ما بعد انتخابات 2015 (7): النضال السياسي الجماهيري من أجل إسقاط النظام. عرض: محمد علي خوجلي

 


 

 


Khogali17@yahoo.com
(1)
مشروع ميثاق قوى الاجماع
في هذه المرة نعرض للناس كل الناس مشروع ميثاق قوى الاجماع الوطني من اجل بديل ديموقراطي. وعنوان المقال هو، المبدأ الاول من المشروع الوطني:
"اتخاذ النضال السياسي الجماهيري السلمي من أجل اسقاط النظام ولتحقيق الانتقال من الوضع السياسي الراهن في البلاد الى وضع جديد عبر فترة انتقالية يحكمها اعلان دستوري وتكون جزءاً من مشروع ميثاق قوى الاجماع الوطني."
وهذا المشروع يختلف مظهراً وجوهراً عن وثيقة اعادة هيكلة الدولة السودانية ووثيقة ميثاق الفجر الجديد، الذي وقعه ذات تحالف قوى الاجماع الوطني وتحفظت عليه قوى سياسية داخله. لكن المؤسف ان الميثاق ظل (مشروعاً) ولم يتقدم خطوة الا انه لم يفقد صلاحيته اليوم. وكان من الامور المحيرة ان تتجاوزه بعض قوى المعارضة وتتركه خلفها بعد (اعلان برلين) .
انظر:
طارق عبد المجيد ممثل الحزب الشيوعي في ندوة بورتسودان 23 مارس ذكر ان البديل بعد سقوط النظام هو البديل الديموقراطي لقوي المعارضة الذي تطور في اديس ابابا و اعلان برلين!
ومن ايجابيات المشروع:
1- الاقرار بأن التغيير الجذري والشامل لا يمكن حدوثه دون جهد سياسي ونضال جماهيري وفي كافة الميادين. وان المشروع هو في حيز عناوين الأمل ومعالم المستقبل (بما يعني امكانيات اجراء النقاشات حوله).
2- التأكيد على الالتزام المبدئي والاخلاقي بنص وروح بنود الميثاق حشداً لطاقات ابناء الشعب نحو تخطي الأزمة الوطنية القائمة من أجل بديل ديموقراطي وبما يؤمن وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها. ويحقق السلام العادل والشامل والحرية والمساواة.
3- عبر المشروع عن المباديء والأهداف العامة ولم يغرق نفسه في تفاصيل القضايا، وهو مسلك صحيح حيث ان قوى الاجماع (تحالف قوى متباينة حول برنامج موحد) لذلك لم يدع انه (القيادة الفكرية والتنظيمية) للقوى الديموقراطية او الثورية او ملايين الناس المعارضين.
4- استلهام تقاليد الشعب السوداني المجربة في مواجهة الديكتاتوريات.
5- وجاءت مقدمة المشروع واضحة المعالم ومحددة بأنه:
"من موقع المسؤولية الوطنية نتقدم بهذا الميثاق الى كافة جماهير شعبنا وقواه السياسية والمدنية والاجتماعية بكافة قطاعاته التقليدية والحديثة، في الريف والحضر الملتزمة بالنضال من اجل التغيير، وفك الارتباط بين الدولة والحزب الحاكم، وضمان سيادة حكم القانون وذلك لضمان الحفاظ على كيان الدولة السودانية من شر التمزق والتفتت. ولا ينقذ البلاد من حالة التردي والفشل والخضوع للوصاية الدولية الا عزيمة اهلها وكافة قواها الوطنية بارادتهم الحرة وتكاتفهم من اجل اقامة بديل ديموقراطي يرتكز على مشروع وطني مجمع عليه.
6- اكد المشروع على ان سياسات الفساد والاستبداد والظلم الاجتماعي والجهوي والتردي الاقتصادي واصرار النظام على فرض احادية سياسية وثقافية في مجتمع تعددي هي التي ادت الى اهدار كرامة الوطن والمواطن. وان جملة هذه السياسات ادت الى انفصال الجنوب واشعال الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وابيي، وحرب باردة مع دولة الجنوب.
اما مباديء المشروع فهي:
1- ادارة البلاد خلال الفترة الانتقالية المحددة بثلاثة سنوات (ستة في وثيقة اعادة هيكلة الدولة واربعة في ميثاق الفجر الجديد) عن طريق حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية وآخرين.
2- وخلال الفترة الانتقالية ينعقد المؤتمر الدستوري الذي يقر الدستور الدائم ويحدد كيفية وطريقة اجازته.
3- الالتزام بالمباديء والقيم التالية عند كتابة الدستور:
- السودان دولة ديموقراطية والمواطنة اساس الحقوق والواجبات والشعب مصدر السلطات.
- تضمين وثيقة لحقوق الانسان.
4- تلتزم الحكومة القومية الانتقالية بنص وروح الاعلان الدستوري لتحقيق الآتي:
* الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات.
* التقيد بالتعددية الفكرية والسياسية والدينية قانوناً وممارسة، واحترام واقع التعدد الثقافي والاجتماعي.
* كفالة حرية الاديان والعبادة وعدم استغلال الدين في الصراع السياسي والحزبي.
* اعادة توطين النازحين.
* اعلان وقف اطلاق النار في كافة جبهات القتال واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين سياسياً واعتماد الحوار والتفاوض لحل النزاعات القائمة.
* اعادة النظر في الحكم الاتحادي وتوجيه الموارد للتنمية والخدمات بتأسيس نظام اداري ديموقراطي حقيقي.
* الالتزام بتطبيق مبدأ قومية وحيدة مؤسسات الخدمة العامة والقوات النظامية واستقلال القضاء وحيدة اجهزة تطبيق القانون. واستقلال الجامعات وحرية البحث العلمي واعادة بناء جهاز الدولة.
* محاكمة كل منتهكي حقوق الانسان.
* ضمان مساواة النساء بالرجال في الكرامة الانسانية والحقوق وتمكين النساء سياسياً واقتصادياً وتصفية اي ارث يحط من كرامة المرأة في الثقافة والمؤسسات والقوانين.
* تنظيم مؤتمرات قومية تخصصية حول الدستور الدائم ونظام ادارة الحكم والاقتصاد والتعليم والصحة.. الخ للخروج منها بتوصيات وبرامج مفصلة للفترة الانتقالية واجراء احصاء سكاني مهني وشامل.
* اجراء اصلاح اقتصادي يراعي الابعاد الاجتماعية ويحارب الفساد ويضمن اولوية الصرف على الصحة والتعليم ومياه الشرب والاسكان والرعاية الاجتماعية والتنمية المتوازنة ويعالج بطالة الخريجين والعطالة.
* توزيع الدخل القومي بما يحقق التنمية المتوازنة اجتماعياً وجهوياً.
* مجلس قومي للتربية والتعليم.
* قانون انتخابات ديموقراطي متفق عليه.
* سياسة خارجية متوازنة ومستقلة تخدم مصالح الشعب الاقتصادية والسياسية وتراعي الامن القومي للبلاد.
* عقد المؤتمر القومي الدستوري للاتفاق حول مباديء الدستور الدائم. دستور مدني ديموقراطي لا تخضع فيه حقوق الانسان وحقوق المناطق الاكثر تخلفاً لمعيار الاغلبية والاقلية.
6- الاستجابة لمطالب اهل دارفور المشروعة: المشاركة في مستويات الحكم، التعويضات الفردية والجماعية للنازحين وحقهم في العودة الآمنة لاراضيهم، المساءلة عما ارتكب في دارفور وغيرها من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
7- التمسك بالية التفاوض السلمي لحل قضية أبيي.
8- لسكان جنوب كردفان والنيل الازرق الحق في المشورة الشعبية لتحديد مطالبهم السياسية والخدمية والتنموية.. الخ
9- ابرام اتفاقية بين السودان ودولة جنوب السودان على اساس الاعتراف المتبادل كمدخل لحل المشاكل العالقة بما يضمن علاقة تكامل اقتصادي واجتماعي.
ان مشروع ميثاق قوى الاجماع الوطني قدم افكاراً يمكن ان يوافق عليها معظم السكان (الجيش السياسي للتغيير) وتفادي:
- الحديث الكثيف عن (الابادة الجماعية) و(التطهير العرقي) و(الاستعلاء الثقافي) التي ضجت بها الوثائق التي سبقته. واكد ايضاً على المساءلة والمحاسبة دون النص على تقديم متهمين سودانيين (للعدالة الدولية) او تسليم متهمين سودانيين للمحكمة الجنائية الدولية.
- اخذ بالمفردة الصحيحة (شعب السودان) مؤكداً على الوحدة والسيادة الوطنية وألغى حق الاقاليم السودانية في تقرير المصير وحقها في الانفصال.
لكن تلاحظ انه لم يشر الى (العدالة الانتقالية) وقضايا الفئات المتضررة بصورة عامة.
لكن السؤال هل التزمت قيادات  قوي الاجماع الوطني سياسياً واخلاقياً بما تواثقت عليه؟
ونجيب على السؤال من خلال العرض..
(2)
المؤتمر الدستوري القومي
منذ 1985 تنادي القوى السياسية المختلفة وبالذات في 1988 باستثناء (الجبهة القومية الاسلامية) بالمؤتمر الدستوري القومي برؤية بسيطة: كل مشاكل السودان في حزمة واحدة امام كل القوى السياسية لوضع الحلول الجذرية التي ضمانة انفاذها جماهير الشعب السوداني، بمعنى ادارة السودانيين لحوارهم بانفسهم وفي هذه الحالة يكون المجتمع الدولي شاهداً. وعندما يكون الشعب هو (الضامن) فذلك يعني مشاركته ومعرفته التفصيلية لما يجري باسمه واسم الوطن بما يفيد بحظر النقاشات في غرف مغلقة..
ان النخب المعارضة (الرسمية) في قسم منها انقلبت على المفهوم فاختارت غرفاً مغلقة في عدد من دول العالم  وغرف باردة في سفارات دول اجنبية في الخرطوم وجعلت المجتمع الدولي هو (الضامن) و(الشاهد) معاً وهذا الانقلاب المتدرج بدأ منذ 2004 عندما رفعت أمريكا ومصر شعار (المؤتمر القومي الجامع) والتي جعلت نقطة انطلاقه مفهوم 1988 فقد توصل التحالف الامريكي-البريطاني الى عدم جدوى الحلول الثنائية والجزئية وهو ما اكدته القوى الوطنية الديموقراطية من بعد انتفاضة 1985
ومنذ ذلك الوقت اشرنا ان التحالف الامريكي-البريطاني يرتب لاختطاف شعار القوى الوطنية السودانية وهذا ما حدث. ففي الممارسة استند التحالف الغربي على الحلول (الثنائية) في نيفاشا واسمرا والقاهرة وابوجا وغيرها وحتى تسير خريطة الطريق الامريكية كما هو مخطط لها ابتدعت بعض النخب المعارضة نظرية (تفكيك النظام) بالقطعة عن طريق المفاوضات الثنائية والجزئية وكانوا يقصدون العكس!!
وفي سبتمبر 2004 أوضح وزير الخارجية السوداني وقتها (مصطفى عثمان اسماعيل) انه بعد وصول المفاوضات الى خواتيمها سيكون هناك منبراً موحداً (مؤتمر قومي جامع) حيث ان (تثبيت) السلام يحتاج الى معالجة أربعة قضايا:
1- الديموقراطية والمشاركة السياسية (التعددية السياسية).
2- التوزيع العادل للسلطة (العلاقة بين المركز والاطراف) وايجاد صيغة لمشاركة الاقاليم في الحكومة المركزية.
3- توزيع عادل للثروة ليست فقط بين الشمال والجنوب بل مناطق السودان المختلفة.
4- الوفاق والوحدة الوطنية.
وعلقت على ذلك بصحيفة (الأضواء) 17 نوفمبر 2004، ان مفهوم وزير الخارجية –اذا صدق- فانه يقترب من مفهوم المؤتمر الدستوري خاصة وان الوزير اضاف: بأن القوى السياسية الأخرى خارج المنابر ستشارك في ذلك المؤتمر.
وأعلن (الميرغني) من حديقة فيلا طيبة (فيلا الميرغني) بمصر الجديدة (نوفمبر 2004) عن حماس الادارة الامريكية لعقد (منبر جامع) يلم كل الاتفاقيات بين الحكومة واجزاء المعارضة في كل المسارات، ويعقد لاحقاً بعد الفراغ من كل المراحل التفاوضية في واحدة من ثلاث عواصم: اوسلو، واشنطن او القاهرة.
اذن فان (الحكومة) و(المعارضة) و(الادارة الامريكية) اعلانهم موحد واصبح طريقهم واحد في التظاهر لكننا كنا ندرك ان مصالح الاطراف الثلاثة ليست واحدة لكن الذي تأكد هو الانقلاب على مفهوم المؤتمر الدستوري القومي بتحول ارادة عقده من التجمع الوطني الديموقراطي والقوى السياسية الاخرى الى (الادارة الامريكية) وان (لم) الاتفاقيات ليس هو حل مشاكل البلاد في حزمة واحدة بمشاركة جميع القوى السياسية.
ان مفهوم الحركة الجماهيرية السودانية لم يتبدل بل تطور: وضع كل المشاكل امام جميع القوى مع (الاستهداء) بما تم الاتفاق عليه ثنائياً وجزئياً وسد الثغرات وتصحيح الاخطاء وبذل عناية خاصة للتحول الديموقراطي والوحدة الوطنية.. الخ وهو يخالف تماماً المفهوم الجديد للتحالف الامريكي-البريطاني الذي يسعى لتقنين نتائج المحطات دون تعديل بالاجازة الجماعية ومنح الاتفاقيات مشروعية اجماع لا تملكه.
(لم تتحقق رغبة التحالف الغربي ولم ينعقد المؤتمر الدستوري القومي حتى 2015) وذهب خطاب (الميرغني) بالقناطر الخيرية عند افتتاح مفاوضات المصالحة الوطنية بين التجمع والحكومة ادراج الرياح عندما قال:
"نود ان نبدي ان الامر يستوجب توحيد المنابر ومشاركة الكافة للوصول للحل السياسي للمشاكل السودانية."
وعند انعقاد جلسة مجلس الأمن الاستثنائية عن السودان بعد التوقيع على نيفاشا أصدر الصادق والميرغني بياناً مشتركاً ومذكرة لمجلس الأمن طلبا فيها تأييد قيام مؤتمر قومي جامع. وسافر وفد من قوى المعارضة، ومعهم حزب الامة وخمسة وعشرين حزباً وسلم مذكرة لمجلس الأمن الدولي، وبعد حضور الوفد للخرطوم اقام لقاءاً جماهيرياً ضخماً شرح فيه كل شيء واطلع الناس كل الناس على حقيقة الامر..
واوضحنا في الجزء الثاني من المقال ان وثيقة اعادة هيكلة الدولة السودانية ووثيقة الفجر الجديد نصتا على المؤتمر الدستوري القومي وكلتاهما حددتا القضايا التي سيناقشها المؤتمر (17 قضية) واستبقا المؤتمر بالاراء القاطعة التي اتخذت لها صورة (مباديء للوثيقة).. بخلاف مشروع ميثاق قوى الاجماع الوطني الذي اعاد الامور الى نصابها (كل المشاكل حزمة واحدة) و(كل القوى السياسية) تشارك في وضع الحلول، دون عزل او اقصاء..
واقترح الصادق المهدي في يناير الماضي عقد المؤتمر الدستوري القومي في دولة جنوب افريقيا واقامته بمن حضر (!) وهو تراجع غريب ولم يجد اقتراحه صدى.
ومعلوم ان جميع احزاب الحركة الاسلامية السودانية في الحكم أو خارجه منذ 1985 ظلت متمسكة بالرفض المبدئي لانعقاد المؤتمر الدستوري القومي. ولذلك قامت عن طريق آلية الحوار الوطني بدمج الحوار مع المؤتمر الدستوري القومي حيث جاء في اول اهداف وغايات الحوار الوطني:
"من غايات الحوار وأهداف الحوار:
التأسيس الدستوري والمجتمعي في اطار توافقي بين السودانيين ينشيء دولة عادلة وراشدة."
وسرعان ما تبعت (قوى نداء السودان) وهي ليست تحالف قوى الاجماع بل جزء غريب داخله (!) منهج آلية الحوار الوطني فابتدعت (الحوار القومي الدستوري).
ان معظم القيادات الحزبية استسلمت للمخططات الامريكية وكانها قدر نافذ لا مهرب منه تحت غطاء (الواقعية) والسياسة (فن الممكن) والتلاعب بالمفردات وان (التسوية) شيء و(الصفقة) شيء آخر والحقيقة غير ذلك فهذه النخب اختارت ان تبتعد عن الجماهير وهذا خيارها. ولكنها لن تشارك في الحكم باسم الجماهير المؤمنة بسيادة الوطن وقدرات السودانيين على حل مشاكلهم ورفض الهيمنة الامبريالية باسم السلام او الوحدة او التحول الديموقراطي..
ونواصل

 

آراء