الطريق من بانتيو إلى حرب الجميع ضد الجميع ؟

 


 

ثروت قاسم
12 January, 2014

 



Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com

1-    الموقف الحالي ؟

اليوم الأحد 12 يناير 2014 ، لا تزال محادثات اديس ابابا  بين طرفي النزاع في جنوب السودان محلك سر ، رغم جهود الوسطاء ، وخصوصاً إدارة أوباما ، في حمل الفرقاء على وقف العدائيات ووقف إطلاق النار ، والضغط على الرئيس سلفاكير لإطلاق السياسيين التسعة المعتقلين في جوبا .

في هذا السياق ، طلب المعتقلون السياسيون في جوبا  من وساطة الإيقاد عدم ربط الإفراج  عنهم  كشرط لبدء المفاوضات ، كما ظل يطالب الدكتور ريك مشار . وقد بدأت السلطات في جوبا إجراءات محاكمة المعتقلين السياسيين بنهم فساد مالي  ومحاولة قلب نظام الحكم  ، ومنهم  السادة باقان أموم ودينق آلور .

في يوم الجمعة 10 يناير 2014 ، نجحت قوات الرئيس سلفاكير في الإستيلاء على مدينة بانتيو ، عاصمة ولاية الوحدة ، بعد فرار قوات الدكتور ريك مشار ، وإستسلام البعض  الآخر . أتهمت مجموعة الدكتور ريك مشار حركة العدل والمساواة السودانية بالمشاركة مع قوات الرئيس سلفاكير في إحتلال بانتيو .

كما إن كتيبة مقاتلة تابعة لمشار يقودها ضابط برتبة عميد سلمت نفسها إلى السلطات السودانية في ولاية غرب كردفان  بكامل عتادها  ، بعد عبورها إلى داخل السودان قرب مدينة هجليج   يوم الجمعة  10 يناير 2014 .

ولا يزال القتال ضارياً حول مدينة بور ، عاصمة ولاية جونقلي ، بعد سقوط بانتيو وملكال في أيادي قوات الرئيس سلفاكير .

يمكن إختزال تداعيات إنتصار قوات الرئيس سلفاكير وإسترداد مدينة بانتيو الإستراتيجية في عدة نقاط أدناه :

اولاً :

ربما شعر الرئيس سلفاكير إنه بالإمكان دحر قوات الدكتور ريك مشار عسكرياً  في الميدان بدلاً من حول طاولة المفاوضات ، خصوصاً  وقواته قد إستردت ملكال وبصدد دخول بور ، ومعظم أراضى ولايتي جونقلي واعالي النيل تحت سيطرته . وعليه فربما شعر إنه يخسر ولا يكسب من محادثات أديس ابابا .

بالنسبة للرئيس سلفاكير ، أنتفت أهمية مواصلة  محادثات أديس أبابا ، التي تم حسم نتيجتها  في الميدان لصالح الرئيس سلفاكير .

وفي أحسن الفروض ، ربما وافق  الرئيس سلفاكير على مواصلة المحادثات، تحت الضغط الأمريكي ، ولكن بتشدد  وتعنت شديدين   ، مما ينذر بفشل المحادثات .

بعد بانتيو ، ربما وافق الرئيس سلفاكير على إبرام  إتفاقية سلام  ملغومة ،  على غش وغبن ،  ما تلبث أن تصير خميرة  وذريعة  لحرب أهلية  أشد ضراوة وفتكا !

ثانياً :

إذا حاول الرئيس سلفاكير  تعقب وتدمير قوات الدكتور ريك مشار الموحدة  في ولايات الوحدة وجونقلي وأعالي النيل ، فسوف تتناسل هذه القوات المهزومة إلى مجموعات صغيرة متوزعة على الولايات الثلاثة وتحت أمرة أمراء حرب ، سوف يقودون حرب عصابات ضد الحكومة المركزية في جوبا .

ثالثاً :

السيناريو المذكور في ( ثانياً ) أعلاه ، سوف يكرس الصبغة الإثنية للنزاع ، ويحيلها إلي حرب بين الدينكا ضد  النوير ، وهي حرب كما حرب داحس والغبراء ، حرب غير مبصرة لا تبقي ولا تذر .  ولك في قبيلة المورلي وزعيمها ديفيد ياو ياو ، والحرب الإثنية التي تشنها على قبيلة النوير لعقود متواصلة ، مع آلاف القتلى من الجانبين ،  خير برهان ودليل .

رابعاً :

إنتصار الدينكا على النوير ، سوف يوقظ  كثيراً من الفتن النائمة ويؤلب القبائل الإستوائية ضد الدينكا للكراهية التاريخية بين هذه القبائل وقبيلة الدينكا خلال حروب الإنفصال .

خامساً :

عندها سوف ينفرط العقد الفريد وتتناثر حباته ونصير بصدد حرب الجميع ضد الجميع ،والكل ضد الكل ، والعياذ بالله ؟

سادساً:

المنتصر الثاني في معركة إسترداد بانتيو هو الرئيس البشير . سوف يضمن إنسياب البترول الجنوبي في أنابيب الشمال وما يصحبه من عائد مالي ؛ وسوف يضمن فك الإرتباط بين الجبهة الثورية وقوات الحكومة والمعارضة في  الجنوب التي تتقاتل فيما بينها في معركة وجود  لا مجال معها لدعم الجبهة الثورية ؛  وسوف تعطي بانتيو الرئيس البشير  حيوية مقابل المعارضة السياسية الشمالية  المتشاكسة .

تلك معادلة كسبية سوف تُرغم الرئيس البشير للإصطفاف في صف الرئيس سلفاكير ، وضد الدكتور ريك مشار .

في كلمة كما في مية ، فقد  كرست بانتيو قوة الرئيس البشير مقابل المعارضة  المدنية والمسلحة المتشاكسة ؟
كيف يمكن لقادة المعارضة أن يظفروا بحقوق الشعب السوداني  وهم مختلفون متخاصمون «  تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى  »  ؟! يتهم متشدد منهم السيد الإمام بالخيانة ، ويستغرب حاسد ثان  ( نحسد الصادق على شنو ؟ ) ، ويطلب ثالث أن يبعث له السيد الإمام بطلب ممهور بتوقيعه حتى ينظر في إمكانية مقابلته ؟  مع العلم بأن السيد الإمام يمثل حوالي 90% من جماهيرية المعارضة حسب آخر إنتخابات ديمقراطية في عام 1986 !

نعم  .. كيف يظفر قادة المعارضة  بحقوق الشعب السوداني  وهم شذر مذر، لا رؤية تجمعهم، ولا راية توحدهم، ولا ثقة متبادلة تجعل بعضهم يطمئن إلى البعض الآخر؟!

من  المفارقات العجيبة التي لا تحدث إلا في دولتي السودان ، إن حركة العدل والمساواة تدعم مجموعة الرئيس سلفاكير تماماً كحكومة الخرطوم ؛ مع أن  أحد  أسباب خلاف مجموعة مشار مع مجموعة سلفاكير إن مجموعة مشار تصر على إستمرار دعم حكومة الجنوب للجبهة الثورية ، الأمر الذي يرفضه الرئيس سلفاكير .

2-    المغتغت والمكشوف  ؟

في يوم الأثنين 6 يناير 2014 ، قام الرئيس البشير بزيارة حبية  لمدة ساعات  لشقيقه الرئيس سلفاكير في جوبا .


طلب الرئيس سلفاكير من شقيقه الرئيس البشير إرسال قوات عسكرية سودانية  لطرد قوات الدكتور ريك مشار من آبار البترول في ولايتي الوحدة واعالي النيل ، وتأمين هذه الآبار لمصلحة حكومة الرئيس سلفاكير الشرعية . وافق الرئيس البشير على طلب الرئيس سلفاكير وزاد زوادة بأن عرض  إرسال 900  فني سوداني لتشغيل الآبار المعطلة  ، بعد إستردادها من الدكتور ريك مشار .

هل يدخل الرئيس البشير بالطول في بانتيو ، بعد تحريرها ، ويحمي  آبار النفط لمصلحة الرئيس سلفاكير ، كما دخل الرئيس موسفيني بالعرض في جوبا ، وتحرس قواته ( 1300 عنصر ) مطار جوبا والقصر الرئاسي وطريق جوبا – بور لصد قوات الدكتور ريك مشار ، إذا كان من الوقاحة التفكير في الدخول عنوة في جوبا .

في يوم الجمعة 10 يناير 2014 ، وافق البرلمان اليوغندي على مشاركة الجيش اليوغندي بفعالية  في العمليات العسكرية في ( كل) ولايات دولة جنوب السودان ، وليس فقط في جوبا ، دعماً لقوات الرئيس سلفاكير .

أرسلت واشنطون إنذاراً شديد اللهجة للخرطوم( الأربعاء  8  يناير )  بعدم التفكير في إرسال قوات سودانية  لحماية آبار النفط في ولايتي الوحدة وأعالي النيل . وجضمت واشنطون  الرئيس سلفاكير لطلبه مساعدة الخرطوم العسكرية لحراسة آبار النفط . فكان أن أرسل الرئيس سلفاكير وزير خارجيته للخرطوم ( الخميس 9 يناير ) برسالة خطية  يطلب فيها من الرئيس البشير عدم إرسال أي قوات سودانية لتأمين آبار النفط  ، وأن ينفي ذلك في وسائط  الإعلام السودانية ، لتطمين واشنطون والرأي العام الجنوبي .

إكراماً للرئس سلفاكير ، بلعت ( الخميس 9 يناير  ) الخرطوم تصريحاتها  بخصوص القوات المشتركة ( من دولتي السودان )  لحماية آبار النفط  الجنوبية ؟

في يوم الجمعة 10 يناير 2014 ، أدان مجلس الأمن وكذلك إدارة أوباما أي تدخل خارجي في جنوب السودان .

3 - الجبهة الثورية ؟

في يوم الخميس 9 يناير 2014 ، ومن مدينة الدمازين أختزل الرئيس البشير تداعيات محنة الجنوب على الشمال . إستبعد  الرئيس البشير أي تفاوض مع الجبهة الثورية حول السلطة والثروة ، ولخص التفاوض في قبول حكومته العفوعن قادة الجبهة مقابل وضعهم السلاح . شعر الرئيس البشير بأنه في موقف قوة مقابل الجبهة الثورية بعد فك الأرتباط بينها وبين الجنوب ، حكومة ومعارضة .

نعم ... جات أزمة الجنوب بالساحق والماحق على الجبهة الثورية ، وخصوصاً بعد سقوط بانتيو وملكال  في قبضة الرئيس سلفاكير ، وحصاره الحالي لمدينة بور  .

في يوم الخميس 19 ديسمبر 2013 ،  طالب القائد مني أركو مناوي نائب رئيس الجبهة الثورية, المجتمع الدولي وجميع المنظمات الانسانيه العاملة في مجالات حقوق الانسان بضرورة  ( توصيل  )  الجبهة الثورية بأطراف الصراع الدائر في جنوب السودان, وقال أنه في مقدورهم  ( الجبهة الثورية )  طرح بعض الحلول التي ستساهم في ايقاف الحرب التي اندلعت مؤخرا؟

هل يتذاكي القائد مني اركو مناوي على المجتمع الدولي بإدعائه أنه لا يعرف كيف يتصل بالرئيس سلفاكير والدكتور ريك مشار  وصحبهم ، الذين يتصل بهم  الإعلاميون صباح مساء سائلين ومتسائلين ؟

هذه مصيبة إن كان القائد مني يتذاكى على الأذكياء المقددينها من عتاولة المجتمع الدولي ؟

ولكن المصيبة أكبر لو كان القائد مني اركو مناوي  وقادة  الجبهة الثورية قد فقدوا  فعلاً وسائل  الإتصال بالرئيس سلفاكير والدكتور ريك مشار ؟ في هذه الحالة  ، هل يمكننا الإستنتاج  بأن الرئيس سلفاكير وكذلك الدكتور ريك  مشار وصحبهم يتجنبون قادة الجبهة الثورية ويتوددون للرئيس البشير لتحييده في الصراع الدائر  في الجنوب ، وحتى لا يدعم  ، حتى بالمغتغت ،  الطرف الآخر ؟ وربما لكي يضمنوا إنسياب البترول عبر انابيب الشمال من آبار الرئيس سلفاكير أو آبار الدكتور ريك مشار ، إذا نجح الدكتور ريك مشار في قلب الطاولة ضد الرئيس سلفاكير مستقبلاً ؟ ؟

في كل الحالات ، وسواء كانت الغلبة في نهاية المطاف  للرئيس سلفاكير أم للدكتور ريك مشار ، فأن الخاسر الأكبر في صراع فيلة الجنوب هو عشب الجبهة الثورية ؟
///////////

 

آراء