الخطاب الديني والواقع المعاش .. صدقٌ أم رياء
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطاب الديني له أثر كبير في حياة الناس، وأهميته تزداد وقت الأزمات؛ إذ حينها يلتمس الحيارى الهدى والرشاد من الدّعاة والعلماء، ويبحث الخائفون عمَّن يذكرهم بمعية الله تعالى، وحول الخطاب الديني وقت الأزمات وسبل تعزيز تأثير الخطاب في واقع الناس وحياتهم، نتلمس أهم سمات الخطاب الديني وهي أربع: الربانية والواقعية والعقلانية والترفّع عن البذاءة، "أما عن سمة الربانية، فالدعاة يدعون إلى شرع الله تعالى وليس لأي عقيدة لقوله عز وجل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، فالأمر أن تكون الدعوه إلى شرعه، فبيَّن لنا المولي جل شأنه كيفية هذه الدَّعوة وأنَّه ينبغي أن ندعو إليه كما يريد، وليس كما نريد أو حسب أمزجتنا، فالخطاب الديني منشؤه الإسلام نفسه، فهو رباني لأنَّه لا يدعو إلاَّ إلى الواحد الأحد لا إله إلاّ هو.وهو خطاب يتسم بالواقعية أيضاً فمعلوم أنَّ الإسلام جاء ليحكم الواقع، فقد جاءت تشريعات الإسلام وأحكامه مغيّرة لهذا الواقع، لذا فلا بد أن يكون الخطاب الديني معالجاً للواقع حتى يظل منسجماً مع المقاصد الرئيسة التي من أجلها جاء الإسلام". وبناءً على ذلك، فإنَّ الخطاب الديني لو جافى الواقع، فإنَّه سيطرق أبواباً لا علاقة لأفراد المجتمع بها، فينفصل عن المجتمع بما يحمل من هموم ومشكلات وآمال وطموحات، وبالتالي ينبغي أن ينسجم مع الواقع بشكل كامل .أما العقلانية من السمات المهمة في الخطاب، فإنَّ الله سبحانه وتعالى حينما خاطب الناس كان يخاطب فيهم عقولهم وآيات القرآن الكريم الدالة على ذلك كثيرة، ومنها قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، فهو طلب البرهان أي الدَّليل، فالإسلام هو دين العقل، وليس مدغدغاً للعواطف. فالخطاب الديني النظيف يحبّب الناس في شرع الله، فلو نظرنا إلى خطابات الله للمؤمنين سنجدها رقيقة وفيها ما فيها من العذوبة والحلاوة التي تحبّب الناس إلى الله وشرعه، ومثال ذلك أنَّه جلَّ وعلا كان يخاطب الناس بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} و{يا عبادي} وما أجمل هذه الخطابات ، إن الخطاب الديني والدَّعوة إذا كانت للحزب الواحد أي أنها مؤسسه على الحزبية، فهذا يزيد في الفرقة وضعف الأمة وخلافها، والمفترض أن يكون هذا الخطاب سبباً في دفع الفتنة والشرور والأزمات وذا أثر كبير جداً في جمع الأمَّة، والسامع للخطاب الديني المعاش الآن يجد فيه الكثير مما ينافي واقع الحال يحدثهم الخطيب بعبارات رنانه ويختار أكثرها وقعاً في نفوس الناس يتكلم عن الجهاد وتحرير القدس ومحاربة العدوان والظلم ناسياً واقع الحال للذين يخاطبهم فتن وشقاق وفساد وتناحر وتسابق للمنصب ورغم ذلك يتحدثون وكأن واقع الحال معافي من كل جرم ، وترتفع حدة الصوت مع صياح الأصفياء أصحاب المصالح الذاتية والمكاسب الخاصة وكلما علا الصوت تغيرت نغمة الخطيب وازدادت عبارته حماساً فكانت تصفيق وتهليل وظلت المسافة بعيدة بين معاني الخطاب والواقع المعاش ، الناس محتاجون لمعالجة واقعهم من خلال الخطاب الديني فالاسلام لم يترك شيئاً الا وأخبرنا به وحثنا على العدل وبه تستقيم الأمور ومحاسبة النفس اولاً ثم محاسبة الآخر ثانياً ورد الظلم ومحاسبة المفسدين ولابد أن يتسم خطابنا بالواقعية لذلك لم نتقدم خطوه لاننا اعتمدنا على القول دون الفعل فكانت النتيجة زيادة في المصائب والفتن والمفاسد نحن بعدين عن قيم الاسلام ومقاصده النبيلة الرفيعة من عدل وأمانة وصدق فأسأل الله أن يكون خطابنا مؤسساً على الإصلاح ،إصلاح أنفسنا أولاً وما يلينا ثانياً ولنعلم كلنا مسلمون فالأمر عنده وهو الرقيب علينا جميعاً يعلم ما تخفي الصدور ، نريد خاطباً صادقاً يحمل حلول لواقعنا وأسس لمستقبلنا وإذا كان غير ذلك فهو رياء ، والله المستعان .
Elfatih Eidris [eidris2008@gmail.com]
///////////////