كلمة الإمام الصادق المهدي في منتدى الصحافة والسياسة رقم -90
الإمام الصادق المهدي
4 December, 2013
4 December, 2013
بسم الله الرحمن الرحيم
منتدى الصحافة والسياسة رقم (90)
السودان ومحيطه العالمي
مغزى الجوائز العالمية
كلمة: الإمام الصادق المهدي
4 ديسمبر 2013م
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي
السلام عليكم وأرحب بكم في داركم وأقول: لم أك قد سمعت بجائزة قوسي قبل اختياري هذا. قبلتها شاكراً لهذا التكريم الدولي، ومن أهم العوامل أنها بسمة في ظلمة سودان الأحزان، ولعله لهذا السبب تجاوب كثيرون مع هذا التكريم، فمنهم من صحبنا، ومنهم من استقبلنا بعد العودة، ومنهم من تناول الأمر بالتعليق المؤازر حتى أن الأخ محمد لطيف اقترح أن يكون لقاء الصحافة والسياسة هذا مخصص للحديث عن الجائزة ومغزاها ولكنني أقنعته أن يكون التناول أوسع لنخاطب حالة التخلف السوداني عن مستجدات في العالم، ووضع الجوائز في إطارها الواسع كجزء من بروز رأي عام عالمي يختار أشخاصاً بصفتهم مواطنين معطاءين لعالم تسوده قيم مادية ومعنوية جديدة، تقيم تماثيل معنوية لهؤلاء، وتتخذ منهم قدوة للأجيال. هذا بينما تسود السودان ثقافة قروية، صلته بالمفاهيم العالمية الجديدة أنه يخلق مشكلة لعالمه من حيث أن أكثر من ثلث ميزانية الأمم المتحدة تصرف لحفظ السلام في نكبات السودان. والمدهش أن هناك تيارات في السودان الآن تسعى لتكريس النظرة المنكفئة لسودان قروي.
أولاً: وقبل أن أخوض في مستجدات العالم يهمني أن أتطرق لرؤى قديمة جعلت فقهاءنا كمحمد بن الحسن الشيباني يصنفون العالم بين دار السلام ودار الحرب، دار سلام تجوز فيها معاملة الإخاء ودار حرب تجب فيها معاملة العداء. ومن لوازم هذا التمييز ألا يقتل مسلم بكافر كما جاء في بيان الرابطة الشرعية، وطبعاً مع هذا التمييز ألا نبدأهم بالسلام وألا نبادلهم التهاني وهلم جرا. ولكن كما جاء في بيان هيئة شئون الأنصار هنالك فرق بين معاملة المستأمن والمعاهد والمحارب. وفي الأمر نص قرآني محكم قال تعالى: (كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وهؤلاء الأجانب الذين يعيشون معنا دخلوا بموجب معاهدات فهم معاهدون وفي أمرهم يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة توجب الوفاء بالعهود كما نصت الآية: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً).
الإسلام يعترف بالإنسانية من حيث هي: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "ثلاث الإيمان والكفر فيهن سواء: الوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم". ومن أهم أسس المعاهدات الدولية الحالية: المعاملة بالمثل.
أصحاب ذهنية التمييز هذه يعتقدون أن علة القتال في الإسلام هي الكفر أي اختلاف الملة، وهذا خطأ جسيم فعلة القتال في الإسلام هي العدوان كما جاء في قوله تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
والإسلام يعترف بالتنوع الديني: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
والإسلام يعترف بالتنوع الثقافي قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) والإسلام يمنع الإكراه في الدين نصوص الإسلام المحكمة تؤصل للإخاء الإنساني كأنما وضعت لاستقبال عالم اليوم الذي سوف نفصل مستجداته، ولا يعيب الإسلام أن بعض المسلمين يريدوننا أن نعلن حرباً شاملة على أصحاب الملل الأخرى، وأن نقطع علاقاتنا بالعالم ما دمنا لا نوفر لممثليهم حماية قانونية بل وأن نستعدى الدول الأخرى على من يعيش معهم من المسلمين علماً بأن ثلث مسلمي العالم يعيشون أقليات مع آخرين.
لَـنْ تَبْلُغَ الأَعْـدَاءُ مِـنْ جَاهِـلٍ مَا يَبْلُـغُ الْجَاهِـلُ مِـنْ نَفْسِـه
ثانياً: حول منظومة حقوق الإنسان بدءاً بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان ثم المعاهدات والمواثيق التالية له نمت هياكل حوكمة عالمية تتطرق لكافة جوانب حقوق الإنسان. صحيح أن على قمة هذه الحوكمة العالمية مجلس أمن تكوينه معيب لأنه خاضع لامتياز القوى المنتصرة في الحرب الأطلسية الثانية، ومنح حق النقض لأي قرار لخمسة دول جعل اختلافها المستمر المجلس مشلولاً ولكن إصلاح هذه العيوب في الأجندة الدولية.
ولكن تكوين وأعمال المنظمات الدولية المتخصصة سليم كاليونسكو، والفاو، ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.
هذه المواثيق والمعاهدات والهيئات المتخصصة تتطلب من الدول الالتزام بما فيها ومراعاة مقاييس محددة في مجالاتها.
وبالنسبة لحقوق الإنسان هنالك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي يتابع ما يجري في واقع الدول، وهناك مكتب يتابع المسؤولية عن حماية المدنيين، وضحايا الحروب، وهنالك محكمة العدل الدولية للفصل في خلافات الدول، والمحكمة الجنائية الدولية للمساءلة في أمر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهنالك المؤسسات المالية والتجارية، وكلها وجوه من وجوه الحوكمة العالمية التي لا تنفع معها النظرة القروية التي يتبعها بعض الناس في السودان، محتمين بخصوصية السيادة وبالخصوصية الثقافية، وهي لا تسمح بالتعدي على حقوق الإنسان فالسيادة هي سيادة الشعوب لا الحكومات.
ثالثاً: وإلى جانب هذه المواثيق والهياكل انتشرت منظمات دولية غير حكومية لمحاربة الفقر، والفساد، وقياس مدى الالتزام بحقوق الإنسان، ومدى حرية التعبير، ومدى مراعاة سلامة البيئة في مشروعات التنمية، وكيفية التصرف في إيرادات الموارد الطبيعية. باختصار وبالإضافة للأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة توجد هيئات غيرها دولية غير حكومية تضع كل النشاط العام في البلدان تحت المجهر، وتصنف المحسنين والمسيئين.
رابعاً: ثورة المعلومات والاتصالات صنعت سوقاً تجارية واستثمارية واحدة، هذه هي ظاهرة العولمة. العولمة كمرحلة متقدمة من الاتصال والتواصل العالمي ظاهرة حميدة. ولكن في ظروف العالم الواقعية أتاحت العولمة لقوى الهيمنة الدولية أن تتحكم في مصائر الدول الضعيفة. هذا هو الوجه غير الحميد من العولمة ما يفرض على القوى الواعية في الدول الفقيرة أن تتجاوب مع إيجابيات العولمة، وتحمي نفسها من سلبياتها.
خامساً: مناخ الحوكمة العالمية، والعولمة، وبروز رأي عام عالمي، عوامل أفرزت هيئات كثيرة معنية بتصنيف وتقييم أنشطة الأداء الإنساني في كافة المجالات، وعبر هيئات غير حكومية صار هؤلاء يمنحون بعض الناس جوائز وهي في جملتها لا تقل عن ثلاثين جائزة باسم السلام. المؤسف أن بلادنا السودان في كافة مقاييس الحوكمة الرشيدة تحتل مركزاً متدنياً، والمدهش أن صناع القرار في السودان لا يعبأون بهذه التصنيفات ويعتبرونها وسائل تستخدمها الدول المهيمنة لممارسة الهيمنة الفكرية والثقافية. صحيح أن كثيراً من هذه الأنشطة ملغومة. ولكن كثيراً منها ليست كذلك بل تضع الدول المهيمنة نفسها في خانة متدنية في مجالات الشفافية وحرية الرأي وغيرها.
لا شك أن أي عمل إنساني يتأثر برؤى صاحبه وبمصالحه. على أية حال، لا اعتقد أن وضع السودان في خانة متدنية من حيث حقوق الإنسان، والحريات، والفساد فيه عدم دقة بل هو واقع الحال.
سادساً: ظاهرة اختيار بعض السودانيين لجوائز دولية ظاهرة جديدة أرجو أن نحصي أعدادهم ونقدر عطاءهم في المجالات المختلفة. ونقدمهم كنماذج للقدوة، ولا اعتقد حتى الآن أن الذين نالوا تكريما دولياً من السودانيين والسودانيات قد نالوا تكريماً بغير استحقاق. وأرى أن نحصي أسماءهم وأسباب تكريمهم بل وأن نغرس أسماء السودانيين المبرزين في كافة المجالات كمعجم أسماء لنوابغ السودان.
إن هذا المنتدى يكون قد حقق مصلحة للبلاد إذا ساهم في إبطال النظرة القروية المنكفئة، وزاد وعي الرأي العام السوداني بالحوكمة العالمية، والعولمة، ووظيفة منح الجوائز في بناء تماثيل معنوية للقدوة.
إن إخفاق السودان في حل مشاكله قد جر إليه 47 قرار مجلس أمن جلها تحت البند السابع وأكثر من ثلاثين ألف جندي أجنبي لحفظ السلام، وجعل ثلث سكانه يعيشون عالة على الإغاثات الخارجية، أي أن السودان اليوم يمثل مشكلة للحوكمة العالمية.
في هذه الظلمات المتراكمة فإن أية جائزة لمواطن سوداني في أي مجال من مجالات العطاء ينبغي أن تعتبر قطرة غيث يرجى أن تبشر بغيث ينهمر: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
سورة المائدة الآية (54)
سورة الإسراء الآية (34)
سورة الإسراء الآية (70)
سورة التوبة الآية (13)
سورة البقرة الآية (62)
سورة الروم الآية (22)