مسيرة من التمرد .. سعاد أبراهيم أحمد تتداعى .. إستمع إليها: علاء الدين محمود
سياسة التهجير أراد منها الإسلاميون
تغريب الناس عن جذورهم الثقافية
إستمع إليها: علاء الدين محمود
في غرفة مكتبها تستقبل سعاد إبراهيم أحمد ضيوفها، وهي جالسة أمام شاشة حاسوبها،تتابع أخبار العالم وتشارك في المنتديات وهي الغرفة التي لاتخلو من ضيوف في الجنسين ومن مختلف الاعمار، وتقدم سعاد
التي مازالت تحتفظ بحسنها رغم السنين الطوال، عصير سوداني خالص، وهو مشروب الكركدي الذي يقال أنّه يخفض من ضغط الدم وتقول :
(ناس الحكومة ديل برفعوا ضغط الناس
عشان كده البجيني هنا بقدم ليهو كركدي).
وجدت عندها شابتين حسناوتين، وعند انصرافهما بدأت وبشكل تلقائي تتحدث عن الماضي، قلت لها واصلي حديثك وأنا سافتح جهاز التسجيل، وافقت بإيماءة وأستأنفت حديثها :
قالت:
( أنا ثالث نوبية تزوجت من العرب، الأولى بت محمد نور الدين برضها كانت بت سياسة، تزوجت حسن محجوب، والثانية بت جمال محمد احمد عرسّت رباطابي إسمو مصطفى مدني، كان يعمل في الخارجية ،اسمها عايدة جمال محمد ا حمد ،وانا نمرة 3بعد داك «جرى النهر»، والنهر الذي تقصده سعاد ابراهيم احمد ،هو قصة زواج النوبيات من رجال غرباء ليسوا من القبيلة ، إستأنفت حديثها لتقول طبعا الرجال عندهم حق الزواج الخارجي ، ما كان ضروري يعرسوا نوبيات لكن البت كانو بتشدّدوا في مسألة يدوها لغريب، فده الحصل أنّي عرستا لي واحد ما نوبي «؛حامد الأنصاري» لذلك قاعدة أقول لي ولدي ماتقول أنا جعلي
قول أنا نصي عربي ونصي التاني نوبي، بإعتبار أنّي حملت 9 اشهر، وتعبت وولدت ، طبعا الجعليين والشوايقة حبوباتم نوبيات، هم ماكانواحايحمكوا، ولايصيروا زعماء قبائل لولا أنّ الحضارة النوبية هي حضارة متسامحة ،جيران الحضارة النوبية كانوا يقتلون الضيف الغريب، يقتل فى وسط أفريقيا وتشاد وأثيوبيا، البجي يدخل في السودان القديم قبل آلاف السنين يادوب لقى الأمان ، ماكانش الغريب يطرد، أو يقتل دون سبب ،وحتى بعض المؤرخين يقولوا ليك إنّهم مشوا احتلوا مصرلإسباب، منها ؛أنّ معاملة الحيوان لم تكن كريمة،
وثانيا :لإنّهم تعرضوا لغزوالأشوريين ،فمشوا طردوا الأشوريين ووصلوا حتى فلسطين، وحكموا لكن لم يكن حكماً باطشاً لكن المهم إنّو أنا إتولدت هنا في(امدرمان) ،بحكم العمل لأنو الوالد كان معلّماً بكلية غردون التذكارية؛ كلية الهندسة، لذلك تربينا هنا في العاصمة، وكنا بنمشي البلد إجازات، الوالد علاقتو باسرتو وبي بلدو ما إنقطعت، لكن كونوا إتربينا هنا هذه المسألة تركت بصمتها؛ لأنّي أنا بتكلم لغتي زي مابتكلم الانجليزي؛ و لأني ما إتربّيت بيها ،ما كانت من الطفولة ودي واحدة من الحاجات البستخدموها الكيزان لتغريب الناس من جذورهم الثقافية، عبر التشريد والترحيل وغيرها من الممارسات من تهجير،وإضعاف التعليم ،وإضعاف الخدمات الصحية ،نحن كان عندنا مدرسة مميزة في البلد تم انشاؤها في 1902م ،وكان يجوها حتى المصريين إضافة لذلك، مؤتمر الخريجين عمل واحدة تانية، والمدرستين ديل كان نسبة الرسوب
فيها بسيطة جداً، لذلك كان للشمالية نصيب الاسد في الثانويات، وفي كلية غردون.
أمي ما زولة هينة:
أنا كنت ضمن أوّل دفعة قبلت في أوّل مدرسة ثانوية حكومية للبنات 1949م «؛أمدرمان الثانوية للبنات»، وده طبعاً بعد مدارس الأولاد ودي معاها حكوة طريفة؛ لأنو أنا في الخرطوم قريت في الراهبات الروضة والكتاب لغاية ماخلصت الوسطى،بعدين أمي كانت من الناس الغضوبين والناس العندهم حضور وقدرات قيادية ، »مازولةهينة» إسمها «عشة صفرة» قامت ساقتني سنة 1949م ودّتني أمدرمان للمدرسة الوسطى الفي امدرمان هسي ماعارفاها بقت شنو، أظنّها بقت كلية معلمات ولا حاجة، كانت جنب بوابة عبدالقيوم ، وتعليم البنات في الزمن داك كان مفصول عن تعليم الاولاد، يعني كان في هيكل كامل مسئولة عنه مرة خواجية اسمها كلارك كانت هي مسئولة تعليم البنات فقامت أمّي ساقتني ودّتني أمدرمان الصباح بدري، وبعدين قامت قالت ليها:-
( إنتو فتحتو مدرسة للبنات أنا دايرة أدخّل بتي دي فيها)
، قالت ليها :(هي بتقرا وين؟)
قالت ليها:( بتقرا في الراهبات في الخرطوم)
قالت ليها :(راهبات الخرطوم فيها مدرسة ثانوية؟)
قالت:( ليها آي فيها مدرسة ثانوية، لكنّها بتعلم الناس العلوم التجارية ،عشان يشتغلوا في الشركات والبنوك، وأنا بتّي عايزاها تدخل الجامعة، زي أخوها الفي وادي سيدنا ، وصلاح أخوي الوكت داك كان لسه بقرا في وادي سيدنا) فقامت قالت ليها:( لكن الإمتحانات بدت من أمبارح (امتحانات اللجنة) )
قالت ليها:( معليش خليها تحضر حق الليلة، وحق أمبارح جبيهو خليها تمتحنو في مكتبك هنا ؛ لأنّو ما بتم الإمتحان في كل المواد، بس تلاتة موادعربي وانجليزي وحساب )،
قالت ليها ):جيبيها تمتحن وأنا متأكدة إنّو بتي شاطرة بنسبة 100%، وفعلاً قد كان، مشيت حضرت الامتحان بتاع اليوم داك، وبعد ماخلصت منو أدّوني إمتحان أمبارح ،وبكرة جيت إمتحنت الإمتحان التالت ،ونجحت وقبلت في أمدرمان الثانوية بنات.
وكنّا 27 بت «،حاجة تمام» الكلام ده كان سنة 1949م، يعني هي كانت عايزاني أتعلم كويّس، وهي العملت لي حماية من الزواج المبكر بتاع النوبيين « البرابرة، بعرسوا بناتم بدري بدري،» كنت أعجز بت في قريتنا، كل البنات الفي سنّي تزوجن «، أنابت واحدة عند أمّي،» وكان ناس القرية بتكلموا مع أمّي كيف بتّك الواحدة دي ماتعرسيليها؟، وكانت ترد عليهم بأنها لم تلق حظها من التعليم، وتريد مني أنا أن أتعلّم،وكانت أمّي أيضاً تقف ضد «التوب» وترفض ان تلبسني التوب، وكانت حريصة على أن اتحرر،وهذا الموقف من الوالدة ساعدني جداً؛ لأنّي في الأصل كنت متمردة.
وفي الحقيقة كنت أخاف من فكرة الزواج، و «طرشقتا لي كم واحد» حتى بعد ما أعلن موافقتي، وقد تقدّم لخطبتي شباب جيدين، فبعد أن أعلن موافقتي أخاف وأرتبك من فكرة الزواج، فقبل حامد الأنصاري
«لغيت اتنين»، لكنني وافقت على حامد الانصاري الذي كنت أعرف شقيقه الأصغر؛ لأنّه كان في الدفعة التي سبقتنا في الجامعة، وعندما قدمت طلب عضوية الحزب الشيوعي كان قريب الله الانصاري
ومصطفى خوجلى مسئولين من رابطة الطلاب الشيوعيين.
شيوعيتي كانت أيضاً أحد محطات التمرّد في حياتي، كانت سابقة لزواجي، أنا دخلت الحزب الشيوعي سنة 1957م، وتزوجت في اكتوبر 1964 .
تمرد في الجامعة
أنا كنت نشيطة في الجامعة ،ولدي نشاطات متنوعة، والذين كانو يقفون معنا في هذه النشاطات المتنوعة هم منسوبوا الجبهة الديمقراطية، أنا لم أكن منظمة، وأوّل دخولي الجامعة سألت عن جمعية التمثيل، لأنني؛ أحب التمثيل والرياضة، فكنت أبحث عن الجمعية التي تناسبني ،فعندما دخلت الجامعة سنة 1955م سألت عن جمعية التمثيل، وقالوا لي إنّه لايوجد جمعية للتمثيل، وفوجئت بتلك الإجابة ،فصحت في وجههم (كيف مافي؟) وكان هنالك «بورد» كبير في المدخل الرئيسي للجامعة تعلق فيه الإعلانات، فقمت بتعليق إعلان دعوت فيه لإجتماع عام لإنشاء جمعية للتمثيل والموسيقى، وتمت الإستجابة لهذه الدعوة ،وجاء
طلاب من كلية الزراعة، والهندسة، والطب ،والاداب ، جاء طلاب
كثيرون جدا، وكان علينا أوّلاً تسجيل الجمعية لدى إتّحاد الطلاب،
وإختيارأستاذ للإشراف على الجمعية ،وكنّا في ذلك الوقت نحبّ
الأستاذ إحسان عباس الفلسطيني،فاختار الطلاب إحسان عباس،
غير أني إعترضت على إحسان عباس وقلت لهم إن إحسان عباس
لايستطيع حمايتنا، باعتبار وجود إتجاه إسلامي ضمن تيارات
الجامعة التي تحفل بعدد م نالتيارات، مثل الجبهة الديمقراطية،
والمستقلين الذين يميلون مرة هنا، وتارة هناك ،المهم أنا قلت
لهم من الأفضل إختيار استاذ سوداني، فقمت بالذهاب إلى الاستاذ
عبدالله الطيب، وكان هذا أوّل لقاء لي به عام 1955م من أجل إنشاء
جمعية التمثيل، وأصبحنا أصدقاء منذ تلك اللحظة، حتى أنّي دعوته
لزيارة حلفا ولبّى الدعوة هو وزوجته قرزلدا ، فقلت له نحن أعضاء
جمعية التمثيل والموسيقى، واخترناك مشرف لنا، لأنّ؛ قانون
الجامعة يستوجب وجود أستاذ مشرف ونتمنى موافقتك ،
فكان أن وافق، وفي نفس الأسبوع قام بترجمة مسرحية أنجلو
والاسد لبرناند شو ، كانت مسرحيةً فكاهيةًَ فقام عبدالله الطيب
بترجمتها في اسبوع واحد ، ودخلت معنا قرزلدا، ومجموعة كلية
الهندسة لتجديد المسرح الذي كان عبارة عن «كوشة» ،
فدعونا إلى «النفير» ، وقمنا بتنظيف المكان، وطلبة كلية الهندسة
قاموا بأعمال الصيانة، وقمنا ببناء غرفة لبس للأولاد واخرى للبنات،
وصمّمنا الشاشة، واشترينا الأقمشة ،وحدّدنا شخص ليكون مسئول
عن ستارة المسرح، وقمنا بعرض مسرحية أنجلو والاسد في نوفمبر
قبل ان «نتفرتق» في ديسمبر،لأنّ؛ العطلة كانت شهر في أوّل
ديسمبر لقضاء إجازة «الكريسماس»، وبدينا في تلك الفترة في
تكوين الأتيام فكانت فترة غنية وجميلة، الآن الجامعة كلها
«بقت جوامع»، فكان هذا نشاطي في تلك الفترة ، الموسيقى
والتمثيل .
السياسة جاءت لاحقاً أيّام الإعتداء على مصر، فحمل إتّحاد جامعة
الخرطوم الراية، وعملنا طواف على البيوت لجمع التبرعات التي
أرسلناها إلى مصر، وهي التبرعات التي بنت مستشفى بورسعيد،
لذلك قام جمال عبدالناصر بإختيار وفد شباب مصري ريفي ليقدّم
لشعب السودان الشكر لهذا الموقف،في ذلك الوقت قام صلاح احمد
ابراهيم بتأليف نشيد لكي نغنيه بعد الخطب السياسية، فكان أن
إعترض على ذلك النشيد مجموعة على رأسها دفع الله الحاج
يوسف، وحسن عمر،ومحمد صالح عمر، وهي مجموعة الإتجاه
الإسلامي إعترضوا وقالوا إنّ صوت المرأة عورة،ودعوا الى عدم
اشراك البنات في النشيد، وطلبوا من عضو ينتسب إليهم وكان
شابا موهوبا يعزف على العود اسمه عمران ،وكان «كوز» عضو
في تنظيم الاخوان المسلمين، طلبوا منه أن يترك الكورال ،
ولكنّه بدلاً من ترك الكورال إختار أن يتركهم هم ، أيضاً كان هناك
«كوز» آخر «شين» اسمه عمر النور طالب بالحقوق، وكان يدبّج
المقالات في فتيات الكورال، وكان متخصصاً في نقدي أنا تحديداً،
وكنّا نحن أربعة فتيات، فقام عمر محمد سعيد صديق صلاح أخي
في كلية الهندسة قام بالرد عليه، وذكر اسم جده الذي لايحب أن
يذكره «عمر النور خميس»، وقام بضربه «اداهو علقة»، وأرسل
رسالة إلى أخي صلاح في عطبرة مفادها «قمنا بالواجب إلى حين
حضوركم»، في ذلك الحين الذين وقفوا معنا هم أعضاء الجبهة
الديمقراطية، ولم أكن منظمة حتى ذلك الوقت، فقاموا بترشيحي
وانضممت اليهم، وكان ذلك في مارس 1957م نهاية السنة
الثانية في الجامعة ، يعني لم يجنّدني أحد بل هم كانو ضدي في
مدرسة أمدرمان الثانوية ،كانوا يعتبرون أن والدي ذيل للانجليز،
وأنّني قادمة من مدرسة أجنبية ،ولدي علاقات حميمة باستاذاتي ،
وكانت لغتي الانجليزية سلسة ولم يكن لدي مشكلة في التواصل
لذلك كان الشيوعيون يعتبرونني مشبوهة، وكانوا لايثقون بي
معتبرين أنّني «ضنب انجليز» ،واحتمال أنّهم كانوايعتبرونني
جاسوسة ، لكنّني لم أحقد عليهم، ولم آخذ عليهم شيء ،واعتبرتهم
مجرد «جاهلين ساكت» بإعتبار أنّهم كانوا يقولون في كلام
لايدركون كنهه ، والغريب أنّ ذلك لم يؤثر فيني ولا أدري لماذا
لم احقد عليهم بالرغم من ان الانسان في تلك السن يكون حساسا
وسريع التأثر؟
دخلت الحزب من باب الفكر
المهم أنّني قدمت طلب، وانضممت للحزب الشيوعي ، وأنا دخلت
الحزب بعد أن قرأت الماركسية وحدي، وكنت أرسل في طلب كتب
من الصين ، وفي المكتبات كانت هنالك كتب ماركس وانجلز ، وكانت
هنالك مكتبات مشهورة مثل مكتبة المواطن في عمارة الجامع ، ومكتبة
شرف الدين في الخرطوم بحري.
بعد الحكم الذاتي اصبحت الكتب الاشتراكية متوفرة، وبعد أن قرأت
كتاب انجلز "اصل العائلة والملكية الفردية والدولة" هذا الكتاب
فتح لي افاقا كانت غائبة عني لأنني؛ كنت غاضبة على وضع المرأة ،
وعلى عداوة مع جنس الرجال ، ففهمت بعد قراءتي لكتاب انجلز ان
القضية ليست " رجل ضد مرأة" وإنما رجل وامراة ضد المجتمع
المتخلف الذي يجعل أوضاع المرأة متدنية ، لذلك عاتبت صديقتي
التي كانت قد قرأت كتاب انجلز، وقلت لها إنت قرأتي الكتاب فلماذا
لم تخبريني عنه؟ فقالت لي هذه الكتب يأتى بها الشيوعيون،
ويتداولونها سرا بينهم ، والحقيقة أنّ تلك الكتب الماركسية لم يتم
تداولها علنا الا بعد الحكم الذاتي 1953م، قبل ذلك كان الذين يقرأون
مثل هذه الكتب هم الشيوعيين لأنّ الحزب كان يوفرها لهم ، وكانت
هذه الكتب تطبع طباعة لانه؛ لم تكن هنالك مكنات تصوير في ذلك
الزمان، فكانوا ينسخونها فصلا فصلا، ويدرسونها للناس لذلك
كانت هي فترة غنية ، وبعد قراءة كتاب انجلز ذاك "أصل العائلة"
لم يكن هنالك طريقة غير أن أصبح شيوعية ،لذلك أنا دخلت الحزب
الشيوعي من باب الفكر ولم يجنّدني أحد ، وكانت هنالك مواقف وقف
فيها إلى جانبي الشيوعيون في الجامعة مثل إصراري على مقاومة
قرار أن تعرض المسرحية ـ أندرو والأسد ـ لطلاب الجامعة فقط ،
ومطالبتي أن تعرض لكل الناس وكنت أحتج في ذلك بان ؛الذي يدفع
مستلزمات الطالب من أكل وتعليم من حقه أن يحضر ما يقدمه النشاط
كتلك المسرحية ، في تلك الفترة كانت أعزّ صديقة لي هي فتحية فضل،
وهي شيوعية قديمة ، بعد ذلك عملت مع شيوعيين بارزين مثل عمر
مصطفى المكي ، وقريب الله الانصاري، ومصطفى خوجلي، ومأمون
محمد حسين، وهي المجموعات التي كانت قيادية في حركة الطلبة في
ذلك الوقت.
تمرّد جديد:
وبعد أن تخرجت دخلت في تمرّد آخر وهو أنّني قرّرت أن لا أعمل
في الخرطوم ، كان عدد الخريجين قليل في ذلك الوقت، لذلك منذ
يناير وقبل الامتحانات في شهر مارس ، كانت الوزارت ترسل
الوظائف وتغري الناس للالتحاق بها على أساس أن تكون وجهتك
معروفة إلى الوزارة المحددة بعد التخرج ، أنا قمت بالتقديم في التربية
والتعليم ، وكانت لي رغبة في العمل في التعليم ،وكتبت شرط أن
أرسل الى مريدي في الجنوب في 1960م .
دخول اللّجنة المركزيّة:
أنا دخلت الحزب وتم ترشيحي ضمن أربعة نساء، في ذلك الوقت
كانت الديمقراطية معدومة في اختيار القيادة، بمعنى أنّ القيادة الحالية
تنزل قائمة من ترشحهم للقيادة الجديدة، في المؤتمر الرابع وأنا لم
أحضر المؤتمر الرابع لأنّهم لم يدعونني، واحتججت بعد ذلك على
عدم توجيه الدعوة لي ، المهم أنّني لم أحضر، وتم ترشيحي ضمن
أربعة نساء دفعة واحدة لأوّل مرة لدخول اللجنة المركزية، فكانت تلك
أوّل مرة تدخل فيها النساء اللجنة المركزية، وذلك في أكتوبر 1967م
لم يدعوني إلى حضور المؤتمر بحجة أنّني كنت في حالة وضوع،
فقلت لهم هذا ليس من حقكم لانّني؛ لا أمكث أربعين يوما في الوضوع ،
كنّا أربعة نساء إلى جانبي أنا كانت هناك فاطمة أحمد إبراهيم ،
ومحاسن عبدالعال ، ونعيمة بابكر الريح .
كنا اربعة نساء ضمن 33 عضوا للّجنة المركزيّة، حدث هذا في
المؤتمر الرابع وهو المؤتمر الذي لم ينفك "ساجورو" إلاّ بعد
42 عاما ثم اطلقت ضحكة وقالت "غايتو حكاية".
........................
تكمل حديثها عن المؤتمر بالإجابة
على سؤال هل استطاع المؤتمر الخامس أن يحل جميع قضايا
الحزب العالقة منذ 1968 ؟
فأجابت:
والله المؤتمر الخامس تم في حدود مقدراتنا «قدر قدرتنا» أنا
كنت في اللجنة المكلفة بإعداد التقرير السياسي كنا أربعة
أعضاء فيها التجاني الطيب، يوسف حسين، سليمان حامد.
وتوصلنا الى استحالة إعداد تقرير سياسي لإثنتين وأربعين
سنة فقررنا في البدء أن نعتذر عن عدم قيام المؤتمر، الأمر
الثاني نعمل أبواباً جديدة للمستجدات، المسألة الثالثة أن
نخفف نغمة التأسلم التي بدأت تبرز في الحزب( الكلام الكتير
عن الدين) فخلينا فقرة أن السياسة سياسة والدين دين، لكن
مهما عملت ما حتغطي تراكم 42 سنة وهي سنوات شهدت
أحداثاً كبيرة في السودان حدث انقلاب نميري، وأحداث
يوليو، وأحداث الطلبة في 1973م وأحداث 1976م الغزو
الليبي، وحدث خلال تلك الفترة الانهيار الاقتصادي الذي
أجبر نظام نميري على إجراء المصالحة عام 1978م والتي
كان لدينا فيها وجهة نظر، وكتبنا فيها بياناً مفترض يدرس
في الجامعات «الجبهة الوطنية لإنقاذ الوطن» والتي فتحنا
فيها باب التعاون مع كافة القوى السياسية التي تقبل الديمقراطية
والتداول السلمي للسلطة، واستناداً على هذا البيان تطابق موقف
حسين الهندي مع موقفنا، المهم أن تلك كانت فترة طويلة ووجدنا
صعوبة في أن يستوعبها التقرير السياسي للمؤتمر الخامس.
مؤتمر استثنائي
المؤتمر يحتاج أن نكمل نواقصه بمؤتمر استثنائي، إذا استصحبنا
غياب المؤتمر العام للحزب لمدة 42 عاماً نجد أن هنالك جماعات
من الناس انضموا الى الحزب وهم لم يولدوا عند المؤتمر الر ابع،وأنتج العديد من المناضلين الذين استشهدوا من أجل الحزب،لذلك المؤتمر الخامس كان ضرورة بأي صورة يأتي «كان سمح كان شين» ونحن مجموعة من أعضاء الحزب دعونا الذين عايشوا كل تلك الفترة الى النزول إلى المعاش، طلبت منهم أن ننزل الى المعاش، كل مجموعة 1967م ، ونحن في الأصل مجموعة بسيطة
البقية من المعينين، طلبت منهم أن ننزل كلنا وأن نأتي بأخرين أقل سناً «تحت الخمسين» لكن اضطررنا أن لا نقوم بتلك الخطوة حفاظاً على وحدة الحزب فتوصلنا إلى معادلة أن نمزج جزءاً من القدامى بالتوافق، لذلك أتينا بمحمد ابراهيم نقد لكي يصبح سكرتيراً للحزب بالإجماع ووسعنا اللجنة المركزية لتسع 41 عضواً على أساس أن تحتوي على وجهات النظر المختلفة، ووضح بعد عام أن هذه الصيغة ليست المثلى، فمثلاً الآن هنالك تيار «ماسك»
صحيفة «الميدان»، ما بجيب الناس الكويسين لأنهم ضد الناس الكويسين، ضد أحلام ناصر، ضد نعمات مالك، ضد سعاد إبراهيم احمد، يعني «الميدان» الآن ماسكا تيار غير ديمقراطي، وهم زعلوا لأنهم كانوا عايزين يلغوا اسم الحزب الشيوعي، ونحن رفضنا مش لأن اسم الحزب مقدس، بل لأنه يعكس وجهة نظر حول التطور المستقبلي للحركة الثورية في السودان، بالتالي أصبح اسم الحزب رمزاً، أنا بعتقد بوجود تيار يميني داخل الحزب، قاموا بإقامة علاقات حميمة مع القوى التقليدية، وهذا ليس عيباً، لكنه ببقى عيب لمّن يؤثر في توجهاتك الفكرية، لذلك في الشهور الفائتة بدأت أتكلم معاهم «واحد واحد» بديت بالشفيع لأنه أهم واحد فيهم و(ماجاني طوالي أخد زمن طوييييل)،
إلى أن جاء إلي، فقلت له الكلام الذي ذكرته لك هذا، وقلت للشفيع نحن دعاة تجديد الحزب، وأنت تعلم ذلك، وأيضاً قلت له ما تقوم به لا يعقل « أنت متفرغ بتاع الحزب مفترض تكون من الساعة 9 إلى الساعة 3 قاعد في المكتب بتمشي وين؟ فطلبت منه أن يخبرني هل ما زلت في الحزب الشيوعي أم تركته ؟ فرد علي بأنه لم يترك الحزب الشيوعي، المهم أن هذا أيضاً غير كافٍ
وطبعاً حدث إنعاش للعمل القاعدي بمسألة التسجيل والترشيح
للانتخابات، هذه الأشياء أحدثت حراكاً جيداً في الحزب.
هذا ما توصلت إليه، لا مانع لدي في المؤتمر الاستثنائي لتكملة نواقص المؤتمر العام، ولكن ما أخذته على بعض الشباب الذين طالبوا بالمؤتمر الاستثنائي أن هولاء الشباب ذهبوا مباشرة للصحف وكتبوا ذلك في الصحف السيارة، وهم لديهم «الميدان»
فلماذا يذهبون إلى «الأيام»، أنا قلت ذلك لأحمد الحاج وهو الآن مقاطعني بقى ما بجيني لماذا يكتب في «الأيام» وللحزب صحيفته، يعني رغم احتكارهم للميدان ذهبوا للكتابة في الصحف الأخرى غير التابعة للحزب، قالوا كلام سعاد ما ينزل في «الميدان» فلماذا لا يكتبون هم فيها ما ينزلوا كلامهم ، هم يمثلون تياراً استلم الجريدة، «الميدان» طبعاً حكاوي الحزب الشيوعي الناس بتحبها لأنهم بحبوا (القطيعة) والله أنا قالوا عني حكاوي في «سودانيزأون لاين» تحيرك.
حزبنا سوداني
تقول سعاد إنها ضد المصطلحات والتعابير الجاهزة وتقول في ذلك:
ليس بالضرورة أن تستعبدنا التعابير، من المهم في العمل السياسي أن لا تسمح للمصطلحات والتعابير أن تستعبدك، قضيتنا الجوهرية أن نتمكن من طرح الأفق وتنظيم الشعب بطلائعه للنضال من أجل
تحقيق كافة المستحقات، لذلك لا نعتبر أن الحياة جامدة وخصوصاً
في العقدين الأخيرين، وبعد الزلازل الكبيرة التي حدثت مثل انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يدعم حركات التحرر في كل المستعمرات، وهو كان يمثل القوى التي تواجه القوى الاستعمارية الآن صارت هنالك أحادية قطبية ولها أثر خطير. هذه الأحادية على العالم الثالث،الحزب الشيوعي كان دائماً مستقلاً، مثلاً لم ندخل الكومنفروم،
وفي قمة الأنظمة الديكتاتورية، لم نلجأ الى ظاهرة اللجوء السياسي
على الرغم من أن الحزب الشيوعي تعرض لأخطر هجمة في عهد ديكتاتورية الإنقاذ، فاقت حتى الهجمة التي تعرض لها في 1971م، عندما عُلقت قيادته على المشانق، وبالرغم من ذلك لم يلجأ الشيوعيون إلى ظاهرة اللجوء السياسي، الذي هو ليس شيمة من شيم الحزب الشيوعي تاريخياً، لذلك للحزب درجة كبيرة من الاستقلالية فهو مطبوع في سلوكه وتفكيره بالنهج السوداني،وفي النهج السوداني الكثير من التصالح مع النفس وليس فيه الفجور في العداء، فمثلا الانقساميون الذين انقسموا عن الحزب كانوا ينتقدون عبد الخالق محجوب، قبل انقسامهم ذاك بعد المؤتمر الرابع عام 1968م، باعتباره كان مثلاً يتواصل مع الأمير نقد الله، وكانوا يعتبرون أن ذلك علامة من علامات النزوع اليميني، وبالطبع لم يكن ذلك علامة من علامات النزوع نحو اليمين، بل هو رؤية تعبر عن واقع السودان، فمثلاً اليوم
الحزب الشيوعي لا يتحدث مع الصادق المهدي « حباً في سواد عيونو ولجلجتو وترددو»، بل لأن الصادق المهدي يمثل قوى سودانية موجودة في القرى والبوادي، ترى فيه أمل الأمة،وإقناع هذه القوى بأن المهدي ليس هو أمل الأمة مسئولية الحزب الشيوعي وهذا يتطلب جهداً في نشر الوعي، وهذه مهمة يقوم بها الحزب الشيوعي، وليس حزب الأمة أو الاتحادي باعتبار أن الحزب الشيوعي هو الناشر الرئيسي للوعي في السودان منذ 60 سنة، الحزب الشيوعي هو الذي ظل ينشر الوعي،دورنا ليس فقط التبشير، نحن لسنا «الحزب الجمهوري»،بل حزب يسعى نحو السلطة، وهدفنا من السلطة هو تقدم البلد ورفاهية المواطنين.
1971م
رجعنا بالأستاذة سعاد إبراهيم أحمد إلى الوراء مرة أخرى إلى مرحلة مهمة في تأريخ الحزب الشيوعي السوداني، وهي انقلاب هاشم العطا في يوليو 1971م وما تواتر عن دور لسعاد في هذا الانقلاب، أو ماعُرف في أدبيات الحزب الشيوعي بالثورة التصحيحية، فترد سعاد بالقول: لا أبداً ده ما صحيح ليست لي علاقة بـ»العسكور» ، أنا محتارة وكنت أريد الناس يحللوا ويفسروا، لماذا كنت أنا المعتقلة السياسية الوحيدة لمدة سنتين وخمسة أشهر، ماعدا الثلاثة أيام بتاعت هاشم العطا، طلعوني ورجّعوني تاني بعد ذلك، أنا أفسر ذلك بأنني ليست لدي التبعية العمياء، الحقيقة أن فاطمة أحمد إبراهيم ، والشفيع أحمد الشيخ،وحامد الأنصاري ما كان عندهم مانع أن يستلم السلطة «عسكور» الحزب الشيوعي، وكان بإمكانهم استلام السلطة، يعني في 16 نوفمبر كان بإمكانهم عزل نميري، ولكنهم لم يفعلوا ذلك وترددوا أو لم يتفقوا، الذي حدث أن القوميين العرب استبقوهم،وتم اعتقال عبد الخالق محجوب وعزالدين علي عامر وصادروا
أموال حامد الأنصاري بقرار واحد وطلعوا العساكر من مجلس الثورة 3 بنود بقرار واحد.
بأمانة أنا جاني هاشم العطا يوم 19 يوليو وفي ذلك الوقت جئ بي من السجن إلى البيت بإذن، ومعي ثلاثة من العسكور فوجدت هاشم العطا جاءني في البيت، فقلت له «انت لابس رسمي رجّعوك الجيش؟»، فقال لي بأنهم قد استلموا السلطة وطلب مني تشغيل التلفاز فوجدت صورته على الشاشة وتنبيه يقول انتظروا بياناّ هاماّ من الرائد هاشم العطا، فقمت باستدعاء العسكور المكلفين بمرافقتي من الشارع وأشرت الى هاشم العطا، وقلت لهم هذا الرجل قد استلم السلطة «خلاص فكاني» وطلبت منهم أن يشربوا الشاي ويذهبوا قلت ليهم «امشي شوفو ليكم شغلة» وسألني وقال لي كان من المفترض أن يلاقيني نقد يعني «زي الكان مفترض يعملو ليهو الخطاب أو حاجة زي دي» ده الخلى غازي سليمان يمشي للشفيع، ويجيني هاشم العطا، نحن كنا في الشهر
الذي سبق ذلك، قد قمنا بتهريب عبد الخالق محجوب في 20
يونيو وأخرجناه من معتقله «ودسيناه»، ورفضت أن أدل هاشم العطا على مكانه، بعد أن سألني عنه، وكان النقاش طوال تلك الفترة أنهم لا يريدون استلام السلطة من أجل أنفسهم بل لتسليمها للشعب وإزالة ديكتاتورية نميري، فقلت لهم «مافي عسكور بسلم السلطة، العسكري عندو أمسك لي واقطع ليك» سواء كان هذا العسكري شيوعياً أو غير شيوعي يتفاوتون فقط في الطريقة، لذلك رفضت أن أدل هاشم العطا على مكان عبد الخالق، فأنا لاعلاقة لي جملة وتفصيلاً بحركة العسكور في 19 يوليو، أنا مشيت لعبد
الخالق وقلت له إن هاشم العطا يسأل عنك فوجدت معه محمد
إبراهيم نقد، وكانا يكتبان في بيان الحزب الشهير، « ويذهب الزبد جفاء» فطوال تلك الفترة كان عبد الخالق مهموماً وكان يردد « هم بيفتكروا انهم عملوا العليهم والباقي على الحزب»، يوم اختطفوا طيارة بابكر النور كانوا قاعدين هنا ناس محجوب طلقة ومحمد ابراهيم نقد و...الخ وكان الهادي أحمد الشيخ بوصل لينا في الناس بنحمي فيهم في يوم الردة، انحنا كنا سامعين بالخبر لأنو عندي قريبي أنور توفيق يعمل في السفارة البرطانية اتصل بي الصباح دغش قال الجماعة «مجموعة بابكر النور» طيارتم نزلوها في ليبيا، فطلبنا من محجوب طلقة، ومحمد إبراهيم نقد يمشوا يقولوا لهاشم العطا يعلن الحرب لأنو النزلوهم ديل فيهم رأس الدولة، بالتالي ده إعلان حرب من جانب ليبيا، اعتقال رأس الدولة يعني إعلان الحرب عليك، هؤلاء أعلنوا الحرب بالتالي كان المطلوب استنفار وحماية للإذاعة والتلفزيون وغيرها من المؤسسات الحيوية، كان على الشعب يمشي يعسكر فيها وحمايتها مثلما حدث بعد إكتوبر، ولكن هاشم العطا رفض إعلان الموقف، مشينا في الموكب وكانت الناس تهتف سايرين سايرين في طريق لينين، هاشم العطا اتكلم اليوم داك دون أن يعلن أن رأس الدولة بابكر النور، ونائبه فاروق حمد الله تم اعتقالهم بواسطة دولة عربية اسمها ليبيا، وده نحن بنعتبرو عملاً عدائياً، وعليكم حماية بلدكم، لكن هاشم لم يعلن ذلك وسقط النظام.
alaaddinadwa@hotmail.com