نظرة من علٍ إلى الأرض الخراب

 


 

 



abdallashiglini@hotmail.com

نظرة من علٍ إلى الأرض الخراب
(1)

أكثر من صاحب خبرة سأل :
من يدير دفة السلطة ؟ ،
ومثله السؤال القديم  المشهور  للكاتب الروائي الكبير : " مِن أين جاء هؤلاء ؟

يبدو كأننا في عالم آخر . الطقس حار وهادئ . وتحت المياه الملوثة  بالنفايات والهادئة الطباع كما يبدو مظهرها ،أكثر من معركة بين مراكز قوى يدور بينها صراع حول سلطات الدولة المتناثرة يميناً وشمالاً ، وحزب السلطة وأحوال قياداته الغضوبة  المتصارعة ضد بعضها ، ينتشر لهاثها الحار ،ستحتمله الصدور..إلى حين .

صرّح كبيرهم الذي علمهم السحر منذ سنوات : " إن مال البترول لم يدخل البلاد أصلاً " !! . الاقتصاد الذي تحاول أكثر من جهة السيطرة عليه دون جدوى، تقف قرون شياطينه تُخيف الجميع إلا الجماعة ، فالإحساس بالكارثة مفقود . فهنالك أكثر من منطقة نفوذ لها أكثر من مورد وأكثر من خزانة ، هذا بخلاف الخزائن "الشخصية - الحزبية " التي لا تعرف أنتَ أين يبدأ الحزب فيها وأين ينتهي الخاص . يبدأ من الخزانة تحت الأرض وتنتهي في " ماليزيا " !. إنها عُشرة طويلة بين الأصدقاء الأعداء. امتدت مصالح الأشخاص فيها بعد الانتماء للجماعة إلى عمق سحيق ، وتغذّت بعروق متينة الترابط ، وشوشت عليها انتماءات القبيلة في منتصف الرحلة  التي لم تكُن في الحسبان . شبكة متناهية التعقيد ، لا رابط بينها رغم تقدم تقنية الاتصالات في الدنيا ، وتقنية التشفير والشبكات الأمنية للاتصالات  !.
إن حالة الراهنة التي تُطلق عليها السلطة  اسماً حركياً هو" النظام الفيدرالي " ، هي في واقع الأمر انتشار لحالة لوثة سلطوية وجُذر معزولة عن بعضها ، لكل منها آليّة لدبيب عالمها الخاص ،وفق ما يرى أفراد القيادة التي تُمسك بالمفاصل . لكل منهم مصادر للجباية ،ومصادر للصرف ، ومكاتب داخل و خارج الدولة تُدير مشترياتها من المكوِّن الأجنبي . وخزانات لا يعلم الآخرون شيئاً عنها .
المؤسسة الأمنية منتشرة في أرجاء البلاد، تحاول الإمساك بمفاصل الدولة المترهّلة  ،و تعمل بآلية منفصلة ولكنها مركزية ، منتشرة تُحصي كل شاردة وواردة  ، ولها في كل اختصاص وحدة ، ولكل وحدة شعبة . تمتد جذورها ترتوي من المياه الجوفية العميقة ، وهي الجهة الوحيدة التي يمكننا أن نُطلق عليها لفظ " مؤسسة " بعد التدمير الممنهج لكل مؤسسات الدولة الموروثة منذ الاستعمار. يقوم على سدانتها مجموعة من الأكاديميين المختصين بالإحصاء وبالدراسة والفعل ، الناعم والخشن  . وتتخذ خطواط استباقية وفق خطط لا شأن لكثير من مراكز القوى الآخرى بها ، ولكنها تتبع للسلطة الكلية المركزية للجماعة التي يتحكم فيها أفراد بعدد أصابع اليد . وهي الذراع الحيّة للسلطة الباقية.
إذن السلطة جُبة مُرقعة ، كل رُقعة  بلون ، والفارق بينها ألا شيء يربطها ببعضها سوى أن هنالك رأس للسلطة ، إن احتدم العراك يلجئون إليه لحفظ التوازنات لا للحلّ !.

(2)

أسرّ أحدهم :
قلت لحضرة السلطان ، مالك تشغل بالك بدستور جديد لمملكتك ، فالدستور الحالي ساري المفعول إلى حين إقرار الدستور الدائم للبلاد كما تنص مواد الدستور:
(9) يحكم هذا الدستور الفترة الانتقالية ويكون خاضعاً لأي تعديل أو مراجعة وفقاً للمادة 224, ويظل سارياً إلي حين اعتماد دستور دائم.)
أما القلق بشأن المواد المحذوفة بناء على استفتاء الجنوب الذي فصل الدولة إلى جبهتين متقاتلتين ،فتقول المادة المذكورة أدناه :
(10) إذا جاءت نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير لصالح الانفصال فإن أبواب وفصول ومواد وفقرات وجداول هذا الدستور التي تنص على مؤسسات جنوب السودان وتمثيله وحقوقه والتزاماته تُعتبر ملغاة) .
أما خوفك من السلفيين المتطرفين ، فقل لهم إننا قد ضمنّا كل شيء في الدستور القديم :
5ـ (1) تكون الشـريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشـريعات التي تُسن على المستوي القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان.
وعليه فإن دستور بلادك  قد صار خفيفاً على قلبك ، ثقيل على قلوب أعدائك .

(3)

قال له أحدهم :
لِمَ تشغل بالكَ  بالانتخابات ؟
فأنت سلطان زمانك ، فهنالك مئات الآيات والسوّر التي يمكن تأويلها باجتهاد فقهاؤنا وقرار  مجلس شورى الجماعة أن المولى قد حباك بخاتم السلطة  وأخضع لك الإنس والجن.ليس  ذلك بغريب إذ استنفرنا الجن المسلمين  من قبل لخدمة المشروع . ألا تذكر يوم اللقاء المشهود  على التلفزيون الرسمي  ،  وكيف خاطبك عالمٌ منّا رأي أن تستعين  الدولة بالجن المسلمين لدعم الدولة والحكم !. وقرأ علينا  {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }النمل17
إن ما تسمعه في الصحف أو ما يدور في الجامعات ، من قتل وسحل وسجن وتعذيب ...، كلها زوبعة في فنجان . سوف يمُد المولى لك حبال الصبر والعُمر مديداً إلى أرذله  ، ثم يُسرّ لملك الموت ذات يوم أن يأتي بروحك إلى الجوار حين يحين الموعد الذي لا مهرب منه ،و المسطّر في اللوح  .
لا تقلق سيدي على بلادك ، فقد فعلت فيها الذي لن يقدر على فعله غيرك ، لا تفكر فيمنْ يدير دفّتها  من بعدك ومن يُمسك بزمام سلطتها ، ومنْ يكون الأعلى ومنْ الذين يصيرون إلى أسفل سافلين ؟ . فقارب الدولة يسير في ماء هادئ  تحته حِمم البراكين. الكون من وراء القرون يقول أنكم قد استدعيتم الماضي لتربطون بحباله الحاضر، لتنفكّ عُقدة اللسان ويسهُل الكذب وتتقهقر خُطى الدولة التي حطمتموها وسميتموها الدولة  العلمانية الكافرة  .وبدأت دولة العقيدة والدِّين منذ أكثر من عقدين من الزمان ولم تأت أُكلها بعد.

(4)

قال أحد منهم طامعاً في المستقبل :
لا تقلق على سيدة البلاد الأولى من بعد رحيلك بعد عمرٍ طويل  ، فستجد هي  بإذن الله وتوفيقه من يستخلفك فيها ومنْ يستولِّدها البنون والبنات ، فسوف يتطور الطب وتنفتح آفاق المستحيل. لا تقلق على الدنيا ، فقد سيّرها المولى وهو الراعي أولاً وأخيراً ، يرقب كل شاردة وواردة ، بيده الملك وهو على كل شيء قدير . لا تشوش على إيمانك بقدرة المولى التي تسع كل شيء . فالمركب التي أنت تقودها بيسر ، لن تُعطبها نزوات الحاقدين من الوسط أومن الأطراف .

(5)

أسرّ له آخر :
هنالك قصة قديمة في تاريخنا ، في الرياضة يمارسونها كثيراً ، وكذلك في السياسة . إن التحصين همٌ يدور في الرءوس ، كيف يكون . لن تخسر شيئاً إن تتبعت سيّر الأولين . قبلك من كانوا في سدة الحكم ، ونصحهم المقربون بزيارة بلدة صغيرة ولكنها عظيمة في الميزان . يقولون فيها  منْ يسَّر المولى لهم التحصين بالآيات وبالخواتم السليمانية وبينهم خطوط خضراء  مع جن سليمان النبي ، ممن أسلموا ، كي لا تتوجس أنتَ خيفة .
إنها العصا. فهي مفتاح الملك وصولجانه ، وقد تحدث عنها الذكر الحكيم وذكر عصا موسى : {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى }طه18 . و منسأة سليمان التي لم تقدر عليها سوى دابّة الأرض :{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ...}سبأ14.
يتدافُع الجميع  للتحصين. يقولون للتحصين سبيل وعِر ، يبدأ بالصيام والقيام ، وجملة أوراد من النفائس التي يخُص بها المولى بعض عباده الذين حبب لهم الخير ، وحبب الخير إليهم . فَلِمَ لا تَفْعَل؟ .

(6)

يوسوس قريب في أذنه اليُسرى :
لا تشغل بالك بقضايا الناس ، فالولاة يقومون بأصول الرعايا . لا أحد من أُمتِكَ يشكو . ومال الزكاة يبحث عن مصارفه ويفتش عن المساكين ،  فمعظمهم ذاب في الغنى والخير الذي يرفرف على ربوع بلادك . أما العاملون على جباية الزكاة فهم في نعمة دائمة وفي سكن مُريح وتقلهم الناقلات المرفهة في العمل العام والعمل الخاص . أما الفقر فكثير من الناس في دولتك يدّعونه تقيَّة من العين والحسد . أما الصحافة السيارة ومنظمات المجتمع المدني ، فقد فعل بها الأمن الوطني ما تستحق ، فهي بوق دول الاستكبار التي تحسدكم على النعيم المقيم بدولتكم .

عبد الله الشقليني
25/3/2013

 

آراء