في الوضع الاجتماعي بالمانيا: قضايا المسنين نموذجا
تمهيد:
يتحرك العالم الحديث وفق متطلباته المتزايدة لتأكيد وجوده ، فدول اوروبا مثلاً تسعى من خلال وحدتها الاوروبية الى توطيد كيانها الاقتصادي وكذلك الاستراتيجي والعسكري فيما تظل امريكا تتصارع مع تجاربها الفضائية وارتياد كوكب MARS الشبيه بالكرة الارضية اما المانيا فتسعى الى عام 2030 للتخلي التام عن الطاقة النووية وتصنيع ستة مليون سيارة كهربائية وفي ذات الوقت تناقضها تماماً المملكة العربية السعودية اذ تسعى الى انشاء 16 ستة عشر مفاعل نووية لتوليد الطاقة هذا ما يحدث الان وبشكل بطيء ليتبلور في شكل نهائي في المستقبل القريب / عام 2030/.
اما الاهم في تطور العالم الحديث واحتايجته فهو منوط بما نصت عليه UN/ منظمة الامم المتحدة اذ صرحت بأن العالم يحتاج الى اكثر من خمسين بالمائة من الغذاء وخمسة عشرة بالمائة من المياه وثلاثين بالمائة من الطاقة فيما تحتد وتتصاعد نسبة الكفاءات المنتجة في بقية دول العالم ، ما يهمنا هنا هو ان المانيا تتجه بشكل اقتصادي قوي ومباشر الى انجاح مشروعات معينة كالسابقة الذكر _ مشروع الطاقة مثلاً فيما تفتقر ميزانية الرعاية بالعجزة وتخفيف مغبات التحول الديموغرافي الى دعم كافي ودعاية اعلامية واسعة واعية ومحددة التوجه .نناقش في هذا المقال مأساة التحول الديموغرافي ومغباته _امراضه الملازمة من جهة كا لديمينز / فقدان الذاكرة /وارتباط هذا بالتحول الاقتصادي مما يأقلم من خطورته .
- المانيا والشيخوخة -
لم تات المستشارة الالمانية في مؤتمر قمة التحول الديموغرافي / السكاني / بأحصائيات اواشارات الى دراسات علمية مختصة بهذه القضية وذلك ليس لخلو الساحة الالمانية من رصد ازمة التحول السكاني وانما لتحول وبدء السياسة الالمانية مباشرة وبشكل ملحوظ وكثيف للحد من هذه الازمة أي لا وقت لشرح
واقع الازمة الديموغرافية بالمانيا وانما الشروع بالحلول والاقتراحات المعقولة لتطبق . صرحت المستشارة قائلة بأن التحول السكاني في المانيا بازياد نسبة العجزة وتقلص نسبة الولادة لايعني بالضرورة حوجت المانيا لجيل ناشئة جديد من ابناء الاجانب دون توفر شروط عديدة عليه اهمها التعليم. تقول: لسنا بحاجة لجيل ناشئة في منأى عن التعليم والكفاءات العالية لسد العجز السكاني بالمانيا وأن فعلنا ذالك سنجلب ازمة جديدة !! لا يختلف هذا التصريح عن تصريح في كتاب جديد لعمدة حي نيوكولن في برلين الذي جاء فيه بأن المانيا لا تحتاج ابناء الاجانب يعيشون من مال المساعدات الاجتماعية ويصبحوا عبئاً على كاهل الاقتصاد الالماني الذي يسعى في حد ذاته الى كفاءات تثرى و تواصل انعاشسوق المانيا الاقتصادي وتحديها للسوق العالمي وراء حدودها .
جاء في احد دراسات مركز امراض الديمنز / فقدان الذاكرة/بأن المانيا تمثل نموذجاً نوعيا في كل دول اوروبا لتعالي نسبة الشيخوخة والامراض المصاحبة لها كالديمنز والالتهايمر . تقول الدراسة بأن عام 2030 سيكون تاريخ محزن للغاية اذ يتوقع بدءا منه ان تسفر نتائج تقدم ظاهرة التحول الديموغرافي وامراض الديمنز ونقص الرعاية الكافية المنوطة به على صعيدي العاملين_الممرضين المختصين وقلة دور العجزة . من المعلوم –وكما أكدت صفيحة دي تسايت "النخبوية "بأن سياسة دول الرابطة الاوروبية تعاني من التوجه الاحادي المرتكز على الاهتمام بتطوير البنية الاقتصادية و حل ازمة ديون دول جنوب اوروبا وايرلندا فيما تفتقر سياستها الموحدة الى الاهتمام بقضايا سياسة العطالة والامن ومكافحة الجرائم وتزايد ازمة العطالة والتحول الديموغرافي .
يحدث هذا التجوه الاحادي والمانيا –راعية الرابطة الاوروبية – تعاني باديء ذي بدء من مجتمعات الشيخوخة والتلقص السكاني !!!
ناقش مركز مؤسسة الديمنز مرض الشيخوخي في دراسة ( مستقبلية منصورة/ عام 2030) ومن الملفت للنظر في هذه الدراسة الاستاكيكية تأزم هذه الظاهرة اطلاقا من التمساها في الوقت الراهن وهي في طريقها للاحتدام في المستقبل القريب... تقول الدراسة بان عدد المصابين بالديمنز ارتفع من مليون حالة الى 3،6 حالة مرضية في غضون فترة قصيرة جداً ونوهت في ذاك الوقت الى تزايد فقر المسنين بالمانيا وتفكك المجتمع وقلة وقت الممرضين المشرفين (اهل المرضى ) وضيق سكن عوائل هولاء المصابين بالديمنز مما يجعل علاجهم منوطاً بالدور الخاصة او العامة علما بأن الشخص المشرف في اغلب الاحيان هو شريك الحياة ويعاني بدوره من امراض اخرى كداء السكر او ارتفاع الضغط وتقدمه في العمر ايضاً .
تصف الدراسة في تصور مستقبلي اتساع العائلة بوجود زوج للابنة وكذلك اطفال مما يقود بدوره الى اشراف - ارهاق اضافي فيقصى مريض الديمنز ولايهتم به الا بقدر قليل جدا . اما الوضع الحالي لأغلب الاسر فهو _بلا مدخرات او ضمانات مالية –لاسيما ضمانات العناية في الكبروعليه تكون اسر مرضى الديمنز معتمدة كلياً على المساعدات الاجتماعية.هذا وعلى احسن الروض نجد ان العائلة تتمتع بضمانات مالية الاٌ انها قليلة لا تغضي اكثر من ثلث متطلبات كالاشراف على المريض بالديمنز/الجد او الجدة . تضع الدراسة خطوطاً عريضة لتأزم الوضع في ثلاث نقاط :
هجرة الابناء الى مناطق الانتاج ، ضعف المرتبات او تفشي العطالة ،وانصراف العائلة الجديدة _ الجيل الثاني والثالث _الى مشاغلهم الحياتية فيحول مريض الديمنز - الحد الى دور عناية عامة . من المعلوم بأن المانيا قد بدأت في تنفيذ برامج الاشراف على العجزة خارج عنابر المستشفى _ دور العناية بالمسنين ومرضى الديمنز _عن طريق العلاج الطارئواممرضين المتجولين _ لتقلل من ميزانية الصرف الصحي ولتدرب في المقابل ممرضين مختصين بعناية العجزة بنسبة اعلى مماهي عليه في الوقت الراهن .
تنص الدراسة على النقص الشديد في عدد المشرفين والممرضين المختصين بالعجزة لا سيما في شرق المانياوفي المناطق المتاخمة دول غرب اوروبا كتشيكولوفاكية ,ففي هذه المناطق _تقليضا لغرب المانيا _تزداد هجرة الشباب الى مناطق الانتاج ونتيجة لها يرتفع معدل الفقر والعجز الاقتصادي وعدم الاعتناء للعجزة .
انتقدت المستشارة الالمانية الزام المواطنين الالمان _بدون اطفال _بدفع ضريبة اضافية لميزانية الاسرة في المانيا فوجهت بنقد حاد من احزاب المعارضة بل وجزء كبيرمن اعضاء حزبها الحاكم .كان وقد وصفت المستشارة مثل هذه الضريبة بانها ( بعيدة عن الهدف) علماً بأن المواطنين العزب –بلا اطفال-يسددون في واقع الامر ضريبة للضمانات العائلية والاشراف على المسنين اكثر من ما بدفعه العوائل نفسها !!
في التحول الديموغرافي وقضايا المسنين :
اثر التحول الديموغرافي في المانياعلى الوضع الاقتصادي بشكل واضح وذلك لقلة الايدي المنتجة --- تزايد تعداد العجزة وتضخم ميزانية الاشراف عليهم _.وبناءً على مكتب الاحصائيات الالماني فأن تعداد نسبة مرض الديمنز مثلاً يمٌثل ثلثي نسبة المعوزين للاشراف0 700 .كيف يمكن ان يوازن ماليا بين الانفاق على هؤلاء االمرضى وبين تغطية العجز في سوق المشرفين على العجزة؟
بهذا السؤال افتتحت صفيحة ومجلة الشبيغل كذلك عرضا لمأساة العصر الواحد والعشرين في المانيا _ تزايد نسبة العجزة وامراض الديمنز -- فقدان الذاكرة-- .يقول صفحي في صفيحة دي تسايت بأن المانيا تنحو الى التكاتف الاجتماعي لاحتواء والاعتناء بالعجزة وذلك ليس لنزعة انسانية وروح تكافل يتمتع بهاالالمان وانما لتجاوز المأزق الاقتصادي لدفع الضرائب المرهقة للاعتناء بالعجزةوالاشراف المباشر عليهم في بيوتهم الخاصة او الانفاق عليهم في دور العناية العامة بالمسنين. تقول منظمة(WHO ) في تقريرها الاخير عن الوضع الاجتماعي –والاقتصادي في اوروبا بأن المانيا تهتم بشكل مباشر بأعمال الترميم والمنشاءت ودعم ميزانيات السوق الاوروبية- جنوب اوروبا * ويقل صرفها في المقابل- وبشكل ملحوظ في الاهتمام بحل ازمة التحول الديموغرافي على صعيدي ( الهوية الالمانية الجديدة ) الناشئة ودعم المسنين وتوسيع سوق عمل المشرفين عليهم !!!
على صعيد آخر صرحت منظمة " Who" بأن مرض الديمنز يمثل أكبر خطر إقتصادي في القرن أل 21 ولكي تحدد تصريحها هذا أتت بتكلفة / عبء الصرف على مرضى الديمنز سنويا إذ يصل إلى 600 مليون دولار علما بأنها تكلفة متزايدة في استمرار !!! في ذات الوقت صرح مركز "روبرت كوخ" بأن تكلفة المحوجين إلى عناية صحية " " في ألمانيا بلغت 44000 يورو سنويا . علما بأن هناك مرضى أكثر تكلفة لضروروة الاهتمام الصحي بهم طوال 24 ساعة لاسيما في شرق ألمانيا والأرياف البعيدة. يرى المركز المذكور بأن نسبة انخفاض الألمان في ألمانيا لاسيما/ قلة الزيجات والانجاب يحدث في أغلب الأحيان لرغبة الالمان في العمل ,والانفرادية والتخلي عن المسؤلية العائلية بقدرر الامكان
هنا يطرح المركز اسئلة مهمة :
من يعتني بالمسنيين العزب ؟ وهل يختلف الاعتناء بالاطفال عن الاهتمام بالمسنين اللذين كانوا في ذات يوم يعتنون بهم الى ان بلغوا سن الرشد ؟ هل تكفي الضريبة التي يسددها العرب"للاشراف عليهم عندما يشيخون أم أن انجاب الأطفال هو الحل الأمثل لتفادي أزمة التحول الديمغرافي ؟ هنا نتذكر مما صرحت به المستشارة سابقا ب\ان ألمانيا لا تكتفي بتشجيع الانجاب/ من قبل الأجانب المقيمين بها دونما شروط وإنما تريد جيل جديد متعلم وبكفاءات مثمرة .
توجد الآن حوالي 12000 وظيفة /ممرض/ مشرف على المسنيين في ذات الوقت .
نلاحظ في الوقت الراهن إرتفاع نسبة أعمار الألمان _¬الاناث من 78 عام إلى 88 عام اما الذكور فيتصلوا في الغالب الاعم بداية الثمانيين . وعليه يواكب استمرار الإنتاج في ألمانيا تضخم ميزانية صرف الخزينة الاجتماعية فمعاضات هؤلاء المسنين لا يتجاوز – في أكثر الحالات – ثلث منصرفاتهم الحياتية وسراعا ما ينفص أفراد أسرتهم من حولهم رغم حوجتهم الماسة لهم فتظل الدولة الألمانية ملزمة بالصرف عليهم أن لم توفر لديهم مالا يفوق منصرفاتهم الخاصة. يظل تقدم البحوث الطبية لعلاج امراض الديمنز آخر أمل لا تقاذ القرون القادمة من تزايد نسبة العجزة فاقدي الذاكرة .
هذا هو الأمل الذي ربطه حاملي جائزة نوبل للطب هذا العام باكتشافهما لإمكانية إنتاج انسجة بل واعضاء من خلايا بنيوية جديدة .
في ميزانية ومرض الديمنز بألمانيا :
تكاد تتكون المقارنة بين المجتمعات الشرقية والغربية / ألمانيا مثلا في مجال الاعتناء بالمسنين شبة مستحيلة إلا أن ألمانيا ودول الشرق تسعيان معا وتأكدا على احترام والاعتناء بالمسنين ففينا يكتنف المجتمع الشرقي المسنين بالاحترام والتوقير والعناية المنزلية الخاصة تسعى ألمانيا لكفالة هذه الشريحة بتكليف مشرفين عليهم وإقامة دور عناية خاصة بهم وتشجيع بادىء ذي بدء – العناية بهم في دورهم الخاصة هذا الى جانب تشجيع الدولة للالمان على الاعمال الطوعية كعمل تشريفي كالاشراف على المسنين . ذكر هلمت اهلمت المستشار الالماني السابق في لقاء تلفزيوني وفي صحيفة دي تسايت التي يتراسها بأن المسنين لم ينقطعوا عن أثراء الحياة وإنما عجز الناشئة عن التعامل معهم واختراق حيزهم الزاخر بالحكمة والتجارب والعمق الروحي .
- انتقد المتحدث الرسمي لجزب الخضر سياسة الدولة تجاه الاهتمام بذوي الحاجات / المعوقين وكذلك المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة كالديمنز . قال بأن ألمانيا مقارنة بدول كثيرة كالسويد والنرويج لا تشجع وتدعو اعلاميا على دمج هذه الشريحة في المجتمع وتكتفي في المقابل بالدعم المالي والاشراف عليهم صحيا . هذا كما يظل مطلب تعين مكلف رسمي لأمراض الديمنز غير مأخوذ بالاعتبار ؤغم أرتفاع وتزايد نسبة هذا المرض في ألمانيا وتأثيره الثنائي على الوضع الاجتماعي والاقتصادي معا .ردت وزارة العائلة بألمانيا على هذا الاتهام بأن الوضع الراهن للمسنين ومرض الديمنز / فقدان الذاكرة مأخوذ دوما بعين الاعتبار من الناحية المالية والاشراف الصحي أما الهجوم الذي تتعرض له سياسة الدولة في عدم الاهتمام بادراج / دمح هذه الشرايحة في المجتمع فغير مقبول لأن الوضع الصحي لهؤلاء لا ينتج لهم في أغلب الأحيان – بالمشاركة الحقيقية داخل المجتمع الالماني
هذا كما أن ثمة برامج ثقافية واجتماعية خاصة بهم ملحقة بدور العناية اما في حالة الرعاية الخاصة / في بيوتهم فان السياسة الألمانية لا تتدخل في إلزام المشرفين عليهم / أبنائهم مثلا في تحسين وضعهم انطلاقا من توفر أولوية الاهتمام الفطري – علاقة الأبن بالأب أو الجد
- مريض الديمنز -
1,4 مليونمواطن ألماني من مرضى الديمنز والمسنين بحاجة الى العناية الصحية هذا كما أن 71 % من ذوي الحاجات / المعوزين للعناية و 87 % من المشرفين عليهم من عائلتهم يصرون على الاعتناء والاشرف في بيوتهم الخاصة علما بان 73% من هؤلاء المرضى نساء و 60 % رجال . أما على صعيد الجهد والمشقة التي يواجهها المشرفون فتذكر الدراسة بأن 80 منهم يعانون من مهمة الاشراف هذه لأنها مهمة إضافية إلى جانب عملهم الرسمي الذي يباشرونه . أخيرا نجد أن أكثر من 72% من شريحة ذوي الحاجات السابقة الذكر تتقاضى مال الاشراف الصحي بل و 9 % تحظى باهتمام أكثر وخدمات مجانية" مدعومة من خزينة الدولة ."خدمات توصيل الاكل والشرب بالسيارات وتنظيف وترتيب المنزل ."بهذا نجد أن 28% من ذوي الحاجات / المعوزين للاشراف والاهتمام اللذين يعتني بهم في منازلهم يتمتعون بالاشراف المباشر من قبل من يختارونه وكذلك الخدمات الاضافية كالسابقة الذكر . أكثر من 72% من أصحاب الحاجات / المعوزين بالمانيا يتقاضون مال العناية والاشراف الصحي مما يدل على الاهتمام ودعم المعوزين . يقول محلل سياسي في قناة "فونكس" الألمانية بأن الحلم الذي حققه أوباما بتطبيق (اشتراكية )العلاج الصحي / العلاج للكل قد حققته ألمانيا منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية غير أنها الآن في مأزق التخفف من الديون والانفاق من الخزينة الاجتماعية والصحية معا . يظل كاميرون رئيس وزراء انجلترا وروني المنتخب لرئاسة أمريكا ليبراليان يعملان في الاتجاه المضاد المنوط بديناميكية السوق الاقتصادي ,وتقدير الجهد الخاص لا الخدمات الاجتماعية _الخزانة العامة _كما هو الحال في ألمانيا التي لا تزال أمن أول دول العالم إنجاحا للسياسة الاجتماعية وموازنة الاقتصاد بمتطلبات المجتمع والمعوزين والمسنين..... ولكن إلى متى وقد داهمهاشبح التحول الديموغرافي كاء فتاك مزمن .
الا رحم الله الشاعر القائل :
ألا ليت الشباب يعود يوما فنخبره بما فعل المشيب
نشر هذا المفال في مجلة الدليل البرلينية
Amir Nasir [amir.nasir@gmx.de]