سبتمبر الأخضر ……. نفح الذكرى ومرارة التاريخ (2)

 


 

 




وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ

وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً


جلست أمام التلفاز  حالي كحال أي  فرد من الشعب السوداني أترقب بقليل من التفاؤل وكثير من الحذر والقنوط و الحزن المؤتمر الصحفي للسيد رئيس الجمهورية حول رفع الدعم من المحروقات .

وأن لم تخني الذاكرة ،فقد  جاء هذا المؤتمر في مساء نفس اليوم الذي انتفضت  فيه مدينة ودمدني وكان يوم الأثنين .

قام   المواطنون الغاضبون من رفع الدعم عن المحروقات  بحرق كل محطات تزويد الوقود بالمدينة وبعض أقسام الشرطة ، ثم أتجه  بعدها بعضهم  الى  حي المنيرة حيث   دار الحركة الأسلامية أو دار المؤتمر الوطني  ( كلاهما سيان أو وجهان لعملة واحدة )  وقاموا هو الآخر بحرقه و أتلاف مافيه من أوراق و مستندات و ممتلكات .

الغريب و المثير للتفكر و التأمل  من جهة و التندر و السخرية من جهة أخرى  في قصة حرق  دار الحركة الأسلامية بمدينة ودمدني ، التي تقع جوار جامعة الجزيرة بحي المنيرة وهو أحد أرقى أحياء المدينة  ، أنني حينما عدت لمفكرتي أثناء كتابة هذا المقال ،  وجدت أن  كل من  علقوا على هذه الحادثة من النشطاء   عبر مواقع  التواصل الأجتماعي المختلفة  ، كتبوا عن دوافع الشباب الثائر من استهداف هذا المبنى تحديدا  دون غيره من المقار الحكومية  الآخرى ، حيث  اتفقوا وأكدوا  على  أن هنالك سبب آخر نفسي و اجتماعي مهم غير المحركات السياسية المعروفة للكافة دفعت هؤلاء الثوار لحرقه   !

كان  الناشطون يرون   أن  منتسبي ما يعرف بالحركة الأسلاموية الذين كانوا  يأتون  كل يوم أثنين للمبنى  لتناول أفطار الصائم ، ضمن مشاريع تزكية المسلم التي ينظمونها لمتبوعيهم ،   لم يكونوا ممن كان يضع نصب عينيه وهو يمارس هذه  السنة الشريفة الآية الكريمة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) ، فيتآسى   برسول الله صلوات الله عليه وسلامه في شكل أفطاره ، وأقصد في ذلك  الإفطار على رطبات ، فأن لم تكن رطبات فتميرات ،فأن لم تكن تميرات ، حسا حسوات من ماء .

كان الأمر على عكس ذلك تماما !

فما كان يشاهده  الجيران ويتحدث به العامة عن  هذا الأفطار  الذي كان  يحضره الوالي (المجاهد ! )  ،  وأعضاء حكومته وكبار المسؤولين بالولاية ، أنه كانت  تذبح فيه الذبائح وتطرح فيه كل أنواع  المشويات و المقبلات و الحلويات  على الموائد   بأسراف مستفز للغاية  . 

هذا قطعا مما  يصفونه هم  بخير ساقه الله ألينا  و فضل  كبير من رب عظيم  !

و قيل  أيضا  أن  المشردين المساكين من  ( الشماسة) و غيرهم ،  ومعهم القطط والكلاب الضالة كانت  تترقب و تترصد هذا  اليوم بفارغ صبر ،  فتجدها  تتزاحم أمام المبنى  صفا واحدا في انتظار خروج هؤلاء  الصائمين أصحاب الكروش الممتلئة من المكان بنسائهم وأطفالهم ، فيخرج هؤلاء ويدخلوا  هم أصحاب البطون الخاوية منقضين بشراسة  من أجل التهام ماتبقى من فضلاتهم ! 

تعاملت للأسف الشديد  الشرطة والأمن بوحشية شديدة  و تجاوز غير قانوني وغير مبرر  مع متظاهري مدينة ودمدني في ذلك اليوم ، وتواترت علينا الأخبار   بسقوط العديد من القتلى و عشرات الجرحي ( دون أحصائية دقيقة ) ،  بسبب استخدام قوات مكافحة الشغب الرصاص الحي لدفع و كبح المتظاهرين  .

لم تكن تلك المظاهرات محدودة ، فقد عمت معظم أرجاء و أحياء المدينة مما أضطر الوالي ( المجاهد ! ) الذي شعر حقيقة أن الأرض تميد من  تحت قدميه ،  للاستنجاد بالخرطوم لإرسال كتائب ممن يسمونهم  بالمجاهدين من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات لأعاده الأمن والاستقرار للمدينة ، وملاحقة رؤوس المنظمين لتلك المظاهرات والتنكيل بهم  .

كانت ودمدني السني الشرارة الأولى لسبتمبر الأخضر ، ولم يكن ذلك غريبا عليها ، كما كانت في التاريخ الوطني مهد شرارة الاستقلال الوطني  الأولى وتشكيل فكرة مؤتمر الخريجين عبر رائدها الأول الأستاذ أحمد خير المحامي .

قدمت المدينة المجاهدة ( دون واليها المجاهد ! )  لسبتمبر الأخضر  حوالي الخمسة عشر شهيدا  على رأسهم الشهداء الأبرار  مازن سيدأحمد و إبراهيم محمد علي و بابكر يوسف والشهيدة منى عبدالرحمن و أمل منير والطفل هاجر عبدالعليم .

**********

تابعت  المؤتمر الصحفي  حتى النهاية ، وكان رسمي و ظنوني السالبة  فيه مسبقا  في محلها ، فلم تخب ولم تحد ولم تتناقض حتى لحظة  انتهاء السيد رئيس الجمهورية من عرض وجهة نظر الحكومة في القرار ، ثم   رده على كل أسئلة  الصحفيين و الإعلاميين   .

سار رئيس الجمهورية في حديثه  على نفس المنوال الذي سبقه أليه وزراءه و مستشاريه  في الأيام الماضية ، وعلى رأسهم  طبعا د.مصطفى عثمان إسماعيل في التبرير  و التأكيد على أنه لا مناص من تطبيق حزمة السياسات الحكومية القاضية برفع الدعم عن المحروقات .

لا أدري عزيزي القارئ الكريم ، ولكني وفي أثناء  كتابتي لهذه الفقرة  تذكرت في الخير للحظات تلك  الكلمات التي كتبها وساقها  السير جيمس روبرتسون في كتابه ( السودان من الحكم البريطاني المباشر الى فجر الاستقلال )  ،  وهو  الذي جاب السودان طولا و عرضا وشغل عدة وظائف من مساعد مفتش وحتى أعلى منصب سياسي في البلاد ساعتها  ، وهو  السكرتير الإداري للحاكم العام لحكومة  السودان  . 

قال السير جيمس روبرتسون ، في خطاب له العام 1951م وجهه لحكام المديريات و رؤساء المصالح و بعض كبار الموظفين وأعضاء الشركات ، وأحاول هنا اقتطاف جزء يسير من الخطاب ،  قال ( أنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ ماذا سيحدث لنا جميعا في الأثنى عشر شهرا القادمة ، حيث يبدو ان ظلال حرب حقيقية أصبحت أكثر اقترابا وأكثر ظلاما ، و يبدو أيضا  أن  مستقبل هذه البلاد  يبدو غامضا ، لكن عندما ننظر في الظلام الذي حولنا ، نرى أشعة من نور توقظ نفوسنا ) .

بدا لي أن خطاب السيد رئيس الجمهورية في المؤتمر الصحفي  بعد مراجعتي  لبعض التعليقات  في مفكرتي الخاصة وموقعي بالفيس بوك ، سالبا ومحبطا ومنفرا  حد الأشباع ، وأقل  ما يمكن   أن أصفه به ، هو نفس الوصف الذي كان يطلقه الكثيرون  من حكام المديريات و رؤساء المصالح و بعض كبار الموظفين على خطابات السير جيمس روبرتسون الدورية الشهرية ........  أنها ( العصير المهدئ للعم جيمي )  !

و الطريف  و العجيب في الأمر أيضا  أن هنالك رابط ثالث جمع  السير جيمس روبرتسون بهذه الإنقاذ غير وصف خطاب رئيس الجمهورية بالعصير المهدئ ، و وصف مستقبل السودان بالمظلم ( طبعا  في نظر السير جيميس  وعلى أيدي الإنقاذيين والأخيرين لا يرون أبدا ان مستقبل هذه البلاد معهم مظلما لذلك ذكرنا نحن على أيديهم  ) ،  وهو أنه السير جيمس   توفى وغادر الحياة الدنيا  في نفس السنة الكبيسة التي حملت  لأهل السودان ،   انقلاب الإنقاذ على النظام الدستوري الديمقراطي القائم العام 1989م .

أنقل لكم بعض ما خرجت به من انطباعات و تعليقات  لخطاب رئيس الجمهورية في المؤتمر الصحفي يومها ، مع التأكيد على أنه كان أحد الأسباب الرئيسية التي أججت المشاعر وأخرجت كثير من الشباب الثائر في اليوم التالي في مدينة أم درمان ، وبقية مدن العاصمة ،  جنبا الى جنب ، مع سبب حزن الناس وغضبهم على سقوط قتلى و جرحى في ودمدني بسبب استعمال الشرطة والأمن الرصاص و الذخيرة الحية لإخماد المظاهرات :

1 – أن الشعوب التي تدخل في مساومات مع حكامها على حريتها ،توقع في نفس الوقت وثيقة عبوديتها ،وتقيم البرهان الساطع على أنها أمة مازالت في طور التخلق والتشكيل . هي أمة لا تزال عاجزة عن أن ترى بعينيها ، وتسمع بأذنيها ، وتسعى على رجليها .

2 – جلس أحمد بلال الطيب بجانب السيد رئيس الجمهورية  مبتسما  ، ليقدمه لقبيلة الأعلام وللشعب السوداني في  المؤتمر الصحفي  .

سبحان الله ! ألم يقرأ هذا الشخص من سيرة الشريف حسين الهندي وكفاحه  ، أو يلتصق به في حياته بالمنفى   ليتعلم منه شيئا   قليلا  ،  لتظهر على وجنتيه  القمحية  الحمراء المكتنزة شحما ولحما  شيئا من حمرة الخجل أو الحياء من عظات وعبر التاريخ  . 

3 – حينما بدأ السيد رئيس الجمهورية الحديث عن ما أسماه ببرنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة ، آبى ألا وأن يسفه كعادته  الديمقراطية الثالثة و يذكر الناس  ، بحالة البلاد في تلك الفترة قبل أن تهل علينا الأنقاذ   .

الإشارة هنا منه ذكية للغاية ومقصودة   والمخاطب بها  المواطن العادي  البسيط   ، لأن ما يعرف  بشريحة  النخبة  الواعية  تعلم جيدا الفرق الشاسع بين حال البلاد في الديمقراطية الثالثة وبين حالها  اليوم مع الإنقاذ  

4 -  وصف السيد رئيس الجمهورية  الاقتصاد وقتها  بأنه كان منهارا  ، وأن  هنالك ندرة في كل السلع  تقريبا ، الوقود بالصفوف ،  والدقيق كوتات ( حسب وصفه ) كان بالصفوف أيضا  ، فالذي كان  يريد قبل الإنقاذ مثلا  شراء رغيف كان عليه أن يستيقظ قبل صلاة الفجر ، والذي كان  يريد بنزين كان عليه أن يبيت في الصف منذ منتصف الليل  .

وهنا أستميح القارئ العزيز فسحة من السطور والكلمات  لأترحم وأشكر  ذلك الناشط السياسي  الذي رد على هذا  الحقيقة التي لا ننكرها أبدا  فقال :  ( رحم الله أهل  الديمقراطية الثالثة فقد أكتفوا بأن يجعلوا  السودانيين  يقفون صفوفا للرغيف والبنزين ، بينما جاء بعدهم قوم قسموا البلاد الى نصفين ثم قاموا بتبديل صفوف الرغيف والبنزين بصفوف أخرى  ... صفوف من (الأحياء) المشردين في كل بقاع الأرض بالخارج حتى وصلوا القطب الشمالي ودولة  إسرائيل، وصفوف من (الموتى والأكفان و المقابر الجماعية )  بسبب الحرب التي أشعلتها الإنقاذ في كل أرجاء الوطن أو كالتي جلست متفرجة عليها بين القبائل المتناحرة  !

5 – القول بأن المنزل الذي فيه عربية أو أثنين أو ثلاثة أو خمسة  هو أحد مظاهر  الترف في نظر الحكومة ، و أن الإنقاذ ظلت  تدعم كل جالون بنزين في هذه  العربات الخاصة ب 17 جنيه كان أحد الطبزات الكبيرة التي كاد قلبي أن يهوي من توابعها .

هذا الكلام وأن قصد به شيئ آخر لكنه سوف ينزع من سياقه لدى العوام ، وبالتي  سوف يمعن في ذيادة معدلات الجريمة و مشاعر الحقد الأجتماعي المتفشية أصلا بين المواطنين ، وتزيدها سوءا على السوء الذي هي عليه الآن ، والسبب يرجع في الأول و الأخير   لسياسات الأنقاذ الأقتصادية الفاشلة التي أدت الى  أرتفاع حدة الفقر  والتي لم  ينجو منها حتى وكيل الوزارة ( حسب وصف الرئيس نفسه  ) ، و  التفاوت الكبير في معدلات الدخل  بين طبقتين فقط  في المجتمع السوداني ، واحدة مترفة تصرف صرف من لا يخشى الفقر في كل شيء ، والثانية معدمة  تعيش الكفاف أو دون ذلك  .

حسنا فعل أستاذنا الجليل الصحفي فضل الله محمد في مداخلته الرائعة حينما رد بشكل مهذب وغير مباشر على كلام الرئيس قائلا أن العربة في السودان وضمن أطار علاقات الشعب السوداني  الاجتماعية المتداخلة والمتشابكة ليست ترفا بل هي ضرورة ، وهي لا ينتفع بها صاحبها فقط ، بل تنتفع بها العائلة و الجيران و الأصدقاء و حتى ركاب فضل الظهر .

6 – في المؤتمر الصحفي قال رئيس الجمهورية  ان الأنقاذ عندما وصلت للحكم كان المواطنون يقفون جميعا  في صفوف طلبا للسلع كالدقيق و البنزين و غيرها من مقتنيات و مواد ، ثم وفي نفس المؤتمر الصحفي أعترف أن المجتمع السوداني تحول بعد أكتشاف البترول لمجتمع أستهلاكي ، ثم أنقسم الى طبقتين واحد مترفة حد الأشباع و اخرى معدمة حد النهاية !

7 – مشاركة د.الباقر أحمد عبدالله لا تستحق التعليق عليها ، وأما مشاركة النائحة المستأجرة الذي يعمل بكرري فكان لها الفضل الكبير ليجعل بحديث الأفك و النفاق الذي عرضه على الرئيس وأخذ الآخرين يضحكون ببلاهة معه فيه  تأكيدا له ، كان سببا رئيسيا  ليكون مكان سكنه نفسه  بؤرة وقود وانطلاقة  لهبة سبتمبر في كل أرجاء منطقة شمال أم درمان بمحلية كرري !

مشاركة  الصحفي ضياء الدين بلال  جيدة في حدود أثارته لفكرة الفساد الحكومي ، والسياسة الخارجية الخرقاء للنظام بتحالفاته مع حماس و أخوان مصر و إيران والتي كلفت المواطن ( وليس النظام ) الغالي و الرخيص بسبب الحصار ، أضافة الى اللغة الاستعلائية للإنقاذ الممثلة في تصريحات كل المسؤولين فيها والتي تنفث منا و أذى والأمثلة على ذلك تطول وتكثر ولا تنتهي .

8 – جاءت  ردود السيد الرئيس باختصار على النحو التالي  – الإنقاذ ستظل على مبادئها في ما يخص سياساتها  الخارجية ( دعم حماس و إيران وغيرها من ملفات  ) – الأنقاذ هي الحكومة الوحيدة التي مكنت للمراجع العام أن يقدم تقريره مباشرة للبرلمان ( دون ان يذكر الجهات الأمنية التي ترفض تقديم حساباتها لنفس المراجع  ) – تهم الفساد يجب أن تكون على بينة ، قدموا الأدلة  ثم أسألونا بعد ذلك عن التحقيق فيها !

أغلقت التلفاز وذهبت لأدون في مدونتي آخر تعليق لي بعد أن ملأ الإحباط نفسي من حديث رئيس الجمهورية و من جلس امامه في القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة من صحفيين و إعلاميين  . كتبت وقتها دون أن أعلم ما سوف ينطوي عليه هذا المؤتمر الصحفي من تداعيات .........

غدا  يوم أسود وحزين على السودان والشعب السوداني  .  غدا تطبيق  قرار رفع الدعم عن المحروقات . متى يا شعبي تثور لكرامتك !!؟ مصطفى عثمان إسماعيل وزير استثمار النظام يصرح و يقول  : ( ان لم نطبق رفع الدعم عن المحروقات سوف تشحد الحكومة) . نجيب الخير مسؤول العلاقات الخارجية بحزب الأمة القومي يرد عليه بالقول  ننصح الحكومة بالتسول و الشحدة  بدلا من أن يتسول أو يشحد  الشعب السوداني ، وأما  الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل ينفض يده من  قرار رفع الدعم عن المحروقات على لسان القيادي د. يحي مكوار .

أنتهى فصل وبدأ آخر من الرواية ، وبين هذا و ذاك أحب ان أختم هذا المقال مع ضيف شرفه الراحل السير جيمس روبرتسون آخر و اكبر مسؤول سياسي في حكومة السودان قبل الأستقلال و الذي أصطحبنا فيه كثيرا ، وأسترقنا منه الأقوال و الكلمات .

فيكفيه فخرا له و أعتزازا منا ،  أنه كان صاحب المقولة الشهيرة ( أن الأستعمار البريطاني جاء ليخدم مصالحه في كل مستعمراته ، ألا السودان ، فقد جاءه الأنجليز ليخدموا شعبه ) ، او تلك الأخرى التي قال فيها ( أن المدن السودانية أمنة كالمدن في المملكة المتحدة ، أو أنها أكثر أمنا عندما تقوم بالسير فيها ليلا ) !

كانت آخر كلمات الوداع   للسير  جيمس روبرتسون وهو يحزم أمتعته و حقائبه مغادرا البلاد عائدا الى  المملكة المتحدة ... عندما غادرت  السودان ، كان التفكير في الناس العاديين هو الذي يحزنني اكثر . كان من الممكن مقابلة الكثيرين من القادة مرة أخرى في لندن ، أو في السودان أذا كان هنالك فرصة للذهاب الى هنالك مرة  أخرى . لكن رجال الشرطة الذين عرفتهم وسافرت معهم في ظروف صعبة ، وسائقي العربات ، والجناينية ، والعمال الآخرين ، وشيوخ القرى و أصحاب الحوانيت ، ليس من المحتمل أطلاقا أن أقابلهم مرة أخرى ! كيف سيكون حالهم مع الحكومة القادمة ؟وهل سيعنى بهم الحكام الجدد مثلما حاولنا نحن من قبل ؟هل سيضع الحكام الجدد مصالح الناس قبل مصالحهم ؟

أعتذر عن الأطالة القارئ العزيز في هذا المقال  ، ولكن حديثنا عن سبتمبر الأخضر نفح الذكرى و مرارة التاريخ  لم ينتهي ،  فللحديث  بقية .


teetman3@hotmail.com

 

آراء