قراءة تحليلية لنقاط التباين حول وثيقة الفجر الجديد … بين جدل الموافقة والنفى
بقلم: آدم جمال أحمد - سيدنى –استراليا
اطلعت على وثيقة الفجر الجديد التى وقعت فى كمبالا بين مكونات الجبهة الثورية وأحزاب معارضة الداخل أى ما تسمى بقوى الإجماع الوطنى ، وتريثت على التعليق أو الرد عليها طيلة هذا الأسبوع ، وعكفت عليها قراءةً وتحليلاً بين سطور كلماتها ، وأجريت مقارنة بينها وبين الوثائق التى سبقتها ، خاصة ورقة القضايا المصيرية لأسمرا ، حتى تكون الصورة كاملة لى فى تناولها ، لأن الوثيقة محل جدل واسع أحدثت حراكاً سياسياً حتى بين قوى المعارضة وكشفت عن مدى تباين هذه القوى فيما بينها حيث توزعت ردود الأفعال من الرفض الكامل إلى القبول مع التعديل ، وعلى الرغم من أن قوى المعارضة الرئيسة كان لديها مندوبون فى التوقيع ووقعوا نيابة عنها ، إلا أنها عادت كما عاهدتنا دوماً بكل هدوء لنفس سياق السيناريو القديم ، أن تنفض غبار يدها سريعاً من وثيقة الفجر الجديد التى تم التوقيع عليها فى كمبالا ، حيث توجد تجارب وسوابق تدعم ذلك الإفتراض وتنفى إحتمال الثبات على التوقيعات ، حيث يتلاشى حبر التوقيع بعد ساعات قبل أن يجف مداده.
وبإلقاء نظرة سريعة الى وثيقة ( الفجر الجديد ) تبدو ظاهرياً بأنها تمثل قارب النجاة لقوى التغيير وفرصة لعقد إتفاق الحد الأدنى بين كل القوى المدنية والعسكرية منها ، إلا أن هنالك ملاحظات حول هذه الوثيقة ومن ضمنها أنها أعدت على عجل من أمرها ، ولم تخضعها الأحزاب السياسية للدراسة وإدخال التعديلات عليها ، وهذا ما نتجت عنه هذه ( الربكة ) التى تعيد للأذهان تاريخ العمل المشترك بين القوى المعارضة إبان التجمع الوطنى الديمقراطى ، ولعل من أبرز نقاط التباين والتى تتمثل فى شكل الدولة والحديث عن فصل المؤسسات الدينية عن الدولة ، وهو حديث يثير حفيظة بعض القوى السياسية مثل المؤتمر الشعبى وحزب الأمة القومى ، والجبهة الوطنية العريضة التى رحبت مبدئياً بميثاق كمبالا ، الذى طرح خيار إسقاط نظام الإنقاذ عبر النضال بلا حوار أو مساومة على لسان رئيسها على محمود حسنين ، رغم تحفظاته على الكثير من بنودها ، ولا سيما إن هذا البند كان سبباً رئيسياً فى إنقسام الجبهة العريضة عندما أصر العلمانيين والشيوعيين على فصل الدين عن الدولة ، وأيضاً ما يدعو للدهشة موقف حركة العدل والمساواة من هذا البند بالتحديد ، أم تخلت الأخرى عن مبدئها وبدأت تنساق وراء شعارات العلمانيين ، فيجب عن لا تعميها موقفها من النظام عن الحقيقة ، ومهما كان ما يدَّعونه هم فى خاتمة المطاف سجناء لفكرة خاصة بالحركة الشعبية الحاكمة حالياً فى دولة جنوب السودان ، والعلمانيين والشيوعيين بالجبهة الثورية جعلت منهم رُسل حرب فى السودان تحت غطاء التحول الديمقراطى ونُصرة المهمَّشين ، والسودان الجديد وسلسلة من العبارات السياسية الرنانة التى لم تحقق منها الحركة نفسها فى دولتها الوليدة ولو نذراً يسيراً يدعم مصداقيتها ، وكذلك هذا البند كان يعرقل التوقيع على البديل الديمقراطى لقوى المعارضة مجتمعة بالإضافة لجدل التغيير هل يتم عبر الطرق السلمية أم بحمل السلاح أم بالوسيلتين معاً؟!!.. رغم أن هذه القوى الموقعة وجدت نفسها فى إختبار حقيقى .. هل تصمد فى إنزال هذه البنود على أرض الواقع عبر وسائل تفتقرها ولم تشير إليها فى تحقيق ذلك الهدف الذى من ورائه يحتاج لوضع ضمانات لما بعد التغيير مثل الإتفاق على الدستور والفترة الإنتقالية ونظام الحكم ، والأهم من ذلك إن الوثيقة هى ورقة تحمل خطوطاً عامة لقوى المعارضة ، وأن أكثر ما يميزها عن بقية الأوراق التى وقعت عليها قوى المعارضة أنها فقط تجمع بين قوى معارضة مدنية وأخرى تحمل السلاح ، وأنها تضع تصوراً لنظام الحكم عبر التغيير حيث تطرح الوثيقة نظام حكم فيدرالى قائم على الديمقراطية والتعددية ، وفصل الدين عن الدولة ، وتتضمن فترة إنتقالية لمدة أربع سنوات تدار عبر حكومة وحدة وطنية إنتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية الموقعة ، بجانب الشخصيات الوطنية المستقلة ، بالإضافة الى وجود أربعة مستويات للحكم فيدرالى إقليمى ومحلى وولائى ، على أن يعتمد نظام فيدرالى قائم على ثمانية أقاليم ، ومن الغريب والمؤلم أن (يعيد التاريخ نفسه) بالنسبة لهذه الأحزاب المعارضة بإرتضاء الإرتداف مع حركة مسلحة ولعب دور مجانى لترضى فى خاتمة المطاف – كما فعلت مع الشعبية– من الغنيمة بالإياب!.. ومن ملاحظاتى أيضاً حول القضايا المتعلقة بالوحدة الطوعية ، فالسودان بلد واحد ولكن هذا يعنى حق تقرير المصير بطريقة غير مباشرة لكل إقليم ، مما يشجع المتطرفين من أبناء هذه الأقاليم الحالمين بالإنفصال فى دارفور لإقامة دولة ، وفى الشرق للأنضمام لأريتريا ، وفى جبال النوبة والنيل الأزرق للإنضمام لدولة الجنوب ، وفى الشمال للإنضمام لمصر ، أى بمعنى عدم المحافظة على ما تبقى من السودان بشكله الحالى ، أما فيما يتعلق بحل القوات المسلحة والسلطة القضائية وجهاز الأمن والمخابرات ، فلسنا مع حل أجهزة مثل القوات المسلحة والشرطة فهذه أجهزة قومية ، أما حل جهاز الأمن والمخابرات إنما يتم بإجراء إصلاحات عليها.
أما فيما يتعلق بردود الأفعال ونقاط التباين لأحزاب المعارضة الموقعة على الوثيقة .. فمثلاً حزب المؤتمر الشعبى الذى وقع عنه القيادى بالحزب طارق محجوب لقد نفض يده بشكل محير ، لأن كان من المتوقع ان يتحمس المؤتمر الشعبى لهذا الأمر ، لأنه من أكثر الأحزاب التى تسعى لأى خطوة من شأنها تعجل بإسقاط النظام ، وبل ذهب الحزب أكثر من ذلك حيث قال .. إنهم مع الحوار المباشر مع الحركات المسلحة ولكن ليس حمل السلاح ، وأضاف بأن هنالك العديد من النقاط الضبابية فى الوثيقة وخاصة فى وضعية فصل الدين عن الدولة التى تتنافى مع رؤية الحزب ، بالإضافة الى ما يتعلق بالإتفاقيات الدولية التى تخص المرأة ، إنه أمر مرفوض لهم لأنه يتنافى مع خصوصية المجتمع السودانى ، وكذلك الحديث عن الفترة الإنتقالية التى تنص بأن تكون أربع سنوات ، فأن الحزب يرى بأن تكون لمدة سنة واحدة ويعقبها إنتخابات .. أما حزب الأمة القومى الذى وقع عنه صلاح مناع عاد حزبه فى الداخل لينفض يده من هذه الوثيقة حيث قال الناطق بإسم الحزب .. إن الثلاثى (مبارك ونصرالدين ومناع) يمثلون أنفسهم فقط ، وإن حزبه لا يوقع مع قوى وحركات تحمل السلاح أى إتفاق ، السبب لأن منهجه يقوم على تغيير النظام عبر الوسائل السلمية والنضال الجماهيرى ، فحمل السلاح بالنسبة لهم أمر مرفوض ، وأن مبعوثهم ذهب من أجل لقاء وإقناع الجبهة الثورية برؤية الحزب للحل عبر المؤتمر الدستورى وليس لديهم مسؤولية عن الشخص الموقع على الوثيقة ، وأن لديهم إجتماعاً للمكتب السياسى لمزيد من التوضيح ، أما الحزب الشيوعى الذى وقع عنه القيادى بالحزب صديق يوسف بكل رضا جاء الترحيب بفتور من السكرتير العام محمد مختار الخطيب فى مؤتمر صحفى أعلن للملأ .. أن ميثاق الفجر الجديد مهمة لتوحيد المعارضة المدنية والمسلحة لإسقاط النظام ، وقال أن الإتفاق يخضع للمراجعة حالياً وهو قابل للأخذ والرد والتطوير قبيل توقيعه بشكل نهائى بواسطة رؤساء أحزاب المعارضة وزعماء القوى المسلحة ، بالرغم لا يخفى على أحد بأن أحزاب المعارض فشلت فى تحريك الشارع أو حتى فى تنظيم مظاهرة أو وقفة واحدة إحتجاجية ، فعن أى نضال جماهيرى يتحدثون؟!!.
الحقيقة غير القابلة للإخفاء أن الحركة الشعبية - قطاع الشمال تحرك الجبهة الثورية وقوى المعارضة وفق أجندة وإعتبارات المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق ) حسب قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2046 الذى ألزم الطرفين بالتفاوض ، لتوحى للحكومة والعالم بأن كل القوى السياسية فى صفها ، لرفع سقف المطالب حتى يصل إلى نقطة المساومة المثلى ، التى عندها ستقوم بهدوء بفك إرتباطها العسكرى مع حركات دارفور ، وإرتباطها السياسى مع أحزاب المعارضة الشمالية ، على ذات النهج وطريقة وأسلوب جون قرنق فى الربط والتفكيك ، فقرنق كما وصفه الكاتب الكبير أحمد شاموق (بأنه كانت له مقدرة على إدارة الرجال والسيطرة عليهم ، وعلى إقتحام وعرض نفسه على المحاور المختلفة التى لها علاقة بخططه ، والإمساك بخيوطها واللعب بها جميعاً ، وفى وقت واحد ، حسب مقتضى الحال ، ووفق وسائل متحركة وأهداف ثابتة ، حيث يعدل فى مرئياته بإستمرار بسرعة تتناسب وسرعة تحرك الأحداث ) ، فلذلك أن من أهم أجندات الجبهة الثورية غير المعلنة والتى لا تخفى على حصيف ، التخلص بكل الطرق من القوى السياسية السودانية ، خاصة التقليدية المعروفة بتوجهات قادتها التاريخيين!!.. وهذا التحالف يقطع لها نصف المسافة على الأقل فى سعيها رغم النفى والتوضيح فى البيانات والمؤتمرات الصحفية لا تزال قيادات الأحزاب (الترابى والمهدى والميرغنى ) بإستثناء سكرتير الحزب الشيوعى تلتزم الصمت ، ولكن يبدو أن صمت الدكتور حسن الترابى على غير العادة هو الأطول ، ولا سيما أن بعض الأطراف فى الحكومة يزعجها صمت الترابى أكثر من حديثه ، لأن الحكومة تظن بأن الرجل حينما يصمت لسانه تكون أصابعه تمضى نحو هدف ما.
أما المؤتمر الوطنى بدوره لم ينتظر كثيراً بعد ميثاق كمبالا ليصب أسلحته الثقيلة ويصوبها تجاه قوى المعارضة ، حيث شن مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطنى للشؤون التنظيمية د. نافع على نافع هجوماً عنيفاً على الجبهة الثورية وقوى المعارضة لتوقيعهما ما أسماه بـ (وثيقة الباطل والفجر الكاذب) ، وقال إن الصفوف تباينت الآن مابين (صف عباد الله ) وصف (العلمانيين) الذين لا يؤمنون بالشريعة ويبيعون أنفسهم أمام الشيطان والرذيلة ، متهماً قوى المعارضة الموقعة على الوثيقة بالخيانة لوضع يدها فى يد المتمردين للعمل على إسقاط النظام ، فلذلك نقول بدلاً من أن يهدد الرئيس البشير وحزبه بمحاسبة الأحزاب الموقعة ووصفهم بالخونة ، عليها أن تقوم بتهيئة مناخ مناسب للتنافس الشريف والمشاركة الحقيقية معها فى السلطة من خلال حكومة وطنية تجنب البلاد مزالق الصراع ، ومساحة الإنفتاح إلى دائرة الحوار والديمقراطية والإنتقال السلمى للسلطة من خلال صناديق الإقتراع والتنفس الطبيعى لإستعداد جميع التنظيمات وكل قادة الأحزاب للإنتخابات القادمة لا يحوج قوى المعارضة للبحث عن أسطوانات أكسجين فى كمبالا أو جوبا.
فهؤلاء القادة لقد جربوا الحرب لسنوات وبعضهم لعقود طويلة وما حصدوا منها شيئاً سوى عبور العواصم ، والجلوس المطول فى إستراحات الفنادق وإجترار الأمنيات والآمال المستحيلة ، بعضهم مدفوع الأجر ، ويعمل لصالح آخرين لا يهمه مطلقاً مصالح السودان الحيوية ولا الوطنية وبعضهم من فرط إنغماسه فى خدمة الأجندة غير الوطنية ضد بلاده بدأب ومثابرة عجيبة ، حتى إنفصل وجدانياً عن عادات وتقاليد السودانيين ، وبل أصبح التسكع والتبضع بقضايا شعبهم ديدنهم ، حتى صارت الأزمة فى مجملها بالنسبة لهؤلاء أزمة إنسجام مع الواقع ، فالواقع السودانى قائم على فرضيات محددة من المستحيل تماماً القفز فوقها أو تجاوزها ، هى فرضيات نابعة من الموروث الإنسانى الطبيعى للسودانيين ، وبصرف النظر عن مضمون الآراء والتحليلات يمكن القول أنه من ضمن أهداف الفجر الجديد هى تشكيل جبهة عسكرية سياسية موحدة تكون بمثابة مظلة من أجل إسقاط الحكومة المركزية فى الخرطوم ، وهو الهدف الذى تكسرت عنده أنصال كافة حركات التمرد المسلح فى السودان المعاصر ، فلم يكتب النجاح حتى الآن لأى تحالف مسلح يسعى لتغيير السلطة الحاكمة فى الخرطوم عبر مجهود عسكرى مسلح والتاريخ السياسى السودانى حديثاً أو قديماً حافل بالثوابت والقواعد ، والأمثلة لا تعد ولا تحصر ، على الرغم من الدعم الدولى المهول التى وجدته هذه التحالفات على كافة الأصعدة الدبلوماسية والسياسية والإعلامية فضلاً عن العسكرية ، والتجمع الوطنى الديمقراطى وبما فيها الحركة الشعبية الأم حينما كانت فى قمة عنفوانها بقيادة جون قرنق خير مثال.
ولنا عودة ..........
آدم جمال أحمد – سيدنى - أستراليا
12 يناير 2013 م
Adam Gamal Ahmed [elkusan67@yahoo.com]