفاءة محطات التوليد الكهربائي واختيار تقنياتها وبالشراكة الاستراتيجية التكاملية التي ينبغي أن تقوم بين قطاعات الصناعة والري والكهرباء لتصنيع مهمات الكهرباء ومعدات الري ولتوفير الطاقة لهما ، واختصت في مجال النقل بتصميم طائرات أكثر مؤائمة لظروف الدول النامية وكيفية رفع كفاء ة شركات الطيران و السكك الحديدية والنقل العام والخاص وإعادة تأهيلهم ومتطلبات إدخال واختيار الترام ودراسة حوادث الطائرات الروسيه والتشيكيه في السودان وحادثتى طائرتي أيربص السودانية و الفرنسية ، كما اختصت أيضا بالتحليل العلمي لمشاكل الأحتقان المروري وحلولها ومشاكل الأوزان والأحمال العالية وأثرها علي سلامة الطرق والكباري والتنبوء بالطلب علي وسائط النقل المختلفة ، وعنت في مجال الصناعة باختيارالنقنية في صناعات الحديد والصلب والألمنيوم والأسمنت وبنقل المواد البترولية ، واختصت في مجال البني التحتية بكيفية المحافظة علي استثمارات السودن فيها وإطالة أعمار المنشئات الهندسية، أما في مجال المعلوماتية فقد عنت تلك المنظومة بتحليل قانوني المعاملات الالكترونية والتوقيع الالكتروني و بتقديم تصور متكامل للخيارات الاستراتيجية لقطاع المعلوماتية وفرص استثمار القطاع الخاص فيها، , وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى” " ، ويمكن الأضطلاع علي تفاصيل بعض هذه القضايا في الموقعين الأسفيرين الأتيين :
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1257866678&func=flatview
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=1254489648&func=flatview
ولقد رأينا في هذا الصدد أن نهدى هذه الدراسة لكل من يهمه رفاه هذا البلد ورفاه أهليه، آملين من هذا "تنبيه الناس وإزالة الالتباس" ( وفق مقولة المفكر العربي الكبير عبد الرحمن الكواكبى المشهورة )، وذلك من أجل التأسيس لتنظيم وطني كفء يوفر الإمداد الكهربائي المستقر و"النظيف" وناقل وطني متميز، دون أن يغفل أياً منهما --في سعيهما لتحقيق الكفاءة والتميز -- قضية العدالة الإجتماعيه. وقد جاء في حديث الرسول ( ص ): (لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه إلى الحق، فأن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ). "ولا ينبئك مثل خبير" ( فاطر 1)
تصنيف المؤسسات وفق التقنية التي تتبناها:
من خلال تصنيف المؤسسات وفق " القيم المرجيعه " التي تتبناها، استطعنا أن نعرض "البعد الإقتصادى والإجتماعى" لخصخصة الإمداد الكهربائي ، وذلك من خلال تقديم دفوعات طرفي جدلية خصخصة مرفق الكهرباء. وبالمقابل – فأن تصنيف المؤسسات وفق "التقنية التي تتبناها" سيمكننا من كشف الخواص التقنية للإمداد الكهربائي وبالتالي استدعاء "البعد التقني الغائب" في جدلية خصخصتة والتعقيدات التقنية التي ينطوي عليها تخطيط وتشغيل مرفق الكهرباء.
تصنيف التنظيمات الصناعية – وفق التقنية التي تتبناها --يكشف عن ثلاث أنماط من المؤسسات:
(1) المؤسسات التي تعتمد اصطفاف مجموعه متمايزة من التقنيات عالية الكثافة التكنولوجية Intensive Technology) )، يتم مزجها معا ليصاغ منها منتجاً معيناً وفق متطلبات المستهلك (كما في حالة المستشفيات). وقد حرصت بعض الدول – كالهند – على إبقاء أغلب هذه المؤسسات عالية الكثافة التقنية تحت مظله الدولة.
(2) المؤسسات التي تتسم بتقنيه وسائطيه ( Mediating Technology ) والتي تربط – بصوره نافعة – أطرافاً متنافرة، وذلك لتقديم "خدمات معياريه" لعدد كبير من الناس، (كما تفعل شركات الاتصالات والبنوك)، مما يسهل إخضاعها للخصخصة.
(3) المؤسسات "ممتدة الترابط التقني" ( Long-Linked Technology ) والتي تنطوي على "حلقات متصلة" من الاعتماد المتبادل ( Serial Interdependence ) والمتكامل مع بعضه البعض، (كما في حاله النظام الصناعي لتجميع العربات -- والمسمى بنظام ديترويت --، وكما فى مرفق السكة حديد، والطيران وصناعه الكهرباء ).
المؤسسات "ممتدة الترابط التقني – كمؤسسات الكهرباء--يحكمها ما يسمى " كلفة (ثمار) شوارتز لفك الارتباط" ( Schwartz De–Coupling Effect )، بحيث لايمكن اختيار تقنيه الأقطاب المرتبطة ببعضها البعض ، مثل "التوأم السيامى" ، ( "كالسيارة وخط التجميع"(Assembly Line)، "والطائرة والمطار"، و"القاطرة والسكه الحديد" التي تجري عليها، و"التوليد الكهربائي وخطوط النقل" التي تنقله الخ …) بمنأى عن بعضها البعض إلا بكلفه باهظة، كما انك لا تستطيع فصم عري هذه الرابطة "السيامية" العضوية في إطار التنظيم الصناعي إلا ولاحقتك لعنة هذه التجزئة ! – كما سنرى هنا عن قريب.
"الخواص التقنية" لصناعة الكهرباء – الدور الغائب في جدلية خصخصتها:
منظومة الإمداد الكهربائي—كما هو معروف-- تتكون من ثلاث عناصر هي: التوليد والنقل والتوزيع لكن من منطلق تقنى فهي تنقسم – في إطار التنظيم الصناعي-- إلى قطبين اثنين ، وذلك لأسباب نوهنا إليها من قبل وستتضح أكثر وضوحا لاحقاً:
1. قطب تخليق ( توليد ) الطاقة ( Power Generation ).
2. قطب توزيع الطاقة ( Distribution ( Power
ويبدو أن منطق" الزوحيه الوظيفية"، كسنة للكون، والذى كنا قد أشرنا إليه في مقالات سابقه ( الرأي العام 30/8/2008 والسوداني 22/11/2009 ) يسود هنا أيضاً، بمعنى أن أحد القطبين أعلاه (وهو التوليد ) ينطوي على مهام عالية الجهد ( مثلاً درجه عالية من الميكنة واحتياجات لقوى عامله عالية التأهيل ومتجانسة لكنها محدودة العدد ) لكن هذا الجهد موقوت ومحدود زمنياً (One-shot - كما في حالة الجهد المبذول في الإقلاع والهبوط الجوى )، مما يوفر" استراحة محارب" بين مهمة وأخرى، بينما ينطوي القطب الأخر ( التوزيع ) على مهام متدنية الجهد ( مثلاً درجه منخفضة من الميكنة واحتياجات لقوى عامله أقل تأهيلاً لكنها أكثر عدداً )، لكن هذا الجهد متواصل لازمان أطول ( كما في الجهد المبذول في التطواف Cruise عند الطيران ).
وفق هذا المنظور يمكن القول بأن أداء مؤسسات الكهرباء وبالتالي قضية الخصخصة – تعتمد لحد بعيد على عنصرين
1. تقنية التوليد – حرارية أم مائية.
2. التنظيم الصناعي – أي انضواء التوليد والتوزيع في منظومة واحدة أو أكثر.
مقارنة الخواص التقنية لقطبي التوليد والتوزيع الكهربائي وحاكميتها على فرص الخصخصة:
خواص قطب التوليد:
يتسم قطب التوليد بكثافة ومحورية منشط البناء والتشييد (Construction-Intensive ), وهو قطب لا يسمح بإعادة جدولة أيا من مهام الصيانة والتشغيل (O & M ) بإحلالهما مكان البناء والتشييد ، كما هو محكوم بنافذة زمنية ومكانية ضيقة، لذلك فإن هذا القطب "غير قابل للقسمة" تقنيا، مثله في ذلك مثل بقية السلع العامة (Public Goods )
خواص قطب التوزيع:
في مقابل ذلك ، يتسم قطب التوزيع بكثافة العمليات والإدارة والتشغيل ( (Operation-Intensive حيث تطغى فيه عمليات البيع ، مع عمليات هندسية أدنى. وبما أن مهام التشييد هنا قصيرة المدى الزمني ، فإنها أكثر قابلية للقسمة (More Divisible )، مما يسمح بنشرها على مساحات زمنية ومكانية أوسع، كما أنه يمكن إعادة جدولة كلا من الصيانة والتشغيل ( O & M ) و إحلالهما محل التشييد، لسعة المساحة الزمنية والمكانية المتاحة، مما يجعل قطب التوزيع أكثر مدعاة للقسمة التقنية مثله في ذلك مثل السلع الخاصة (Private Goods ).
جانب سلبي في الدمج الرأسي للأمداد الكهربائي:
وجود التوليد والتوزيع في تنظيم صناعي واحد – كما هو الحال في الدمج الرأسي ( Vertical Integration) لمنظومة الإمداد الكهربائي الحالية، يقود عادة إلى "ذهنية تشغيلية"، تتسم بهيمنة منشط التوزيع ( عالي التشغيل) على منشط التوليد ( عالي كثافة "البناء"), وهذا هو –عادة- أحد أسباب تدهور أداء مؤسسات الإمداد الكهربائي- والطيران أيضا.
الرابطة "السيامية" بين التوليد والنقل:
كما نوهنا من قبل، فان مؤسسات الإمداد الكهربائي لا تسمح بجني كلفة ( ثمار) شوارتز لفك الارتباط فيها, (Schwartz's Decoupling Effects) بفصل "الرابطة السيامية" بين منظومة التوليد ومنظومة النقل، وذلك لأن منظومة نقل الإمدادات الكهربائية الكفئة يجب أن تصمم وتشاد بصورة دقيقة وفق الطاقة المولدة، ولهذا يطلق على قطبي التوليد والنقل " منظومة التوليد والنقل المركبة"(The Composite Generation-Transmission System).
الترابط الممتد على نطاق الإمداد الكهربائي:
بل – وكما أشرنا من قبل-- فأن صناعه الإمداد الكهربائي تنطوي على مؤسسات ممتدة الترابط التقني ( Long–Linked Technology ) أي أنها تنطوي على حلقات متصلة من الاعتماد المتبادل، كالعلاقة بين "منظومة التوليد والنقل المركبة" و بين قطب "التوزيع" فمثلاً:
i. رغم أن قطب التوزيع يشكل عادة %50-35 من استثمارات الإمداد الكهربائي إلا أن ما يحدد أسعار الكهرباء للمستهلك-- لحد بعيد --ليس هو "حجم الاستثمارات"في شبكة التوزيع بل "كلفة" ذلك التوزيع، فان ارتفعت كلفة التوزيع، مثلا بسبب عدم كفاءة شركات التوزيع المخصخصه، فان ثمن عدم هذه الكفاءة سيدفعها المستهلك.
ii. من جانب آخر فان استثمارات الدولة في "منظومة التوليد والنقل المركبة"، وتحقيق الاستقرار الأدائي للتيار الكهربائي ولمنشط الكهرباء بمجمله وتحقيق السلامة ورضا الجمهور كل ذلك يعتمد على حسن أداء شركات التوزيع وعلى دقة المعلومات التي توفرها هذه الشركات.
انخفاض الجهد والتحميل الزائد:
يخضع قطب التوزيع لانخفاض الجهد ( Undervoltage ) كما أنه – على عكس قطب التوليد-- ذو قابلية أعلى للتحميل الزائد ( Over Loadable )، وتجاوز التحميل الأمثل مما يتسبب في إعطابات متكررة، فمثلاً إن الإفراط في قدرات النقل ( Over Transfer Capacity ) في المحطات الفرعية Substations) ) ، والإفراط في تحميل ( دوائر ) الخط ( في منظومة التوزيع المعلقة) خاصة أثناء طلب الذروة – Peak Load - كل ذلك يؤدى إلى تدنى جودة ( نوعية أو "نظافة" ) الإمداد الكهربائي، بل وقد يؤدي حتى للإطفاء التام، لكن بالمقابل، فأن معدات التوزيع تتسم بأنها سهلة التركيب ( مع أنها أقصر عمراً ) وأسرع فى الصيانه ( التي يمكن أيضاً هنا تأجيلها )، هذا يعنى أن التحميل الزائد ( Over Load ) عند شبكات "التوزيع" هو أقل ضراوة منه عند "التوليد"، والأحمال ذات جهد منخفض لدى شبكات التوزيع، كما أسلفنا.
مخاطر الاختلال ( وعدم التوازن ) في قطاع الطاقة الكهربائية:
أحد الخيارات البديلة لمقترحات الحكومة، هي تولى الدولة "لمنظومة التوليد والنقل المركبة"، مع دفع مسئولية التوزيع للقطاع الخاص، لكن مثل هذا الترتيب يحمل في طياته احتمال الاختلال Imbalance) ) بين برامج التوسع والنمو في منشئات التوليد والنقل، وبرامج القطاع الخاص للتوسع في شبكة التوزيع، فقد يحدث -- مثلاً – إفراط في التوليد بالتزامن مع ضمور في شبكات التوزيع على المستوى المحلى.
نقلات نوعيه في إستراتيجية التخطيط للإمداد الكهربائي:
كانت إستراتيجية التخطيط للطاقة الكهربائيه ً لزمان طويل و علي نطاق العالم، تركز على ضبط إيقاع التوليد، لتعقب الطبيعة العشوائية للعرض والطلب، وينحصر الاهتمام بالاستخدامات النهائية للطاقة على خفض ذروة الطلب Peak Demand) ) .لكن قبل وقت ليس بالبعيد تحولت هذه الإستراتيجية إلى الاهتمام بكفاءة الاستخدامات النهائية للطاقة، مما يتطلب تحقيق أقصى قدر من الفعالية، والضبط المتزامن (Simultaneous ) على ثلاث جبهات:
أولا، السيطرة المباشرة على الطلب (Demand – Side Control ) وذلك من خلال:
◊ إعادة تشكيل نمط الأحمال ( Reshaping Load Pattern ) لرفع الكفاءة التشغيليه.
◊ استبدال "ضبط" التوليد بدرجات أكثر سعه ومرونة من المطابقة والتجانس (Matching Flexibility
ثانيا، ضبط الإمداد ( Supply ).
وثالثا، ضبط نقل الطاقة ( Transmission ).
وقد صاحبت هذه النقلة النوعية الدعوة لنقله فكريه أوسع تطالب مؤسسة الكهرباء بأن تكف عن النظر إلى نفسها كمنتج للقدرة ( أو القوه المحركة Power Producer )، إذ أن إنتاج القدرة – مثله مثل أي "نمو" ( Growth ) هو "نشاط مؤقت"، وبالتالي ينبغي أن ينظر إليه "كمنشط ثانوي" لمؤسسة الكهرباء، بعد منشطها الوظيفي الأول والذي يتمثل في كونها " مورد للطاقة " ( Energy Supplier ). مثل هذه النقلة في تصور دورها، يلزم مؤسسة الكهرباء بأن تركز على:
◊ الالتزام بخفض الطلب على الطاقة ( مثلاً من خلال سياسات تحسين كفاءة الاستخدامات النهائية للطاقة الخ ).
◊ إبدال استهلاك الطاقة الكهربائيه بطاقات أخرى – وسنعود لهذه النقطة لاحقاً.
الخصخصة من زاوية التوليد الحراري والمائي:
كما أسلفنا، فأن قرار الخصخصة وأداء شركات الكهرباء يعتمد لحد بعيد على "تقنية التوليد المختارة" – حرارية منها أم مائية، بجانب "التنظيم الصناعي" المتبع– المدمج رأسياً أم غير مدمج . دعنا نعقد مقارنه هنا -- بإيجاز -- بين تقنيتي التوليد المائي والحراري واثرهما على فرص خصخصة الإمداد الكهربائي.
خواص التوليد الحراري من منطلق الخصخصة:
◊ لا يسمح التوليد الحراري (Thermal Power Generation) بفصل "منظومة التوليد والنقل المركبة" عن منشط "التوزيع"، إلا بكلفه عالية كما رأينا، وذلك بسبب " التجعد الكتلى" المؤسسي للتوليد Institutional Lumpiness) )، فالتوليد الحراري – إذن– يدفع في اتجاه التكامل الرأسي Vertical Integration) ) لمؤسسة الكهرباء.
◊ رغم أن التوليد الحراري ليس له قابلية "للتجزئة الوظيفية" ( (Functional Divisibility ، إلا انه قابل "للتجزئة المالية" ( Financial Divisibility ) وهو أمر مرحب به في الدول النامية ذات الموارد المحدودة.
◊ التوليد الحراري لا يوفر "منطقه عازله" بين " التوليد" و "التوزيع"، بسبب قصر خطوط نقل الطاقة فيه، وبالتالي ليس هناك حدود صارمة بين التوليد والتوزيع.
خواص التوليد المائي من منطلق الخصخصة:
◊ التوليد المائي (Hydroelectric Power Generation) يعود جل نفعه للمجتمع عامه، بدلاً عن الشركات المخصخصه.
◊ للتوليد المائي قابليه أكبر "للتجزئة الجغرافية" ( Geographic Divisibility ).عن غريمه التوليد الحراري
◊ للتوليد المائي قابلية أكبر "للتجزئة الوظيفية" ( Functional Divisibility )
هذا يعنى أن التوليد المائي يسمح بفصل "التوليد" ( أو "منظومة التوليد النقل المركبة") عن "التوزيع" ، بحيث يمكن التفريق بين القطاع العام والقطاع الخاص، أي أن التوليد المائي قابل "للخصخصة"، ليس فقط في" التوزيع"، بل – وعلى عكس التوليد الحراري – أيضاً في"التوليد"، وذلك من خلال سماحه بإقامة منطقة عازله ( !"No-Fly – Zone" ) تتمثل في خطوط النقل الطويلة التي تفصل بين "التوليد" و" التوزيع"، وهذا --بدوره--يسمح بتعايش مؤسسات متنافرة ( عامه أو خاصة ) تعمل معاً على توفير الإمداد الكهربائي، بل – وأهم من هذا- رغم أن وجود مؤسسه عامه واحده هو أكثر كفاءة وأقل كلفه، إلا أن "التعايش السلمي" بين الشركات العامة والخاصة في ظل التوليد الكهربائي المائي ، يسمح لهم بتطوير مشاريع هايدروكهربائيه متعددة وعلى نهج تدريجي ("Staged" or "Piecemeal" Development )، مما ييسر لهم الحصول على رأس المال والقوى المؤهلة أكثر مما تقدر عليه البرامج المدمجة رأسياً في ظل التوليد المائي الاحتكاري للقطاع العام.
خصخصة الإمداد ا لكهربائي بين مطرقة التعقيد التقني و ضبابية التخطيط والتشغيل—
البعد الغيبي في ادارة منشط الكهرباء كعائق أمام خصخصة التوزيع :
" أن نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين" (الجاثية 32)
"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء" (الأعراف 188)
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكن عن علم ما في غد عمي ( زهير بن أبي سلمي ) .
يتسم أفق التخطيط و بيئة التشغيل -- في جانبي العرض والطلب علي الإمداد الكهربائي-- بالالتباس (أو الضبابية ) وغياب اليقين (Uncertainties) اللذان يسمان جّل جوانبهما ، ويقف الالتباس ( أو الضبابية ) في بيئة التوليد والتوزيع في مغايرة صارخة مع بيئة النقل (Power Transmission) الساكنة نسبياً، رغم أن الأخيرة عادة هي الأكثر مسئوليه عن قطوعات التيار الشاملة في الدول النامية. الإ إن هذه الضبابية في بيئة التوليد والتوزيع يغفل أمرها عاده الكثيرون من دعاة خصخصة الإمداد الكهربائي وهي ظاهره تتمثل أساساً في خمس عناصر هي:-
السمة العشوائية والالتباس المتأصل في نظام التوليد الكهربائي (Stochastic Supply)، كالانقطاع القسري للتوليد (Forced Outage )، وتقلبات توفر المياه للتوليد المائي ومخاطر تأخر تكملة المنشئات وفق جدولها الزمني وفي حدود ميزانياتها المعتمدة.
السمة العشوائية والالتباس المتأصل في نظام التوزيع (Stochastic Demand)، مثل التغيرات اليومية الديناميكية في الطلب علي الطاقة، والطلبات العشوائية علي خدمات الإمداد الجديدة، وضبابية نمو الأحمال وتبدلها (Load Variations )، واحتمالات الخطأ في التنبوء بالطلب علي الطاقة (Demand Forecasts) الخ …
المخاطر التقنية في "نظام التوليد"، كفشل المولدات للعمل وفق سعاتها المقدرة (Capacity Rating)، أو وفق عمرها المقدر، أو مخاطر مفارقه المعدات "لأعتماديها الأدائية" المتوقعة (Reliability Risk)
المخاطر التقنية في "نظام التوزيع"، كالتغيرات في المحولات ( (Transformer Changes ومخاطر "الأحداث العشوائية"، كالعواصف ن أو تعرض أعمدة الكهرباء للاصطدام الخ …
مهددات استقرار التيار (Power System Vulnerabilities) والتي تتمثل في عنصرين:
◊ نقاط الضعف ومخاطر الإعطاب لمكونات نظام الطاقة الكهربائية (Individual System Components )، كقابلية التوليد والنقل والتوزيع للإعطاب مثل:
قابلية عناصر الضبط والاتصال للإعطاب ( كإعطاب المرحلات (Relays) والمفاتيح الكهربائية (Switches)، الخ …
الأخطاء البشرية:
الخطأ البشري الأتصالي، كالخطأ في تفسير أوامر غرفة الضبط (Communication Error)
الأخطاء المتصلة باتخاذ القرار غير الصائب (Decision Error)
أو الأخطاء المقصودة (Non-Compliance Error )، كالخرق المتعمد لأجراءت التشغيل
وأخطاء غياب الكفاءة (Lack of Proficiency)
والأخطاء البشرية الإجرائية (Procedural Errors)، كإدخال بيانات خاطئة علي لوحة الضبط الخ… أو أعمال المفاتيح الكهربائية بالخطأ ، وبالتالي قطع الإمداد الكهربائي.
◊ نقاط الضعف ومهددات الإعطاب الدينامكية الداخلية لنظام الكهرباء بمجمله (Whole System Internal Dynamics)، مثل الاندفاعات الكهربائية العابرة (Transient Surges) ، إذ أن أداء الشبكة يعتمد علي تحقيق عنصري التوازن (Balance) والتوقيت (Timing)، إن كان لها أن تتمتع بأداء مستقر، وهو أمر تهدده مثل هذه الاندفاعات الكهربائية غير المنضبطة.
التعقيد التقني كعائق أمام شركات التوزيع المخصصة –" واني لهم التناوش من مكان بعيد "
( سبأ 52)
خلصنا من عرضنا للخواص التقنية للإمداد الكهربائي إلي عدم نجاعة فصل "التوليد" عن "النقل"، إلا في حالة التوليد المائي، وأن المنشط الوحيد المفتوح أمام الخصخصة الراشدة للإمداد الكهربائي في التوليد الحراري هو خصخصة التوزيع. ثم أوضحنا كيف انه حتى هنا إن ضبابية بيئة التخطيط والتشغيل تمثل احدي طرفي الرحى التي تعيق تخطيط مرفق التوزيع. والواقع أن شركات التوزيع المخصصة ستجد نفسها بين سندان هذه الضبابية ومطرقة التعقيد التقني . فإدارة مؤسسات الكهرباء هي أشبه "بمسار التيه"، بسبب تعدد وتعقد دهاليزها ( من أعمال التصميم والتخطيط والتحليل الهندسي واختيار التقنية الخ…).
المشكلة هنا هي أن شركات التوزيع الخاصة بعيده كل البعد عن هذه المجالات، ليس فقط من حيث الخبرات السابقة بل وأيضاً من حيث توفر القوي العاملة المؤهلة التي تستطيع سبر غور هذا التيه، ويمكن تقريب معني الآية الكريمة أعلاه في هذا الصدد بالقول بأنك عادة لا تصيب مبتغاك وأنت في منأي عنه، تماماً كما إن المبارزة مع الغريم (Hand Combat ) لا تتحقق إلا بالالتحام المباشر !
لكن دعنا الآن نفحص بعض جوانب ضراوة "مطرقة التعقيد التقني" هذه علي شركات الإمداد الكهربائي المخصصة عامه، وعلي شركات التوزيع منها خاصة.
التعقيد التقني في نظام التشغيل:
ما نوع التحدي التقني الذي يمثله التشغيل للقطاع الخاص؟
بإيجاز شديد، نقول أن هذا الأمر يتمثل في أن إدارات الإمداد الكهربائي الخاصة سيكون عليها دوماً وبصوره مستمرة – تقصي ورصد --ومن ثم الاستجابة-- لأهداف متعددة ودوماً متحركة، وهو تحدي يمكن إجماله في ست "حزم تقنية" من الصعاب التي ستكون علي القطاع الخاص مواجهتها:
متابعة الطلب علي الكهرباء مع مضاهاة تناغم العرض ( التوليد ) مع الطلب ومع أحمال الذروة، هذا غير ترشيد استخدام الوقود وتقليل كلفه التشغيل وتأمين نظام الإمداد بمجمله (System Security)، مع حمايته، بكل ما في هذه الأهداف من تضاد كبير أحياناً.
توفير الضبط الدائم لنظام تشغيل ديناميكي (Dynamic Adaptive Control ) متعدد المستويات بدءا ب:
◊ مقابلة متطلبات التوليد ومتابعة الأحمال (Load Following ).
◊ متابعة المتغيرات الدورية ( Cycling)، كالتنبؤ بالأحمال (Load Forecasting)، واختيار سياسات "ذرف " ( طرح ) تلك الأحمال في حالة قصور الإمداد (Load Shedding)، هذا بجانب انسياب القدرات (Power Flow ).
◊ إبقاء عين دائما يقظة، لمتابعة تقلبات وضع النظام بمجمله (System Status)، مابين الحالة العادية (Normal Status )، و"حالة التنبيه غير المحصنة" (Alert Status)، وحالة الطواريء ( Emergency Status) ، وصولا إلي "الحالة الطرفية المنفسخه"
(In-Extremis ).
تعقيدات رحله العودة بالأوضاع إلي سابق حالها (Restorative Status)، واستعادة التيار المنقطع، بداء من إعادة تحقيق تزامن المولدات (Generator Synchronism )، الي موازنة مفاعلة الأحمال والخطوط (Reactive Balancing of Loads & Lines)
ضبط الجودة، والذي يشمل-- في حالة نظام التوزيع المخصص --مثلاً:
◊ بسط الرقابة الضبطية علي الجهد، واستمرار الخدمات ((Energy Efficiency وكفاءة التشغيل ومرونته (Energy Effectiveness)، مع خفض الكلفة في كل ذلك.
◊ ضمان جودة الخدمة (Service Quality )، والمتمثلة في المحافظة علي استقرار الجهد –(مثلا بين -6 % & -13 %) ، وذلك:
* لتفادي حدوث انخفاض ذلك الجهد (Undervoltage (Sags & Dips، بكل ما في ذلك
من الأضرار بالمستهلكين والمتمثل في خفض الاضاءه، وفي تسخين الموتورات وخفض
كفاءتها أو في إفراطها في استخدام الطاقة.
* ولتفادي الانزلاق إلي حاله الجهد المفرط Over-Voltage(Impulse/ Spikes/Surges)
بكل ما في ذلك من كلفه، مثل الفقدان المفرط للحرارة في قلب الموتورات، مما يؤدي إلي
هدر الطاقة وربما الإضرار بالموتورات وإعطابها.
* ضمان المحافظة علي الشكل " الموجي الجيبي " للجهد الكهربائي ((Sinusoidal Wave Form وعلي استقرار التردد.
* تأمين السلامة في كل جوانب عملية التشغيل تلك.
تصميم وتطور استراتجيات دقيقة وفعاله لمقابله تحديات هذا التعقيد التقني في التخطيط والتشغيل والتي تتضمن:
◊ ضبط تردد خطوط الوصل (Tie Line Frequency Control).
◊ توزيع اقتصادي للأحمال ( Load Dispatch).
◊ ضمان انسياب ( تدفق ) أمثل للقدرات ( أو القوة المحركة (Optimal Power Flow
◊ ضبط "معدل انسياب الجهد" – فولت امبير مفاعل ( VAR Control)
◊ الجدولة التصحيحيه.
◊ إدارة الأحمال وضبط الحالات الطارئه.
◊ تبني نظام حماية أنظمة الترحيل ( الإبدال ) الواقية (Protective Relaying).
لقد أصاب الأعراب حين قالوا " قتل أرض عالمها"، أي أن العالم بتضاريس تلك الأرض يقطعها ولا يضل، لكن الجاهل يهلك فيها لجهله بأحوالها وظروفها!
تعقيدات التصنع المحلي للمهمات الكهربائية والمائية ومكونات محطات التوليد والشبكات -- هل يستطيع القطاع الخاص التعامل معها ؟
ما من مرفق للإمداد الكهربائي وطني، إلا ينبغي عليه أن يشرع في وضع خطط للتصنيع المحلي للمهمات الكهربائية ومكونات محطات التوليد والشبكات. وفي مقتبل السنة الجديدة لبي مجلس إدارة "شركة التوصيلات والمعدات الكهربائية" البولندية دعوة الهيئة القومية للكهرباء في السودان لزيارة البلاد لاستكشاف فرص التعاون في إدخال ماكينات تعمل بالكهرباء لجني ثمار الفرص الزراعية التي وفرتها كهرباء سد مروي. لا تثريب في ذلك ، "فرحلة الألف ميل – في بناء القدرات الهندسية ( بعد أعمال التصميم والإنشاءات، في التصنيع المحلي لمعدات الإمداد الكهربائي ) تبدأ بخطوة واحده" ! ، لكن دعنا ننظر فيما ينبغي أن تخطط له الهيئة القومية للكهرباء، أو من يرثها من الشركات العامة والخاصة لتطوير قدرات ذاتية في مجال التصنيع المحلي للمهمات الكهربائية ومكونات محطات التوليد والشبكات الكهربائية، وهو أمر تفرضه المتطلبات العالية لتصنيع مثل هذه المعدات وإسقاطاتها الهامة (Fallout Effects)، مثلاً علي الصناعات الكيمائية والمسابك وصناعات الحديد والصلب الخ، …وفي نفس الوقت فان تعقيدات مثل هذا التصنيع هو إضافة كبري لضراوة " مطرقة التعقيد التقني"، والتي تنتظر شركات الإمداد الكهربائي المخصخصه.
وفي الواقع ، هناك هرم "سداسي السلالم" يمثل هذا التصنع ، بحيث يتدرج في التعقيد التقني من قاعدته إلي قمته:
◊ أول درجات هذا الهرم تتمثل في تصنيع العناصر الأساسية كالأعمدة الخ …
◊ ثاني الدرجات، تنطوي علي تخطيط وتصنيع العناصر متدنية التقنية، مثل تصنيع الأنابيب والوصلات (Pipes & Fittings )، ووضع المواصفات المفصلة لتصميم المحطات المائية الصغيرة (Power Plant Type, Rating & Siting)، وتجميع وتركيب معدات المحطات المائية الصغيرة (Small Hydro )
◊ المرحلة الثالثة في هذا السلم الهرمي تنطوي علي تصنيع كيبلات التوزيع والعازلات الكهربائيه والحرارية، وتصنيع المولدات الصغيرة، وتشييد المحطات الفرعية، ونصب أنظمة النقل ((Transmission Systems
◊ الدرجة الرابعة في السلم تنطوي علي تصنيع المحولات الكهربائيه (Transformers)، والموتورات الكبيرة ذات التيارات المترددة (AC Motors)، الخ…
◊ الدرجة الخامسة في السلم تنطوي علي تصنيع المراجل عالية السعه (Boilers)، وتصنيع التوربينات البخارية والمولدات وأجهزة القياس والتحكم (Control Instruments ).
◊ المرحلة السادسة والاخيره، وهي قمة التعقيد التقني (في التصنيع المحلي للمهمات الكهربائيه ومكونات محطات التوليد والشبكات)، تنطوي علي تصنيع التوربينات الغازية ومعدات الإرسال ومراكز الضبط الخاصة بالتوزيع والمدارة بالحاسوب (Dispatch & Control (Systems
من الجلي—إذن-- إن مثل هذا السلم الهرمي، والمسار التقني المرتبط به، له تدرج منطقي ومترابط، لكن المشكلة هي:
إن القطاع العام – ناهيك عن الشركات المخصصة – لا يبدو أن لأي منهم إستراتيجية فعاله ( تبدأ بتبني سياسة إحلال الواردات وصولاً لسياسة الترويج للتصدير )، وذلك لتحقيق قدرات التصنع المحلي لتلك المهمات، مما يعني أنهم قد لاً يدركون أهميه هذا التدرج المنطقي في هذا التصنع والتعقيد التقني الملازم لكل مراحله، مما ينجم عنه القفز علي الدرجات، وفق الفرص الأستثماريه ألمغريه في ظاهرها التي قد يطرحها سماسرة التصنيع الأجانب بالدفع "بتجميع" (Mere Assembly) لهذه المهمات تحت زعم (وهم ) "تصنيعها" !
إن بناء قدرات تصنيع المهمات الكهربائيه ( والمائية )، ومكونات محطات التوليد والشبكات تتطلب "التكامل" مع القطاع الصناعي (والزراعي-المائي) وهو أمر غير موجود حالياً ، ولهذا الكاتب دراسة كاملة عن "إنشاء شراكة ذكية بين الهيئة القومية للكهرباء وبين مرافق الصناعة والزراعة والمياه" ، تتمثل في إنشاء المجمعات الزراعية الصناعية ((Agro-Industrial Complexes، وفي التعاون المتأذر في تحديد مواقع المرافق (Synergistic co-siting of Industrial Facilities)، وفي تصنيع المهمات الكهربائية والمائية، وفي إنشاء المحطات الكهربائية ذات الأغراض المزدوجة (Dual Purpose Plants) ومحطات الوليد المشترك (Co-Generation Plants) الخ…
واضافة ، فان من التحديات التى تواجه القطاع الخاص ، هنالك أيضا:
◊ الاختيار الكفْ للتكنولوجيا ونقلها الفعال.
◊ التغلب علي العقبات المؤسسية التي تقف في وجه مثل هذا التصنيع، والتي تتمثل في:-
* صغر حجم الأسواق المحلية.
* غياب سياسة حكومية واضحة في هذا الشأن.
* نقص الخبرات وغياب مكاتب الاستشارات ومعامل ضبط الجودة وورش الصيانة المطلوبة لإنجاز هذا العمل.
* ضعف أو انعدام المعايير الفنية الواضحة في هذا الشأن الخ
كل هذا يجعل إمكانية نجاح أي تخصيص لمرافق الإمداد الكهربائي، بل وحتى مرفق التوزيع وحده. سيكون في أحسن حالاته غاية في الصعوبة، إن لم يكن محكوماً عليه بالإخفاق التام ومن ثم التراجع عنه كما فعلت بريطانيا في الكثير من مشاريع االخصخصه فيها، لكن بعد إهدار الكثير من الموارد النادرة، وفي بلد -- ليس كبريطانيا – لن يتمكن اقتصاده من أن يمتص مثل هذا الهدر للموارد الشحيحة !.
يتبع
"وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ" (النحل 9) ، "فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" (الأنعام 149) ،
" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " (سبأ 24)
* بروفسير قريش مهندس مستشار وزميل في "الجمعية الهندسية " و خبير في المياه والنقل والطاقة والتصنيع، عمل مديرا للمركز القومي للتكنولوجيا ومحاضرا غير متفرغ بجامعة الخرطوم وبروفيسورا مشاركا في جامعتي ولاية مينيسوتا الأمريكية وجامعة الملك عبد العزيز ومستشارا لليونسكو بباريس و مستشارا للأمم المتحدة (الأسكوا) ،وخبيرا للتنمية القطاعية بمنظمة الخليج للأستشارات الصناعية ، وهو حائزعلي الدكتوراه الأولي له في هندسة النظم الصناعية والنقل والتي أتم أبحاثها بمعهد M.I.T.)) . كزميل "مركز الدراسات الهندسية المتقدمة" ، و حيث قام بوضع مواصفات تصميمية أولية لطائرتين تفيان بمتطلبات الدول النامية وأثبت --بالمحاكاة الرياضية علي شبكات الدول النامية-- تفوقهما علي الطائرات المعروضة ، وهو أيضا حائز علي (M. Phil.) و علي دكتوراة ثانية من جامعة مينيسوتا الأمريكية في موارد المياه بتخصص هيدرولوجيا و هيدروليكا، وعلي ماجستير اقتصاد وبحوث العمليات ، و هومجاز كعضو بارز" من قبل "معهد المهندسين الصناعيين" وكعضو من قبل "معهد الطيران والملاحة الفضائية " الأمريكي و"أكاديمية نيويورك للعلوم" والجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين" و الجمعية الأمريكية لضبط الجودة والمعهد البريطاني للنقل ".
E-mail: gore0111@hotmail.com
/////////////////