الشيخ حسن الترابي … الفرعون الإله في العشرية الأولى ؟

 


 

ثروت قاسم
15 September, 2013

 



Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com


1-   الإنذار المصري وتداعياته ؟

+  في يوم الاحد   18    أغسطس 2013      ، وكما ذكرنا في  مقالة سابقة  ،  زار   السيد نبيل فهمى  وزير الخارجية المصري   الخرطوم ، ليذكر الخرطوم  بأن القاهرة سوف تتعامل  معها ، فيما يخص المعارضة في البلدين ،   وفق مبدأ ( المعاملة بالمثل )   ، الأمر الذي  سماه  المراقبون بإسمه  ...  ( الإنذار المصري ) المغتغت ؟

+  رفع الرئيس البشير قفاز التحدي المصري ، إن شئت فقل  ( الإنذار المصري )  المغتغت  ، وبدأ  الإعتكاف لبلورة إستراتيجية شاملة للمصالحة الوطنية ، وإعادة هيكلة حكومة الخرطوم   بسياسات جديدة ، ووجوه جديدة بالتشاور مع قادة المعارضة وزعمائها  وبالأخص  قادة المؤتمر الشعبي  ( لم الشمل ) ...  لمواجهة التحدي المصري .

قبل الدخول في تفاصيل المصالحة الوطنية  مع المعارضة  المدنية والحاملة السلاح  ، ولم الشمل بين الوطني والشعبي ،  وحتى نضع الإمور في نصابها الصحيح   ، دعنا نتقصى  اولاً الأسباب التي أدت إلى المفاصلة  بينهما  ، حتى لا تتكرر أعادة إنتاج الفيلم .  لهذا الغرض  سوف نستعرض في تسلسل تاريخي قصة القشة الأسطورية التي قصمت ظهر الحركة الإسلامية في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ، وأدت إلى تقسيم حزب المؤتمر الوطني إلى حزبين متعارضين ...  الوطني والشعبي ؟

دعنا نبدأ من طقطق في النقاط التالية .

2-   الحكومة العميقة ؟

لكل قاعدة شواذ ! وشذت بلاد السودان عن قاعدة العسكر الذين يسيطرون على السلطة , بعد انقلابهم العسكري , وقلبهم لنظام الحكم ! إذ تحكم المدنيون , وعلى رأسهم عرابهم  الترابي , على كل مقاليد السلطة , في  العشرية الأولى من سودان الإنقاذ ،  من خلال حكومتهم  العميقة ؟  ركّزت المؤسسة العسكرية  على الأمور المتعلقة بالجيش ، وتركت المهام السيادية  ، خاصة الأمور الأمنية  ( دكتور نافع  ودكتور قطبي المهدي )  ، وتكوين مليشيات الدفاع الشعبي لحماية ثورة الإنقاذ  ( الأستاذ كرتي ) ،   من بين أمور سيادية أخرى  ، للمدنيين من حواري الشيخ الترابي  في الحكومة  العميقة التي كان يديرها  وصحبه  ، من وراء حجاب .

في العشرية الأولى ، رضيت المؤسسة العسكرية بالخروج من دائرة صنع القرار ، وتركت الجمل بما حمل لأخوانها  من حواري الشيخ من المدنيين في الحكومة العميقة  .

صار  العسكر , بما فيهم الرئيس البشير , مجرد اراجوزات , لا تملك من أمرها شيئأ !

وهذه ظاهرة فريدة في التاريخ الإنساني ! وكان مقدراً لها أن لا تدوم طويلاً  ، لأنها عكس مجري التاريخ ! وكان قدراً محتوماً  أن ينتهي الأمر بأحدهما  الآمر الناهي , ظاهرا وباطنا .

وهذا ما حدث يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ؟

3-  ولاية الفقيه  ؟

في عشريته الأولى ، حاكى نظام الإنقاذ نظام ( الولي الفقيه ) المعمول به في إيران ، مع بعض الفروقات الطفيفة .

في إيران يسيطر الولي الفقيه ( الخميني ومن بعده خامئني ) على المؤسسة العسكرية ، بالإضافة إلى بقية المؤسسات الحساسة ، ويترك القرارات في الوزارات الخدمية لرئيس الجمهورية المنتخب وحكومته .

في سودان عشرية الإنقاذ الأولى  سيطر الولي الشيخ  على الحكومة العميقة ، بإستثناء الجيش الذي سيطر عليه قائد الإنقلاب ورئيس الجمهورية فيما بعد ... الرئيس البشير .

في العشرية  الأولى  حكمت  البلاد  حكومتان :

الأولى  رسمية , ومعلنة , وعلى رأسها البشير !

الثانية ( العميقة )  موازية  للرسمية ، ومخفية وفاعلة , وعلى رأسها الولي الفقيه  ...  الشيخ  الترابي ! 

جمع الشيخ  الترابي في أياديه الأمارات التشريعية  والتنفيذية  والقضائية  وكذلك  الأمنية  والسياسية , وكان يحرك  , من وراء ستار ,  كل الأراجوزات في بلاد السودان ! صار الشيخ الحاكم بأمره بسلطات مطلقة  ، وقارب منزلة الفرعون الإله ؟

بقى الشيخ الترابي 10 سنوات حاكماً بأمره ، فيما لم يبق رصيفه المصري  الرئيس مرسي وصحبه الكرام غير سنة واحدة ، تدخل بعدها الجنرال السيسي ، تخوفا من التمكين الأخواني والنهاية المفجعة كما حدث بالسودان   .

نعيد  أدناه سرد  حكايتين لتوضيح قوة الحكومة العميقة  والمطلقة التى كان يتحكم فيها الشيخ الترابي خلال العشرية الأولى من الإنقاذ .


4 - الحكاية الاولى  ؟

حكى  العميد طيار ركن «م» فيصل مدني مختار عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني الأسبق هذه الحكاية .
قال :

في أبريل  1990 ،  صرح العميد  فيصل  ببعض التصريحات في نطاق المسؤليات الملقاة على عاتقه كعضو مجلس قيادة الثورة .

ساقه في مساء نفس اليوم  ضابط مدني في  جهازالأمن إلى منزل في حي العمارات عرف لاحقاً أنه يتبع لمنظمة الإغاثة الإسلامية . إنصرف الضابط ، وقال أنه سوف ينتظر في غرفة الإستقبال  لحين إنتهاء المقابلة .
لم يكن العميد فيصل يعرف ، وقتها ، من سوف يقابله .

بعد مدة دخل الغرفة الأستاذ علي عثمان محمد طه ( الذي كان متخفياً وقتها ) والأستاذ عوض الجاز .
قال الأستاذ علي كلاماً كثيراً في لغة دبلوماسية ناعمة ، ولكن فهم  العميد  فيصل إن الأستاذ علي أراد  أن يقول في الحقيقة الأتي:

+ دور العميد فيصل التنفيذي في الحكومة وكذلك دور باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة قد إنتهى  بنجاح الثورة ، بإستثناء بعض الأعضاء الذين أوُكلت لهم  وزارات ومهام ولجان خاصة ( صلاح كرار في اللجنة الإقتصادية مثلاً ) ؛

+ يُحسن أن يمتنع العميد فيصل  عن الأدلاء بأي تصريحات ، كتصريحه صباح اليوم ( وقتها ) المدابر لسياسات الحكومة العميقة .

راجع  العميد  فيصل الرئيس البشير في كلام الأستاذ علي عثمان الصادم ، ووعده الرئيس البشير بتقصي الأمر والرجوع اليه لاحقاً .

ولم يرجع اليه الرئيس البشير بعدها ؟

وفهم  العميد  فيصل الكلام !

في تصريحات لصحيفة آخر لحظة ( عدد 5 يناير 2010 ) ، ذكر العميد فيصل  أنه وزميله العميد عثمان احمد حسن  تحدثا إلى الشيخ الترابي  بعد خروجه  المفبرك من السجن  ، وكانا يعرفان  صلته وعلاقته بالانقلاب  ، رغم أن ذلك لم يكن معلناً.  قال العميد فيصل للشيخ الترابي أنه لا مجال لإستمرار  الإزدواجية والثنائية في السلطة ، مع وجود دولة عميقة  خفية يقودها الشيخ ، ودولة رسمية معلنة يقودها البشير .  مشيراً إلى أنه لابد أن يطغى جانب على الآخر بحيث تتم الإطاحة بالحكومة الرسمية ( مجلس قيادة الثورة )  لصالح  الحكومة العميقة ( التنظيم ) أو تتم الإطاحة بالتنظيم لصالح نظام جديد؟  وقد أزعج هذا الكلام الواضح الفاضح  الشيخ  الترابي الذي  أنكر  للعميد فيصل  والعميد عثمان أي  علاقة  له  بالمؤسسات الحاكمة.
وتمت إزاحة العميدين فيصل وعثمان لاحقاً من مواقعهما التنفيذية مباشرة  بعد هذا الحديث ؟


5 -  الحكاية الثانية ؟ 

سبق أن أستعرضنا الحكاية الثانية أدناه في مقالة سابقة ، ويمكن للقارئ الكريم تجاوزها ، إن شاء . ونوردها أدناه لإكمال الصورة .

في عام 1993 ، طلب السفير التونسي  في الخرطوم مقابلة عاجلة مع المرحوم علي سحلول , وزير الخارجية , وقتها ! دخل السفير توش في الموضوع ! واخطر المرحوم سحلول بان الرئيس  زين العابدين بن علي  ( ايام زمان كانت ايام ؟ ) منزعج , غاية الانزعاج من تنقلات  المعارض التونسي الشيخ راشد الغنوشي , بجواز سفر دبلوماسي سوداني ! اخطر السفير المرحوم سحلول بان جواز الغنوشي سوف تنتهي صلاحيته هذا الاسبوع ! وطلب السفير ان لا يتم تجديد  صلاحية الجواز , ولا يعاد  ارساله للشيخ الغنوشي ! اكد السفير للمرحوم سحلول ان الرئيس بن علي يتابع هذا الموضوع شخصيأ ! وان علاقة تونس  الحبية بالسودان تعتمد , حصريأ , علي  عدم تجديد حكومة السودان لجواز الشيخ الغنوشي !

عرض المرحوم سحلول الامر علي الرئيس البشير , الذي وافق علي تلبية الطلب الرئاسي التونسي , ووجه بعدم تجديد صلاحية الجواز السوداني للشيخ الغنوشي , بل تدميره !

وجه المرحوم سحلول ادارة المراسم بعدم تجديد جواز الشيخ الغنوشي , والاحتفاظ به , وعدم اعادة ارساله للشيخ الغنوشي ! وارسل مذكرة وزارية سرية لادارة المراسم في وزارته , بالموضوع ,  لتاكيد  اهميته!
تلفن المرحوم سحلول للسفير التونسي وبشره بان طلبه سوف يتم تنفيذه ! ولن تعيد الخارجية السودانية الجواز للشيخ الغنوشي !

تلفن الرئيس بن علي للرئيس البشير شاكرا ومقدرأ !

بعد اسبوعين من تاريخه , رجع السفير التونسي للمرحوم سحلول شاكيأ , بان جواز الشيخ الغنوشي قد تم تجديده , ويسافر به الشيخ الغنوشي حاليأ ! وان الرئيس بن علي قد تالم كثيرا لهذه الطعنة في الخلف , وربما قفل السفارة التونسية في الخرطوم ! وانه ( السفير التونسي ) قد تم استدعاؤه لتونس , وسوف يسافر صبيحة الغد !

اكد المرحوم سحلول  للسفير التونسي بان ادعاءه باطل ! لانه قد اصدر الاوامر لادارة المراسم  في وزارته ( وحسب توجيه الرئيس البشير شخصيأ ) بعدم تجديد جواز الشيخ الغنوشي , عند استلامه من الشيخ ! ذكر السفير للمرحوم سحلول بان الجواز قد تم ارساله للخرطوم يوم  كذا , وتم تجديده  في الخرطوم يوم كذا , وتمت اعادته للشيخ الغنوشي , الذي سافر به يوم كذا من لندن الي باريس ! وسلم السفير التونسي للمرحوم سحلول , صورة من الجواز المجدد , وعليه ختم ادارة الهجرة الفرنسية  في مطار باريس !

اسقط في يد المرحوم سحلول !

وبعد التحري , اكتشف المرحوم سحلول بان الجواز قد تم تجديده بواسطة (  اولاد الشيخ الترابي ) في وزارة الخارجية , وتمت اعادته للشيخ الغنوشي , تماما كما ادعي السفير التونسي !

وصمت المرحوم سحلول !

ولم  يفتح الله عليه حتي ب ( بغم ) ؟

الحكايتان  أعلاه  توضحان  قوة الحكومة العميقة  والمطلقة التى كان يتحكم فيها الشيخ الترابي خلال العشرية الأولى من الإنقاذ .

نستعرض في المقالة القادمة قصة القشة الأسطورية التي قادت إلى مفاصلة رمضان 1999 ؟

نواصل ...
////////////

 

آراء