عُملةٌ ليِّنة الطَويَّة وَوَجْهَان
"جمال الروح هو الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الزمان أن ينال منه "
أوسكار وايلد
*
هذه الدُنيا فيها من الخيارات أكثر مما ينبغي .هي وهو قصة أبدية لن تنتهي أبداً .كراهيةٌ ومحبةٌ يجتمعان على جنبي عُملة معدنية .وجهان لقلبها حين كان يخفق ، و امتلأ الآن بالحقد ، فكيف الخلاص من سُلطان النقائض ؟. ليست المحبة إلا قصة أكبر من فصوص الجسد ، فالروح إذن هي القضية الضبابية المنسية في دهاليز الغيبيات وسحر العلوم ،تتوهج عند استراحة النفس بُرهة تتفكّر .
رَوَّضَتها الدنيا واتسعت حَدقتا العينين أكبر من الرغبات الصغيرة . ائتلف الحاضر الحاقد مع التاريخ المكنوز بالمحبة والعواطف النديّة والفأل والقلب الذي كان يرقص طرباً و تفرُّ من خفقانه الفراشات الملونة . صارت هيَّ الآن عجينة من معدنٍ ليِّن لها وجه مُقبل و آخر مُدبر .عُملة بوجهين .
كان أول ايامه مسحور اً عند اللقاء الأول بأثر الهرمون الذي يصعد بالانفعالات إلى أقصى مدي تيار كهرباء المشاعر. أمامها يكون إنساناً آخر ،حين تكون الأحلام دُنيا أكبر من الواقع الذي تتحسسه الأصابع أو تراه العين ، والسماء بأنجمها برَّاقة بالأماني ، ومُخضرَّة بالطموح الكبير .
قال لها : أني ابيع ُ دنياي برومانسية الذين عشقوا وكسروا قيوداً أكبر من سجون اللغة و أرضية أفسح من المدى . إن نُبل الرومانسية القديمة قِدَم الدهر أقوى من أن تذبل أوراقها و وردها الناضر.
تلك دُنيا تجرحُ الأسيل . من أكسيد الحياة المتألقة ، المنطلقة من الأرض إلى علياء السماء بأنجُمها وأفلاكها وإلى المجرات تسبحُ . رؤى الأحلام تصنع من نسيج العقول دهراً في صحائف أكبر من أفق يتطلّع ، وأصغر من خاتم سليمان الذي به تكون الأماني العظيمة سهلة للانقياد لتصبح بلحمٍ ودم .
إني أعرف كيف يكون للعشق سبيلاً ، أكبر من الأفق حين تكون السماء صافيةً ، والليلُ بلا سحاب ، والنجوم ساطعة ، والكواكب تتلألأ. بين المواسم برقٌ يصهل في ليل الغصون التي تميل مع الريح عند سطوة العِشق ، حين يكون مشدود القوس.
كانت الدُنيا قريبةً ..وبعيدةَ الأهواء .دوران النيازك بخُيوطٍ لا تُرى ، حين ترتطم بغشاء الأرض البلوري ، فيضيء اللهبُ أكبر في العيون التي تنظر الأفق العظيم في دهشةٍ وحين نشهد التقاء السماء بالأرض عند الأفق الكذوب الذي نُبصره ، وهما في الأصل لا يلتقيان .هذا هو زمان العِشق النديّ ، ورومانسية أكبر من كل دُنياوات الأسى ، وأخضرُ من النبتة الطيبة .
لآدم في قصص العهد القديم مع رفيقته دراما ،يسمعُ خطو الإله في الجنّة فيختبئ ، ويحاولان الاستتار . وفي القرآن قصصٌ تُكثف الرؤى بلا تفاصيل . نهض فيها النبي الأول من طينة الإله إلى كائن يمشي على قدمين . يُطابق قصص الإنسان الذي نهض على قدمين ومشى في مُختبرات الذين يعتقدون أن أحلام العلوم ستُطابق الواقع . فمن هو الذي يعشق حواء التي اختارها له الإله صدفة ؟
هذه قصة حكايات العِشق الأول ، الذي تناسَل قصصاً لن تنتهي ، ورومانسية لن ينقضي زمانها ولن تبلى. تتجدد مع العصر ، وتنمو مع العاطفة في عنفوانها و خميرة البداية ، وتُزهر مع الربيع ، وتلفحها شمس الصباح الدافئة .
كنتُ أول ايامي ، منذ حركة الجينات في داخلي ، أتحسس أين الأنثى من قضية الكون ، وأين أقفُ من الحياة ؟
هذا هو اليوم الذي لا يصادف الميلاد ، ولا يصادف احتفالات العصر بميلاد النبيين المشهورين أو السنة الجديدة .هذا يوم مثل كل الأيام التي تأتي بلا ميعاد ، وتنثر الحصى والدُرر . فمن يلتقط الدُرر ، يصبح مغنياً في دُنيا طروبة. ومن يلتقط الحصى ، يصنع منها مَسبَحةً ليُصلي في زمان يتقلص الإله إلى دوحة محبة في النفس وينتشر في مساحة ، أكبر من كل الميادين الفسيحة ، وأعظم من كل النياشين التي تُزين النُبلاء وقادة الحروب المكتوبة في التاريخ بماء الذهب .
إن المحبة هي القاسم بين الحياة والموت . الكُره هو الخطو إلى المجهول ، والمحبة هي العودة إلى العقل من بين الطرقات المجنونة .
*
قال لها أول أمره : إن الصيف أصغر في الزمان ، وإن الربيع أكبر كالعاطفة .
قالت : إن الطائر الذي لا يقوى أن يطير ، هو كطفل صغير .
قال : كذلك نحن نقتات من عُشب الطريق ، ونحيا ككل الكائنات ، من ذكر وأنثى ، وأشياء أخرى لا تُقال .
هذه هي الدُنيا ، كانت في ماضيهما فسيحة ، لا يَحُدها حدود . للصوت رنينٌ ، وللحجارة الصلبة نبضٌ ،وللكلمات وقعٌ في النفس ، غير ما نراه الآن ، حيث تكلست ، لا حياة فيها ولكنها لُغة الصلاة ومجداف للقوارب في بحر المجهول ، أما الكراهية ، فليس فيها منفذاً للمحبة ولا مسام في أرضها وليس لها صوتٌ رحيبٌ بالضَحِكْ .
هذه هي الأمسية التي نقْصُص عليك فيها قصة من عالم ساحر ، فيه الصوت نديٌ ، وفيه النبض وفق كل المقاييس يتمتع بصحة جيدة ويتبسم في وجه الطبيب . هذه الدُنيا غلابة بالهوى ، ومليئة بالمواعيد التي لا تطرُف لها عين ، ولا ينام عندها صاحب جَفنين من تعبٍ .
*
قال :كل ما أقوله اليوم ربما لا أعنيه . ولكني أفعل ما أُحب ، أتناول من الطعام ما أُحب ، وأرتدي ما أُحب وفق ما بحوزتي ، وتتنفس روحي أنثى ،ذاتها التي أحببت أول أمري و تجدد كل يوم .
قالت : .............................
قال : الآن عرِفتِ .. ، أنتِ الجانب المُظلم من حياتي التي أُحبها ، ولا أعرف دُنياي بدونها .
عبد الله الشقليني
30/12/2012
abdallashiglini@hotmail.com