قال : ( الجاتك في مرتك سامحتك ) !

 


 

 


قالها بكل بساطة ، ودارت في ذهنه من قبل الطُرفة من تحريف المثل الشعبي ( الجاتك في مالك سامحتك ) . ران صمتٌ مطبق على المكان  . وقفتْ كل الكائنات عن الحركة والصوت . وحدها صوت الأنفاس تصعد وتهبط . وبُخار حار كثيف ملأ الصدور . كاد صاحبنا أن يتراجع ، ولكنها رصاصة خرجت ولن تعود ، ولكل فعل رد فعل يناسبه، ولم يكن يعرف هول ما نطق إلا بعد هذا السكون المريب. دار الحوار أولاً في عمق الصمت وضخامة الذهول. وتخطّفت الأذهان النبأ العظيم ، تحاول تفكيكه إلى عناصره الأولية وتحليل الصياغة والمناسبة و"سبب النزول "، وما خفي من وراء النص . بحث صاحبنا في ذاكرته سريعاً  عن ملفاته الدينية التي يعرف علها تُنجد، فلم يعثر على عبارة تُعينه على المصاب أو تخفف سوء نيّة مقصده. قال لنفسه :
-    لو قلت هذه العبارة " لأهل العوض " لانفجروا من الضَحِك " !
إن للصمت كلامٌ . تبين الآن عمق الفجوة بين " أهل العوض " الطيبين ، وبين رؤى المثقفين من الجندريين والجندريات الذين يُجالسهم اليوم.وهالته الفروق التي لم يكن يحسب لها الحساب المناسب . سارت بجواره أبيات المتنبي ولم ينتبه لها :

وَ إذا سحابةُ صدّ حِبٍّ أبرقتْ .. تَركتْ حلاوةَ كلّ حُبٍّ عَلقما
يا وجهَ داهيةَ الذي لَولاكَ ما .. أكلَ الضنى جسدي وَرَضَ الأعْظُما

تمنى لو انخسفت به الأرض أو أن يرى بصيص ابتسامةٍ من وراء قرون شياطين الغضب التي  بدأت تتقافز أمام وجوه الحاضرين .
قالت جندرية بغضب :
-    دة طلع لينا من وين دة ؟!
(2)
تلعثم صاحبنا ، وتحركت عضلات وجهه استعداداً للاعتذار أو الهرب إلى الأمام . أدرك الآن أنه اختار الرفقة غير المناسبة، في الزمان غير المناسب و في المكان الخطأ .ليته استمع للمحاذير التي تقول دائماً : " عُد إلى العشرة قبل أن تنطق " ..، قال لنفسه :
- لو كنتُ بين قادة " المؤتمر الوطني " الآن" لفَتْفَتُوا من الضَحِك " . يا الله " طلعت  أنا يا سادتي  أي كلام " كما كان يقول " عادل إمام "! .
(3)
نعود بذاكرة صاحبنا  قبل يوم  من هذا الحادث . كان هو يقبض على بطنه من عوارض الضحك المتواصل عندما سمِع ذات  العبارة ، فكيف لا يرحمه الجالسون والجالسات اليوم ، أو  على الأقل أن ينسوا ما قاله ؟!.
قال أحد الجالسين :
-    أهو مثلٌ صنعته أنت أم تنقله لنا بلا تدبُر ؟! . منْ الذي استبدل المال في المثل السائد إلى " مَرَة " ؟ . هل المرأة شريكة حياة كما نعرف أم هي  شكل من أشكال المال الهيِّن الذي يعرف الجميع مصدره ومآله ؟!. ولو حاولت أن تدخل العقيدة في هذا الشأن كي تنقذك  فالنص هو ( المال والبنون زينة الحياة ) وليس المال والمرأة! . وسوف نغلق أمامك  أبواب الاستنجاد بالدين كي لا تنسب ذلة اللسان إليه .فأنت صاحب  هذا التحريف دون شك ، تهدف إذلال المرأة ، وإضافة فسحة من الهزأ ، إضافة على ما صنعته " الفئة الباغية " التي تتصدر مشهدنا السياسي ! .
(4)  
نَدِم صاحبنا على الجلسة . كان يريد أن يستريح ويريح الذهن من رقابة المثقفين .يريد أن يكون على سجيّته ، يجمع النقائض ويعيد ترتيبها بهدف التسلية لا غير . لكن تحول المجلس إلى فريق ضباع ، كلٌ يريد قطعة اللحم التي نطق بها . وعادت الحواجب تصعد للارتفاع من جديد . ها هي المرأة الضحية في موسم جديد للتندر عليها ، وأصبحت موضوعاً جيداً للفكاهة . لقد لملم أصحاب الفكاهة السمجة ثعابينهم العرقية التي كانوا يلعبون بها في أوقات راحة الناس ، وكانوا يمثلون الجانب الاجتماعي لأيديولوجية العرق الإنقاذية التي تلعب بالبيض والحجر ، لكسر عظام الآخرين وتفريقهم بأي ثمن ، وتُعيدهم إلى " حلمنتيش الركاكة ".
يوم جديد للمحاسبة كي لا تنطلق الألسُن بما تستسهِل ، فلدينا ما يكفي من ملفات الهدم ، ولا حاجة لمعوّل هدم جديد .
(5)
اعتاد كثيرون أن تكون المرأة هي الحائط المائل ، الذي يلقي فيه الجميع بنفايات العقول الباطنة. وكانت تمُرّ عادة في مجتمعاتنا دون تشريح . وجاء اليوم الذي تقف فيه " العبارة " موقف المحاسبة ، وتخضع للطب الشرعي ، الذي يبحث عن بصمات أصحاب الجرائم التي تمُرّ مرور الكرام بلا أثر. من السهل تجاوز المواقف غير النبيلة بتركها وشأنها ، وجاء الزمان لتسلك العبارة عنق الزجاجة ببطء ، وتتعرى من كل لباس بائس يريد صاحبه أن يُضحِك لمجرد الضحِك .
(6)
من التعبير الذي تفوه به صاحبنا ، يمكن لمنْ يريد أن يكتُب مقالاً ، في كيف يستغل مُطلق الرجل الطُرفة سبيلاً ، لتأكيد سيطرة الجندر التي نعرف ، فمجتمعاتنا حاضرة البديهة ، في الركلات الترجيحية ، وفن صناعة " المغص الكلوي" من لا شيء .
تثاقلاً حمل صاحبنا  جهاز الهاتف النقال ، وأظهر كلمات من أمثلة :
-    دقيقة ... دقيقة ...
فهي طريقة اعتاد عليها ، يظهر بها لمنْ حوله أن مكالمة هاتفية هامة  أعطته العُذر ..ثم انطلق هارباً .

عبد الله الشقليني
8 سبتمبر 2014



abdallashiglini@hotmail.com

 

آراء