موعد مع عبد الرحمن الخضر في السوق المركزي
محمد الشيخ حسين
30 March, 2013
30 March, 2013
abusamira86@gmail.com
يضع الجهد الكبير الذي يستهدف تطوير ولاية الخرطوم أسئلة تحسين نوعية الحياة وأحوالها في العاصمة المثلثة على مشرحة البحث والتحليل. ويبدو أن هذا الجهد الطيب يحتاج بشدة الآن إلى أن يبحث في ملفات مختلفة ومترابطة ذات صلة وثيقة بمؤشرات التنمية الإنسانية في مجتمعاتنا ومستوى تطورها.
وقد يقود هذا الجهد الذي يديره الدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم للعام الرابع على التوالي، إلى رسم معالم خارطة النمو والتطور وتحديد مواطن ضعفها وقوتها، والتأسيس لمنهجية عمل عام يتسم بالشمول والرصد لمجالات تتشكل منها البيئة الملائمة للحياة السودانية.
لكن قبل أن يتبعثر هذا الجهد الطيب، فإن الدكتور عبد الرحمن الخضر على مع موعد في السوق المركزي القابع في جنوب الخرطوم القديمة والذي يحتل حاليا قلب الخرطوم جغرافيا أن صدقت العبارة.
عندما تصل بداية السوق المركزي في الركن الشمالي الشرقي، وهو مكان ضيق جدا يمكن أن تحصل على وقود لسيارتك إذا عرفت كيف تتخطى غابة من (الركشات) تنتظر المتعبين الذين لا خطوط مواصلات تنقلهم إلى منازلهم. بالمناسبة سيدي الوالي خريطة خطوط المواصلات العامة هي ذاتها التي ابتدعها سلفك طيب الذكر الأستاذ مهدي مصطفى الهادي محافظ الخرطوم في منتصف سبعينيات القرن الماضي. والمقصود أن الخريطة المحورية لهذه الخطوط لم تدخلها يد التغيير بصورة شاملة والإضافات التي حدثت كانت مبادرات أهلية من سكان الأحياء الجديدة، والأمثلة كثيرة فمدينة الأزهري بمربعاتها الكثيرة وأسمائها المختلفة لا خطوط مواصلات خاصة بها، إذ هناك خطي مايو والسلمة القديمين، فالأول كان يخترق الحزام الأخضر سابقا، لكنه الآن يخترق المربعات الغربية من الأزهري، ثم خط السلمة القديم الذي يخترق المربعات الشرقية من الأزهري. وحتى هذان الخطان يعملان على مرحلتين إذ ينقلون الركاب من التخوم المجاورة لنادي العمال أو أمام مستشفى الخرطوم إلى السوق المركزي، ثم تبدأ جولة مفاوضات شاقة بين الركاب والسائق لكي تكمل الحافلة الرحلة إلى مايو أو السلمة وهكذا يدفع المواطن تكلفة المواصلات مرتين. والطريف أن الرحلة في الغالب تذهب إلى السلمة لأن الخط ينتهي في البقالة وهي مدخل السلمة.
مازلنا نقف في ركن السوق المركزي الشمالي الشرقي، ولا نود أن نفسد هذه الجمعة المباركة، لكن إذا ضاق الحال يوجد قرب طلمبة الوقود مقهى إنترنت يتيح تصفح الفيسبوك من أجل تغريدات تذهب عن النفس الكدر.
وإذا لم يذهب الإنترنت عن النفس الكدر، يمكن شراء تمباك من محل مجاور حاصل على شهادة (الإيزو) البريطانية في الجودة. إذا شعرت بشيء ما من اقتراح التمباك، لا تحزن ففي المكان توجد أنواع متعددة من اللحوم المعروضة وسط الهواء الطلق ويتخللها البخور لزوم البركة ظاهريا وطرد الدباب فعليا، ولا عزاء هنا لمسؤول الصحة أو المواصفة المعتمدة لعرض اللحوم في السودان.
إذا زرت سيدي الوالي السوق المركزي فلا تندهش إذا بدا أن شوارعه ليست الشوارع التي تعرفها الأسواق. ولا يحلو التسكع أو ممارسة التأمل في أي ركن من أركان السوق، بسبب الهرج الناتج من مكبرات الصوت التي تجذب الزبائن للطماطم والبقدونس والنعناع والمختلط بحوار الطرشان الدائر بين الباعة والمشترين حول الأسعار المرتفعة والدولار الصاعد ويتفنون في هذا الحوار على طريقة الزملاء الذين تستضيفهم القنوات الفضائية بين توقع انخفاض الأسعار وبشريات حديث الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين عن الترتيبات الأمنية وضخ البترول.
والباعة هنا يفترشون الأرض بسلعهم وأجسامهم أو يقفون أمام ترابيز موشاة بأنواع من قديمة من جوالات الخيش. وهؤلاء الباعة سيدي الوالي طيبون ومتمرسون وبعرضون سلعهم في عذوبة فائقة تحكي ملحمة قوية من النضال في سبيل كسب العيش في نهار الشمس المحرقة وفي الظلام على ضوء الشموع
و(رتاين) الغاز وفي عز المطر. ملحمة رائعة من شرفاء يكدحون في سبيل كسب قوتهم يميزهم طول البال وآذان تسمع رنة قرش في المريخ.
عندما تصل سيدي الوالي جسر السوق المركزي الواسع الأنيق، تلمح حديقة جميلة تسر الناظرين، لكنها مسورة من (القبل الأربعة)، وثمة غموض يكتنف كيفية مسألة الاستفادة منها.
بمجرد الهبوط من الجسر تدخل الامتداد الطبيعي لشارع أفريقيا الواسع الأنيق، ولعل شارع أفريقيا هو أجمل شوارع السودان الآن، لكن دلالة العربات احتلت مساحة مقدرة منه فالمسار الأيمن المتجه جنوبا المخصص للحافلات والعربات المتجهة تم إغلاقه بالعربات المعروضة في منتصفه والأطفال الذين يغسلون العربات في طرفه الشرقي وبائعات الشاي وباعة القصب وشندوتشات الطعمية والأقاشي في طرفه الغربي. أما المنطقة المبلطة التي تفصل المسار من الطريق السريع فقد تم احتلالها من سيارات الدفع الرباعي.
مسار الشارع الرئيسي يسع نحو ثلاث سيارات في وقت واحد، لكن سادتنا الأجلاء في الدلالة تركوا مسارا ضيقا في الوسط يكاد يمر عربة واحدة. يحدث هذا يوميا بعد الساعة الرابعة عصرا ويشتد الضيق كلما نقصت درجة حتى العاشرة ليلا. وفي يوم يبدأ الاحتلال أكثر كثافة من العاشرة صباحا ويكاد أن يغلق الطريق تماما بعد صلاة الجمعة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن شرطة المرور نجحت في أكثر من جمعة بإيقاف هذا العبث، لكن هذا يرتبط ببقاء شرطة المرور بآلياتها ورجالها طوال يوم الجمعة.
ولم يكتف سادتنا ملوك الدلالة بإغلاق مسار الطريق المتجه جنوبا بل تخطوه إلى المسار المتجه شمالا، مستفيدين من الجزيرة الواسعة التي تفصل المسارين في عرض العربات الفخمة وزبائنها الأكثر فخامة.
تاريخيا بدأت أول دلالة عربات في السودان في وسط مدينة الخرطوم في الشوارع المتفرعة من شارع القصر بالقرب من كلية الطب العام 1975، ثم نقلت إلى جنوب الصحافة. وفي العام 1992 قرر العميد يوسف عبدالفتاح نائب والي الخرطوم أنذاك ترحيل الدلالة إلى أركويت في موقع مدينة الطفل حاليا، لكن الدلالة لم تخضع لقرار عبد الفتاح وظلت في مكانها، ثم انتقلت إلى موقعها الحالي لضيق المكان القديم أولا ثم وجود الإضاءة الكافية في المكان الحالي ثانيا.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن معتمد الخرطوم اللواء عمر نمر خلال تنوير صحفي عن نقل دلالة السيارات في منطقة الصحافة إلى منطقة (سوبا) لإعاقتها حركة المرور.
سيدي الوالي أنت على موعد مع السوق المركزي لتقف على الحال، فالطواف على الدلالة سينتهي بك إلى خط السكك الحديدية، وهناك قطعان من الخرفان تندب حظها وآمالها التي جاءت بها إلى هذا المكان. ولن أحدثك هنا عن بؤس الحيوان في هذا المكان وأنت أكثر دراية وخبرة في هذا المجال، لكن فقط أن أنعش ذاكرتك برؤية من سبع نقاط قدمتها لنا من قبل وتمثلت في: المراجعات الإدارية، معالجة الظواهرالسالبة، الخدمات عموما، التنمية الاجتماعية، التنمية الاقتصادية، التنمية العمرانية، رفع الكفاءة والقدرات. وغالب الظن أن أي معالجة لوضع السوق المركزي يتطلب الاستعانة بنقاط الرؤية السبعة.