مشاهد من الخرطوم .. من يعلق الجرس على رقبة الديكتاتور؟ 2 -3

 


 

 



fataharman@hotmail.com
تحدثت يوم أمس عن زيارتي للسودان مؤخراً ومعايشتي لحالة التذمر الواسعة من النظام التي عمت البلاد من مختلف قطاعات الشعب، وحديث العامة في الهواء الطلق عن الفساد وسوء إدارة جهابزة النظام للأوضاع السياسية، والإقتصادية، والتنموية. وبإستطاعة اي انسان بسيط قراءة "الكتابة على الجدران"، والتي تؤكد ان النظام وصل إلى نهايته المنطقية- السقوط المدوي- نظراً لإتباعه لسياسات خرقاء قسَمت البلاد وأفقرت العباد، وانتهت به إلى "سوق مواسير" كبير.
في هذه الحلقة، أود ان اتطرق لوضع هيئة قوى الإجماع الوطني المناوئة للنظام، وعلاقتها بالمنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني. وقبل التطرق إلى هذا الأمر، أود التأكيد على أهمية وجود هيئة قوى الإجماع الوطني والدور الذي ظلت تطلع به لإزالة هذا النظام الفاشي، ولا نسعي هنا إلى سكب الماء على حائطها لتنهار- كما تقول الفرنجة-، ولكن طرائق عمل قيادة هيئة قوى الإجماع الوطني أراها تقوم على فرضية خاطئة وهي ان تجربة العصيان المدني واضراب النقابات اللذان ساهما في اسقاط حكومتين سابقتين سوف تجديان مع هذه الطغمة التي حولت كافة مؤسسات الدولة والمنظمات والإتحادات المهنية إلى ضيعة خاصة بالديكتاتور البشير وأعوانه، بالطبع هذه الجزئية ليست غائبة عن بعض قادة هذه القوى ولكن ما غاب عنهم هو كيفية ابتداع وسائل جديدة ومبتكرة للتغلب على المتاريس التي وضعها النظام أمام القوى الراغبة في التغيير، وعدم الإكتفاء بالإعلان عن لقاءات جماهيرية يرفض قادة النظام السماح بها. لذا، طرائق الأمس في العمل والتنظيم لن تصلح لمخاطبة فاشية اليوم.
التقيت في الخرطوم بقيادي في هيئة قوى الإجماع الوطني وكان التذمر باديا عليه من الكيفية التي تدار بها الهيئة حيث أكد لي ان هناك امورا يسمع بها في الإعلام ولا تتم إستشارتهم فيها كتنظيم تحت مظلة هذه القوى. لذا، على هيئة قوى الإجماع الوطني القيام بمجهود أكبر لإحكام التنسيق بين كافة مكوناتها لتفادى مخاطر الإنقسام بين تنظيماتها المختلفة، عبر عقد اجتماعات دورية لأخذ موافقة الجميع على ما يجب القيام به لتفادي ما حدث عند توقيع مناديب الأحزاب على ميثاق (الفجر الجديد) في كمبالا، إذ لم يكن سوى مهزلة كبيرة.
جلست كذلك إلى بعض الأصدقاء والشباب الذين ينتمون إلى حركات التغيير والأحزاب المختلفة، وأعرب معظمهم عن امتعاضهم من الطريقة التي تدار بها هيئة قوى الإجماع الوطني وعدم تمثيل الشباب فيها للمساهمة في التغيير الذي ينشده الجميع. وهنا لا يختلف حالنا كشباب عن حال الشباب في الدول المجاورة، حيث يرى "الشيوخ" انهم على دراية بقيادة عملية التغيير أكثر من الشباب الذين لا يتمتعون بعمق التحليل لتركيبة الأنظمة الشمولية لكتابة "روشتة" القضاء عليها- حالة مصر مثال صارخ على سيطرة الشيوخ على مقاليد الأمور وتهميش الشباب. لا ننكر أن دور شيوخ المعارضة مهم في قيادة التغيير ولكن اغفالهم لدور الشباب يطيل من عمر النظام، سيما ان معرفة هؤلاء الشباب بوسائل الإتصال الحديثة لعبت دور حاسما في ثورتي 25 يناير المصرية و"الياسمين" التونسية. وعلى قيادة هيئة قوى الإجماع الوطني تلافي هذا الخلل بإشراك شباب الأحزاب، وحركات الشباب، ومنظمات المجتمع المدني المختلفة والاستئناس برأيهم حول كيفية إبتكار طرائق عمل جديدة لحشد الجماهير وتبصيرها بأهمية الخروج إلى الشارع ووضع حد لهذا النظام القمعي. وأعني بطرائق العمل الجديدة  استخدام وسائل التواصل الإجتماعي، و(الإعلام الجديد)، وإعتماد خدمة الرسائل القصيرة للحشد والتعبئة عوضاً عن الوقوف على "باب الوالي" لأخذ الأذن لإقامة ندوة جماهيرية، أعطوهم أو منعوهم، بل منعوهم ظلت هي سيدة الموقف.
الشىء الآخر، حكى لي معظم الشباب الذين إلتقيتهم عن حاجتهم الملحة إلى الدعم المادى حتي يستطيعوا القيام بأنشطتهم. لذا، يجب علينا نحن في المهاجر دعم تلك المنظمات الشبابية والحزبية منها. وعلى الحادبين على عملية التغيير- في المهاجر- التبرع شهرياً بدولار واحد فقط كمساهمة رمزية في عملية التغيير، وإذا تبرع كل الديمقراطيين في أمريكا لوحدها بدولار واحد شهرياً، فلن يقل إجمالى هذا المبلغ عن 300 ألف دولار شهرياً، وهذه المبالغ إذا التزم بها الجميع لن يسقط حكومة الطاغية لوحدها، بل بإمكانه إسقاط جميع الأنظمة الفاشية في الإقليم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أعداد مقدرة من الشباب السوداني في أمريكا أعربوا عن رغبتهم في المساهمة في عملية التغيير، ولديهم خبرة في مجالات عديدة أهمها الإعلام الجديد وكيفية تصميم حملة دعائية لصالح التغيير عبر المواقع الإجتماعية، وكيفية إيصال الرسائل المناوئة للنظام في أحياء المدن المختلفة؛ وهناك تجارب ناجحة تم القيام بها في العاصمة وخارجها.
بما أنني شاب- من جيل الإنقاذ- كنت محبطاً في الفترة الماضية من عدم اهتمام جلينا بالسياسة، وسطحيتهم في تحليل الأمور، واهتمامهم بمظهرهم أكثر من الجوهر، والاهتمام بالأغاني والموسيقي الغربية، ومشاهدة مسلسلات (كيم كرديشان)- الممثلة وعارضة الأزياء الأمريكية صائعة الصيت وغيرها من البرامج التي تهدف إلى خلق مجتمعات إستهلاكية تعيش على فتات منتجات الحضارة الغربية. ولكن في زيارتي الأخيرة للخرطوم، وجدت شباب يصغرونني سناً، معظهم ما زالوا في الجامعات، يتحدثون عن حركات الإسلام السياسي في الإقليم و عن حكومتنا الفاشية وتسربلها بالدين، وإصرارهم على انهم لن ينخدعوا بخطب ومواعظ أنبياء النظام الكذبة الذين حطموا البلاد وشردوا العباد. وانا عائد إلى واشنطن كبرت كراعي من الفرح.. نص في الأرض نص في النعال- كما قال الدوش من قبل، تغمده الله بواسع رحمته وأنزل عليه شآبيب الرحمة.

ونواصل،،،

 

آراء