جوبا: الرزيقي شايل قلم ماكمايكل
كفى بك داءً
كتب الصادق الرزيقي كلمة في جريدة الانتباهة الإثنين الماضي يشخص فيها الأحداث الدموية الدائرة في عاصمة جنوب السودان، جوبا. رد الصادق مصاعب الجنوب إلى حداثة التجربة السياسية للحزب الحاكم، الحركة الشعبية لتحرير السودان، ثم أضاف اللازمة "القبلية"، صراع الدينكا والنوير.. إلخ، التي تنتهي عندها معظم التحليلات "الشمالية" لشؤون الجنوب، وهي في الواقع حجة شُقَّت من ضلع إمبريالي عتيد، لا يكتمل أي تقرير دارج عن شأن إفريقي في الإعلام الغربي إلا بها.
كتب الصادق كأن الذي تلبسه "كلكي" ماكمايكل صاحب القلم: "تحرِّك المشاعر العرقية والعشائرية كل التفاعلات السياسية والعكسرية والتنفيذية في دولة الجنوب، ويستند القادة وأركان الحكم والجيش الشعبي إلى قبائلهم وتكويناتهم المناطقية والعرقية، وتقوم موازنات المشاركة السياسية في السلطة على هذه المفاهيم دون أن تكون هناك أفكار متقدمة تجنب الدولة الجديدة الوقوع في براثن الأخطاء والتجارب المريرة في دول العالم الثالث الموبوء بهذا النوع من أنظمة الحكم وأنساقها."
سهى الصادق ربما عن حقيقة أنه شكَّر الحكومة الجديدة قبلها بعدة أيام بذات المنظور، قال عنها وكأنه يقرأ من "الكتاب الأسود" لحركة العدل والمساواة أنها أطاحت بالهيمنة "التقليدية" لنهر النيل والشمالية على جهاز الدولة ووسعت من حصص كردفان ودارفور والشرق والجزيرة في قسمة السلطة. شرح رئيس تحرير الانتباهة في كلمة أخرى مطلبه من الحكومة الجديدة متحدثا بإسم غمار الناس لا صفوتهم: "لقد مضغتنا الحروب والنزاعات والاصطفافات القبليَّة والجهويَّة، ضرستنا بأنيابها ووطَّأت وجوهَنا بميسهما الناري اللاهب، فلم يبقَ من جسد الوطن شبرٌ إلا وفيه طعنة رمح وضربة سيف، وماتت الحكمة والعقل والرُّشد فيه... كما تموت العير!" بذلك يستوي عند الصادق السودان وجنوب السودان من حيث الشر القبلي الساكن سياستهما لكن الأخير بطبيعة الحال "غير" فالجيش الشعبي جماع مليشيات قبلية أما الجيش السوداني فضامن للوحدة الوطنية والقبلية السودانية شديدة تضرس لكن قبلية جنوب السودان أشد تقتل.
جاز للصادق السرور بجلوس غير أولاد الشمالية ونهر النيل على كراسي الوزارة، منهم كما شرح في كلمته من قضى الطفولة والشباب في كادقلي وضهاري كردفان، ومن صرته في غبيش، ومن وطنه الصغير ديار شرق جبل مرة، كما جاز له الاحتفاء بالتحولات في الخارطة السياسية التي أصبح بموجبها "شيك الضمان" الذي كان يحمله سادة الخرطوم، أئمة وأفندية وضباط، شحيح الرصيد. للحركة الشعبية في هذه التحولات سهم كبير، ألهمت السيدة فاطمة أحمد إبراهيم يوما ما القول: "الصادق والميرغني تاني ما بشموها قدحة"، تقصد السلطة أم كرسي.
في هذا الخصوص، ظل التقسيم الأفقي للسلطة، بين ممثلين للمناطق والأقاليم، هو منتهى حرفة السياسة الجديدة، هذا ما وعدت اتفاقيات دارفور المجهضة والقائمة، وما قامت عليه نيفاشا، وما تبشر به جمهورية علي عثمان الثانية تحت خيمة الحزب الواحد. أما التكوين الرأسي للسلطة، قاعدتها الطبقية والقوى الاجتماعية التي تخدم من غبيش أو كادقلي أو حجر الطير، فمحروس محفوظ، تشد عموده البنادق التي صادت طلاب المدارس في سبتمبر أن هتفوا بالرغيف وقد زاد سعره، بينما يسبح الحكام، لا فرق بين من صرته في عد الغنم أو مكوار أو قبة الإمام بأم درمان، بآي صندوق النقد والبنك الدوليين، آمين.. آمين.
Magdi El Gizouli [m.elgizouli@gmail.com]