المرشد إلى فهم مهدية محمد أحمد المهدى بن عبدالله (5)
فنومنولوجيا المهدية
الامام على ابن ابى طالب والامامة والمهدية
لابد من تأمل الدور الذى قام به الامام على بن أبى طالب زوج فاطمة بنت رسول الله ص والذى ينتهى إليه نسب المهدى المنتظر ؛حتى ان ابن خلدون اطلق على المهدى اسم الفاطمى نسبة إلى جدته ؛ ودوره معترف به من قبل السنة والشيعة ؛ فما هو السر الذى تفرد به الامام على؟ الم يفاضل الله فى كتابه بين الرسل والأنبياء انفسهم فمنهم أولو العزم ؛ألم يفضّل الله بعضنا على بعض فى الرزق؟ و كان الامام على اسمر اللون مربوع القامة اميل إلى القصر عظيم البطن دقيق الاصابع غليظ الذراعين حمش الساقين فى عينيه لين– فى عينه إطرغشاش- كث اللحية اصلع ناتىء الجبهة – عريض ما بين المنكبين (طبقات ابن سعد 2/16؛ الطبرى 6/88 ؛ صفة الصفوة 1/119).
وعندما سأل معاوية بن ابى سفيان على عهد خلافته عبدالله بن عباس عن على بن ابى طالب اجابه: " كا ن والله على علم الهدى؛ كهف التُقى ؛ ومحل الحجا؛ وبحر الندى؛ وطود النٌهى؛ وكهف العلا للورى داعيا إلى المحجة العظمى؛ متمسكا بالعروة الوثقى ؛ خير من آمن واتقى ؛ وافضل من تقمص وارتدى؛ وأبر من انتعل وسعى؛ وأفصح من تنفس وقرا ؛ واكثر من شهد النجوى ؛ ... وهو أبو السبطين فهل يقارنه بشر؟ وزوج خير النساء فهل يفوقه قاطن بلد؟ للأُسود قتّال ؛ وفى الحروب ختّال ؛ لم تر عينىى مثله ولن ترى؛ فعلى من انتقصه لعنة الله والعباد الى يوم التناد" (المسعودى: مروج الذهب ج3 ؛ بيروت ؛دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ؛ 1997 ؛ ص 62 ).
وخطب الرسول ص فى زواج الامام على من السيدة فاطمة الزهراء: إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا لاحقا ..او شج بها الارحام وان امر الله يجرى على قضائه وقضاؤه يجرى إلى قدره ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب. زواج على السنة القائمة والفريضة الواجبة ...فجمع الله شملهما وبارك لهما واطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الامة ..بارك الله لكما وعليكما واسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب"). وقال الرسول ص لفاطمة الزهراء: لقد زوجتك سيدا فى الدنيا وانه اول أصحابى إسلاما واكثرهم علما واعظمهم حلما". وعن ام سلمة ان رسول الله ص جمع فاطمة وحسنا وحسينا ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتى".(المعجم الكبير؛ ج3؛ حديث رقم 2663 ؛رواه الترمذى واحمد والحاكم وصححه البخارى).
وهو من قال له الرسول ص : الا تريد ان تكون منى بمنزلة هرون من موسى ألا انه لا نبى بعدى. وهو اول من اسلم من الشباب ؛ وهو من بات فى فراش الرسول ص ليلة الهجرة الى المدينة. وهو المقتول فى شهر رمضان غيلة وغدرا بسيف عبد الرحمن ابن ملجم (من الخوارج) الذى ابتاعه بألف وسممه بألف اخرى ؛ وضربه به فى أم راسه ولم يشف حقده بعد إذ يقول لكلثوم بنت الامام على " ... والله لقد ضربته ضربة لو قسمت على اهل الارض لأهلكتهم" ولقد قتل الامام على وهو فى الرابعة والستين فى الحادى والعشرين من رمضان فى عام 40 هجريه على ارجح الاقوال؛ ص 48.. واطلق عليه الرسول ص لقب ابا تراب (مسند احمد 4/263 ؛ صفة الصفوة 4/145). ولعل فى رثاء ام الهيثم بنت الاسود النخعية الامام عليا يحمل مؤشرات ذات صلة بامر الامامة والخلافة الراشدة والاستخلاف :(الاغانى 11/122 . الطبرى 6/87 . مقاتل الطالبيين ص 55).
رزئنا خير من ركب المطايا وّخيسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ومن قرا المثانى والمئينا
وكنا قبل مقتله بخير نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الدين لا يرتاب فيه ويقضى بالفرائض مستبينا
ويدعو للجماعة من عصاه وينهك قطع ايدى السارقينا
وليس بكاتم علما لديه ولم يخلق من المتجبرينا
ويبدو انها كانت مدركة لجدل الامامة والخلافة وتراتبيتها السنّوية إذ تقول:
ومن بعد النبى فخير نفس أبو حسن وخير الصالحينا
فلا تشمت معاوية بن صخر فإن بقية الخلفاء فينا
واجمعنا الامارة عن تراض إلى ابن نبينا وإلى أخينا
ولا نعطى زمام الامر فينا سواه الدهر آخر ما بقينا
وان سراتنا وذوى حجانا تواصوا ان نجيب إذا دعينا
قال السيد احمد صقر فى مقدمة كتاب ابى الفرج الاصبهانى عن مقاتل الطالبيين " وقد اسرف خصوم هذه الاسرة الطاهرة فى محاربتها واذاقوها ضروب النكال وصبوا عليها صنوف العذاب ولم يرقبوا فيها إلا ولا ذمة ولم يراعوا لها حقا ولا حرمة؛ وافرغوا باسهم الشديد على النساء والاطفال والرجال جميعا فى عنف لا يشوبه لين ؛ وقسوة لا تمازجها رحمة ؛حتى غدت مصائب اهل البيت مضرب الامثال فى فظاعة النكال." ص 12-13
وكيف لا تميل قلوب المسلمين للعترة النبوية وسلالة الامام على بن ابى طالب ؛ فهو الاول إيمانا والاسبق إسلاما والافصح لسانا والناكىء بسيفه لله اعداء والمصطفى عقلا وبرهانا ؛ وهو الامام المخلوف على رعاية الاعراض والنساء ؛ وهو الذى بات فى فراش الرسول ص حينما هاجر من مكة سرا بصحبة ابى بكر الصديق؛ وهو المقتول والحسن مسموم ؛ والحسين مقتول ؛ - واحفاده محمد وابراهيم ابناء عبدالله بن الحسن مقتولون- وزيد مقتول. فكانت اكبر أسرة فى الاسلام ولما تزل تقدم عناقيد الشهداء مخضبين لواء الشهادة مدافعة للباطل ومكافحة للشرك ونصرة لدين الله ؛ فحقيق بها ان تنال الجدارة العظمى فى قوائم الاسر فما منهم احد الا صريع الوغى ومقتول الحرب ومضرج بدم الشهادة ومسموم بالسم ومودع بالسجن ومشرد وطريد فى المنافى واكناف الارض ومنقوع جسده بالدم لتكون كلمة الله هى العليا. ولذلك كانت الأوفر حظا ليكون من بين احفادها واواخرهم سبط مخصوص يقوم بدور قيادى يجدد شباب الاسلام فى خواتيم الزمان مثلما كان حظ اولهم بقائمة الفداء الكبرى فى صدر الاسلام وما تلاه من ملك أموى عضوض بعد انتهاء سنى الخلافة الراشدة المشار إليها فى حديث النبى ص.
ومقولة الامام على توضح ذلك الدور الخاتم والمرتقب " ألا وإنا اهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا ؛ وإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. معنا راية الحق من تبعها لحق ؛ ومن تأخر عنها غرق. ألا وإن بنا تّرد دبرة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من اعناقكم وبنا غنم وبنا فتح الله لا بكم وبنا يختم لا بكم (الجاحظ ؛البيان والتبيين ؛ج 2 ؛ دار الكتب العلمية ط 1 ؛ بيروت ؛ ص 34 1998). وكان غير هياب من الموت وهو القائل للأشعث بن قيس حين هدده بأن يفتك به: ابالموت تهددنى؛ فوالله ما ابالى وقعت على الموت او وقع الموت على. ص 47
وكان الامام على مستمسكا بالوسطية الراشدة بين طرفى التفريط والافراط والتى أبانها بقوله ودل عليها بمسلكه: " ... فإن اليمين والشمال مضلّة والوسطى الجادة ومنهج عليه باقى الكتاب والسنة وآثار النبوة.... وما علينا إلا الاجتهاد (م.سابق ص 34). ورثاه ابنه الاكبر الحسن فقال : انه لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل؛ حيث كان يقى الرسول ص بنفسه فى الجهاد وكان قد حمل راية الرسول " ص" فيكتنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ؛ وانه توفى فى الليلة التى عرج فيها بعيسى ابن مريم وتوفى فيها يوشع بن نون وصى موسى ؛ ص 61
ويضيف الحسن دلالات مهمة فى رثائه بقوله انا الحسن بن محمد ص ؛ انا ابن البشير؛ انا ابن النذير؛ انا ابن ابن الداعى إلى الله بإذنه وانا ابن السراج المنير وانا من اهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين افترض الله مودتهم وتلى الآية : قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا وان إقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت ص 61 . ولقد دعا ابن عباس الناس الى بيعة الحسن ففعلوا ص 62
وقد احصى الاصبهانى فى كتابه مقاتل الطالبيين حوالى نيف ومائتين شهيدا وقتيلا من ولد أبى طالب إلى عام 313 هجرية. وقد احتوت إحصائيته على "من احتيل فى قتله منه بسم سقيه وكان سبب وفاته؛ ومن خاف السلطان وهرب منه فمات فى تواريه؛ ومن ظفر به فحبس حتى هلك فى محبسه" فصاروا أما قتيل أوسجين أوشريد فى اقاصى المعمورة ومنهم من دفن حيا ومنهم من صلب على عهد حكم بنى امية وبنى العباس. وإنهم تفرقوا فى أقاصى المشرق والمغرب وحلوا فى نائى الأطراف وشاسع المحال حتى أضحوا ثقلا لدين الله بطرفى المعمورة ؛ فاختلطوا فى أقاصى مشرقها بالفرس والديلم وغيرهم وفى مغربها بالبربر والسودان؛ شاهدين لدين الله تارة بالسيف والطعان وتارة اخرى بالدعوة والبيان. (ص 23 )
ولقد كانوا سلالة من إختص الله بخاتم رسالاته وحباهم بالفزع فى سبيل شهادته ومن استل سيفا وركب كميتا واستن رمحا كلما عطل العمل بكتاب الله وهجر العمل بسنته وكلما تفاقم الباطل واحتجب الحق ؛ لم يقعدوا عن نصرته كما قعدت بنى اسرائيل عن نصرة موسى بقولهم اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون. وانسكبت دماؤهم واتلفت مهجهم ذودا عن كتابه فظفروا بمحبة من الله ادرجتهم فى مقام المصطفين الاخيار. فتوارثوا هذا العهد جيلا بعد جيل كيلا تأفل راية الدين ولا تضمحل حياته الكبرى.
الامام على وصفة المهدى وأصحابه:
قال الامام على بن ابى طالب فى احدى خطبه: فى كتاب الملاحم لإبن المنادى وفى كتاب الملاحم لسعد عن سعد الاسكاف بسنده عن الاصبغ بن نباته قال خطب على ابن ابى طالب (ع) فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن قريشا أئمة العرب ابرارها لابرارها وفجارها لفجارها ألا ولا بد من رحى تطحن على ضلالة وتدور فإذا قامت على قلبها طحنت بحدتها؛ ...وفلها على الله....ألا وانّى وابرار عترتى واهل بيتى اعلم الناس صغارا واحلم الناس كبارا. معنا راية الحق من تقدمها مرق ؛ ومن تخلف عنها محق؛ ومن لزمها لحق ؛ إنا اهل بيت الرحمة وبنا فتحت أبواب الحكمة وبحكم الله حكمنا وبعلم الله علمنا؛ ومن صادق سمعنا فإن تتبعونا تنجو وان تتولوا يعذبكم الله بأيدنا ؛ بنا فك الله دبق الذل من اعناكم وبنا يختم لا بكم ؛ وبنا يلحق التالى وإلينا يفىء الغالى فلولا تستعجلوا ولا تستأخروا القدر لأمر قد سبق فى البشر لحدثتكم بشباب من الموالى وابناء العرب ونبذ من الشيوخ كالملح فى الزاد واقل الزاد الملح ؛ فينا معتبر ولشيعتنا منتظر؛ إنا وشيعتنا نمضى إلى الله بالبطن والحُمّى والسيف إن اعداؤنا يهلك بالداء والدبيلة وبما شاء الله من البلية والنقمة ".
وعن المهدى المنتظر قال: الا ان منا قائما عفيفة اصابه سادة اصحابه ينادى عند اصطلام اعداء الله بإسمه واسم ابيه فى شهر رمضان ثلاثا بعد هرج وقتال وضنك وخبال وقيام من البلا ء على ساق ...ليستخلفن الله خليفة ؛ يثليب على الهدى ولا يأخذ على حكمه الرشاء اذا دعى دعوات بعيدات المدى دامغات للمنافقين فأرجات عن المؤمنين ألا ان ذلك كائن على رغم الراغمين ". (كنز العمال ؛ على المتقى الحنفى؛ ج7 ص 261 (المهدى الموعود المنتظر ص 51) ؛(المعجم الكبير للطبرانى).
وأخرج الحاكم النيسابورى فى مستدرك الصحيحين ج4 ص 554؛ عن محمد بن الحنفية قال كنا عند على فسأله رجل عن المهدى فقال على: هيهات ثم عقد بيده سبعا؛ فقال ذلك يخرج فى آخر الزمان اذا قال الرجل الله الله قتل؛ فيجمع الله له قوما كقزع السحاب يؤلف بين قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون باحد يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الاولون ولا يدركهم الآخرون وعددهم على أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر. ( اخرجه ايضا ابن خلدون فى تاريخ العبر ج1 ص 267؛ ويوسف الشافعى فى عقد الدرر الحديث رقم 94 فى الفصل الاول.
اما اصحاب المهدى على حد وصف الامام على ؛ هم قوم أذلة عند المتكبرين ؛ فى الارض مجهولون وفى السماء معروفون . وقال عنهم أيضا: وطال الامد بالناس ليستكملوا الخزى ويستوجبوا الغير حتى إذا إخلولق الاجل (جاء) قوم لم يمنوا على الله بالصبر؛ ولم يستعظموا بذل انفسهم فى الحق...وانما الائمة قوام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده؛ لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من انكرهم وانكروه".( نهج البلاغة؛ المهدى الموعود المنتظر ص 182). وذكر الشيخ يوسف بن يحيى الشافعى فى عقد الدرر –الحديث 329 من الباب 11 ان على بن ابى طالب قال ان المهدى لا يترك بدعة الا ازالها ولا سنة الا اقامها. ( المهدى الموعود ص 268 ). وفى الحديث 269 من الباب 9 فى عقد الدرران قال ان على بن ابى طالب ذكر ان المهدى يتوجه الى الآفاق فلا يبقى مدينة وطنها ذ و القرنين الا دخلها وأصلحها ولايبقى جبار إلا هلك على يديه ويشفى الله قلوب اهل الاسلام...
faran.idriss5@gmail.com