استِحضار رُوح سلفيٍّ جهادّي
استِحضار رُوح سلفيٍّ جهادّي
(1)
متوسط اللّحية ، مثلث الوجه .أصفر اللون ،مشرّب بحُمرة .عاش حياته كلها من وراء الحُجب . قيل إن "محمد نصر الدين " كان طيّباً خجولاً في طفولته . لا تَشهده وسط زملائه أو أترابه ألا صامتاً . لا يلعب كرة القدم ولا يلعب الورق ، ولا يتحدث عن النساء . يؤدّى فروضه الدينية في الجامع المجاور.مرة شاهدته حاملاً كتب " فقه السنة " و" الأربعين حديث النووي "و"فتاوي بن باز" . فتوجست في نفسي من التطرف .
لم أسمع به إلا بعد أن تخرّج من جامعة القرآن الكريم بأم درمان، وبدأ دراسة أخرى في الجامعة الأفريقية بالخرطوم ، ثم انقطعت سيرته زماناً . من بين الأقاصيص و الأحاديث والروايات والشائعات، يقولون " سافر للباكستان ، ثم أفغانستان من بعد الغزو على العراق " ، ثم انقطع خبره في العام 2005 م.
(2)
بدأت القصة بعد ذلك حين تم إعلان وفاته . حزنتُ على رحيله كثيراً ، فقد كان طيّباً و تربطني به صلة محبةٍ خيطُها رفيع . كان يبرّني بالسلام وهو مبتسم ، وأردّ عليه وأسأله عن أحواله ، ويسايّرني في الطريق ويسأل عن أحوالي. كان يقول المقّْتضب من الردود . ويصرّ على التذكير بأن الله عالم السّرائر ،وأنه الذي يكتب للمرء مصائره في الخير الممدود وفي الشقاء المحدود . كانت سيرته سيرة مساِلم غامض وورقة صحيفته بيضاء . لا خصومة فيها ولا شجار .تأتأة تلحظُها إن أسهب هو في الحديث مضطراً ، وهو ما نَدَرْ ، إذ تعودنا منه الاقتضاب في كل شيء .
(3)
جلسنا للعزاء ، ولمسنا حراكاً غير طبيعي لسيارات ناقلة ، وسيارات الخدمة لتمويل احتياجات المأتم ، الذي صار مَحجَّاً لقاصدي الولائم المجانية . السرادق والكراسي والإنارة والسجاد الفاخر والشراب والطعام بأنواعه . الطباخون والقائمون على الضيافة والأواني والمناضد الخاصة باحتفالات الأفراح ، كلها كانت هناك !. حدثٌ ما وجدنا مثله عند أهل الحارة . رأينا العزّ.. ولكن بعد رحيله . سمعنا أنه كان مجاهداً متنقلاً وعابراً للدول و للقارات.وقيل الكثير ولكن مقتله في أفغانستان حقيقة أكدها الجميع .
عِليَّة القوم من أركان الدولة والحكم تقاطروا بالسيارات برفقة الحراسة الأمنية الظاهرة والخفية. مدنيّيهم والعسكريين . وفي ختام المأتم خطبة مسهبة وقف يلقيها علينا رجل تبدو التقوى والغنى من ملبسه وملامح وجهه. تحدث كثيراً عن الجهاد في سبيل الله مستدلاً بآي الذكر الحكيم ومن السنة المطهرة . تناول سياحة الأجساد والعقول في سبيل الله تطلب الشهادة . أوضح فيها صاحب الخُطبة تفصيلاً ما كنتُ أحسبه ذاكراً له ، حين تحدث عن نصيب الشهداء المجاهدين من الحور العِين، وذكر أنه أكثر عدداً من أنصبة من يموتون في الفراش من عامة المسلمين ، واسترسل في الأوصاف الجسدية للحور العين ...،و أحسست بغرابة الحديث عن متعة حسية في مقام الحزن على شاب رحل أعزباً في عزّ شبابه تاركاً خطوط الحزن على وجه والده الذي كبُر في العُمر دهراً من بعد توارد أخبار رحيل ابنه .
(4)
لا أعرف لمَ تذكرت فجأة " الفكي عثمان " من دون الجميع . فقد كان مستأجراً بيتاً بجوارنا في الحي ، منذ عقدين من الزمان ، ثم غادر وأسرته الحي بلا أثر . كل ما أذكر أنه رجل مبتسم دائماً حين تلقاه . اجتماعي وفق المعروف من أمثاله في العُمر و قليل الحديث. لا عمل معروف له و يُشيعون أن له خادمٌ من الجان المسلمين. في حياته الكثير من الغرائب و الأقاصيص والأحاجي. لا ندري أين الحقيقة من الإدعاء . عند التحية يمسك يدك بقوة ، وينظرك نظرة فاحصة كأنه يغوص في أعماقك . لكني شهدت مقدرته تلك وهي حقيقة لم تزل عالقة في ذهني إلى اليوم . في بيت " الفكي عثمان " غرفة في طرف البيت ، يعتكف فيها معظم وقته . يزوره طالبي الحوائج لعلاج المصابين " بالعين " واستخراج السحر المعمول واسترجاع المسروقات . وبيته محجَّة للنساء واللاتي كُتِبنَّ ودُفنتْ كتابتهُنَّ في مقابر الحي . هنالك قضايا مفتوحة الأذرع عن الزواج والطلاق والإنجاب والقضايا الاجتماعية الشائكة ، يقوم هو باللازم دون ضجيج وزبائنه في رضى تام.
(5)
كان عمي " عبد الباسط " يجالس " الفكي عثمان " وهو الاسم الذي تعودنا عليه لاحقاً بعد أن تكشف سِجل الرجل .يتهامسان دائماً في قضايا كثيرة وغامضة، فعمي " عبد الباسط " ودود لا يضع عائق السن أمام صداقته لنا . يتحدث النساء كثيراً عن " الفكي عثمان "وعن قدراته في الكشف والعلاج واستخراج الأعمال ، ويقولون إن مظاهر التقوى والصلاح والسيرة الحسنة هي التي نبّهت الكثيرين إليه. صَعَدت الأقاصيص به مراقي الهيبة والتقدير وإلى ملامح قداسة مُبطّنة ، فالتجارب الغامضة والخبرات الحياتية الاجتماعية التي ميزته وما تحفل به سيرته من أسرار وعجائب ، ومن قدرته على إنجاز الأعمال التي يقولون عنها خارقة للعادة ، جعلت هالة من الهيبة والوقار تلتفّ حين يذكره ذاكر.
(6)
كنت في أيام شبابي مُعجباً بالحياة وأسرارها وغرائب الحياة الغامضة التي تخفي الحياة الباطنة الأخرى للناس . وكنت أعتقد جازماً بأن هنالك أبواب يستغلق فتحها دون جسارة الدخول في لجّة ذلك العالم الغريب ، الذي يذوب في الحكايات الغامضة والأسرار والخبايا التي لا يعرفها إلا الخاصة ، من الذين يدركون ذلك العالم الخفي الساحر.
في يوم من الأيام استدعاني العم "عبد الباسط " ، وأسرَّ في أذني أن أذهب معه لبيت " الفكي عثمان " لأشهد تجربة غريبة عجيبة يَسُرني أن أشهدها.كان الوقت من بعد صلاة العِشاء. هناك كانت القصة العجيبة التي شاهدت تفاصيلها في ذلك اليوم ، والأحداث التي صاحبت ، وكانت متعلقة باستحضار روح أحد الأقرباء . خرجت من التجربة تعصف بي مجموعة من المشاعر المتناقضة :كنتُ خائفاً ومندهشاً ، حيث دكّت التجربة الكثير من القيّم والمفاهيم التي كنتُ أعتقد في ثباتها ، وأشعلتْ ثورة في تفكيري وحفزتني السعي لأعرف أصول تلك العلاقة التي ربطت الأرواح بالعقيدة وبالسحر وربما بعلوم النفس البشرية . فتحت لي تلك التجربة الأبواب الموصدة أمام الحياة الغامضة التي كشف لنا فيها " الفكي عثمان " بعض أسرارها العجيبة في تلك الليلة . كانت مفاتيح الولوج لهذا العالم : تجهيز مسرح الطقس ، وقراءة آي من الذكر الحكيم مع الترتيل لنسيج الأحرف المنطوقة التي تَسْتفتِح السور القرآنية " ك هـ ي ع ص ح م س ق ..." ،وقراءتها منفصلة وهي مصدر من مصادر الأسرار الكثيرة التي تحيط بالنصوص القرآنية حين يتأملها المرء ، وطرائق مختلفة في التأويل لم نعرفها من قبل . كان" الفكي عثمان " يذّكرنا في كل سانحة ببعض آيات الذكر الحكيم :
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }الإسراء82
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }الإسراء45
{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106
(7)
دارت قصة ذلك اليوم المشهود ، وعلقت بذهني وكنت قد حفظت وقائعها الغريبة بكل التفاصيل ، بل ويمكنني إعادة مُحاكاتها وتجربتها مرة أخرى بذات المَسْرَد و الأدوات مع تهيئة الطقس الذي يقوم باستجرار الايحاءات . لمعت بذهني فجأة خاطرة شقّت أستار الخيال كبرقٍ راعِد.عبثت بذهني مشاعر متقلبة . قلت لنفسي " لِمَ لا أجرب استحضار روح " محمد نصر الدين" ؟ . رحيله أو استشهاده حسب ما يقولون أسراراً لم نعرفها ، ولا يريد الأقربون الحديث عنها . فقلت لنفسي أن أستمسك بالخاطرة ألا تفلتْ ،إلى أن أتمكن من وضعها موضع التنفيذ.
(8)
استدعيت عدداً من أصدقائي ، من الذين لهم علاقة وُد بالراحل " محمود نصر الدين " ، دون أن يكونوا قريبين منه . وطرحت فكرة استحضار روحه بالتقنية التي تعلمت بناء على التجارب التي تراكمت في ذهني من ذخيرة لا بأس بها من بعد تجربة " الفكي عثمان " والإبحار في مكتبات الكتب الصفراء قرب المساجد ،ومن القراءات المتنوعة في أسفار علوم النفس البشرية ، ، فتمكنت من جمع رصيد هائل من الثقافة الشعبية والعلمية وقدر لا بأس به من فلكلور الحياة الاجتماعية المعقدة ، وأثرها المُحفز ليّ لكشف المناطق المظلمة من مخابئ العقول الباطنة التي نحملها معنا في رءوسنا ولا نعرف كيف نستكشف كونها المجهول!.
استغربت كثرة الأسئلة التي طرحها عليَّ أصدقائي . منهم من توجّس ، ومنهم من استنكر وخاصمني ، ومنهم من اتخذ موقفاً دينياً متشدداً تجاهي ، وذكر لي الصديق " عبد المنعم " صراحة علاقة النص القرآني وتداعيات تأويله بما عزمت عليه من أمر ، وقرأ عليَّ :
{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }البقرة102 .
وقال إن للموضوع علاقة وثيقة بالشياطين وسحرهم ، وحذرني . ولما لم يجد من سبيل في إثنائي عن الأمر ، رأى أن ينأى بنفسه عن المشاركة !.
(9)
حاولت أن استجمع من بقية الأصدقاء من له القدرة على خوض التجربة ، واكتشفت أن هذا العالم المظلم من حياتنا الباطنة أخطر مما كنتُ أحسب . فالخوف قد سيطر على الجميع ، و اكتشفت كم هي ضعيفة تلك الثمرة الثقافية التي استطعمناها لاحقاً في حياتنا ، فلم تزل ثقافة الطفولة تُمسك بتلابيب جميع من كنتُ أحسبهم قد تجاوزا تلك المراحل . إن العقول الباطنة مخزن انعطافات النفوس وغموض عالمها وأيضاً هي موطن الخوف العظيم ، وهي مشاعر ليس من اليسير ترويضها في مُقبل الأيام والسنوات، في ظل الانكسارات التي نتلمسها في حياتنا ، فالحوائط التي تصُدّ التغيير أكبر من قُدرة التفكير العقلاني على النحت في الحجر.
(10)
قمتُ بتحديد اليوم والساعة ، في وقت ذهب فيه كل أفراد أسرتي لمناسبة اجتماعية تمتد من التاسعة إلى الثانية عشر مساء . تجمعنا في الصالون . أحضرت صندوقاُ فارغاً من الكرتون بمقاسات قدم للعرض وقدمين للطول وقدم للارتفاع . نزعت جانباً من الجوانب الست للصندوق .
أحضرت سِراجاً تقليدياً يعمل بالكيروسين وأوقدته ، وأطفأت الإنارة الكهربائية . قمتُ بتثبيت قلم الحبر الجاف الأزرق على ركن من أركان الصندوق بسلك رفيع بحيث يبرز قليلاً في اتجاه الطرف المفتوح من الصندوق . طلبت من أربعة من أصدقائي من بعد الوضوء ، أن يمسك كل منهم بطرف من أطراف الصندوق وهو محمول وواجهته الفارغة إلى الأسفل.والقلم مثبتاً في أحد الأركان في تهيئة مناسبة للكتابة .
طلبت من الجميع الحضور والالتفاف من حول منضدة تحضير الأرواح . قمتُ بوضع ورقة بيضاء في وسط المنضدة و ارتفع الصندوق بمقدار عشر سنتيمترات عن سطحها ، والأيدي ممسكة به . والقلم ثابت يقترب من سطح الورقة . وبدأ الطقس .
(11)
بدأت القراءة :
( بسم الله الرحمن الرحيم ، وبقدرة مولانا صاحب الوقت الذي عليه يكون الاعتماد ، وبجلاله يكون التوفيق ، وبعزمه تشتد إرادتنا ليمدنا مولانا ذو الجلال والإكرام بعصف اليقين بالتوفيق ... ).
أحضرتُ المبْخر ، وعليه الجمرات التي أشعلتْ ،ووضعت قليلاً من " لبان الذكر " فانطلق البخور يغمر الصالون .وبدأت جلسة تحضير الروح :
بدأت مرتلاً الآية الكريمة : {..... كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } الفرقان32 .وانتقيت من آيات الذكر الحكيم عدداً مُختاراً من الآيات ، وبعض السور القصيرة المنتقاة من جزء عمّ . مرتلاً ومجوّداً لها بصوتٍ وَجِل ونبرة واثقة مستيقنة. بدأ صوتي هادئاً ، خاشعاً ، عميقاً ، وآمراً . عمّ الصمت والهدوء من حولي وأنا أقرأ . اهتز الصندوق . تصبب العرق من جباه أصدقائي ، وأنا أحثهم على التثبت باليقين ، وأعيد الترتيل ، حتى أطرد الخوف من قلوبهم . اقترب القلم وقد أصبح الصندوق الفارغ ثقيلاً واقترب من الورقة والأيدي راجفة والعيون زائغة . وبدأت مخاطبة الروح :
(سلام الله عليك أخي " محمد نصر الدين" .إني أعلم أنك بيننا الآن ، نسأل المولى لك حسن المآب مع المُبشَّرين . اعلم أخي أننا لن نُضْجِر روحك أو نعذبها بالحضور بيننا . لقد رأى أصدقاؤك أن نستدعي روحك إلى مجلسنا ، لتكشف لنا قصة استشهادك ، لأنه لا علم لنا ، والجميع يتكتّمون على ما حدث.) وقرأت بعض الآيات من صورة البقرة ، ربما تكون على علاقة بالموضوع :
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ{71} وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ{72} فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{73}
صدق الله العظيم ،... ساد صمتٌ رهيب .
(12)
أعدت قراءة الدعوة...، بعدها اهتزّ الصندوق .اقترب القلم من الورقة وعمّ سكون غريب ، وبدأ صوت القلم يمشي على الورقة ويكتُب بخطٍ مموه :
( ...كنتُ ألبس الزيّ الشعبي الأفغاني وأنا أخفي لفافةً سميكةً التفّت حول صدري ، تحمل المتفجّرة ، ومفتاح التفجير موصول بيدي اليُسرى بأسلاك رفيعة . أنزلتني السيارة التي أقلتني من معسكر المُلاّ " محمد " فجراً واستغرق الطريق الجبلي المتعرِّج خمس ساعات، إلى أن أوصلتني السيارة قرب السوق الكبير ثم هبطت منها ، ووعدني الإخوة وداعاً ليس من بعده لقاء . بدأت أتجوّل في أرجاء المكان ، وكنت أنتظر موعد زيارة بعض المنتسبين لجهاز الشرطة الأفغانية للتسوق آخر اليوم. وعند قدومهم دخلت وسط الجميع ، وقبل أن ينتبه أحد ضغطت على زر التفجير ..)
.....
عبد الله الشقليني
2/3/2013
abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]