khogali17@yahoo.com انقسام الحزب الوطني الاتحادي 1956م كان محل اهتمام القائد الوطني (عبدالخالق محجوب) فطالب كل من المهتمين بمستقبل السودان وتطوره بمواجه (الجو السياسي السياسي) الناتج عن الانقسام في الجماهير الاتحادية (ذات التاريخ الوطني والمعادية للاستعمار والاستعمار الجديد) وكتب مقالاً بهذا الشأن في 1956م هو موضوع عرضنا.. وجاء في مقدمة المقال: "إن النتيجة المباشرة للانقسام هي: صرف أنظار الشعب عن مصالحه الأساسية وإدارة الصراع لا على أساس الأهداف الوطنية الديمقراطية المعبرة عن المصالح، ولكن على اعتبار أن يقضي هذا الحزب أو ذاك على الآخر، وفي هذا الجو تدخل الجماهير الاتحادية الكبيرة في دوامة لا نهاية لها.." ودعا (عبدالخالق) القوى الوطنية الديمقراطية الى أن تقف في ثبات أمام الانقسام وهزيمته لما يتسبب فيه من إضرار بسير الحركة الجماهيرية في السودان ووحدته ومستقبل تطوره الديمقراطي، وأن طريق هزيمة الانقسام واحد: أن ترفع القوى الوطنية الديمقراطية صوتها عالياً في مكان: أن على الشعب أن يلتف حول مصالحه الأساسية وهي: ـ سياسة خارجية معادية للاستعمار الجديد. ـ تحرير الاقتصاد من (القبضة الاستعمارية) المفروضة عليه، وقيام نظام اقتصادي هدفه رفاهية الشعب. ـ حكم البلاد على أساس ديمقراطي. وأن أسلوب الصراع بين الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي لا يقوم حول المصالح الوطنية الديمقراطية المرتكزة على برنامج واضح ولذلك فإن نتيجة الانقسام وانتصار أي منهما لن تكون (تميع القوى المؤيدة للمصالح الوطنية في كلا الحزبين وهزيمة العناصر المضادة لها في الحزبين). وهذه الحقيقة أكدتها تحارب النضال الوطني الديمقراطي في السودان، فعندما كان الحزب الوطني الاتحادي (موحداً) كان الشيوعيون يقفون من أجل الأهداف الوطنية الديمقراطية المطابقة لمصالح الشعب السوداني، ونشبت حول هذه الأهداف معارك متعددة بشأن: * الإسراع بتنفيذ اتفاقية الحكم الذاتي وخاصة الجلاء. * من أجل الحريات الديمقراطية ومستقبل الحياة الدستورية. * لتحسين حياة العمال والمزارعين وحياة دراسية أفضل في المعاهد وغيرها. والمهم: أن الحقيقة التاريخية التي يجب ألا تغيب عن الأعين هي: ذلك (النضال) وتلك (المعارك) كشف عن وجود دوائر معادية في حقيقة أمرها للمصالح الأساسية للشعب والحياة الدستورية وتعمل للتقارب مع الاستعمار الجديد.. وكان السير الطبيعي لهذه الحركة هو أن تؤدي الى عزل هذه الدوائر التي كانت تلاقي السخط من بين أعضاء الحزب الوطني الاتحادي، لكن الذي حدث أن هذه الدوائر والعناصر رجعت تحتل مراكزها مرة أخرى وأعمق الجماهير عن وضعها الحقيقي. وفي إطار المعركة الجديدة (الانقسام) التي حددتها هي وفرضتها تحاول حشد الجماهير في الحزبين ووقف نمو الوعي الوطني الديمقراطي وسطها. وأوضح (عبدالخالق) أن الطريق السهل هو أن ينحاز المرء الى هذا الحزب أو ذاك، ولكن المهمة الصعبة هي وضع الحدود بين القوى التي ترفع رايات المصالح الأساسية للشعب وتلك التي تعاديها وتعرقلها.. "وأن الانحياز لهذا الحزب أو ذاك لا يقدم الشعب خطوة في سبيل مصالحه الأساسية ولا يؤدي الى عزل العناصر والدوائر المضادة لشعب السودان والمتسترة كذباً وراء شعار محاربة الطائفية أو تأييدها." وكتب عبدالخالق في ختام المقال: هل الانقسام الذي جرى في الحزب الوطني الاتحادي كان أمراً لا بد منه لصالح بلادنا. أي أن هذا الحزب انقسم الى قسمين، قسم مع الاستعمار الجديد وقسم ضده؟ كلا. إن هذا الانقسام لم يقم على هذا الأساس. ولم يقدر الذين عملوا له أن يكون هكذا.. إنه انقسام في قوى اجتماعية معادية للاستعمار بحاضرها وماضيها عند تعاظم الحركة السياسية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. الواقع أنه انقسام مضاد لمصالح بلادنا وسيكتشف حتماً أن الذين عملوا له ودبروه كانوا يفعلون ذلك عن عمد ولصالح الاستعمار الجديد. وأعاق هذا الانقسام أيضاً تطور النضال من أجل المصالح الشعبية الوطنية الديمقراطية، وأضعف كثيراً من نموه الذي تزايد خلال الأعوام 1954 ـ 1955م ولهذا فهزيمة هذه المعركة الانقسامية المفروضة بتمسك جماهير شعب السودان بمصالحه الأساسية والوقوف ضد الدوائر المعادية له هو الطريق: وبعلو هذه الأهداف وسط الشعب تتجمع وحدة كبيرة في السودان تساعد على تغيير سير قيادات الأحزاب وتمنع خطر هدم الحياة البرلمانية أو (حكم البلاد بواسطة الدوائر المعادية لمصالح الشعب والشخصيات المنتشرة في قيادات الأحزاب). وكانت آخر كلمات المقال: (هذا هو في رأيي الوضع الحق لقضية الانقسام بين جماهير الختمية والوطني الاتحادي. وكل تعميق لهذا الانقسام هو محاولة متعمدة أو غير متعمدة لصرف أنظار شعبنا عن مصالحه وعن الأخطار الحقيقة التي تحيط به..). واليوم نجد جماهير الحزب الوطني الاتحادي أيضاً في دوامة لا نهاية لها.. ويزيد فورانها أن قيادات الأحزاب السياسية في الحكم أو خارجه لم يعد في فؤادها ما يتعلق بمصالح الشعب الأساسية وترسيخ الديمقراطية فتحتضن الحكومة عدداً من التيارات الاتحادية وكذلك تفعل (المعارضة الرسمية) لتشظي حزب الاتحاديين الى عشرة تنظيمات وأكثر ويجب تعديل سير قيادات الأحزاب القائمة (وهذا ممكن كما سنشرح لاحقاً). وأشار عبدالخالق في مقاله المعارك التي تشبت بين الشيوعيين والحزب الوطني الاتحادي ومنها المعركة من أجل الحريات الديمقراطية وهي القضية المثارة طوار الفترة من (1952 ـ 2015م) والتي أختم بها هذا العرض.. فقد قام أول برلمان سوداني (الحكومة التي شكلها الحزب الوطني الاتحادي منفرداً) بإلغاء قانون النشاط الهدام في أول جلسة برلمان يوم 30 مارس 1954م (بعث اتحاد نقابات عمال السودان بمذكرة للبرلمان يدعم فيها موقفه التاريخي من الحريات العامة) وكان الإلغاء دلالة عملية أن الحركة الوطنية الديمقراطية ناضلت بحزب ضد المستعمر وشاركت بقوة وجسارة في كل معارك الاستقلال، وأن (الحرية) حقها ضمن كافة قوى الشعب. فقانون النشاط الهدام صاغته حكومة المستعمر لعرقلة نشاط النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والتنظيمات الديمقراطية للنساء والشباب.. لكن بعض القوى الوطنية وخوفاً من نفوذ العاملين في الساحة السياسية السودانية عملت على التراجع وإصدار قانون جديد آخر. وهنا قامت الجبهة المعادية للاستعمار برفع مذكرة للحكومة في 14 أكتوبر 1954م حول الحريات العامة وما تم نشره في الصحف اليومية (الرأي العام العدد 3839 بتاريخ 7 أكتوبر 1954) بأن الحكومة بصدد وضع قانون جديد لمحاربة الشيوعية. في 25 أكتوبر 1954م صدرت وثيقة الدفاع عن الحريات وقعتها هيئات وجماعات وأعداد كبيرة من المواطنين وجاء في الوثيقة: (إن إصدار قانون جديد تحت ستار محاربة الشيوعية وحدها أو أي شعار آخر سيكون قيداً على حريات المواطنين وسيحول دون قيام الجو الحر المحايد وسيكون سلاحاً للضغط على السودانيين للتنازل عن استقلالهم وسيادتهم الوطنية). ومن موقعي المذكرة: محمود محمد طه (الجمهوري)، يحيى عبدالقادر (الوطني)، بابكر كرار (الجماعة الإسلامية)، محجوب محمد صالح (اتحاد الصحافيين)، محمد السيد إسلام (اتحاد العمال)، حسن قسم السيد (موظف البريد والبرق) يوسف محمد المصطفى (اتحاد المزارعين) لويس عزيز (موظف البنوك)، سيد أحمد نقدالله (جماعة الفكر السوداني).. الى جانب هيئة الدفاع عن الحريات والجبهة المعادية للاستعمار. وقام الصحافيون والهيئة الدائمة للدفاع عن الحريات في 24 يناير 1955م برفع مذكرة للسيد رئيس مجلس الوزراء والسيد رئيس القضاء و(الهيئات الخارجية). ////////