يا حضرة الإمام: الآن حصحص الحق !
Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]
فى العاشر من سبتمبر من عام 2011 خاطبت السيد الصادق المهدى بمقال بعنوان : ياحضرة الامام خلى عنهم و الزم سارية االجبل ) نعيت فيه على السيد الامام صبره الطويل على الحوارات التى لم تثمر شيئا مع الانقاذ. ودعوت السيد الامام بما يليق من القول الى ترك هؤلاء القوم والالتحام مع قواعده الاسمنتية التى وصفتها بسارية الجبل . و قلت فى نظام الانقاذ ما لم يقله مالك فى الخمر . وتعشمت ان ينفض السيد الامام يده من حوارات الطرشان تلك . اعرف ان السيد الامام كان يتعشم ، ولعله ما زال يتعشم ، أن يهدى به الله صقور الانقاذ الى طريق الوفاق الوطنى القويم . و لما كنت من الذ ين قطعوا كل عشم فى الانقاذ ، فقد ضاق صدرى و تململ وجدانى من تلك الحوارات الطرشاء التى ظلت تدور بلا حدود زمنية . وابنت ضيقى بكتابات لم تخلو من حدة فى بعض الاحيان ، رجوت فيها السيد الامام أن يريح نفسه ويريح شعبه من ذينك حوارات مع هذه الجماعة المغرورة التى اغلقت عقلها وسمعها وبصرها واستغشت ثيابها وصارت مثل فرعون موسى الذى لا يرى شعبه الا ما ترى وما يريهم الا سبيل الرشاد . دعوات كثيرة مثل دعوتى صدرت من كوادر كانت ذات يوم حرزا تحوط به السيد الامام فى نزاعاته المؤسفة مع أهل بيته المهدو ى و لم يؤبه بها . ومضت المسيرة غير الآبهة بمؤامرات الانقاذ لتشقيق الكيان الفارس وتفتيته الى سبع كيانات موازية للكيان الأم اصبحت جميعها بو م نحس ينوح فى مظان الكيان العريق . ولم يبق امامنا الا أن نردد ادعية حفظناها من آبائنا على مر العهود تد عو ( مهون القواسى أن يهون علينا كل قا سى ) وليس اقسى من فجيعة الضعف بعد قوة. والمذلة بعد عزة . وكنت من الناعبين بالصوت العالى حتى ظن بعض اهلى ، الذين هم أهل عقيدة وبيعة ، أن ابنهم قد أبق . وصار يتحدر صاحب البيعة كما يتحدره غلاة كارهيه من أهل الانقاذ . بالطبع لم يكن ذلك صحيحا كله . ولكن لم يكن فى مقدورى ان أنكر أن صدرى قد ضاق بكثير من المواقف الرمادية التى اعترف بها صاحب البيعة نفسه . والتى جلبت الكثير من السخرية والاحتقار للكيان الفارس الذى كان مرا وعصيا على من يعاورونه . هذه مقدمة لازمة للآتى من ا لقول . لقد قضيت الاربعة اشهر الماضية فى بلدى السودان . وجلست فى منزلى فى مدينة المهندسين فى العاصمة الوطنية أم درمان معظم الاقوات استقبل اهلى واصدقائى الكثيرين الذين سمعوا بمقدمى فخفوا للسلام على وفيهم اشخاص خربت السياسة عرى الماضى الجميل بيننا . لقد اطمأنت نفسى أن قيم الشعب السودانى الاجتماعية ما زالت بخير رغم الكثير من الكدمات التى اصابتها هنا وهناك. فى الخرطوم واصلت الكتابة الراتبة فى الاعلام الاسفيرى وفى بعض الصحف السودانية التى وجدت شجاعة غير عادية لكى تنشر بعض مقالاتى المارقة . واخص منها صحيفتى ( الوطن) و(الجريدة) المقروءتين . قابلنى احد معارفى فى مكان عام فصاح فى وجهى : تكتب هذه المقالات الشينة وانت فى الخرطوم ! و لم تعتقل ! أى حقوق انسان اكبر من هذه ياسعادتك ! قلت اعترف بهذه المحمدة . ولكنى عرفت ان كثيرين ما زالوا يقبعون فى السجون ولم يفعلوا غير الافصاح عن رأى مخالف. بينما قال لى آخر : أنت دبلوماسى ولكن اسلوبك فى الكتابة غير دبلوماسى . أنت محارب بدوى من دار محارب تدرع الهندام الدبلوماسى بدلا من أن يتدرع سيوف أهله البدويين وحرابهم . ضحكنا معا قبل أن يهمس فى اذنى ذلك الانقاذى الكبير : من فضلك خفف علينا شوية .
*** رنّ تلفونى فى أخر ايام عيد الفطر الماضى . و اخبرنى المتحدث أن السيد الامام سيرانى فى وقت حدده لى . لا استطيع أن أحصى عدد المرات التى جلست فيها الى السيد الاما م فى الماضى لكثرتها منذ تكليف الحزب لى بالانضمام الى اللجنة الانتخابية التى ادارت حملته الانتخابية الاولى وانا طالب فى جامعة الخرطوم باعتبارى ابن الدائرة البدوية الذى يعرف شعابها وعشائرها واصقاعها . ومرورا بالمرات العديدة التى التقى فيها السيد الامام فى منزلى بواشنطن بشخصيات سودانية مرموقة تعيش فى العاصمة الامريكية فى ندوات وحوارات كان السيد الامام يحرص على عقدها كلما زار عاصمة العالم الحر . وليس انتهاءا باللقاءات العديدة فى فترة التنازع المؤسف بينه وبين عمه الامام الهادى و الذى كان لنا فيه حراك شديد كطلاب جامعيين من عشائر انصارية ذات اثر فى مناطقها .. شخصيا كنت من ضمن كتلة طلاب الحزب الجامعيين التى مارست نشاطا كثيفا لصالح جناح السيد الصادق. ووفرت له زخما معنويا كبيرا فى دائرتنا التى قرر السيد الصادق الترشح فيها فى بداية حياته السياسية . ولا انتهاءا بفترة انتداب وزارة الخارجية لى لادارة مكتب التنسيق الملحق بمكتب السيد رئيس الوزراء فيما يختص بالشئون الخارجية. لم تكن المرة الاولى التى يسمع فيها السيد الامام منى ر أيا مخالفا لرأيه . ولكنها كانت المرة الاولى التى عبس لى فيها السيد الامام عبوسا شديدا وغاضبا حتى و هو يصافحنى ضمن المهنئين بالعيد فى دار الأمة. و حين جلسنا منفردين فى منزله. فقد اسهب السيد الامام فى اظهار غضبه وانتقاده لى للمرة الاولى على بعض ما كتبت من انتقادات له شخصيا وللحزب بصفة عامة مثل مقالى الحاد الذى رفضت فيه طرد الشباب المتظاهر من جامع السيد عبد الرحمن فى ود نوباوى. سردبت لبعض انتقادات السيد الامام من باب التوقير والاحترام العام . ولكنى لم استطع السردبة على دفاعه عن علاقاته ومحاوراته غير المجدية مع النظام الذى بطش به وبحزبه وبشعبه . كانت لحظة مؤلمة حين قال لى السيد الامام بنبرة قاطعة ومتحدية و شبيهة بالقول المأثور ( الباب يفوت حمل ) أنه سوف يستمر فى علاقاته وحواراته مع النظام . فتذكرت على الفور بطل مصر العظيم سعد زعلول وهو ينادى على زوجته "غطينى ياصفية ، ما فيش فايدة"
و بعد ماذا يقول السيد الامام الآن لنا نحن المتشككين فى جدوى صبره ومحاوراته السرمدية مع نظام اغلق اذنيه واستغشى ثيابه عن كل سمع . وهو يرى كيف بطش النظام بمجموعة من قياداته العليا التى لا تتهم بامكانية ضلوعها فى مؤامرة لاطاحة النظام التى هى من بناته الاساسيين . لقد طردت هذه المجمة القيادية فقط لانها تريد قدرا يسيرا من الاصلاحات فى نظام الانقاذ . ولم تقل انها تريد نظاما جديدا يحل محل نظام الانقاذ كما يطلب السيد الامام . السيد الامام يريد ان تتكرم الانقاذ من تلقاء نفسها وتتبرع بتقديم ذلك الكم الهائل من التنازلات دون ان يواجهها احد بعنف او بالاستنصار بالاجنبى فى حالة فريدة من اليوتوبيا السياسية . ما حدث لمجموعة الدكتور غازى يرسل رسالة واضحة الى كل من يهمه الامر لا تحتاج الى ترجمة. هل ما زال السيد الامام يؤمن ان فى امكانه قضم الصخر كما حاولت دابة الارض. وهل ما زال يريدها مملحة وبدون عناء . والى متى سيظل يضرب أكباد ابله فى اثر النظام العنيد ، يعرض عليه فى صبر ومثابرة مبادراته واقتراحاته التى لا تنفذ . هل يتوجب عليه ان ينظر مليا فى رسالة الانقاذ الجديدة ليرى ان كان واردا ان النظام الذى لا يقبل كلمات اصلاح قليلة من بعض كبار قادته المؤسسين سوف يقبلها من معارض يريد نظاما (جديدا ) فى مكانه . وبدون ان يتعرض الى عنف من هذا المعارض فى حين يدمى هذا النظام صدور وقلوب المعارضين العزل بالرصاص القاتل لمجرد انهم طالبوا بحقهم فى حياة حرة وكريمة . لقد قالها النظام بوضوح على لسان رئيسه انه استعمل الخطة ب التى استطاع بها فض الاحتجاجات فى ظرف ساعات قليلة . وما ادراك ما الخطة ب . ولكن السيد الامام يريدها مملحة وجاهزة للأكل بدون رفع سبابة واحدة فى وجه النظام . منتهى الاحلام الوردية فى وقت حرق السموم فيه كل الورود . واعود الى مقالى القديم واناشد السيد الامام واقول له خلى عنك والزم سارية الجبل ، ياحضرة الامام. فقد حصحص الحق ووضحت الرؤيا بما حدث لمجموعة الدكتور غازى . مالنا نضيع وقتنا بالاحلام الوردية وقد حرّق الريح الاصفر كل ورود الدنيا السودانية يوم دخل عليها من النافذة كما يدخل الثلج القارص. أنادى مؤملا وقديما قال الشاعر مؤيد الدين الطغرائى :
اعلل النفس بالآمال ارقبها ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل