كيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية بعد رفع الجمارك !!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطئـــــة:
كتبت بتاريخ 20/9/2013 في هذه المساحة تحت عنوان " رفع الدعم والمزايدات مع الكذب الصُراح!! " مفنداً إنعكاسات قرار رفع الدعم عن المحروقات على أسعار السلع المعيشية والضرورية التي سيكتوي بها الغلابة الغبش ، وذلك بعد أن أقسم دهاقنة وزارة المالية بأن الحزمة لن تتأثر بها الفئات الضعيفة، وهذا كذبٌ صُراح مع علمهم التام بأن 99% من الشعب السوداني أصبح " فئة ضعيفة" ، وليس كما ورد "فئات"!!
والأمر لا يحتاج لفهلوة حتى يدرك المواطن الغلبان - وبالسليقة - أنه بالضرورة سينعكس رفع الدعم عن المحروقات إلى زيادة أسعار نقل السلع من الموانيء إلى مخازن المستورد، ومن مخازن المستورد إلى تجار الجملة، ومن تجار الجملة إلى تاجر القطاعي إضافة إلى الأرباح التي يضعها ثلاثتهم فوق التكلفة ، وبالتالي هو من سيتحمل هذا العبء!! ، وهذه الحقيقة هي أبجديات بديهية لا تحتاج لخبراء في المال والاقتصاد والتجارة، وبالتالي لا المستورد ولا تجار الجملة والقطاعي هم جمعية خيرية غير ربحية تعمل من أجل الفقراء والمساكين ، وتلقائياً سيحملون هذه التكلفة على المستهلك الغلبان ، وأي مغالطة غير ذلك تندرج تحت عنوان التدليس والكذب الصُراح!!
المتـــــن:
ما زاد وكفّى هو المنشور الخاص برفع التعرفة الجمركية الذي نشرته بالأمس صحيفة " السوداني" ، ويعتبر هذا القرار بمثابة التوابع التلقائية والبديهية لزلزال رفع الدعم، وهو ما كشف بمنتهى الوضوح أن الحقيقة غير ما تمّ الترويج له من أن قبل الجهات الرسمية المعنية بالأمر ، فرفع سعر الدولار الجمركي هو بحد ذاته زيادة للأسعار تنعكس على تكلفة الوارد الكلية ، ناهيك عن رفع التعرفة الجمركية على السلعة نفسها ، فهل يعقل أن لا تنعكس هذه الزيادات على أسعار السلع الاستهلاكية مثل القرفة والفلفل وحفضات الأطفال ولبن البدرة؟!!، إن أي تصريح رسمي لا يعترف بهذه الحقائق البديهيه يعتبر مجرد تدليس يستخف بعقول الغبش ، فغبش الألفية الثالثة وعصر المعلوماتية لا يمكن أن ينطلي عليهم التدليس والكذب الصراح!!
هناك عدة طرق لخفض عجز موازنات الدول ، فإن فشلت الحكومة في إيجاد البدائل فليس معنى هذا أن يقارن المسئولين في بلادنا بين العجز في الدول الفقيرة والدول الصناعية الكبرى بهدف تسويق قرارات رفع الدعم ورفع الدولار الجمركي ثم رفع تعرفة الشرائح الجمركية ، فالحكومة لجأت للحلول السهلة التي تنعكس على عيش المواطن الذي يرزح تحت وطأة الفقر وشظف العيش. تؤكد الحكومة أن واحد من المشاكل الرئيسية التي تشكل عبئا على عجز موازنتها السنوي وعلى الدين العام المحلي الذي وصل لمستويات قياسية هو اضطرارها لإستمرارية الدعم كجزء من التزامها الذي لا يلين بالفئات الفقيرة وبمحدودي الدخل!! لكن هذه كذبة هائلة. فجميع المؤشرات تجمع على أن قيمة الدعم الحقيقية تتراجع وبشكل مستمر. والدليل على هذا التراجع، تراجع السلع المدعومة عددا وقيمة!!،
الحاشية:
سبق أن أشرت إلى أن جزءا لا يُستَهان به من عجز الموازنة راجع إلى الفساد وسوء الإدارة فى الجهاز الحكومى والقطاع العام، معنى هذا أن العائد على الشعب من هذا العجز ليس فقط ضئيلا بل إنه ذو أثر سلبى على العدالة الاجتماعية، وأشرت أيضا إلى أنه يمكن تخفيض ثلاثة أرباع العجز فى سنة واحدة عن طريق زيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق دون تخفيضه، وبالتالى نحن لسنا فى حاجة لتمويل عجز كبير ولزيادة الدين العام. ولكن يبدو أن الحكومة مُصرة على إتباع نفس السياسات المالية والاقتصادية التى اتبتعها في الماضي والحاضر ، وعلى تمويل عجز - ممكن تفاديه - بنفس الطرق السابقة. ما أود ان أقوله ان الإصرار على هذا المنوال سيؤدى إلى مزيد من هدر للمال العام وزيادة الدين العام وإلى مزيد من تركيز الثروة فى أيدى حفنة قليلة من الأغنياء ومِن مَن اغتنوا من النظام وبهذا سوف يبعد الوطن أكثر فأكثر عن هدف العدالة الاجتماعية المنشود.
لا بد من أن نشير إلى أن النظام المصرفي في بلادنا يحتاج إلى إعادة نظر وإصلاح جذري، فالكتلة النقدية التي تتصرف فيها المصارف بإقراض الحكومة هي لأموال لا تملكها المصارف، وإنما يملكها أصحاب الحسابات الذين لا يحصلون إلا على الفتات من(حساب التوفير Saving Accounts)، بينما المستفيد هي المصارف وإداراتها التي تحصل على إمتيازات لا يمكن تخيلها، فهي تقرض مما لا تملك!!، إنه نوع من "السمسرة" يفوق حد المعقول!!. ولكن ما السبب لهامش السمسرة الضخم والذى يستحوذ عليه حفنة قليلة من البنوك؟!. السبب يرجع لما يسمى بـ«الإصلاحات» المالية والنقدية وآليات السوق التى أوصى بها صندوق النقد الدولى وطبقتها الدولة فى العشرين سنة الماضية، والسؤال : لماذا لم تطرح الحكومة أذونات وسندات الخزانة فمن المفترض نظريا أن يحدد معدل قيمتها «السوق»،
الهامش:
علينا أن نشير أنه إذا أرادت الحكومة الاقتراض فعليها أن تطرح كمًّا معينا من أذونات أو سندات الخزانة فى المزاد لتحديد من يُقرض الحكومة بأقل معدل هامش . ولكن فى الواقع، وفى كثير من بلدان العالم، عادة ما يكون سوق إقراض الحكومة سوق شبه احتكارية (إن لم يكن احتكاريا)، الأمر الذى يشجع على «التواطؤ» بين العدد القليل من البنوك/الشركات التى تزايد على إقراض الحكومة، وبالأخص فى ظل ظروف الفساد التي نعيشها. وإذا كان هناك «تواطؤ» بين الحفنة القليلة من البنوك التى تتنافس على إقراض الحكومة فإن هذه البنوك مجتمعة ستحاول على إبقاء معدل المضاربات على تمويل العجز الحكومي مرتفعا!! أليس من الأفضل أن نعيد النظر فى كل العملية المتبعة لتمويل عجز الموازنة وفى كل ما يسمى بـ«بالإصلاحات الإقتصادية» ؟ بل أليس من الأفضل والأفضل أن نسد فجوات الفساد المنتشرة التى تنهش فى الإيرادات العامة فيتقلص عجز الموازنة ولا يكون هناك حاجة للاقتراض غير المسئول؟!! .
كما نعلم أن فكرة الدعم المستتر تقوم على فكرة مفادها أن هناك فارقا في سعر منتجات كالمنتجات البترولية بين السوق المحلي والعالمي. وأنه بما أن الدولة لا تعوم السعر ليصل إلى السعر العالمي فإن ذلك يشكل دعما منها لمن يستهلكون البنزين والجازولين والغاز الطبيعي ، وفي ظل ارتفاع أسعار البترول في السوق العالمي، وهذه أكذوبة اقتصادية على أعلى مستوى. فمن ناحية لا يفترض أن تشتمل الميزانية –حساب الموارد والمصروفات- على منطق افتراضي، والمقارنة بما كان ينبغي أن يكون. ومن ناحية أخرى، فإن فكرة الأسعار العالمية ليست حقيقة نهائية تعبر عن قوى السوق فهي تصطدم مثلا بتأثير الاحتكارات على الأسعار، هذا إلى جانب تفاوت تكاليف الإنتاج من بلد لآخر ناهيك عن مدى توافر ثروة كالنفط الذي يؤثر على الأسعار المحلية للمنتجات. أيضا فإن مساواة الأسعار المحلية بالأسعار العالمية إن صحت كاستراتيجية نظرية فهي تقترن أيضا بضرورة مساواة الأجور المحلية بالأجور العالمية .
الأدهى والأمر من هذا هو فاتورة دعم الطاقة الموجه للقطاع الخاص، ورجال الأعمال المحتكرين ارتفعت أضعافا مضاعفة، دون أن ترمش عيون الحكومة التي تدعمهم وتدعم المنظمات الأممية المنتشرة في عرض البلاد وطولها وأيضاً فروع الشركات الأجنبية التي اشترت مصانع الأسمنت سنويا. إذ تقدم لهم الطاقة بالسعر المدعم. وليست هناك خطط حقيقية لتقليص هذا بطرق مبتكرة غير رفع الدعم الكلي الذي سيتأثر به سلباً شرائح المجتمع الضعيفة ومحدودة الدخل وتستفيد منه الشركات التي إحتكرت صناعة الأسمنت المُصنّع محلياً. وترتبط بهذه الأكذوبة أكذوبة أن دعم الطاقة يشوه الأسعار، وهو ما يخل بآليات السوق، ويؤدي لاضطراب السياسة الاقتصادية. وإيمان الدولة ولو حتى ظاهريا بهذه الأكذوبة ضعيف، فهي لم تتخذ أي خطوة جدية، ولن تتخذ مثل هذه الخطوة لأسباب واضحة، تجاه احتكارات حقيقية تتستر تحت شعار تحرير الأسعار خروج الدولة من الأسمنت والحديد واستيراد الورق والسكر وغيرها حتى تحدث الوفرة التي تؤدي لإنخفاض الأسعار ، على حسب زعمها- والواقع أنها ترفع الأسعار مغذيةً جيوب المحتكرين بالمليارات. وكان الأولى بها لو أنها مهمومة حقا بتشوه الأسعار!!
قصاصة:
هناك أمر يدعو للتفكه والتندر إذ وصل الأمر بالحكومة حين تدافع عن أن السبب وراء رفع الدعم هو أنه بصورته الحالية لا يصل للفقراء بل يتسرب أساسا للأغنياء بالذات فيما يتعلق بدعم المواد البترولية. وفي فضح هذه النقطة يمكن الإشارة إلى تقارير اقتصادية ودراسات سابقة عن السياسات المالية والاقتصادية من مراكز بحوث شبه رسمية تقول فيها إنها على الرغم من إتسامها "بانخفاض الكفاءة الاقتصادية" إلا أنها "تحقق فوائد عديدة، منها تخفيض الفقر، وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية للمواطنين لحمايتهم من سوء التغذية، وتحقيق الاستقرار السياسي. فقد ساهم دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية لصالح (750) ألف أسرة (في لحظة من تاريخه) في تخفيض نسبة الفقراء. كما ساعد دعم الخبز على إبقاء نحو 730 ألف نسمة فوق خط الفقر. ووفر دعم السلع الغذائية الأساسية حوالي 40% من احتياجات محدودي الدخل من السعرات الحرارية!!. الأكيد هو أن هذا النظام الجديد سيقلص بشدة مما سينفق على الدعم بالذات دعم الغذاء، وسيؤدي إلى رفع هائل للأسعار. ويكفي أن نشير إلى تحذير للبنك الدولي من أن نسبة كبيرة من السكان تعيش فوق حافة الفقر وبالتالي فإن أي ارتفاع طفيف في أسعار المنتجات الغذائية (تحتل 80% من إنفاق الأسر الفقيرة وحوالي نصف متوسط إنفاق الفرد الاستهلاكي في البلاد . وهو ما يعني دفع الملايين إلى صفوف الفقراء.
وسلامتكم!!
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]
//////////////