كتاب صدر باسم فرعي يحمل عنوان حول العالم في مائة رحلة ونصف مليون ميل،1922 – 1955، مذكرات أحمد حسن مطر، حرره وقدم له محسن خالد، صادر في 2006 عن دار السويدي للنشر والتوزيع،ضمن سلسلة ارتياد الآفاق.
هو مختصر لحكايات ومغامرات حقيقية خاضها ويرويها معاصرها المواطن السوداني أحمد حسن مطر، في مذكراته بعنوان “مطر بقلم مطر” كتبه عام 1933 بمدينة ماناواس عاصمة الأمازون. ونشر أيضاً – ضمن العديد من إصداراته – كتاباً بعنوان ”الحرب على ضفاف الأمازون بين كولومبيا وبيرو”!. فجاءت كواحدة من قصص المغامرات الخيالية، وما قصته وسيرته الذاتية نفسها ،إلا واحدة من هذه القصص والحكايات التي لا يمكن تصديقها ،، إلا بعد تثبت وقائعها الحقيقية، فقد كان مغامرنا مطر، عصامي الثقافة وشعبي الديبلوماسية، وحاذق بدرجة(حاذق) في تقديم نفسه بثقة وإيباء وشمم لأهل البلاد الأخرى وزعمائها حتى نال ثقتهم. وسيمكث قارئ السيرة الذاتية لهذا السوداني النادر طويلاً، وهو يتمعن بعضاً يسيراً من نشاطاته وإنجازاته في إطار عصامية شخص علم نفسه بنفسه وحاز قدراً من العزة بالنفس والذكاء الفطري الحاذق ، فكان السفير الأهلي للسودان، وكان أحد السودانيين القلائل الذين طافوا العالم، فأصبحت أسمائهم ضمن سيرة ذاك السندباد العالمي ،، ممثل الجوالة الأممين حول الدنيا وماجاورها!.
هنا نوجز مختصراً نرجو له أن يصير مفيداً وليس مبتسراً، حول أحمد حسن مطر ومن هو أحمد حسن مطر وانجازات أحمد حسن مطر ومساهمات أحمد حسن مطر!،،
فإلى مضابط سنوات ترحاله:-
* عن طريق الجهد الذي ساهم فيه مطر أمكن بنجاح انعقاد مؤتمر مكافحة التوسع الاستعماري ببروكسل في العاشر من فبراير عام 1927 وقد ظل منعقداً لمدة أسبوع كامل، وشاركت فيه العديد من منظمات التحرير في البلدان المستعمرة وقتها والمنظمات العمالية في أوروبا وأمريكا والاشتراكيون، ومن الشرق حضر مندوبون عن حزب الكومنتانج الصيني ومندوبون عن الصين منهم مدام صن يات وسان كاتاياما من اليابان، وحزب الدستور التونسي وشخصيات من بينها جواهر لال نهرو والأمير شكيب أرسلان ومحمد الحافظ رمضان رئيس الحزب الوطني بمصر والأمين سنغور من السنغال ومن انجلترا كل أعضاء مجلس العموم البريطاني وعدد كبير من الشيوعيين الأوروبيين.
* تعرف على نهرو خلال أنشطة مقاومة الاستعمار والرأسمالية الدولية، واستقبله بالسودان فيما بعد عام 1957 عندما أصبح نائباً لمدير المراسم في وزارة الخارجية السودانية، وقدم له نهرو دعوة للهند بصفة رسمية وشخصية.
* في المانيا صار يخطب باللغة الألمانية في كثير من المجتمعات والأندية ويقدم المحاضرات والندوات السياسية والفكرية في مناهضة الاستعمار باسم الجمعية، وتجول خطيباً منافحاً عن ضرورة استقلال المستعمرات في كثير من الدول الأوروبية كبلجيكيا وهولندا وفرنسا، وبلغ عدد الخطب التي القاها140 خطبة!. وقضى عامي 1927 – 1928 متفرغاً لنشاط الجمعية حتى بلغ عدد المدن التي زارها لالقاء الخطب حوالي مائة مدينة وكان لقضية كل من المغرب والسودان النصيب الأكبر منها.
* تمت دعوته إلى الاتحاد السوفيتي كضيف شرف باسم الحكومة السوفيتية للمشاركة في احتفالات البلاد بحلول الذكرى العاشرة لتأسيس الدولة السوفيتية، ضمن مئات الضيوف الذين تمت استضافتهم لحضور المناسبة،وعند وصول القطار محطة موسكو استقبلتهم حشوداً كبيرة من العمال والفلاحين بالهتافات والموسيقى التي عزفت نشيد الدولية الثالثة وبالتحية الشيوعية الأممية وهي رفع اليد اليمنى إلى مستوى الكتف وقبضة اليد مضمومة الأصابع إلى الأمام.!.
* توسعت مداركة السياسية وأصبح أكثر وعياً بقضايا الشعوب وتقرب من فلسفة ثورات الشعوب ومفاهيمها، وأصبح يؤمن بها وبضرورتها كخطوة " جديدة هامة في
سبيل التقدم المادي والأدبي والاجتماعي"..." وأن الطبقة أو الحزب الذي يقوم بثورة إنما يرمي إلى تغيير آداة الحكم القائمة وتطوير العقلية الشعبية نحو التهذيب السياسي والاجتماعي لسنين مقبلة"، وهو فهم آيدولوجي ينسجم والظرف التاريخي لحقبة ثلاثينات القرن الماضي!.
* في عام 1930 قام بتأسيس وكالة للخدمات الصحفية في قلب باريس، ونقله لاحقاً إلى البرازيل ليبيعه فيما بعد لسفير برازيلي سابق وجنى منه أرباحاً طائلة. ثم مضى إلى نزوة أخرى في حياته!.
*في العام 1953 أصبح مراسلاً لصحيفة المقطم المصرية من الحبشة.
* في عام 1946 زار هوليوود مدينة السينما العالمية وتعرف على أغلب نجمات ونجوم الشاشة الذين كان من بينهم الممثل" " طرزان والذي أصبح أقرب أصدقائه!.
* بعد قيام الثورة في البرازيل عام 1930 ساهم في تقديمها والتعريف بها لشعوب أوروبا ، والعالم ضمن أنشطة مكتبه الصحفي "وكالة الصحافة البرازيلية " وتبصير الشعوب بما يجري في العالم الجديد، بإصدار الملفات والنشرات الصحفية في مختلف الصحف الأوروبية، إضافة للترويج عن طريق الاعلان والدعاية للسياحة في البرازيل.
* أصبح ملماً بعدد من اللغات الأجنبية ،فإلى جانب العربية، أجاد اليونانية والتركية والانجليزية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية والايطالية والألمانية والسواحيلية!.
* وبعد مضي خمس سنوات من حياته وعمله في البرازيل إقتنع بعد ضغط من أصدقائه، بأهمية أن يحصل على جنسية وجواز سفر برازيليين وأن يحمل إسماً برازيلياً معبراً كما عند ثقافة البرازيليين، فاختار له أصدقاؤه من الصحفيين والكتاب إسم " روبرتو لويس دي باروس "
* نشر مذكراته المتعلقة بحياته منذ الصغر تحت عنوان " البرازيلي الجديد" وضمنها 40 مقالاً وجاء أ ول مقالاته بعنوان "لماذا تركت السياسة"، وقد وجدت إقبالاً عظيماً من القراء.
* قرر أن يترك الحياة السياسية، ويتجه لحياة الصخب والمرح والانطلاق، فعرضت عليه صحيفة " المساء" تمثيلها في أوروبا لتنظيم مسابقة باسمها لانتخاب ملكة جمال العالم والتي أفردت لها تمويلاً ضخماً، فقبل دون تردد، فشارك الصحفي الفرنسي الشهير موريس ديفالف مهمة الاشراف على اختيار المتسابقات من كافة أنحاء أوروبا وسفرهن لمقر المسابقة، فتجول في كل من بروكسل، أمستردام، جنيف، مدريد، لشبون، ورفضت كل من إنجلترا وإيطاليا، وبالفعل نجحت المسابقة وعند الفرز تم انتخاب ملكة جمال فرنسا.
* التقى الأمير برنس أوف ويلز عام 1931 بعد أن وضع خطة تمويهية أربك بها رجال الأمن والحراس الشخصيين وكامل طاقم وزارة الخارجية، والتقط معه صوراً فكانت سبقاً صحفياً تناولته العديد من صحف أوروبا،فوصف بأنه " أعظم رائد صحفي عرفته البرازيل"!.
* في شنغهاي التي وصلها بالباخرة من كولومبو ثم سنغافورة، تعلقت به فتاة جميلة، ومن خلال تصرفاتها وبمعرفته خلال تجاربة وخبراته صارحها بأنه صحفي مشهور، ومع ذلك فهو مفلس ولا يملك ثمن وجبته، وهكذا استطاع أن يفلت من حبالها ولكن كاد عقله يطير من هول المفاجأة عندما قرأ صحف الصباح التي حملت على صفاحتها الأولى صورة للفتاة وهي تحمل مسدسين وتقود زورقاً بخارياً وحولها التف تسعة عشر رجلاً من القراصنة الأشرار، وبمانشيت عريض يقول:-القبض على زعيمة القراصنة الذين عاثوا فساداً في مياة النهر الأصفر!، وبحسه الصحفي ذهب إليها في مركز البوليس، وعندما التقاها في محبسها عرف منها أنها في الأصل إبنة قرصان كبير يدير عصابة شهيرة وعندما مات اختلف اتباعه حول من يخلفه وانتهوا إلى منحها الزعامة!.
* في طوكيو سعى بكل قدراته لكي يقابل الامبراطور الياباني ولكنه فشل!.
* في العام 1932 قام بتغطية الحرب التي نشبت بين جمهوريتي بوليفيا والأرجواي بسبب قطعة أرض جرداء، فأصبح مراسلاً حربياً للصحف البرازيلية.
* عمل مراسلاً حربياً لتغطية الحرب التي نشبت بين كل من جمهوريتي كولومبيا والبيرو بسبب مدينة حدودية بينهما تسمى"ليتسيا".
* حدث أن إصطحب في رحلته لمجاهل الأمازون مرشداً ومساعداً له كان لبنانياً يدعي "جوزي" أي يوسف، وعند وصولهم غابة كثيفة استأذن اللبناني ودلف لداخل الغابة ليقضي حاجته، ولكن طال غيابه، وبعد أن بحُ صوت مطر من مناداته وبحث عنه حول المكان فيئس من العثور عليه واضطر للمغادرة بزورقه. مرت السنوات وعاد مطر مرة أخرى لنفس المنطقة فوقف على نفس المكان داخل الغابة التي كان يوسف اللبناني قد إختفى فيها، وفجأة ودون أن يشعر فوجئ بمجموعة من الهنود الحمر يلتفون حوله وهم يشهرون حرابهم وأقواسهم، فطلب منه أحدهم أن يسير أمامهم دون مقاومة، وداخل أعماق الغابة ووصلوا لمكان سكنهم وعند كوخ يبدو أنه لزعيمهم توقفوا، ودخل أحدهم ليأتي معه الزعيم، وعندما دقق مطر النظر إليه كاد أن يسقط مغشياً عليه من هول المفاجأ’ ،، حيث لم يكن زعيم الهنود الحمر سوى رفيقه اللبناني "يوسف"!، والذي حكى له بأنه عندما تركه عام 1933 ودلف للغابة قبض عليه الهنود الحمر وأمر زعيمهم بأن يقتل حالاً، لو لا أن عطفت عليه إبنة الزعيم وترجت والدها أن يخلي سبيله طالما أنه لم يفعل أمراً يضرهم ففعل إرضاءاً لها، وبدأ يعمل ويعي وسطهم فأحبته ابنة الزعيم فتزوجها، وبعد مرور سنوات مات الزعيم فكان أن انتقل الحكم والزعامة بالوراثة وحسب قوانين وأعراف الهنود الحمر إليه وإبنة الزعيم الميت، وقد أحبوه ووثقوا فيه أكثر عندما وجههم باستخراج المطاط والتجارة فيه فعاد إليهم ذلك بثراء كبير!.
* نقل حياة سكان الأمازون البدائيين وغالبيتهم أقزام من الهنود الحمر والذين يسكنون في قطاطي من خشب الغابة في وسط المياه ويعتاشون على السمك ودقيق مسحوق الفاكهة والموز، ولا تربطهم أي رابطة بالعالم الآخر، وقال أن المنطقة تسكن فيها معهم ثعابين كبيرة الحجم درجة "أنها يمكن أن تبتلع العجل أو الثور فلا يبقى خارجاً إلا قرونه فلا تقدر على ازدرادها وتبقى كذلك في خنقها إلى أن تموت"!.
* إنتهت تغطيته للحرب بين كولومبيا والبيرو بنجاح وأصبح أول صحفي فاز بهذا النجاح تحت ظروف قاسية، وكان لهذه التغطية المغامرة أثراً كبيراً في حياته الصحفية، حيث أصبح متخصصاً في أوساط الصحفيين والصحافة البرازيلية والأوروبية في ارتياد ميادين القتال كمراسل حربي!. مسجلاً كسباً صحفياً أشادت به صحف البرازيل وأوروبا، فأصدر كتاباً ضمنه مشاهداته في الحرب حيث نفذت جميع نسخه وجمع به مالاً وفيراً!. تم اختياره لمرافقة الوفد البرازيلي إلى مؤتمر البريد العالمي العاشر الذي عقد بالقاهرة عام 1934 ولكي يشرف على إنشاء المفوضية البرازيلية بالقاهرة، ورغم أنه قد أُبعد عن مصر عام 1925 في أعقاب حادث مقتل السير لي استاك، إلا أن السلطات المصرية إضطرت للسماح له بدخول مصر بعد أن أُسقط في يهدهم أن الرجل الآن جاءهم موظفاً بالسلك السياسي ويتمتع بالحصانة الديبلوماسية كمواطن برازيلي صميم!.
* قام في العام 1935 بتغطية الحرب بين الحبشة وإيطاليا، وذلك كمراسل حربي أيضاً لصالح معظم الصحف البرازيلية والمصرية،أبرزها " المصور " "دار الهلال والمقطم"!.
* في طريقه لجيبوتي مرت الباخرة ببورتسودان التي غادرها عام 1923، فنزل منها إلى أقاربه ومعارفه بالمدينة الذين التفوا حوله في أحد المقاهي يستمعون لحكاياته العجيبة، وبينما هم في لهوهم وصل خبره للسلطات التي انقض عسكرها عليه ونقلوه بسرعة إلى باخرته وعينوا عليها حارسين لكي لا يغادر السفينة لأنه منفي بقرار من السلطات البريطانية منذ حوادث 1924 وغير مرغوب في وجوده "بوطنه"!.
* في تغطيتة الصحفية أمكن له أن يلتقي ويتعرف بصحفيين أوروبيين مشهورين وقتها ومنهم كل من نكر بوكر المخبر الصحفي الشهير مندوباً عن انترناشيونال نيوز، ملز عن الأسوشيتيت برس، السير فيلبس عن الديلي تلغراف، استير عن لندن تايمز، جلاجل عن ديلي إكسبرس إفريقيا الجنوبية، مونكس عن صحف سدني باستراليا، وغيرهم. علماً أن أثيوبيا كلها لم يكن يها حتى ذلك الوقت غير صحيفة واحدة هي " بريد أثيوبيا"!.
* استطاع وهو في أديس أبابا أن ينال وحده كصحفي أجنبي شرف لقاء الامبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي ويجري معه حواراً صحفياً حول أهم قضايا الساعة المتعلقة بالحرب بين أثيوبيا وإيطاليا، وأن يمتد ذلك الحوار ليصل إلى نصف ساعة بدلاً عن المدة المقررة له وهي عشرة دقائق، وقد سجل بها سبقاً صحفياً على المستوى العالمي وبث الحوار في العديد من صحف العالم بمبالغ خرافية، وقبل ذلك وبعد أن خرج من المقابلة وانهمرت عليه أسئلة زملائه الصحفيين، اتفق معهم أن من يرغب في إبداء أي سؤال، فإن الايجابة عليه ستكون فئة خمسة جنيهات عن السؤال الواحد، وهكذا استطاع أن يجمع مبلغاً مالياً كبيراً غطى به مصاريف الاستعداد لمقابلة الامبراطور من نفقات المصور الذي التقط صورة له مع الامبراطور وضمنها نص الحوار للصحف،إضافة لنفقات أخرى!.
* زار أثوبيا فيما بعد وقضى فيها ثمانية أيام في ضيافة جلالة الامبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي وبدعوة شخصية منه وذلك في ديسمبر عام 1951!.
* عاد لمزاولة عمله الصحفي فوصل مدينة سان باولو بالبرازيل ليتعاقد مع كل من صحيفتي " الصباح والمساء" وهناك طبع كتابه عن الحرب عام 1936 بعنوان "مغامرات صحفي في أثيوبيا ".
* أُختير ليشارك كمرافق صحفي في رحلة دعائية للبرازيل مع وفد شعبي بإسم"وفد السامبا" المنتخب والذي نظمته الحكومة البرازيلية للترويج للسياحة بالبلاد وكعربون صداقة لحسن الجوار مع الدول الصديقة للبرازيل.
* رشحه نادي السياحة بريودي جانيرو ليعمل مترجم سياحي في إطار عمله الصحفي لصالح إحدى الصحف ليعد لها مقالات يكتبها من واقع حواراته مع السواح الذين يفدون البلاد، وبالفعل كتب مقالات ممتعة نشرتها صحف عديدة.
* تعرف على رياض الصلح رئيس وزراء لبنان في إحدى إ دورات الأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك والتي ذهب لتغطيتها صحفياً، بل أقنعه من أجل أن يعتمد إستضافة صحيفة "الهدى" ومديرها ورئيس تحريرها ضمن وفود الصحفيين الذين وجه لهم الصلح الدعوة لزيارة لبنان، وكانت الهدى أحدى الصحف العربية في المهجر والتي عمل بها مطر محرراً من قبل، فوافق الصلح فوراً بعد أن علم الجهود التي تبذلها من أجل التعريف بالدول العربية في الخارج.
*نختتم هذه السياحة المدهشة في عرض كتاب مطر حول سيرته، بحكاية أكثر دهشة،، فبواسطة لفيف من أصدقائه، كان قد إنضم أثناء ممارسته السياسة والنضال لأحدى المنظمات الثورية المكسيكية التي تؤمن بالكفاح المسلح، للاطاحة بالحكم القائم بالبلاد، وبعد الالتحام بالجيش الحكومي سقط منهم غالبية الثوار ولم يتبق سوى 29 كان مطر من ضمنهم، تم اعتقالهم وأوقفوا صفاً واحداً لعملية الاعدام التي استمرت تنفذ فيهم واحداً بعد الآخر، فجأة دلفت إلى ساحة الاعدام ثلاثة نساء كن موشحات بالسودا وهن يولولن صارخات، وارتمين تحت أقدام قائد مجموع الاعدام الذي كان يجلس على صندوق خشبي يترجينه اطلاق سراح ابنهم الوحيد الذي لا عائل لهن غيره ، ثم وضعن تحت قدميه حليهن وأموالهن، فانبهرت عينا القائد بالحلي والأموال وقال بصوت تحشرجت فيه نبرة الفرحة والأوامر "أطلقوا سراح الجميع"! فأطلق سراح الجميع وكان عددهم تسعة فقط هم من تبقوا أحياء حتى تلك اللحظة!.
* حفل الكتاب بهنات صغيرة، منها غياب ضبط التاريخ المدرج لبعض الأحداث التي جرت الاشارة إليها، حيث تتناقض واقعة مع تاريخ جرت الاشارة إليه كما في تاريخ تغطية المؤلف لحرب غطاها والتي تتناقض مع التاريخ الذي ذكره باعتباره نهاية لتلك الحرب مثالاً!. أو كمثال آخر ما أشار إليه بخصوص أعداد الأسرى المكسيكيين الذين كان قد انضم إليهم، من الذين وقعوا في قبضة السلطات الحكومية وعددهم 29 فتم إعدام غالبيتهم ولم يتبق سوى تسعة فقط، ثم عاد وقال:- " وكان ترتيب الابن الذي كان الدور عليه الثالث عشر ثم أنا وخمسة آخرين، وخرجنا نحن التسعة!.
في كل الأحوال فإن تلك الهنات لا تقلل بالطبع من قيمة كتاب مدهش فيه سيرة سوداني مدهش، ظل مغيباً عن الاعلام والمشهد السوداني طيلة سنوات طوال لم يحرك الاعلام بجميع مفاصله أدواته ليسلط الضوء على مثل هذا الرحال الفذ، حتى غادر الدنيا صامتاً في العام 1985 ،، فبكل المقاييس نحن بالفعل أمام أسطورة ظلمت في حياتها بأكثر من جانب ،، إن هذا الرجل هو في واقع الأمر أكثر من شيخ، فمن جانب هو شيخ الصحفيين السودانيين وشيخ سفراء السودان ودبلوماسييهم، وكذا شيخ الديبلوماسية الشعبية، هذا من جانب، ومن جانب آخر كان ضمن الكوادر اليسارية الأولى التي التحقت بالنضال الأممي ،، هذا رجل ظلم في حياته وفي مماته ،، ليرقد هذا الرجل بسلام وليعيد السودانيين الاعتبار له بأكثر من إحتفاء واعتذار ومحبة!. له الرحمة والمغفرة.