تلفون كوكو: الرقم الوطني الذي لم يخذل قضيته
د.تيسير محي الدين عثمان
6 May, 2013
6 May, 2013
تلفون كوكو أبوجلحة كالو هذا الأسم والذي أصبح معروفاً ومشهوراً بأنه القائد العسكري النوباوي والذي نال الإعتقال الأكبر والسجن الأطول والظلم الأكثر من قبل الحركة الشعبية الجنوبية وفي تاريخها حيث أنه طبقت عليه عقوبة السجن الأكثر والأطول مدة من بين ضباط الحركة الشعبية وبرغم أنه يعتبر من القادة المؤسسين لقطاع جبال النوبة بالحركة الشعبية!!! وبلغ مجمل سجن الحركة الشعبية له أكثر من ستة سنوات وعلى فترتين ويعني ذلك أن تلفون كوكو ضاعت عليه ست سنوات وأكثر من عمره سجيناً وأسيراً لدى الحركة الشعبية الجنوبية وأسيراً لرغبات ونزوات وطموح يوسف كوة والحلو وعرمان وفاقان وعقار وغيرهم....رجل ظلمه رفاقه ولم يتحملوا صراحته ومجاهرته بالرأي والحقيقة وحرصه على حقوق أهله في جبال النوبة ومطالباته المستمرة بمنحهم ما يستحقون والذي خرج حينما خرج من أجلهم وإنضم للحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق ولقد إفتتح الظلم عليه وإبتدره الراحل يوسف كوة وأكمله رفيقه سلفا كير الرئيس الحالي لدولة جنوب السودان حيث أن الآخير قام بإصدار أمر إعتقاله وإيقافه و تم سجنه بتهم ملفقة وبوشاية كاذبة ومضللة من الرفاق ممن ينسبون لما يعرف بقطاع الشمال وبعون من الأمين العام للحركة الشعبية فاقان أموم.
ستظل قصة إعتقال تلفون وسجنه من الأحداث التاريخية المسجلة في تاريخ ومسيرة الحركة الشعبية وسيظل تلفون كوكو هو المظلوم الأكثر والصابر الأوحد على أذى بنو جلدته ورفقاء السلاح والذين تنكروا لكل نضاله ولم يراعوا لتضحياته وإرثه القتالي والعسكري معهم وبل حملوه فوق طاقته بإطلاق الشائعات عليه في كثير من الأحيان وإتهامه بالعمالة للمؤتمر الوطني وتنفيذ أجندته وبرامجه بينما هم كلهم شاركوا وتواثقوا مع المؤتمر الوطني وأتفقوا معه وقاسموه الحكم في الجهاز التنفيذي والبرلمان ومنهم من كان وزيراً أو والياً أو رئيس كتلة برلمانية وغيرها من المناصب وتمتعوا بالمناصب والحظوظ وسكنوا القصور وركبوا السيارات الفارهة وجابوا بقاع العالم بالسفر والترحال خلال تواجدهم فيما عرفت بحكومة الشريكين وعلى حساب أموال الشعب السوداني وبرغم أنهم إنقلبوا أخيراً على حكومة المؤتمر الوطني وناصبوها الخصام والعداء والحرب ونموذج فاقان الوزير وعقار الوزير و الوالي وعرمان البرلماني والحلو نائب الوالي هي نماذج ماثلة وباقية كرفاق ينتمون للحركة الشعبية كانوا شركاء لحزب المؤتمر الوطني في حكم الشعب وفي نيل الحظوظ السلطوية ، وهذا الشي لم يفعله تلفون كوكو ولم يشارك في الحكم والسلطة تحت إدارة وشراكة المؤتمر الوطني ولم يتلقى الأموال ويسكن القصور بل ولم يمتلك البيت أو المسكن وحتى الآن وأسرته التي تقطن بالخرطوم تسكن في بيت إيجار!!! وبالتالي فمن الذي يجب وصفه بالعمل مع ولصالح المؤتمر الوطني هل هم هؤلاء الرفاق أم الضحية تلفون كوكو سجين الحركة الشعبية الأشهر وأفقر قادة الحركة الشعبية أملاكاً وأموالاً وسلطةً وبل وأكثرهم زهداً ومحبةً في قلوب العامة ؟؟؟؟؟
وظل تلفون كوكو أو مولانا كما ناداه قرنق ويحب جنوده ومحبيه من أبناء النوبة وغيرهم أن ينادوه بهذا الأسم.. ظل وحتى الأن هو الرجل الذي بقى بعيداً عن الحكم والسلطة وبل الوحيد والذي أشار صراحة إلى أن الجنوب سينفصل ولم يعيش في أمنيات وأوهام وشعارات الوحدة الجاذبة وكان واقعياً وقارئاً جيداً لمآلات الأحداث وكتب وقال بذلك ونوه للمصير المجهول والذي ينتظر القوات المقاتلة من أبناء جنوب كردفان والنوبة عند إنفصال الجنوب وبحسب إتفاق نيفاشا الظالم وكما سماه!!! ولم يقبلوا كلامه حينها وهاجموه وحاربوه إعلامياً و معنوياً ومادياً مستخدمين وجودهم في الحكم والسلطة وما يملكون من أموال؟؟؟ وظل هذا التلفون هو الرجل و الذي يخاف الله فقط ولا غيره و لا يحمل في نفسه حقداً على أحد ولا غلاً ولا رغبة في الإنتقام من أحد ولا حتى على من ظلمه وسجنه وقهره وكل سلاحه هو صراحته وشجاعته وما يحمل من أفكار وقوله لما يراه حقاً ويجاهر بذلك وهو رجل عرف عنه يقينه وتجرده وإيمانه بربه وزهده ومحبة الناس له ومحبة كل من يعرفه ويصادقه له !!! وتلفون هو ذلك الرجل الكريم والذي يؤثر على نفسه وأحياناً يتصدق على الغير بكل ما يملك وإن كان هو محتاجاً لذلك وأشهد وأعرف له بعض المواقف والتي لا يحب هو شخصياً أن تروى أو تحكى عنه وظنه ويقينه هو أنه لا يحب أن يذهب أجره وثوابه عند الله أو يوصف بالنفاق إذا ما سردت مآثره وأعماله ولأنه مسلم متدين ويخاف الله....
تلفون كوكو والذي حرمت منه أسرته مرتين حين أعتقل وسجن للمرة الأولى منذ 28/12/1993 وحتى 12/3/1997م في جنوب السودان بعد ترحيله من جبال النوبة موثوق اليدين والمرة الثانية حينما تم إعتقاله منذ 21/4/2010 وحتى 19/4/2013م بمدينة جوبا وبلغت مجمل الفترتين أكثر من ستة سنوات.
تلفون كوكو الذي دوّن وكتب ملحوظاته عن إخفاق إتفاق السلام الشامل الظالم عن قضية جبال النوبة وحيث كان يكتب في الصحف مهاجماً قيادة الحركة الشعبية لتنصلهم عن الشعارات التي كانت قد رفعتها الحركة في بيانها السياسي (المنفستو) عام 1984م..السودان الجديد...سودان العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية...حيث وبحسب رؤية القائد تلفون أن هذا لم يتحقق في إتفاق السلام الشامل الظالم عن قضية جبال النوبة ، كما أنه هاجم المؤتمر الوطني في بياناته ومقالاته لأنه يعتقد أن المؤتمر الوطني لعب دوراً سلبياً بالضغط على الحركة الشعبية لتتنصل عن قضية جبال النوبة ومع أن قائد الحركة حينها الدكتور قرنق كان قد فُوّض بواسطة مؤتمر أبناء جبال النوبة في كاوده لكي يتفاوض عن قضيتهم ولذا يرى تلفون أن هذه الإتفاقية خرجت باهتة وهزيلة في تعبيرها عن قضية جبال النوبة ومطموسة المعالم.. و وجدت بيانات ومقالات السيد تلفون أبوجلحة صداً واسعاً وكبيراً وسط أبناء وبنات جبال النوبة ما بين مؤيد ومتشكك ومتحفظ وخاصه طرحه الجرئ والمتعلق بتوحيد كل أبناء جنوب كردفان وبمختلف مكوناتهم القبلية والعرقية والأقليات الموجودة بالإضافة للنوبة وجعله من قضيتهم قضية واحدة وليس حصراً على أبناء النوبة وذلك لأنه توصل لقناعة تامة أن الظلم والتهميش الواقعين على منطقة جنوب كردفان ليس مقصوداً بهما النوبة ككيان وإنما هذا الظلم وذاك التهميش قصد به المنطقة وكل من يعيش فيها...
كان الغرض من الحملة الإنتقادية التي أثيرت ضد القائد تلفون كوكو هو إغتياله سياسياً وإتسمت بصورة كبيرة بالبعد عن الموضوعية ولم تراعي لدور الرجل النضالي والذي قضاه بكنف الحركة وصفوفها مدافعاً عن قضيته العادلة وقضية أهله ولم تكن نضالات تلفون من أجل طموح وتطلعات ذاتية ولم يتقاعس أو ينتكس أو تسلبه مغريات السلطة والثروة وكان صادقاً مع نفسه تعاهداً وتوافقاً ومضى في درب قضيته الشائكة والمتشعبة ودفع الثمن غالياً وخصماً من راحة أهله وإستقرار آل بيته!!! ووجد خصوم وأعداء تلفون وخاصة من رفاقه كل الأبواب والنوافذ موصدة أمامهم ولم يكن بأيديهم ما يذلوا به تلفون ويلجمون به لسانه ويسكتوه فلجأوا لتوظيف بعض قرائن الأحوال وإطلاق الشائعات مثل إتهامهم له جوراً وبهتاناً بالولاء للمؤتمر الوطني وذلك للإيقاع بينه وبين قيادة الحركة وهو ما نفاه سابقاً بالأدلة والحجج الدامغة وكمم بها أفواه منتقديه وكبح بها جماحهم وأخرص السنتهم ولأن قناعته الراسخة الفكرية والتي حتمت عليه حمل السلاح والصدوح بالقول والأراء والكتابة الجريئة لا تزال باقيه بدواخله ولأن زوالها مرتبط بزوال أسبابها ودوافعها وهي رفع الظلم عن إنسان جنوب كردفان وجبال النوبة.. وكان بالأحرى لأصحاب الأراء الناقمة والمناوئة لتلفون و كذلك خصومه في داخل الحركة الشعبية والتي تفرقت شيعاً بعد نيفاشا وبعد أن إتضحت نية الجنوبيين في الإنفصال..كان بالأحرى عليهم أن يعتمدوا في نقدهم وحربهم على تلفون على التحليل الموضوعي والحقائق بعيداً عن الإسقاطات الذاتية المصحوبة بالإنفعالات الإنحيازية والتقديسية للأشخاص وبعض القادة والذين عملوا على إستغلال قضايا النوبة وهم ليسوا من مكونات النوبة أو من أبناء تلك المناطق و لمصلحتهم الخاصة وكما يفعل الحلو إبن المساليت وعقار ولد الأنقسنا و الجعلي عرمان إبن الجزيرة....وفي نهاية الأمر لم يجد هؤلاء طريقاً لإسكاته وإلجامه سوى الإستدراج والإيداع بالسجون الجنوب سودانية وقبل الإنفصال و حتى بعد أن أصبح الجنوب دولة مستقلة في أكبر خطأ تاريخي يحسب ضد حكومة الجنوب في سجلات إحترام الحريات وحقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية ومراعاة الشفافية والنزاهة وحرية التعبير ولكن أخيراً إستدرك الرئيس سلفا كير ذلك الخطأ وقام بمعالجته بإطلاق سراح رفيقه وصديقه السابق أيام الحارة الكوماندر تلفون والذي كان بيته في الغابة من البيوت القليلة جداً والتي يدخلها ويزورها سلفا وليسجل لنفسه بذلك القرار الشجاع والعادل بإطلاق سراح رفيقه السابق تلفون نقطة إيجابية تحسب له وهو رئيس حاكم لدولة وليدة...
الأراء والقضايا والتي تناولها وطرحها القائد تلفون وبعد إتفاق نيفاشا مثلت في نظر الكثير من أبناء جنوب كردفان وجبال النوبة أراء صائبة لأنها عكست في مجملها ارتباطاً وثيقاً وعميقاً بالواقع الإجتماعي والسياسي والتنموي لأهل تلك المنطقة من البسطاء والمهمشين وكانت أراء تعبر عن إلتزاماً نبيلاً بقضاياهم ومشاكلهم وتناولها السيد تلفون بشفافية فائقة ونادرة ولبت طموح السواد الأعظم من هؤلاء المهمشين وبالمقابل أثارت حفيظة الإنتهازيين والنفعيين والمتسولين الذين يحترفون فنون ولعبة التحليق والتمحور والدوران حول آلة السلطة والتي كانت الحركة الشعبية جزء منها وكان هؤلاء يبحثون عن الجاه والسلطة والمنصب والوظيفة والتي حرم تلفون نفسه منها رغبةً في الوصول لحل مكتمل لمجمل قضاياه والتي من أجلها حمل السلاح وتكالب أولئك على السلطة ومنهم من لم يحمل السلاح قط ولا يعرف عن الحرب شيئاً ومنهم من عاش في دول المهجر في أوربا وغيرها وكان يبحث عن ذاته وتأهيله العلمي والمهني وعاد ونال حظاً من الوزارة والأمارة وهو لا يعرف واقع وحقيقة جماهيره وشعبه ومنطقته شيئاً؟؟؟ وظل تلفون وحده من القيادات التاريخية في الحركة الشعبية والممثلين للنوبة والذي بقى على قيد الحياة من يدفع الثمن غالياً من السجن والمعاناة والقهر والتنكيل والإقصاء وبرغم من أن أرائه كانت يجب أن تحظى بمزيد من الإهتمام والتمحيص والتنقيب ولأنها بشرت بالتغيير والفهم الصحيح لجوهر قضية جبال النوبة وناشدت بالمطالب والحقوق المهضومة والمسلوبة والتي هضمتها وسلبتها إتفاقية نيفاشا وبروتوكولها الهزيل الخاص بالمنطقة وكما أن هذه الاطروحات لتلفون نددت بالظلم الفادح الذي لحق بأبناء النوبة من جراء هذه الإتفاقية ونادت بإيجاد سمة وآلية تفاهم مشترك كبديل للفشل الزائد والمتكرر والقائم حتى الآن ونادت بضرورة الوصول لمشروع نهضوي وسياسي يبشر بإنتقال أبناء وإنسان المنطقة من مربع اللا إتفاق إلى مربع الإتفاق والعقلانية واللذان تسودهما قيم المحبة والألفة والأخوة الصادقة والخالصة والعمل الجماعي المشترك للخروج بمجتمع جبال النوبة من مستنقع اللا وجود إلى أرض الوجود وحل كل مشاكل إنسان المنطقة بمختلف مكونه الإثني..
كل تلك القيم والأراء والمفاهيم قادت لأن يدفع القائد تلفون عمره و وقته وصحته ثمناً وهو قد قدمها مهراً غاليا وثمناً باهظاً و سيسجل التاريخ للرجل أنه من مثّل نموذج الصبر ونموذج التضحية ونكران الذات بالحركة الشعبية قطاع جبال النوبة ولم يسجل له التاريخ نفسه وحتى الآن أنه ممن يقتل شعبه الأعزل من المدنيين والبسطاء أو يدمر مدن بلاده وكما يفعل رفاقه ممن كانوا يشاركون المؤتمر الوطني في السابق في الحكم والسلطة والثروة وأصبحوا يناصبونه العداء اليوم والذين كل قضيتهم وجهدهم في أنهم يبحثون عن طموح شخصي وسلطة ومكانة وإن تدثروا بشعارات براقة وكلمات منمقة ودعوات نبيلة ودعم لوجستي وعسكري ولكنهم لا يهمهم أن تدمر المدن أو يموت إنسان السودان في سبيل تحقيق أغراضهم الذاتية أو أهدافهم المفعمة بالأنانية وحب الذات والرغبة في كراسي السلطة ومنهم من يجعل من قضية جبال النوبة وجنوب كردفان مدخله ومطيته لتكوين الأجسام السياسية أو شن الحرب أو التمرد وهم قبلياً وأسرياً لا ينتمون لتلك البقاع ولا يعبرون عن أهلها فكرياً أو وجدانياً أو مطلبياً ويبرز تلفون كوكو كشخصية ورقم وطني لا يخذل قضيته وشعبه وبرغم عميق الجراح وعظيم مصابه ومصاب أسرته الصابرة على البغي والظلم.. وتظل والدته الأم( كانو أولي- برطانة النوبة) أو ما تعرف به باللغة العامة بالحاجة (كاكا كوكو) تنتظر عودة إبنها المناضل الصبور تلفون وتبقى السيدات الفاضلات هدى كريم وزينب التوم زوجات تلفون الحاليين والأبناء يسين وترهاقا وبعانخي ونابليون وذو النون والبنات مايسة وميسون ومرضية وحواء ومريم..حفظهم الله جميعاً.. هم من يدفعون ثمن التغييب القهري والسجن والأسر لأبوهم تلفون كوكو أبوجلحة كالو !!!!
tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]