مشاهد من الخرطوم .. من يعلق الجرس على رقبة الديكتاتور؟ 3-3
عبد الفتاح عرمان
13 August, 2013
13 August, 2013
fataharman@hotmail.com
كتبت في الحلقتين الماضيتين عن رؤيتي للنظام من الداخل إبان زيارتي الأخيرة للخرطوم، وحالة السخط المتزايدة لدى المواطن العادي من الحالة المذرية التي أوصل الديكتاتور وزمرته البلاد لها. إذ أن وطننا الآن على مفترق طرق؛ فإما إجراء عملية تدخل جراحي سياسي عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو الإنهيار التام على غرار الصومال. وإستعرضت في الحلقة الثانية وضع القوى المناهضة للنظام، وتحديداً هيئة قوى الإجماع الوطنية وعلاقتها بالمنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني الديمقراطية، وهي علاقة تكاد تكون شبه معدومة.
وعبر هذه الحلقة الأخيرة، أود التطرق لبعض الخطايا التي وقع فيها- من وجهة نظري- تنظيم الجبهة الثورية السودانية. وقبل التطرق لتلك المسالب يجب التأكيد على أن تواقف الحركات التحررية المسلحة تحت جسم واحد والعمل تحت قيادة عسكرية مشتركة يعد من الإنجازات الهامة التي يجب التوقف عندها عند تقييم عمل القوى السياسية والعسكرية المناهضة للنظام، واضعين في الإعتبار محاولات النظام المستميتة لتقسيم وإختراق القوى السياسية المختلفة وتفتيتها حتي يمنع توحدها في جبهة واحدة ضده، ومثال حي على ذلك حالة السعار التي أصابت قادة النظام حينما وقعت بعض قيادات قوى الإجماع الوطني على وثيقة (الفجر الجديد) في مايو الماضي، مما فتح الباب على مصراعيه لإمكانية توحد قوى المعارضة في الداخل والخارج إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة تتجاوز النظام الذي تزداد عزلته يوماً بعد يوم.
أشرت عرضاً- في الحلقة الأولى من هذه المقالات- إلى أن تصريحات بعض قيادات الجبهة الثورية عن قرب دخولها الخرطوم و "تحريرها" من المؤتمر الوطني، حيث خلقت تلك التصريحات إحساس لدى الكثيرين في الداخل أن هناك من ينوب عنه في عملية التغيير- فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الآخرين-، وكأن بالتاريخ يعيد نفسه، إذ أنه على أيام- المغفور له بإذن الله- التجمع الوطني الديمقراطي كان قادة التجمع يطلقون نفس الشعارات التي تجعل المواطن العادي يغط في نوم عميق في إنتظار الثوار الذين سوف يخلصونهم من الطغمة الحاكمة في الخرطوم مثلما خلَص "المارينز" العراقيون من بطش طاغية العراق. وقطعاً لا نستبعد دخول الثوار إلى الخرطوم فقد دخله قبلهم القائد الراحل خليل إبراهيم وصحبه الذين قطعوا آلاف الكيلومترات من فيافي دارفور إلى قلب أم درمان. ولكن دخول الخرطوم على تلك الشاكلة سوف تكون له تبعاته إذا لم يكن هناك تنسيق محكم بجعل الأولوية في المدن للإنتفاضة الشعبية السلمية على أن تقوم القوة المسلحة بتقديم العون في حالة حاجة الناس لها. وإذا يكن هناك سند شعبي لأي قوي سياسية مسلحة داخل الخرطوم وغيرها من المدن فلن تستطيع تلك القوي مهما بلغت سطوتها العسكرية الحفاظ على مركز السلطة في الخرطوم سيما وأن آلة النظام الإعلامية استثمرت في الكراهية طيلة الفترة القادمة وجيشَت الناس على ضفتين- أولاد البحر وأولاد الغرب بمفهومه العريض-، ولكن وعى الشعب السوداني كان أوسع من مكر الآلة الإعلامية للطاغية وحزبه ومعظم الذين التقيهم لا يلتفتون لتلك الترهات بل ردوا لهم بضاعتهم بالخروج في المظاهرات الأخيرة. ولكن يجب عدم إغفال أن هناك أعداداً قليلة من بينهم المتكسبون من هذا النظام ازدادوا كيل بعير من تلك البضاعة الكاسدة، وعلى إستعداد للدفاع عنه.
صياغة وثيقة (الفجر الجديد) ودعوة الفصائل الأخرى للتوقيع عليها كانت خطوة خاطئة، وكان الأوفق عرضها على كل القوى الراغبة في التغيير وأن يتم طبخها على نار هادئة ومن ثم التوقيع عليها لخلق أرضية مشتركة من جميع أصحاب المصلحة. إذ أن اي وثيقة لا يرى فيها فصيل بعضاً من طموحاته وأشواقه لن يوقع عليها، وبغض النظر عن وزن هذا الفصيل أو ذاك يجب تفادي أخطاء النظام وخلق مظلة عريضة للتغيير يرى فيها الجميع أنفسهم، وأن يشعروا بأنهم لم يتركوا تحت زخات الأمطار، بما فيهم الإسلاميون الذين يتفقون مع الآخرين في أهمية التغيير والتحول الديمقراطي.
المسالة الأخرى ذات الأهمية القصوى لعمل الجبهة الثورية- وكافة فصائل المعارضة- هي عدم إهتمامها بالوسيط الإعلامي الذي يحمل رسالتها إلى المواطن العادي في براري وسهول السودان المختلفة. وإنكشف قصور الجبهة الثورية الإعلامي عند دخولها ام روابة وأبو كرشولة حيث إستطاع النظام إستثمار مدفعيته الإعلامية في فبركة قصص عن قيام قوات الجبهة الثورية بإرتكاب مذابح في تلك المناطق ضد "المسلمين والعرب"! كأن تلك القوات أتت من أنغولا وليس من سفوح جبال النوبة وسهول دارفور وبراري النيل الأزرق. ولم يكن لدى الجبهة الثورية ما ترد به عن تلك الحملة الشعواء سوى تصريحات متناثرة هناك وهناك لبعض قادتها يردون عنهم ضربات المؤتمر الوطني، ولكن في رأيي أن إعلام الديكتاتور قد كسب تلك الجولة التي أهدتها له الجبهة الثورية على طبق من ذهب.
ما زال هناك بعض الوقت لدى قادة الجبهة الثورية لتلافي أوجه القصور المشار إليها، ودون معالجة تلك الأخطاء وغيرها من قضايا فلن تشكل الجبهة الثورية "كرتاً رابحاً" لدى الكثيرين في الداخل والخارج.
خارج السياق:
في ختام هذه الحلقات لا يفوتني أن اشكر الزملاء والزميلات الصحافيين الذين شاركوني مراسم زواجي في الخرطوم، وليعذرني من لم استحضر إسمه أو إسمها.
الأستاذ والصديق العزيز طارق الجزولي، والأستاذة والصديقة رشا عوض، والأستاذ محمد لطيف، وفتح الرحمن شبارقة، والأستاذ حسن وراق، والصديق العزيز حسين سعد. ومن الكتاب، الدكتور محمد جلال هاشم والأستاذة هالة المغربي.