جنوب السودان.. الصراع الدامي وتموجات الحقائق !!

 


 

حسن بركية
11 January, 2014

 



دخل الصراع  في دولة جنوب السودان  مراحل متقدمة من العنف  والعنف المتبادل ولاتزال الجهود الاقليمية والدولية تتواصل و تتحمل النخبة الجنوبية مسؤولية الدماء الكثيرة التي سالت غير أن مسؤولية الرئيس سلفاكير تبدو مركبة وكبيرة ، والانفجار الذي حدث لم يكن وليد اللحظة بل كانت كل عوامل الأزمة كامنة في جنوب السودان ومما فاقمها وعجل بإنفجارها  -المعالجة ( السيئة) من قبل قادة الحركة الشعبية – الحزب الحاكم للقضايا والملفات الحساسة والكبيرة وترحيل كل المشاكل دون إمتلاك إرادة سياسية كافية للتصدي لها.
و فشلت القيادة في جنوب السودان  بعد الانفصال في تأمين السلام الداخلي وواجهت صعوبات كبيرة في القيام بدور حكومة مدنية. وتعثرت كل خطوات الإصلاح وخاصة في قطاع الأمن، وتزايدت النزاعات ذات الطابع الإثني.  وفي مقال منشور ترجمه إلي العربية  الدكتور حامد فضل، قالت الباحثة الألمانية د. أنيتا فيبر " لقد تدهور الوضع الأمني في البلاد بسرعة مذهلة منذ انفصال جنوب السودان. فأكثر من 2200 شخص لقوا مصرعهم بسبب النزاعات المسلحة. وأكثر من 000 320 من سكان البلاد المقدرين بحوالي ثمانية ملايين نسمة، نزحوا من مستوطناتهم بسبب القتال والفيضانات والجفاف. وبالإضافة إلى الصراع بين الميليشيات والقوات الحكومية ".
وعلي هذه الخلفيات المعقدة تمضي أيام الصراع الدامي ومفاوضات  أديس أبابا حتي اللحظة لم تتوصل إلي  نتيجة مرضية ولم يحدث الإختراق المأمول ، لكل طرف من أطراف النزاع أولويات مختلفة ، الرئيس سلفا يبحث عن وقف العدائيات قبل بداية التفاوض ونائبه السابق مشار يتحدث عن إطلاق سراح المعتقلين قبل بداية التفاوض ، فيما يتعلق بموضوع إطلاق سراح المعتقلين يبدو الرئيس سلفا متنازعاً بين موقفين ، قال وزير الخارجية برنابا بنيامين أن سلفا سوف يطلق سراح المعتقلين ولم يحدث شيء حتي الآن ، وحسب تقارير صحفية هناك خلافات داخل جماعة سلفا حول إطلاق سراح المعتقلين ،مجموعة تري عدم الاستجابة للضغوط الدولية بإطلاق سراح المعتقلين، بينما تري مجموعة أخري أهمية الاستجابة لطلب جهات نافذة في الأسرة الدولية وإطلاق سراح المعتقلين والدخول في مفاوضات لإنهاء الأزمة . الظروف والمتغيرات الكثيرة ستجبر الرئيس سلفا علي خطوة إطلاق سراح المعتقلين وخاصة أن الدول الكبري والإيقاد تري ضرورة ذلك وكانت الخارجية الأمريكية قد حثت حكومة جنوب السودان علي الوفاء بتعهداتها والإفراج عن السجناء السياسيين علي الفور ، وكان وفد متمردي جنوب السودان (جماعة مشار) قد هدد بوقف التفاوض إذا لم تطلق حكومة سلفا كير سراح المعتقلين ،وقال المتحدث باسم وفد التمرد يوهانس موسى فوك، لصحيفة الشرق الأوسط " نحن ننتظر إطلاق سراح المعتقلين من الطرف الآخر، ولكن في حال إصرار كير على موقفه بألا يطلق سراحهم، فإن عملية التفاوض ستتوقف ".
وتبدو الصورة غير واضحة المعالم لكثير من المراقبين للأحداث في جنوب السودان لأن طبيعة الصراع معقدة وبها الكثير من التعرجات والتداخلات ، في شكل من الأشكال هو خلاف بين سلفا ومشار وفي تطور أخر صراع قبلي وفي مرحلة ما صراع سياسي داخل حزب واحد حول السلطة تحول إلي صراع دامي لاتزال فصوله مستمرة ، وسعي كل طرف من أطراف الصراع هناك لتحجيم الطابع القبلي والإثني للصراع لخطورته البالغة علي مستقبل الدولة والمجتمع ، رياك مشار معه حلفاء من الدينكا والاستوائية والنوير والزاندي والتابوسا و الشلك ،و سلفاكير معه حلفاء من النوير والاستوائيين ومن قبيلته الدينكا  ، وهناك من يري أن الصراع  والخلاف في جنوب السودان ليس فقط بين سلفا ومشار وأن هناك طرف ثالث أو مجموعة ثالثة كماقال بذلك القيادي بالحركة لوكابيونق وكان بيونق قد قال في تصريحات صحفية " مراكز القوي في الصراع الحالي، مجموعة يقودها الرئيس سلفاكير ومجموعة بقيادة رياك مشار ومجموعة علي رأسها إصلاحيون يمثلون قيادات تاريخية بالحركة الشعبية  " وقال بيونق أن المجوعة الأخيرة هي الأقدر علي تقديم الطرح القومي.. ويتوقع أن تشهد مرحلة مابعد إطلاق القيادات التاريخية مستجدات أخري وكروت جديدة في أوراق اللعبة السياسية العسكرية في جوبا.
وفي كل مراحل وتطورات الصراع الدامي كانت مواقف الحكومة السودانية محل تساؤول العديد من الخبراء والمحلليين ، رغم أن الحكومة السودانية في بداية الأمر قالت أنها تقف علي مسافة واحدة من الفرقاء في جنوب السودان إلا أن الكثير من المؤشرات والتصريحات والزيارة الأخيرة للرئيس البشير إلي جوبا اكدت أن الخرطوم أقرب إلي سلفا من مشار وهذا الموقف في رأي كثير من الخبراء يفقد السودان أوراق كثيرة وخاصة أن مآلات الصراع غير معروفة وربما يترتب علي هذا الموقف الكثير من الخسائر علي مختلف الأصعدة. وقال المدير العام السابق لجهاز الأمن والمخابرات السوداني صلاح قوش في حوار مع الزميلة (اليوم التالي) .."  أمام السودان فرصة تاريخية بالإسهام في معالجة الوضع بالجنوب، وهذا يمكن أن يكون واحدا من جوازات المرور للتعامل مع المجتمع الدولي، ومحاولة لتحسين علاقاتنا الدولية ". انتهي حديث قوش - التطلع لعلاقة سلسة مع الغرب والحفاظ علي الإمداد النفطي والموقف النفسي لكثير من قيادات المؤتمر الوطني من تيار (أولاد قرنق) ومحاولة كسر شوكة قطاع الشمال  وحالة العزلة ( وعدم القبول) التي ظلت تلازم حكومة المؤتمر الوطني في المحافل الإفريقية الدولية تكبل خطوات الحكومة السودانية في لعب دور إيجابي يسهم في حل الصراع هناك.
ويتوقع أن تصل المفاوضات في النهاية إلي اتفاق سلام أو صيغة للتعايش بين خصوم الحزب الواحد ، غير أن  مجرد عقد صفقة بين سلفا ومشار أو الإكتفاء بفض الطرفين المتحاربين دون مخاطبة جذور الأزمة السياسية  وإحداث تغيير جذري في الممارسة السياسية في جنوب السودان تغيير يتعدى مجرد صفقة أخرى لاقتسام الثروة والسلطة دون ذلك سيكون الاتفاق المتوقع مجرد هدنة وإعادة إنتاج الأزمة.
hsn455@hotmail.com
///////

 

آراء