اصدرت محكمة الطعون الادارية مؤخراً قراراً حول الطعن الذي تقدم به مزارعون من اهل مشروع الجزيرة حول تزكية السيد المتعافي لنفسه ليكون رئيساً لمجلس إدارة المشروع الى جانب منصبه الحالي كوزير للزراعة. وقد ايّد مجلس وزراء نظام الإنقاذ تلك التزكية الشخصية "الفريدة" ليصبح على ضوئها السيد المتعافي وزيراً للزراعة ورئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة "الزراعي"، اي ليضحى "رئيساً" و"مرؤوساً" لنفسه. ويكاد ان يكون جامعاً، بذلك، لكل السلطات النافذة التي ستسير المشروع، وتحدد مصيره، هذا إن لم يكن مصير المشروع قد تحدد بعد !!!. جاء قرار المحكمة، والذي سيستأنفه المزارعون ومحاموهم، ببطلان الطعن لإنتفاء المصلحة بالنسبة للمزارعين الطاعنين. بالطبع، لابد من احترام قرار المحكمة، الآن، مهما كان الرأي فيها وفي النظام الذي تعمل تحته، طالما ظلّ حق الاستئناف قائم. فمن بين الدفوعات التي بنى عليها المزارعون طعنهم هو انه،ووفقاً لقانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م، سيئ الصيت، ليس لمجلس الوزراء الحق في تعيين رئيس مجلس إدارة المشروع، لان ذلك، اي تعيين رئيس مجلس الادارة، من إختصاص رئيس الجمهورية، وهو ما لم يحدث ابداً في هذه الحالة المعنية، حالة المتعافي. فلقد جاء في القانون المذكور وفي الفصل الثالث المعنون بـ "مجلس الادارة" : "تشكيل المجلس/ 6. (1) يشكل المجلس من رئيس واربعة عشر عضواً بقرار من رئيس الجمهورية بناء على توصية من الوزير المختص وذلك على النحو التالي: أ. رئيس مجلس الإدارة يعينه رئيس الجمهورية. ب. المدير العام بحكم منصبه. ج. ممثلون لاتحاد المزارعين بالمشروع لا تقل عضويتهم عن 40% من عضوية المجلس. د. ممثل للعاملين بالمشروع. هـ. ممثلون للوزارات ذات الصلة. (2) لا يجوز الجمع بين منصبي رئيس مجلس الادارة والمدير العام." هذا هو القانون، وهو واضح فيما يختص بإجراء تعيين رئيس المجلس، بالرغم من ركاكة صياغة الفقرة نفسها. قبل ان نأتي إلى الجانب الذي يهمنا من امر جمع السيد المتعافي بين تينك المسئوليتين، اللتين تشبه محاولة الجمع بينها الجمع بين الشقيقتين، نود السؤال، والاشارة إلى انه وبقرائن الاحوال، الا تسري الحِكمة التي تمّ توسلها في عدم جواز "الجمع بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والمدير العام"، كما ورد في المادة الثانية عاليه، ألا تسري ايضاً في حال "الجمع بين منصبي وزير الزراعة ورئيس مجلس الادارة"؟!!!. فوفقاً لما يهوى، سيكون المتعافي الأطغى حضوراً في المجلس، كوزير وكرئيس مجلس وكمُعَيِّن للشخص الذي يمثل وزارة الزراعة في المجلس، بحسبها وزارة ذات صلة بمنطوق النقطة (هـ) من فقرة "تشكيل المجلس" الواردة في صلب القانون كما هو واردٌ اعلاه!!!. إن السيد المتعافي ليس باستثناء من بين الاسلاميين، ممثلو الراسمالية الطفيلية الاسلامية "رطاس"، الذين ظلوا يديرون السلطة منذ قدومهم بانقلابهم في عام 1989م. فهو ليس باستثناء لان هناك وزارات تكاد ان تكون اصبحت مسجلة باسماء وزرائها. فالكل يتمسلك بوزارته "الحِكِر" لمآربه الخاصة، و"الخاصة" جداً!!!. في تاريخ السودان السياسي المعاصر، لم يكن المتعافي اول منْ تقلّدَ اكثر من منصبٍ في السلطة. من الممكن، على الاقل، ذكر حالة المرحوم السيد ميرغني حمزة الذي كان ان اسند اليه السيد اسماعيل الازهري في يناير 1954م، وقت تشكيل أول حكومة وطنية ، مسئولية المعارف والزراعة والري، (راجع مقالات د.سلمان محمد احمد سلمان عن خفايا وخبايا مفاوضات مياه النيل لعام 1959م، التي يجري نشرها الآن في مواقع مختلفة). ولكن وبرغمه، ليست هناك من مقارنة بين الوزيرين، فالسيد ميرغني حمزة واحدٌ ممن وضعوا اللبنات الاولي من فكرة توسيع مشروع الجزيرة وذلك بقيادته لفكرة مشروع بناء خزان الروصيرص لاجل إضافة إمتداد زراعي في منطقة المناقل. وفي زمن المتعافي لا يخفى على الناس ما حدث للمشروع حيث خرجت تفاتيش زراعية بكاملها من الدورة الزراعية بسبب تدهور نظام الري وتضعضع البني التحتية للمشروع ، وذلك بعد 58 عام بالتمام والكمال من الزمن الذي تولى فيه السيد ميرغني حمزة تلك المهمة!!!. ترك السيد ميرغني حمزة الوزارة، بعد سنة واحدة فقط، لخلافه مع السيد اسماعيل الازهري، فهل يا ترى يستطيع المتعافي تركها، سوى إن كان لخلاف او لغيره؟!. بالقطع لن يستطع ذلك، مثله وبقية الرأسماليين الطفيليين الاسلاميين (الرطاسيين). فإذا كان من الممكن للاسماك ان تعيش خارج الماء فإنه لمن المستطاع لهم ، أي للاسلاميين من امثال المتعافي، ان يعيشوا خارج السلطة!!!. إن الجانب الاهم في المقارنة، إذا جاز لنا ذلك، هو ان السيد المرحوم ميرغني حمزة جاء للاستوزار محمولاً على اكتاف نظام منتخب ديمقراطياً، بينما جاء المتعافي محمولاً على ظهر دبابة وتمّ فرضه فرضاً بواسطة سلطة عسكرية قاهرة زوّرت إرادة كل الشعب، وخاصة المزارعين، وما فتئت تفعل!!!. فإذا كان الامر يتم بما درجت وتواضعت عليه الشعوب فبالتأكيد لا المتعافي ولا ايٍ من الاسلاميين يمكنه تبوأ ايٍ من المنصبين دعك من الجمع بينهما، وزيراً ورئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة. إن إدارة مشروع الجزيرة تقلدها الأساطين من الإداريين، والإقتصاديين الأفذاذ من أمثال المرحوم "مكي عباس" والمرحوم "مامون بحيري". نفرٌ من السودانيين الذين ما طاولت ولن تطل سيرتهم المهنية النظيفة نقيصة السمسرة او شبهة الثراء الفالت!!!. ولكن على اية حال، ومهما يكن فالمتعافي لا يعدم الشبيه والصنو في تاريخنا المعاصر. ولكن اي شبيهٍ، واي صنوٍ؟!. كان السير "جيمس كري" في الإدارة الاستعمارية، التي اعقبت زوال الدولة المهدية بعد هزيمة كرري، إبان الحكم الانجليزي المستعمر، كان يجمع بين منصبين. كان مديراً لمصلحة المعارف وفي نفس الوقت ناظراً لكلية غردون، (راجع "تاريخ حياتي" للشيخ بابكر بدري، الجزء الثاني، ص 63، الحاشية رقم 1). نورد ذلك ليس فقط لتماثل الحالة بينه والمتعافي، وإنما القصد الرمي إلى حقيقة ما هو مشترك وكذلك تبيان ما هو اكثر اهمية لأجل فهم ظاهرة التمدد التنفيذي، وتفشي عاهة "التكريس السلطوي" التي تمسك بخناق المتعافي وبرقاب أمثاله من الاسلاميين والرأسماليين الطفيليين الجدد!!!. إن الارضية المشتركة بين "جيمس كري" المستعمر و"المتعافي" الاسلامي هي النزعة، وتمكن الروح الاستعماري. كانت للسير "جيمس كري" مفاهيمه ومعاييره الخاصة التي تعكس كيفية ممارسته لسلطاته، والتي من بينها، وليس قصراً عليها، أن خلقة الله التي فطر الناس عليها من الممكن، لدى السير"جيمس كري"، ان تكون عاملاً حاسماً لأجل الإلتحاق بركب التعليم ام لا. ولا يمتنع عن الجهر بذلك وبل تطبيقه، لأن ما يجمعه من السلطات بين يديه يبرر ما يقوم بفعله. أما فيما يخص السيد المتعافي فإنه ظلّ يسعى، طيلة سني إستوزاره، إلى تأمين وضعٍ سلطوي أشبه بوضع السير "جيمس كري"، المستعمر!!!. ولكن بالرغم من نجاحه المؤقت، بالطبع وفقاً لأحلامه، سوف لن يهنأ بذلك!!!. وسنفصِّلُ في هذا الامر في الحلقة القادمة.