المصفوفة فتحت الطريق واسعا لتنفيذ اتفاقيات سبتمبر 2012
الآثار الإقتصادية لتنفيذ إتفاقات سبتمبر
الأثر على سعر الصرف يمر عبر ثلاثة مراحل
أنتهت مرحلة الانخفاض الأولى ولن يبدأ إنخفاض جديد قبل أكتوبر
إن اهمية المصفوفات الموقعة بين حكومة جنوب السودان وحكومة السودان أنها تفتح الطريق واسعا لتنفيذ إتفاقيات سبتمبر 2012 بين السودان وجنوب السودان والبلغ عددها 9 اتفاقيات وتتكون :
1- إتفاقية عامة للتعاون
2- الاتفاقيات المتعلقة بالنفط والمسائل الاقتصادية ذات العلاقة؛
3- الاتفاقية الإطارية عن موقف مواطني الدولة الأخرى؛
4- اتفاقية عن قضايا الحدود (بما في ترسيم الحدود)؛
5- ) اتفاقية عن إطار للتعاون في مسائل البنك المركزي؛
6- اتفاقية عن التجارة والمسائل المتعلقة بالتجارة؛
7- اتفاقية عن مسائل اقتصادية معينة : تقسيم الأصول والديون، و المتأخرات والمطالبات والمنهج المشترك للمجتمع الدولي.
8- الاتفاقية الإطارية لتسهيل دفع فوائد ما بعد الخدمة (وتشمل المعاشات)؛ و،
9- اتفاقية عن الترتيبات الأمنية.
الحريات الأربعة المفتاح:
وكما يمكن الملاحظة من الوهلة الآولى فإن كل الإتفاقيات عدا ثلاثة إتفاقيات لها علاقة مباشرة مع التوأمة الإقتصادية وحل المشاكل الإقتصادية العالقة بين البلدين، غير أن الإتفاقيات الثلاثة الأخرى ذات علاقة بالإقتصاد خاصة الإتفاقية الإطارية عن موقف مواطني الدولة الأخرى وبالأحرى فهي إتفاقية بالدرجة الأولى لأنها تتعلق ما عرف في الأدب السياسي بالحريات الأربعة التي تشمل حقوق الإنتقال والإقامة والعمل والتملك والاستثمار (باعتبار أن التملك والاستثمار يتداخلان). وقد جاءت المادة الثالثة في الجزء الثاني من الإتفاقية
"وفقاً للقوانين واللوائح في كل دولة ، يتمتع مواطنو كل دولة بالحريات التالية في الدولة الأخرى:
أ) حرية الإقامة
ب) حرية التنقل
ج) حرية ممارسة النشاطات الاقتصادية
د ) حرية الامتلاك والتخلص من الممتلكات "
ورغم إختلاف المسميات يصبح الجوهر هو الحريات الأربعة، ولكن الإتفاقية قيدت بمزيد من الإجراءات التي يتفق عليها الطرفان من خلال لجنة يترأسها وزيرا الداخلية بالبلدين، وكان يمكن أن يكون هذا إجراءا عاديا للتنظيم ولكن في الظروف السياسية المتوترة بين الدولتين، يكون ذلك طريقة لعرقلة وتنفيذ الإتفاقية. أن أي برنامج مستقبلي للتغيير في السودان يجب أن يبدأ بتفعيل هذه الاتفاقية لأنها المفتاح لا للتوأمة الإقتصادية فحسب بل لأي تطور إيجابي في علاقات البلدين الشقيقين.
ولعل أهمية الإتفاقية بالنسبة لجمهورية السودان واضحة في ثلاثة محاور، مختصرين الحديث في مجال الإقتصاد، على الأقل:
الأول وهو أكثر المحاور أهمية على الإطلاق هو محور القبائل الرعوية على الحدود بين البلدين والتي تعني حرية حركتهم إلى المراعي ومصادر المياه بالجنوب. والمحور الثاني هو وجود السودانيين الشماليين بالجنوب لأغراض التجارة والعمل وخاصة لسد احتياجات الجنوب في توظيف مهنيين وعمال مهرة، والمحور الثالث هو إحتياج الشمال للقوى العاملة من الجنوب خاصة في قطاعات الزراعة والبناء والصناعة..
إتفاقية الحدودوأهميتها لممارسة الحريات بالنسبة للرعاة
إن إتفاقية ترسيم الحدود اتفاقية هامة وذات ابعاد إقتصادية أيضا خاصة بالنسبة للرعاة ولتجارة الحدود ووفقا للإتفاقية " يحافظ الطرفان على حدود مسالمة و آمنة ينتعش على طولها النشاط الاقتصادي و الاجتماعي و يمكن ان يتحرك الناس عبرها و يمكن انسياب السلع و الخدمات عبرها بسهولة." (الباب الثاني المادة 2(1) ) وكان من المحدد أن يبدأ ترسيم الحدود خلال 60 يوما من توقيع الإنفاقية وينتهي في فترة أقصاها 3 شهور من بدء الترسيم. وبالطبع شيئا من ذلك لم يتحقق.
إن عدم تنفيذ إتفاقية الحدود لا يعطل حركة الرعاة وتجارة الحدود فحسب، بل أنه يعطل أي استثمارات خاصة في مجال استكشاف البترول وفي الزراعة والزراعة الآلية تحديدا يمكن تطويرها في المناطق المتنازع عليها.
إتفاقية البترول
توصلت إتفاقية البترول المسماة " الاتفاقيات المتعلقة بالنفط والمسائل الاقتصادية ذات العلاقة" وهي اتفاقية شاملة لنقل النفط من الجنوب عبر أنابيب الشمال ومعالجته في معامل المعالجة الشمالية وتصديره عبر الموانئ السودانية وفقا لرسوم محددة وتسري الاتفاقية لثلاثة سنوات و6 شهور من تاريخ تصدير أول شحنة. والإتفاقية تقدم تفصيلا لكل الاجراءات والالتزامات وتنظم القياس والمراقبة والجودة والالتزامات المالية وكيفية ومواعيد السداد وتعالج قضايا عالقة حول الحقوق المشتركة.
وما يهم الاقتصاد السوداني فعلا ان السودان يكسب 11 دولارا عن كل برميل ينقل عبر خطوط النيل الكبرى ويعالج عبر معاملها على النحو التالي:
1 دولار رسوم عبور
8.40 دولار رسوم نقل
1.60 دولار رسوم معالجة
كما يتلقى السودان ما يعادل 9.10 دولار عن كل برميل بترول ينقل عن طريق خطوط بترودار ويعالج في معاملها وتفاصيلها كالآتي
1 دولار رسوم عبور
6.50 دولار رسوم نقل
1.60 دولار رسوم معالجة
كما تدفع حكومة جنوب السودان رسوم تعويضية لمدة 3 سنوات تحسب على اساس 15 دولار للبرميل بما يعادل 3 مليار و40 مليون دولا خلال فترة الاتفاق.
لقد كان، وما زال، بوسع هذه الإتفاقية أن تساهم في حل مشاكل مالية لحكومة السودان فهي ترفد الميزانية وميزان المدفوعات بنقد أجنبي يصل إلى حوالي 3 مليار دولار في السنة معتمدا على كمية البترول التي ستضخ من الجنوب.
إن خطورة عدم تنفيذ هذه الإتفاقية إنها تضعف العلاقة والثقة بين البلدين وتدفع الجنوب دفعا للبحث عن طرق أخرى لتصدير بتروله. والإشكال الحقيقي أن أي حل آخر سيعني أنه سيكون دائما ولن تكون الخسارة للسودان مؤقتة، وحتى لو تغير نظام الحكم في السودان بعد ذلك فستكون الخسارة دائمة.
اتفاقية التجارة والقضايا المتعلقة بالتجارة
توصل الطرفان أيضا لاتفاقية التجارة والقضايا المتعلقة بالتجارة، وهي إتفاقية تكون لجنتان لجنة وزارية ولجنة فنية، وقد حددت الاتفاقية اسبقية للقضايا التالية:
أ- التعاون الجمركي بما في ذلك الجوانب الإدارية، وتبادل المعلومات وبناء القدرات.
ب- العلاقات البنكية وترتيبات المدفوعات المتعلقة بالتجارة (بالتنسيق مع لجنة البنوك المركزية المشتركة).
ت- مكافحة التهريب عبر الحدود.
ث- مكافحة المعاملات الماية غير الشرعية: وغسيل الأموا، وتمويل الإرهاب ، وتجارة المخرات والجرائم عابرة الحدود.
ج- آليات فض المنازعات المتصلة بالتجارة .
ح- استخدام الموانئ وتسهيل عبور السلع غير النفطية؛ و
خ- تسهيل الوارد والصادر بين الدولتين.
على أن تناقش اللجنة الفنية تحقيق التالي
أ- التعاون الجمركي بما في ذلك الجوانب الإدارية، وتبادل المعلومات وبناء القدرات.
ب- العلاقات البنكية وترتيبات المدفوعات المتعلقة بالتجارة (بالتنسيق مع لجنة البنوك المركزية المشتركة).
ت- مكافحة التهريب عبر الحدود.
ث- مكافحة المعاملات المالية غير الشرعية: وغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب ، وتجارة المخدرات والجرائم عابرة الحدود.
ج- آليات فض المنازعات المتصلة بالتجارة .
ح- استخدام الموانئ وتسهيل عبور السلع غير النفطية؛ و
خ- تسهيل الوارد والصادر بين الدولتين.
إن هذه إتفاقية تؤسس لهياكل ومؤسسات يمكن فعلا أن تطور العلاقات التجارية خاصة إذا ما قراـ مع إتفاقية " إطار للتعاون في مسائل البنك المركزي" والتي تنشئ أيضا أساسا للتعاون المصرفي الذي يسهل التبادل التجاري والتعاون في قضايا النقد والتحويل والتمويل المشتركة.
إن لإتفاقيات الإقتصادية الأخرى التي وقغت في نفس الوقت تعالج قضايا مهمة مثل الديون ومعاشات وحقوق مواطني كل دولة وغيرها من القضايا الاقتصادية العالقة.
ماذا يعني تطبيق هذه الاتفاقيات للإقتصاد السوداني:
إن تنفيذ الإتفايات سكون له أثر غيجابي على الإقتصاد السوداني في الأوجه التالية:
1- سيحقق عائد رسوم ترحيل ومعالجة النفط والحقوق السيادية والهبة من حكومة الجنوب ما قد يصل إلى 2.7 مليار دولار باعتبار إنتاج 300 ألف برميل نفط في الجنوب وهذا بالطبع لن يتحقق بين يوم وليلة ويحتاج لوقت وأتوقع أن يبدأ الضخ بكميات بسيطة ثم يرتفع حتى يصل ال 300 ألف بنهاية العام الحالي، وستبدأ تدفقات العائد المالي للحكومة في الوصول لربما بحلول شهر أكتوبر، وحينها سيؤثر ذلك على إيرادات الحكومة في الربع الأخير من العام ويخفف من العجز، إن درجة تأثيره على تخفيض العجز في الميزانية العامة يعتمد على كمية النفط التي سيتم ضخها ومن مصلحة الحكومة السودانية أن تساعد في أن يصل الضخ لأعلى معدل له.
2- سيكون لتدفق المدفوعات أثر إيجابي على ميزان المدفوعات ويؤثر أيضا في تمويل الواردات كالقمح والأدوية.
3- سيكون هناك أثر إيجاب للتجارة بين البلدين على مستويين: التجارة التي مصدرها سلع سودانية مثل الذرة والبصل والزيت والتوابل وغيرها وهذا يعتمد على وجود فوائض إنتاجية، ولربما سيؤثر ذلك سلبا على الأسعار للمستهلكين السودانيين بإعتبار منافسة التصدير للطلب المحلي. أما المستوى الثاني فهومستوى السلع العابرة عبر السودان ومصدرها أجنبي وسيكون التأثير الإيجابي هنا متعدد: رسوم الميناء والمواصلات والنقل وتوسيع العمالة في مجال عمليات الصدر للجنوب عموما.
4- الأسر الأكثر إيجابية سيكون على حركة المواطنين على الحدود خاصة الرعاة خاصة وأن الصيف قد دخل ويتجه الرحل نحو المراعي ومصادر المياه في الجنوب، وهذا الأثر الإيجابي يعتمد أكثر على تحقيق السلام في الحدود وحل قضايا الحدود.
5- لربما تبدأ العمالة من البلدين فرصا للحركة بين البلدين إذا ما ساعدت المصفوفة في حل مشكلة الحريات.
6- بالطبع سيؤدي كل ذلك لإذدهار العمل المصرفي بين البلدين.
أثر الاتفاقيات على سعر الصرف
يهتم كثير من الناس بأثر تنفيذ الاتفاقيات على سعر الصرف، وسيتم التأثير على ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى والتي إنتهت الآن واستمرت لأقل من شهر ، عندما قرر المضاربون، والذين يحتفظون بمدخراتهم بالنقد الأجنبي أن يبعوا ما لديهم من نقد وحيث توقف المستوردون مؤقتا عن الشراء لحين إنجلاء الموقف. كل هذه القرارات أتخذت كرد فعل للإتفاقيات دون أن يكون هناك نقد أجنبي جديد مطروح في السوق أو لدى البنوك لأن الإتفاقيات تحتاج لوقت لتنفيذها وحتى تدر النقد الأجنبي المتوقع.
المرحلة الثانية والتي نعيشها الآن وهي ببساطة أن المستوردين والمسافرين والمحولين للخارج لأسباب الدراسة والعلاج ألخ، توجهوا من جديد للسوق فأرتفع السعر من جديد فبعد أن نزل الى 6,10 أرتفع من حديد إلى 6,55 وسيستمر في الزيادة وفقا لمعادلات العرض والطلب حتى منتصف أكتوبر عندما يبدأ العائد من رسوم الترحيل والمعالجة والهبة من حكومة الجنوب في التدفق.
المرحلة الثالثة تبدأ بتفق العائدات في أكتوبر، وسيحكم السعر فيها مدى فعالية الدولة في إدارة النقد الأجنبي وعدم إهداره مثل عائدات البترول 1999-2011. وهذا يتطلب سياسا ت صارمة في تحديد سلع الواردات وترتيب دقيق للأوليت ومساعدة الميزان التجاري وميزان الدفوعات بإجراءات داخلية تزيد الانتاج المحلي البديل للوارد (تخفيض الطلب على النقد الأجنبي) وزيادة الانتاج المحلي للصادر (زيادة عرض النقد الأجنبي) وزيادة كفاءة الخدمات المحلية في مجالات التعليم والصحة (تقليل الطلب على النقد الأجنبي بتقليل التحويلات للعلاج والتعليم بالخارج) وأختصار النفقات الخارجية غير الضرورية (خاصة الحكومية كالسفر للخارج للمسئولين) وتخفيض تحويلات العمالة الأجنبية (بتطبيق سياسة حازمة تجاه العمالة الآجنبية بتضييق فرص العمل للإجانب) وأتخاذ سياسة الشراكة مع رأس المال الأجنبي في عمله بالسودان حتى نحافظ على جزء من الفوائص الاقتصادية المنتجة داخل البلاد.
صدقي كبلو
Sidgi Kaballo [skaballo@blueyonder.co.uk]
//////////