اصوات وعبارات وكلمات .. بقلم: هلال زاهر الساداتى

 


 

 



كما نعلم فان اللغة تتكون من كلمات وجمل ، والكلمات تتكون من حروف ، والحروف يحمل كل واحد منها صوتا" معينا" ، والجملة تعنى كذلك شيئا" معينا" ، ومجموع كل ذلك هو الكلام الذى نتحدث به ، ولكن هل كان الانسان منذ نشأته على الارض يتكلم بطلاقة ؟ ولنضرب مثلا" لذلك بالانسان فى العصر الحجرى ، فقد كانت احتياجاته المعيشية قليلة جدا" ، ولا يحتاج لتبادل المنافع مع الاخرين ، ولذلك السبب فربما يستخدم الاشارة بيديه ، أو صوته عما يبتغيه ، وتكفيه قطعة لحم من الحيوان الذى يصيده بسلاح صنعه من الحجر ، ويغطى جسمه بفرآء الحيوان الذى اصطاده . ومع تكاثر الناس وازدياد متطلباتهم اقتضت الحاجة الى المعاملة مع الاخرين والاختلاط المحدود بهم ، فولدت لغة محدودة تعبر عن تلك الأشيآء المستجدة .
ولا اطيل القول فقد ولدت لغة التفاهم ثم بمرور الزمن وتطور الحياة والانسان تكاملت اللغة واتسعت مفرداتها واغراضها باتساع المعرفة والمخترعات وتقدم العلم . وقد علمنا ان الفرق بين الانسان والحيوان ان الانسان حيوان ناطق ، ولكن ذلك لا يعنى ان الحيوانات والمخلوقات الاخرى ليست لها لغة وان شئت طريقة للتفاهم فيما بينها ، فالعلمآء فى علوم البحار سجلوا بالآت دقيقة اصوات بعض الاحيآء المآئية كالدلافين والحيتان ، وحتى الحشرات التى تدب على الارض لديها لغة تخاطب ، ويحدثنا القران الكريم عن النملة التى قالت للنمل ان يدخل الى منازلهم حتى ( لا يحطمنكم سليمان وجنوده ) محذرة النمل ليبتعد عن طريق سيدنا سليمان وجيشه ، وتبسم سليمان من قولها وشكر الله الذى علمه منطق النمل ، أى كلامه .
واخلص الى اننا فى سودان الوسط الشمالى الناطقين بالعربية وفى مدينة امدرمان نستخدم عبارات واصوات للدلالة على معنى أو شئ معين ، وبخاصة فى تعاملنا مع الحيوانات الاليفة التى كنا نربيها فى المنازل الى عهد قريب ، فاذا اردنا ان نطرد الدجاجة نقول لها ( كر ) ، ويحضرنى هنا قول احد ملوك الشايقية قديما" ولعله الملك صبير ، فقد قال لاسماعيل باشا ابن الخديوى محمد على باشا عند بداية غزوه للسودان فى العهد التركى محذرا" له ولجيشه قبل وصوله لديارالشايقية ، خاطبه قآئلا" ( قول لى جدادك كر ) ، واذا اردنا ان نزجر الكلب قلنا له ( جر ) ، وفى كل الاحوال يتبع الصوت اشارة باليد ، واذا اردنا ان نحث الحمار على السير السريع قلنا له مع ضربه على جانبيه بقدمينا ( عرعر ) ، واذا اردنا طرد الكديس ( القط) استخدمنا ( بس بس ) ، ولا بأس من ذكر حكاية رواها لى صهرى كمال عبدالوهاب فى معرض حديثنا عن الاصوات ، فقد قال لى ان قطة جارته الامريكية خرجت الى الشارع وقبعت تحت سيارته وفشلت كل محاولات جارته فى اخراجها ، وخرج كمال واخبرته بالامر  ، وقال انه ذهب ونادى على القطة بطريقة مناداة القطة فى السودان ( تث تث ) فخرجت القطة واخذت تتمسح على ساقه ولم تتجه الى صاحبتها فاخذها وربت عليها ومسح على رأسها ثم  اعطاها لجارته . وفى المسآء جآء زوج جارته اليه وشكره ولكن سأله باستغراب عن الالفاظ التى قالها للقطة حتى استجابت له وطلب منه ان يعلمها له ، واجابه كمال باننا   ننادى القطط بهذه الاصوات فى السودان، ورددها له حتى اجادها ، ولعله اعتقد انها كلمات سحرية او انها شئ من هذا القبيل .
وهناك احرف يشكل الواحد منها أو مع حرف آخر معنى نفهم منه ما يريد الواحد التعبير عنه ، ولكن لا اعرف كيف اكتبها ، فمثلا" اذا اراد الواحد الاستجابة لشئ بالموافقة حرك لسانه الى سقف فمه وأتى بصوت قريب من ( كه ) ، وهناك صوت آخر تستعمله المرأة اذا لم يعجبها شئ أو يدل على الاستهجان ويصدر من ضم الشفتين واصدار صوت ممطوط قريب من لفظ ( بييب ) ، وهناك صوت آخر يدل على الاستخفاف والرفض وهو( هو أو هه ) ، ويصدر الصوت من الانف ومن الصعب كتابته . ولعل هذه الاصوات القليلة المتبقية قد صمدت وبقيت عبر الدهور من اسلآفنا فى بدآئية الكلآم ، ولا عجب فقد ارسل سبحانه وتعالى سيدنا نوح الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما"  
وعندما كنا فى بخت الرضا درسنا علم الصوتيات على يد مستر جورج ، وعرفنا ان اى حرف فى اللغة الانجليزية عنده اسم وله صوت ،وتركيب حرفين مع بعضهما له صوت مختلف . واقصد من هذا المقال ان لدينا اصوات سودانية بحتة لا يفهمها سوانا ولعلها اندثرت الان ولا يعرفها شباب اليوم ، ولا يعنى هذا انا ننفرد دون الشعوب بهذه الأصوات الخاصة فمن المؤكد ان لها أصوآت خآصة بها .
هلال زاهر الساداتى
Hilal Elsadati [helalzaher@hotmail.com]

 

آراء