المحروقات مقابل الانتخابات
مرة أخرى ، عادت مسألة رفع الدعم عن الوقود ، إلى صدارة مانشيتات الصحف ، التي تحدثت نهاية الأسبوع الماضي ، عن مقترح لنواب برلمانيين خلال اجتماع للقطاع الاقتصادي بالمجلس الوطني، برفع الدعم عن البنزين والقمح ، في موازنة 2015 ــ التي ستودع منضدة البرلمان في الأيام القليلة القادمة ــ بدعوى توفير الأموال لدعم الفقراء والمساكين، وما تبع ذلك من حديث لعدد من الأعضاء عن إعلان وشيك لتكتل برلماني بين نواب من كتلة المؤتمر الوطني والمعارضة، لمناهضة المقترح.
وتعالت الأصوات برفع الدعم عن المحروقات ، بعد أن ظن الشعب ـ وبعض الظن إثم ـ أن الحكومة ، أرحم من أن تعرضه لضغوط أكثر ومعاناة أكبر، من تلك التي ظل يتحملها منذ سبتمبر 2013 جراء الزيادات الكبيرة في سعر الوقود ، وانعكاسها على الأسعار بصفة عامة . وعقب تأكيد وزير المالية والاقتصاد الوطني بدر الدين محمود منتصف أكتوبر الماضي ، إلغاء الحكومة فكرة إجراء الدفعة الثانية من برنامج رفع الدعم عن المحروقات التي كان مقرراً لها العام الحالي ، بسبب الانخفاض العالمي لأسعار البترول ، وقوله حرفيا "ربنا لطف علينا بأن هوت أسعار المحروقات عالمياً دون أن يشكل ذلك عبئاً على المواطن، وانخفض الدعم بمنحة من الله تعالى"، قبل أن يشير الى انخفاض سعر برميل النفط من (100) دولار إلى (82) دولاراً ، ما يعادل (28%) من نسبة دعم الحكومة للمحروقات.
وان كانت الحكومة قررت الغاء فكرة الدعم لانخفاض سعر نفط عالميا منتصف أكتوبر الى 82 دولارا، فان سعر البرميل يتجه اليوم إلى 70 دولارا، في حين تتوقع وكالة الطاقة الدولية في آخر تقاريرها أن تتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بدرجة أكبر في العام المقبل ، الأمر الذي يفترض معه ، أن ينعكس هذا الانخفاض على مستهلك المواد البترولية بصورة واضحة ، وبالتالي يفترض في الحكومة أن تكون أحرص على الغاء فكرة الدعم من ذي قبل، ما دامت أسعار النفط آخذة في الانخفاض.
وغني عن القول ، انه كلما انخفض سعر برميل النفط عالميا ، ارتفع سقف طموح المواطن، واتسعت دائرة آماله ، في أن تنظر إليه حكومته بعين الرأفة والرحمة، خاصة في ظل ما راج في الوسائط الاعلامية مؤخرا من تصريح لمسئول سيادي، عن ان الحكومة تفكر في تخفيض أسعار الوقود مطلع يناير القادم، تبعا للانخفاض المستمر في أسعار النفط. ومن ثم فان لغة الأرقام ومنطق السوق يفرض على الحكومة أن تبقي المواد البترولية على أسعارها الحالية على أسوأ الفروض ان تعذر خفض الأسعار.
ويفتح الحديث مجددا عن رفع الدعم عن الوقود ، ومعه هذه المرة القمح ، باب التساؤلات هل للأمر صلة بما تردد عن اعتزام الحكومة تأجيل الانتخابات المرتقبة، ومن ثم فإنها رأت أن الوقت يبقى مناسبا الآن، لاتخاذ هذه الخطوة ــ التي ظلت تتحدث عنها منذ أكثر من عام ــ ما دام يفصلها عن الانتخابات أكثر من عام ، وهو وقت كاف، لتخلص الشعب من الآثار الجانبية للجرعة الأخيرة من رفع الدعم وتوجيهه مرة أخرى الى صناديق الاقتراع في 2016 ، أن صحت توقعات الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي بتأجيل الانتخابات العامة ، لعام آخر، وهي توقعات تبدو منطقية ، ما دام قطار الحوار الوطني، يراوح مكانه ، ولا يبدو انه في عجلة من أمره ، وما دام البرلمان يتجه لتعديل الدستور، بما يسمح بتعيين الولاة بدلا عن انتخابهم ،ما يفقد الانتخابات كثيرا من بريقها الذي كان يضفيه عليها التنافس المحتدم بين الولاة ، لتصبح "تحصيل حاصل".
abahmed2001@hotmail.com