ماذا قالت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية عن الأحداث في مصر ؟

 


 

ثروت قاسم
18 August, 2013

 


Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com

1 -  صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية   ؟

صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية  هي الصحيفة الأكثر إحتراماً في العالم ، والتي يبدأ بها الرئيس اوباما يومه ؛ وهي تحرص لدرجة الهوس على دقة أخبارها ، ولكن تترك لأصحاب الرأي وكتاب الأعمدة هامشاً كبيراً من الحرية في عرض أرائهم .

مفيد ، وللغاية ،  أن نعرف ماذا تقول صحيفة يبدأ بها اوباما يومه عنا وعن أحداث مصر (  أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ، أمن يمشي سويا على صراط مستقيم  ؟ ) .

في تقارير صحفية لمراسليها في مصر ، أوردت صحيفة النيويورك تايمز  ( عدد يوم السبت 17 أغسطس 2013 ) ، عدة معلومات جديدة عن الأحداث الدامية في مصر .  نلخص إنطباعاتنا ( وليست ترجمتنا الحرفية ) عنها   في عدة نقاط أدناه :

أولاً :

+ الإنقلاب العسكري الذي حدث يوم الأربعاء  3 يوليو 2013 ، بإستيلاء  الجيش على السلطة ، وعزل الرئيس المنتخب مرسي لم يكن وليد يوم الأربعاء 3 يوليو ، وإنما بدأ التخطيط الجدي له مطلع مايو 2013 ،  من قبل الجنرال السيسي شخصياً ، الذي كان يلقي الشراك في طريق الرئيس مرسي الغافل والواثق من السيسي ثقة عمياء  .

كان السيسي جاهزاً  منذ مطلع مايو و ينتظر  اللحظة المناسبة لكي ينقض على فريسته .

نسق ضباط من المخابرات العسكرية  ما يجب للشعب  القيام به  لتسهيل  إطاحة  الجيش بمرسي  ، في سرية تامة وعبر وسطاء جنرالات متقاعدين ، مع قادة الشباب وبالأخص حركة تمرد ؛  وقادة المجتمع المدني الليبرالي ( غير الإسلاموي ) من أمثال البرادعي ، وعمرو موسى وصباحي ؛ وشيخ الأزهر وبابا الأقباط ؛ وحزب النور السلفي المنافس للأخوان ، وغيرهم من الكارهين لجماعة الأخوان .

كان رجال السيسي يطلبون من هؤلاء وهؤلاء تعبئة الشارع للخروج في مظاهرات مليونية  صاخبة يوم الأحد 30 يونيو 2013 ، لتعطي السيسي  ذريعة شعبية  ليقدم إنذاراً للرئيس مرسي  مدته 48 ساعة ، يعرف السيسي وتمام المعرفة أن الرئيس مرسي  سيتجاهله لقناعته المطلقة  ( إنه وجماعته ههنا  قاعدون )  ، ولتمسكه بالشرعية الشكلية التي أكل الشعب عليها وشرب .

ثانياً :

+ دعمت الدول الخليجية ( بإستثناء قطر ) الجنرال السيسي دعماً سياسياً ومالياً ودبلوماسياً مقدراً ، سراً قبل انقلابه ، وجهراً بعده ،  ولعدة أسباب ذكرت صحيفة النيويورك تايمز منها الآتي :

•                خوف الدول الخليجية من روائح الديمقراطية التي بدأت تصل إلى شواطئها  بعد إنتخاب الرئيس مرسي في إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة لأول مرة في تاريخ مصر .

•                تكجين الدول الخليجية ، وبالأخص السعودية والأمارات ، لجماعة الأخوان المسلمين لقناعتهم أن معظم الحركات الجهادية المتطرفة من أمثال القاعدة هن بنات شرعيات للجماعة خرجن من صلبها .

وتؤمن هذه الدول ، بأن هذه الحركات المتشددة  تعمل  كلها جميعاً ضد الأنظمة الخليجية الأوتقراطية بغرض إزاحتها من السلطة لمصلحة شعوبها المقهورة .

•                لم تنس الدول الخليجية وخصوصاً السعودية الهجوم  المقذع  الذي شنته جماعة الأخوان المسلمين في مصر ضد الوجود الأمريكي في الدول الخليجية إبان حرب تحرير الكويت .

•                اعتبرت الدول الخليجية ذوبان الجليد بين مصر مرسي وإيران بمثابة تهديد مباشر لأمنها الوطني ، ذلك أنها تعتبر إيران ، وليس إسرائيل ،  عدوها الأول وبإمتياز ؛ ولذلك كانت تسعى بكل ما تملك من ذهب للإطاحة بنظام مرسي في مصر .

ثالثاً :

+ المجازر والسلخانات التي ارتكبتها ( يوم الأربعاء  14 أغسطس 2013  والايام السابقة له واللاحقة) ، القوات الذئبية  المدربة  تدريباً عالياً والمسلحة  تسليحاً حتى أسنانها  ، قوات ( الصاعقة ) في الجيش والقوات ( الخاصة ) في الشرطة ضد المعتصمين المدنيين في ميادين رابعة العدوية والنهضة ورئاسة الحرس الجمهوري وغيرهم من مقار الإعتصامات السلمية في محافظات مصر ... هذه المجازر والسلخانات كانت مقصودة ومخطط لها مع سبق الإصرار والترصد  لإغتيال أكبر عدد من المعتصمين وبدم بارد لقفل الطريق أمام أي مصالحة وطنية تكون على حساب مكتسبات الجيش والمؤسسة الأمنية والتيار الليبرالي ؛ إذ الهدف النهائي لهذه المجازر والسلخانات ، وحسب صحيفة النيويورك تايمز ، هو  حل  وتصفية جماعة الأخوان ، معنوياً وماديا ،  وإبعادها من المسرح السياسي دون رجعة .

رابعاً :

+ في هذا السياق ، شيطنت وسائط الإعلام الرسمية ،  والخاصة المملوكة لفلول نظام مبارك جماعة الأخوان ، وإدعت ، جوراً وبهتاناً ، أن الجماعة تكدس أسلحة الدمار الشامل في ميادين الإعتصامات التي يتم فيها تخصيب اليورانيم  ( هكذا مرة واحدة  ؟ ) .   وتم غسل أدمغة  جماهير الشعب  الغافلة بهذا الهراء . وصدقت الجماهير لأنها كانت تبحث عن كبش فداء  ومشجب تعلق عليه إحباطاتها وعطالة شبابها وفقرها المدقع وإنسداد أبواب الأمل في طريقها ، بعد سنة من العشم  السرابي  غير المحدود  في حكم مرسي  .

خامساً :

طلبت إسرائيل والدول الخليجية من اوباما أن لا يضع العصي في دولاب السيسي ، وأن يقول له قولاً ليناً  لعل جماعة الأخوان الإرهابية تتذكر أو تخشى ؟ قالت إسرائيل إن السيسي قد أكد لها إنه إذا كان سلفه الرئيس مبارك  كنزاً إستراتيجياً لإسرائيل ، فسوف يكون هو كنزاً إستراتيجياً وتكتيكياً لإسرائيل ؛  تكتيكياً بقضائه المبرم على الجماعات الإرهابية في سيناء وعلى حركة حماس الإرهابية في غزة ، وباقي الجماعات الإرهابية التي تهدد أمن وسلامة إسرائيل .


إذن سوف يغير اوباما من إتجاه بوصلته في قادمات الأيام   وحسب  تعليمات إسرائيل ، فهي الذيل الذي يهز الكلب الأمريكي ؟

سادساً :

يمكنك التكرم بمراجعة تقرير من تقارير صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية على الرابط أدناه :


http://www.nytimes.com/2013/08/17/world/middleeast/attacks-on-protesters-in-cairo-were-calculated-to-provoke-some-say.html?pagewanted=all&_r=0


2- تداعيات الحدث على بلاد السودان ؟

بلاد السودان مربوطة بمصر ربطاً وثيقاً عبر التاريخ المشترك ، والجغرافيا ، والثقافة ، واللغة ، والدين ، والمصاهرات .  وتجلى ذلك الربط الأزلي في آخر ملك لمصر  ...    كان لقبه الرسمي (  ملك مصر والسودان )  . وتم تكوين السودان بشكله الجغرافي عند إستقلال السودان في 1956 بواسطة محمد علي باشا الكبير في عام 1821 . وكانت الأسرة الفرعونية ال 25 التي حكمت مصر والسودان  (  لمدة  75 سنة  من عام 730 قبل الميلاد ) من الفراعنة السود النوبة ( بعانخي وترهاقا )  من مملكة كوش من جبل البركل المقدس .

أحداث الأربعاء 3 يوليو 2013 ، سواءا كانت انقلاباً عسكرياً أو ثورة شعبية ، سوف يكون لها تداعيات كثيرة على بلاد السودان ، نلخص بعضاً منها في هذه النقاط :

أولاً :

يجب أن نفصل بين ما حدث لجماعة الأخوان في مصر من إبادة ، وما تفعله جماعة الأخوان في السودان من إبادات جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موثقة دولياً . ربما تكون مرجعيات جماعة الأخوان في كل بلد واحدة ومبنية  في كل حالة  على التدليس والكذب والنفاق ولعبة الثلاثة ورقات والملوص ؟ ولكن يجدر بنا عدم التعميم وتقييم  كل حالة بمنأى عن الحالات الأخرى ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ؟

ويجب أن لا نشمت في جماعة الأخوان في مصر ، بل ننظر الى الأمر بتجرد وموضوعية بعيداً عن مرض الغرض !

ثانياً :

رجع ملف السودان إلى جهاز المخابرات  المصري بحلول الأربعاء 3 يوليو 2013 ، وسوف يتم تغيير طاقم السفارة المصرية في الخرطوم في القريب العاجل ليتبع مباشرة لجهاز المخابرات المصري كما كان منذ يوليو 1952 وبإستمرار حتى وصول مرسي إلى السلطة .

يعتبر النظام العسكري المصري السودان مسألة أمنية لإعتبارات كثيرة أهمها مياه النيل .

ثالثاً :

نظام السيسي بين نارين :

النار الأولى  الملتهبة أن نظام الخرطوم متعاطف مع نظام مرسي أيدولوجياً ، وبالتالي يتم تصنيفه في خانة الأعداء الألداء  .

النار الثانية الباردة أن نظام الخرطوم نظام غير ديمقراطي ، وبالتالي لا يشكل خطراً على نظام السيسي الأوتوقراطي .



هل تذكر ، ما قاله الرئيس السابق مبارك ( القاهرة – يونيو 1985) لرئيس وزراء الأنتفاضة ، الدكتور الجزولي دفع الله ،  بعد حرق العلم المصري في مظاهرات انتفاضة  ابريل 1985 :

( لن نسمح بديمقراطية وستمنستر في السودان تحسباً للعدوى ) ؟

كما إن نظام السيسي يحتاج لنظام الخرطوم لوقف تدفق الأسلحة والذخائر للإسلاميين المعارضين في مصر ولحماس  في غزة  ؛ وللوقوف بجانبه في مفاوضات مياه النيل ضد  دول المنبع .

لأي نار ستكون الغلبة ؟

ذلك يتوقف على موقف نظام الخرطوم من جماعة الأخوان  المحلولة في مصر ؟

رابعاً  :

نظام الخرطوم يسعى لبلوغ ( زيرو مشاكل ) مع جيرانه  ، كلهم جميعاً ، ليضمن إستمراره في الحكم . سوف يفك نظام الخرطوم أخوان مصر عكس الهواء  ، إذا شعر بتهديد لسلطته ،  تماماً كما باع  الشيخ الترابي وصحبه الكرام بثمن بخس دراهم معدودة في مفاصلة رمضان 1999 ؟

خامساً :

الفائز الأكبر  في السودان في إنقلاب الأربعاء 3 يوليو هو مولانا الميرغني شخصياً ، ولا نقول الحزب الإتحادي الديمقراطي (  الأصل ) . ذلك أن مولانا يتعامل مع جهاز المخابرات المصري حصرياً  ( الذي صار الجهاز الحاكم الآن في مصر )  ؛  ويحلو لمولانا  أن يقول لجنرالات الجهاز  :

ماذا تريدون ؟ الدايرنو أنا بعملو ليكم !

هل تذكر ، كيف هنأ ابنه جعفر الصادق  ( وبتعليمات من الأب المتواجد وقتها في الخرطوم ) المشير طنطاوي (  القاهرة  - السبت 30 يونيو 2012 ) على فوز الدكتور مرسي في الإنتخابات الرئاسية !؟ وقتها كان المشير طنطاوي هو الحاكم بأمره في بر مصر ، والمسيطر على جهاز المخابرات  ، الذي يتعامل معه مولانا .

سوف يحاول مولانا صرف شيك يوم الأربعاء 3 يوليو عند الرئيس البشير الذي سيلبي كل ما يطلبه ( مولانا ) بعد أن عاد حليفا للمخابرات المصرية (الحاكمة) :

أولاً :  بإسترداد باقي أراضيه وأمواله المصادرة ( الحقيقي منها والوهمي ) ،

وثانياً  : وإن كان ذلك ليس في أهمية الأمر الأول ، الإستحواز على وزارات سيادية ليضمن سفره بالطائرة الرئاسية عند تنقلاته  الخارجية ،

وثالثاً :  ليجلسه الرئيس البشير علي يمينه ويجلس ودالمهدي على شماله في الدعوات الرسمية .

هذا أمر محوري في مرجعيات مولانا البروتوكولية والسيادية ؟

نعم ... مولانا الميرغني هو الفائز الأوحد في إنقلاب الأربعاء 3 يوليو 2013 ؟ 

سادساً :

الخاسر الأكبر هو حزب المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة . راجع في هذا السياق بيان حزب المؤتمر الشعبي المؤيد لجماعة الأخوان والذي يدين بأقسى العبارات نظام السيسي وإباداته الجماعية  للمسلمين في مصر .

من المتوقع أن يتم ترحيل قادة وكوادر وعناصر حركة العدل والمساواة اللاجئين سياسياً في مصر في مقبل الأيام خارج مصر ، ذلك أن الحركة كانت على وفاق مع نظام مرسي وتفوح منها روائح إسلاموية  قوية  ،  وهذه الروائح  لنظام السيسي بمثابة الخرقة الحمراء للثور الإسباني .

سابعا ً :  

في هذا الجو المحتقن لدرجة الغليان والذي قسم المجتمع المصري إلي فسطاطين  منفصلين تمام الإنفصال ولا رغبة لدي أي فسطاط منهما في مصالحة وطنية   :

فسطاط الخير والحق  ومكافحة الإرهاب ويمثله الجيش والمؤسسة الأمنية والتيار الليبرالي وفسطاط الشر والباطل والإرهاب  ويمثله الإسلام السياسي وبالأخص جماعة الأخوان المسلمين .

في هذا الجو الملتهب قرر حزب الأمة ، حسب بيانه الأخير بتاريخ يوم الجمعة 16 أغسطس 2013 ، إرسال وفد لمصر للتعزية وتقصي الحقائق  وربما المصالحة بين الفسطاطين . الأمر الذي فشلت فيه إدارة أوباما بهبتها السنوية  للجيش المصري  البالغة مليار و500 مليون دولار .

أذا وقف وفد حزب الأمة على الحياد بين الفسطاطين ، كما هو متوقع ، فسوف يعطيه كل فسطاط  عكازاً  ، ويتهمه  بأقذع مما قاله مالك في الخمر وينبش (  تمرد ؟ )  دراويش  المهدي على الخديوي توفيق في عام 1881 ؟

هل نسي حزب الأمة ما قاله العاقل جداً البرادعي المستقيل من هستيريا الأربعاء 3 يوليو عندما حاول السيد الإمام ، كممثل  ورئيس لحركة الوسطية الأسلامية الدولية ، التوفيق بين الليبراليين والإسلاميين في إعقاب ثورة 25 يناير 2011 ؟

قال البرادعي العاقل جداً  وقتها  :

( حتى ) المهدي جاء ليتوسط بيننا ؟

وينوي حزب الأمة الدخول في جحر الأفاعي المصرية  هذه الأيام ؟

في كل الأحوال ، سوف يكون نظام السيسي وبالاً على حزب الأمة ؛ ببساطة لأن نظام السيسي سوف يتبع النهج الخديوي ويعتبر السودان جزءاً من ممتلكاته الخاصة ، كما ينبح صباح مساء الإعلامي المصري عكاشة ، الطالع في الكفر هذه الأيام ؟

ربما أعاد السيسي  في السودان  إنتاج الفيلم الذي أخرجه سلفه حسني مبارك يومي الأحد والأثنين 22 و23 مارس 1970 ، عندما قصف الجزيرة أبا بطائرات الميج الحربية وقتل وجرح الآلاف من المواطنين المدنيين ؟

يا قادة حزب الأمة ، ركزوا على المعاليا والرزيقات ومنكوبي السيول والأمطار وأتركوا أولاد بمبة في حالهم ، فهم أدرى بشعاب مصر  ،  وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ؟

ثامناً :

صمتت بقية الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والحركات الحاملة السلاح عن الكلام الصراح المباح ، بما في ذلك حكومة الخرطوم ؟  وإن كانت الحركة الإسلامية التابعة للحكومة قد نددت بمجازر وسلخانات السيسي ؟

ولكن سوف تماشي حكومة الخرطوم نظام السيسي وتودع حلايب فراق الطريفي لجمله وتمشي  في ضل  حائط  السيسي  لتضمن إستمرارها في السلطة ؟

وبعد ... أدخل السيسي مصر في  ( ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ) ، وسوف تتداعى هذه الظلمات سلباً على بلاد السودان في قادم الأيام .

اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .

 

آراء