أحداث جنوب السودان .. إعادة قراءة في دفتر الانفصال !!

 


 

حسن بركية
20 January, 2014

 



التطورات المتسارعة للأحداث في دولة جنوب السودان وتحول الخصومة السياسية إلي صراع دموي  تحت لافتات عرقية وقبلية سياسية وسقوط الدولة الافريقية الحديثة في أتون الحرب ، أكدت بصورة واضحة عدم صحة مواقف وقراءات كل الدول والأحزاب والجماعات التي رعت عملية ( الانفصال) وبصورة أخص الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الشعبية والمؤتمر الوطني حيث صادف الانفصال هوي  في نفوس قيادات الوطني والشعبية ومع دعم أمريكي كبير ، وثبت بالواقع العملي أن عملية بتر الجنوب لم يصنع السلام في السودان أو في جنوب السودان وتبخرت كل أحلام السودان الجديد والمشروع الحضاري في دولتي السودان ، المؤتمر الوطني كان يمني النفس بسودان عربي إسلامي وشريعة كاملة الدسم بعد فصل الجنوب وذهبت كل أحلام قادة التيار الاسلامي والنقاء العربي أدراج الرياح وفي الجنوب أصبحت كل شعارات – السودان الجديد – مجرد  ذكريات.
وقبل انفصال الجنوب بأيام قلائل كان القيادي الجنوبي بالحزب الشيوعي جوزيف يبدو غريباً في جوبا وكان صوته نشازاً عندما يدعو إلي الوحدة ويحذر من مخاطر الانفصال وتحدثت معه أنذاك في جوبا وقال لي ( مافي زول هنا داير كلام وحدة ولكن أنا بتكلم) ومضت الأيام والليالي وعرفنا كم كان الرجل عميقاً ووطنياً وكان أكثر عمقاً من قيادات الحركة والمؤتمر الوطني والإدارة الأمريكية. في الوقت الذي كان فيه مديستو يدعو للوحدة من جوبا كان الأطراف المعنية بعملية السلام في السودان –الوطني والشعبية وأمريكا بدأت تتكلم وللمفارقة بلغة واحدة ( الانفصال) والذاكرة تحفظ تصريحات القيادي بالمؤتمر الوطني ووزير الخارجية علي كرتي عندما قال في تصريحات صحفية قبل أيام من الإستفتاء .." أن الوقت قد مضى للحديث حول البحث عن معجزات لجعل الوحدة جاذبة ". ومن المعروف أن قيادات كثيرة في الوطني غير مكترثة بالوحدة طالما كانت العلمانية هي مهر الوحدة فهي تفضل الدين علي الوطن وتري أنها تنتمي إلي أمة إسلامية قبل أن تنتمي إلي وطن يسمي السودان .. وعزف باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية في ذات التوقيت نفس اللحن وقال لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية  "  لا توجد إمكانية أو أي فرصة حتى ولو ضئيلة لتحقيق وحدة السودان، إلا إذا قام المؤتمر الوطني، بإعادة احتلال الجنوب والسيطرة عليه بالقوة العسكرية ". و من جانبها وقفت الولايات المتحدة الأمريكية مع الانفصال وغضت الطرف وبالاتفاق مع الوطني والشعبية عن كل التجاوزات والأخطاء التي صاحبت العملية الانتخابية ، والصحف السودانية وثقت تصريحات المبعوث الأمريكي أسكوت غرايشون عندما قال في أعقاب الإنتخابات الأخيرة " أن الولايات المتحدة تؤيد وتقف بجانب نتائج الإنتخابات رغم أنها حفلت بالأخطاء والتجاوزات من أجل الإستفتاء وعدم عرقلة خطوة تقرير مصير جنوب السودان ".
ولعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً كبيراً في صناعة الانفصال وفي أكثر من مرة وقفت ضد خطوات تأجيل الإستفتاء وإتاحة – فرصة إضافية – لخيار الوحدة ومن المواقف التي لاتنسي للولايات المتحدة  موقفها في ملتقي مدينة نيس الفرنسية الذي ضم رؤساء وقادة الدول الإفريقية مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي  و حيث طالب  الملتقي بتأجيل موضوع الاستفتاء غير أن الولايات المتحدة رفعت العصا وعارضت مجرد التفكير في الخطوة وقالت مصادر في الخارجية الأمريكية لوسائل الإعلام في تلك الأيام " الولايات المتحدة الأميركية مع تنفيذ الاتفاقية في مواعيدها ، وضد تأجيل الاستفتاء ولو ليوم واحد. عزت ذلك لأن تأجيل الاستفتاء سوف يقود الى مشاكل وتعقيدات كثيرة ".
وتبدو الولايات المتحدة  الأمريكية في موقف صعب للغاية وهي تشاهد الدولة التي أولتها بالرعاية تسقط في أتون حرب دموية وكثير من قيادات الحركة الشعبية المقربة من الولايات المتحدة تقبع في السجون ،  وجاءت مواقف الولايات المتحدة تجاه الأحداث الأخيرة في جنوب السودان بطيئة ومترددة وفي أحيان كثيرة تبدو غير مكترثة بمايحدث وكل مافعلته خلال أسابيع من القتال الإعراب عن القلق ونقل أعضاء سفارتها من جوبا. غير أن تطاول أمد الأزمة جعلت الولايات المتحدة تعيد قراءة الملعب في جنوب السودان مرة أخري ، وتتحرك في ملف جنوب السودان بصورة أسرع  وترفض الراوية الرسمية لحكومة جنوب السودان – حول الانقلاب- وتطالبها ةبإطلاق سراح المعتقلين .. وقالت ليندا توماس-غرينفيلد، مساعدة  الخارجية لشؤون إفريقيا خلال كلمة لها أمام أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال الثالث لجنوب السودان "اليوم تواجه أحدث الدول في العالم، وإحدى ديمقراطياته هشاشة خطر التحطم  "لا يوجد دليل لدى واشنطن على وقوع محاولة انقلاب " وتواصلت الجهود الأمريكية والتقى المبعوث الأمريكي الخاص دونالد بوث بمشار في مكان لم يحدد في جنوب السودان وقال بوث إن الوسطاء سيواصلون الضغط لإطلاق سراح المعتقلين المرتبطين بمشار كي يحضروا مفاوضات السلام في أثيوبيا..وبدأت الولايات المتحدة تضغط علي أطراف الصراع  وخاصة الرئيس سلفا كير وأصبح موضوع إطلاق سراح المعتقلين من الشروط الأساسية لأي اتفاق قادم وهذا مايرفضه حتي الآن الرئيس سلفا ولكن السؤال مامدي قدرة سلفا علي مواجهة الضغوط الدولية المكثفة؟ ومهما يكن من أمر  أصبح الصراع في جنوب السودان مصدر قلق وإزعاج لأطراف كثيرة في المجتمع الدولي وفي الولايات المتحدة ويتوقع أن تصل الأطراف المتحاربة إلي صيغة لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مباشرة.


hsn455@hotmail.com

 

آراء