سلفا كير : زيارتك ضبّة ولا محبّة؟!! (2-2)
د. ابوبكر يوسف
26 August, 2013
26 August, 2013
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعا لى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطئة:
لم يجف حبر الجزء الأول من العمود حتى تأكد ما أوردته بأن ما يسمى بالتيار المتشدد " الصقور" أي باقان وشلة أولاد قرنق لن يتيحوا الفرصة لسلفا من أن يلتقط أنفاسه بعد أن ظن أنه نتف ريش هذا التيار ، وسيظل هذا التيار يعمل ضد أي توافق أو حتى أي محاولة نحو إستدامة السلام بين الدولتين الشقيقتين ووضع العراقيل في طريقها .
المتن:
وبناءً على ما سقته في التوطئة ، فمجموعة هذا التيار لم تجد إلا إستفتاء أبيي ذريعة لينسفوا الزيارة المرتقبة لسلفا كير للخرطوم ويرسلوا الإشارات بعودة الحرب ، وحتى إن توافق الرئيسان لحل لهذه المعضلة ، فلن يتوقف هذا التيار المدفوع صهيونياً لوضع أو إختلاق أي عراقيل جديدة حتى تستمر حالة اللآ حرب واللآ سلم ، وياما في الجراب يا حاوي!!.
المهم وحسب - تخطيطهم - أن تظل هذه الحالة قائمة إلى الوقت الذي يمكن أن ينقضوا فيه على سلفا كير ويؤول لهم الأمر ، عندها لن يكونوا في حوجة للسند الخارجي الوحيد وهو الصهيونية ، ولكنهم سيستمروا في التعامل معها – حسب تخطيطهم - لتوظيف كل أدواتها دبلوماسياً وسياسياً في المنابر الأممية والغربية حتى يصلوا مع السودان لتسويات في كل المسائل العالقة على اعتبار أن السودان سيكون المغلوب فيها ، ولكن سلفا كير كما قلت كان فطناً وفاطناً لما يُدبر ضده ، ومع كل فطنته فهم لن ولم يألوا جهداً في محاولاتهم حتى وإن أيقنوا أنها باتت يائسة ، وعليه أن يأخذ الحيطة والحذر منهم!!.
وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن هناك طرف ثالث له مصلحة في إستمرارهذه الحالة ليضمن إستمرار المدد اللوجستي والمالي العسكري من دعم هذا التيار له وهو التيار للحركة الشعبية قطاع الشمال الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الرفاق وإرث قرنق، ومن مصلحتها إستمرار الخلافات مع سلفا كير و دولة الجنوب والسودان ومن مصلحته إستمرار هذا التيار وضع العراقيل والخلافات ، فتضمن لهم البقاء المعتمد بدرجة كبيرة على دق الأسافين مع السودان كعدو خارجي ، أما داخلياً فهم يؤججون ويزرعون الفتن بين القبائل ويمولون احترابها ، لخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني وزرع الشقاق بين مكونات النسيج القبلي الجنوب سوداني!!
أزعم أن مهندس هذا التيار هو نفسه مهندس قرار اغلاق أنبوب النفظ في العام المنصرم ، وهذا القرار هو أحد آلياته لخلق ضائقة مالية تنعكس معيشياً وسط المواطن العادي وذلك بغرض خلق حالة من السخط على سلفا كير ، وكذلك لخلق نوع من عدم الرضا، أو السخط أيضاً وسط موظفي الدولة ، إما لعدم تسلمهم مرتباتهم أو تأخيرها ، وفي ذلك شل لدورة الحركة الاقتصادية وسط قطاع الأعمال، والمعروف أن الفساد المستشري في مفاصل أجهزة الدولة عندما لايجد ما ينهبه يتغول على البقية الباقية من بنود موازنة الدولة والمقاطعات ، فتجأر هذه النخب الحاكمة الجائعة بالنقمة على سلفا كير الذي جفف مصادر فسادهم بوقف ضخ النفط الذي كان هذا التيار مهندسه حتى يفقد سلفا دعم النخب، أي أن الأمر مخطط له بحرفية هيكلية لخلق نوع من التململ والسخط لتتحول لاحتجاجات تتدرج من القاعدة للقمة!!
الحاشية:
هل فطنت حكومة السودان لهذ المخطط الذي يديره أبناء قرنق وكاشفت به سلفا حتى تشجعه للوصول إلى حلول مرضية للطرفين أم إعتبرت أن الأمر شأن جنوبي لا دخل لها به؟! ، وهل إتخذ سلفا كير من الخطوات لإفشال مخطط هذا التيار داخلياً وخارجياً والتوجه نحو تغيير سياساته داخلياً وخارجياً؟! ، أزعم أنه إتخذ الكثير من الخطوات داخلياً ، ولكن ينبغي عليه أن يتخذ كثير من الخطوات مع السودان إن أراد الحفاظ والاحتفاظ بموقعه للبقاء في سدة الحكم . إن إستراتيجية العلمانيين والشيوعيين والليبراليين أضحت مكشوفة وهي متشابهة في أسلوبها عندما تعمل لقلب الأنظمة الحاكمة لصالحها ، فهم أول من فكر ودبر وقام بتأليب الشارع ضد الحكومات التي لا تتوافق وهواهم ، لذا أول الخطوات أن تبدأ إما بالتنسيق لإخفاء السلع ورفع أسعارها أو إخفائها تماماً لخلق ضائقة تثير المواطن ضد الحكومة، إذ أن أول ما يهمه هو توافر لقمة العيش والمواد الخدمية المباعة كالكهرباء والماء والمواد البترولية ، وهذا ما حدث في مصر مؤخراً لتأليب الشارع وتجييشه ضد الرئيس الشرعي المخلوع محمد مرسي، فهل فطن سلفا كير لذلك؟!!
هل فطن سلفا كير واستفاد من عبر ودروس النخب العلمانية المصرية عند إنقلابها على الشرعية الدستورية والرئاسة المنتخبة ديمقراطياً خاصة بعد أن صدرت تقارير من مراكز أمريكية تتوقع حدوث إنقلاب عسكري في دولة الجنوب؟! ،هل انتبه سلفا لما يلي جمعيات ومنظمات العمل المدني التي يمولها الغرب للإنقلاب على السلطة الشرعية ودون أن يبدو أن لها أي يد فيما حدث؟! ، هل فطن سلفا كير إلى إزدواجية معايير اللعبة الغربية التي كما يقول المثل: "تعطي النقارة عصا والحلة عيطة"!! فبينما يمول الغرب منظمات العمل المدني ورشوة النخب المحلية للإنقضاض على الشرعية الدستورية تحت شعار الشرعية الثورية ، تصدر منه تصريحات - بعد توزيع الأدوار فيما بينه - ، تصريحات هلامية رخوة بعدم قبول ما يجري من انقلاب على الشرعية ولا ترقى إلى حد الإدانة ، فمرةً يخرج وليام هيج ، وتارة فابيوس، وتارة أخرى عضو كونجرس للتحدث عن الانقلاب العسكري في مصر دون إدانته ، وأقواها رفض هزيل بعد تصريحات هلامية ، وبعد التنسيق مع السلطة الحاكمة حالياً كالتهديد بوقف المعونة لمصر ، والتنسيق بينههما على أن تعلن الحكومة المصرية عدم إكتراثها لذلك !! ، لماذا لم يتخذ الغرب خطوات كالتي إتخذها في جمهورية مالي حيث كانت الذريعة هي محاربة الارهاب الاسلامي؟! ، فهل من منطق العقل أن يجد الغرب من يقوم بهذه المهمة بدلاً عن في مصر فيحاربه أو يدينه حتى ولو إنقلب على الشرعية؟!!
الهامش:
لا مندوحة إن لم يأخذ سلفا كير العبر من هذه الأحداث الإقليمية ، ولكن عليه أن يتعلم الدروس والعبر بالتمعن في تجارب إيجابية إقليمية أخرى وفرت الاستقرار في بعض دول الإقليم وحفّزت تبادل المنافع وإستقرار الأمن وفسح المجال لتنفيذ خططها التنموية ، ومثال ذلك التنسيق الأمني الحدودي بين تشاد والسودان ، وبين تشاد والنيجر ، بين السودان وأريتريا ، بين السودان وأثيوبيا ، فالأمن مكلف الثمن وأن ما يوجه للإنفاق في هذا الصدد يمكن توجيهه للتنمية حيث يحل التنسيق الأمني النزدوج مكان التوترات والإنفاق العسكري!!
إن كان سلفا كير يهمه استقرار حكمه ورفاه شعبه فعليه أن يوقن أن ذلك لن يأتي بالخضوع لتيار أولاد قرنق الذين لا يهمهم الشعب الجنوب سوداني ولا يهمهم إلا نهب إيرادات البترول والسمسرة من مشروعات البنية التحتية التي توقفت تماماً ، وعليه أن يفطن لشلة هذا التيار ويتذكر أنهم عندما رحلوا من الخرطوم بعد الاستفتاء صرحوا بأنهم يغادرون تاركين ورائهم وسخ الخرطوم والعرب المندكورو ، وفي ذات الوقت يطالبون بالحريات الأربعة!! . إن مصالح الشعوب وإستقرار أنظمة الحكم ليست عرضة للمزايدات والمنافع الذاتية والقبلية ، فالسياسي الحذق هو السياسي البراغماتي الذي عندما يقدم أي تنازل يعلم أن الجانب الآخر قدم مثله ، فيلتقيان في نقطة وسط ، ففي التسويات السياسية والأمنية لا غالب ولا مغلوب وإنما الطرفان وشعوبهما كاسبان!!
قصاصة:
لذا إن أتى سلفا كير "محبة" خيرٌ من له من أن يأتي "ضبة"، وإن أتى بعقلٍ وقلبٍ مفتوح يبحث عن الحلول الوسط لحلحلة المشكلات العالقة المشتركة وفق إستراتيجية أمنية واقتصادية، يكون بذلك قد دعم أسس حكمه وبقائه وغلإستقرارالحكمه وشعبه، إذ أن كل اتفاق في هذه المسائل ينعكس بالضرورة على رفاه شعبه ، وعندها يكون قد سحب البساط من تحت اقدام هذا التيار من مناوئيه - "شلة تيار أولاد قرن" - ، والعقلو في راسو يعرف خلاصو ، والبحضر الجن لا بد له طريقتو لصرفو !!
وعوافي سلفا!!
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]