الإنتخابات الإنقاذيّة فى السودان: بين سلاحى المُقاطعة والنُكتة !
فيصل الباقر
23 April, 2015
23 April, 2015
من خلال رصد التجارب الإنسانيّة فى الإنتخابات ، سواء فى الديمقراطيات العريقة ، أوالديمقراطيات الحديثة ، أو ما يُسمّى بأنظمة وبلدان الإنتقال ، فإنّ الحكم على نجاح أىّ إنتخابات ، يُمكن تسميتها حُرّة ونزيهة ، مرتهن بمعايير وعوامل معروفة ، وفى مقدّمتها وأوّلها ، بل ، وأهمّها على الإطلاق ، المناخ السياسى السائد ، قبل العمليّة الإنتخابيّة وأثنائها وبعدها ، وهو ما درجنا على تسميته فى التجربة السودانية ، بعملية تهيئة المناخ ، وهذه ( التهيئة ) هى مسئوليّة الدولة ، وقد تأكّد - بما لا يدع مجالاً للشك - أنّ الدولة السودانية فى عصر الإنقاذ ، ( عاجزة ) أو ( غير راغبة ) فى الإيفاء بهذا الإلتزام الهام ، وهذا وحده ينسف كُل حديث وإدّعاء عن إنتخابات حُرّة ونزيهة ، تتحدّث عنها الحكومة ، ويُروّج لها الإعلام المملوك للدولة " قطاع عام " ، أو المملوك للحزب ورموزه ، ناهيك عن الإعلام المملوك " حصريّاً " لجهاز الأمن ، أو المُنشأ بشراكات - من الباطن - بين جهاز الأمن وأطراف أُخرى !.
واضح أنّ الكتابة عن الإنتخابات الإنقاذيّة ، نُسخة أبريل 2015 ، تحتاج إلى مُجلّدات ، وبخاصّة الكتابة المطلوبة فى شرح وتفسير وتحليل أسباب عزوف وإمتناع المواطنين / الجماهير من المُشاركة فى العمليّة الإنتخابيّة ، وهو ما جعل الحكومة ومؤسساتها والحزب الحاكم ، وحتّى الصحافة التى تأتمر بأمر الحزب الحاكم وجهاز الأمن ، تعترف بعجزها وفشلها ، فى إدارة العملية الإنتخابية ، و جعلها تسعى عبر البروباقاندا ، لإيجاد مُبرّرات ، ليست مُقنعة ولا موضوعيّة ، بدلاً عن مُواجهة الواقع والحقيقة ، بمصداقية وشجاعة مطلوبة فى مثل هذه المواقف !.
فى الضفّة الآخرى ، من النهر ، أقول : من غير المُنصف والدقيق أن نصل لإستنتاج - قد يُريح البعض - مفاده ، أنّ المُقاطعة والعزوف الجماهيرى ، عن المُشاركة فى إنتخابات الإنقاذ موديل 2015 ، جاءت نتيجة مُطالبة المُعارضة للمواطنين بالمُقاطعة ، فهناك حتماً عدداً مُقدّراً من المواطنين / الناخبين ، إستجابوا لنداء المُعارضة ، بالمُقاطعة ، وفى مُقدّمتهم الناشطين سياسيّاً ، والمؤيّدين والمُناصرين لأحزاب المُعارضة ، والمُتعاطفين معها ، ولكن ، هُناك الغالبيّة العُظمى ، التى لم تُشارك لأسباب مُختلفة ، تخُصّها هى ، أهمّها الإحساس بعدم جدوى المُشاركة ، فى عمليّة معروفة نتائجها سلفاً ، ومُعدّة مُسبقاً ، و" مخجوجة " و : مضروبة " ، وهناك أيضاً الإحساس بالتهميش ، وعدم الإشراك الحقيقى فى الحياة السياسيّة ، وإدارة شئون الحكم فى البلاد ، مُضافاً إلى حالة الإحباط العام ، الناتجة عن إتّساع مساحات الأزمة السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة ، وعلى المُعارضة الذكيّة والواعية ، الإنتباه لهذه الاسباب مُجتمعة ، وعدم الإستسهال ، أو الركون لتطمين النفس ، بأنّ كُل شىء يمضى ويسير على ما يُرام ، لأنّ المطلوب من المُعارضة المزيد من الجهد والعمل الصبور ، للتغيير ، الذى لن يأتى بالصدفة ، ما لم يصل المواطنون العاديون ووالمواطنات العاديات ، لقناعة راسخة ، مفادها أنّ بإختصار ، أنّ المُعارضة ، هى البديل ، والمُنقذ من حكم الإنقاذ !.
وفى مُقابل سلاح المُقاطعة ، وهو سلاح جاد ، وحاسم فى حركة الجماهير الشعبيّة ، فإنّ سلاح ( النكتة السياسيّة ) دخل المعركة ، وهو سلاح مُجرّب فى التنفيس عن الغضب ، وفى التعبير عن الإستياء من الواقع المأزوم ، وقد إمتلأت وسائط التواصل الإجتماعى بعشرات إن لم نقل مئات النكات الذكيّة ، تعبيراً عن هول الأزمة و المأساة ، و تنفيساً عن شُحنات الغضب ، المدفونة فى الصدور .. ومن بعض ما أعجبنى ، وأود مُشاركة القُرّاء والقارئات فيه ، نكتة تقول : سُئل إنقاذى مُتمكّن عن كُفّارة " خج " الإنتخابات ، أى تزويرها ، فجاء ردّه ، ( إطعام ستّين مُراقيباً دوليّاً ) ، وهذه النكتة بالذات ، مُرسلة للجهات الإفريقيّة والعربية والعالمية ، التى إرتضت لنفسها المُشاركة فى الجريمة النكراء ، وفي هذه النكتة الذكيّة شُحنة سياسيّة عميقة ، وتعبير عن أنّ الشعب السودانى ، شعبٌ يمتلك ناصية الوعى والمعرفة ، ولا يُمكن - أبداً - إستغفاله وإستكراته ، وأزيد من عندى لفتوى إطعام المراقبين ، أو (عتق صحيفة متوالية من المُصادرة الأمنيّة )، طالما أنّ فكرة عتق رقبة ، مازالت مطروحة فى الفكر السلبفى ، الداعشى والبوكو حرامى العجيب !. والنكتة السياسيّة – بالمناسبة – هى نوع من أنواع النضال السلمى ، وتمتاز بقبول جماهيرى واسع من طبقات وفئات الشعب المُختلفة ، إن أُحسن توظيفها ، وتمّ تنقيتها أو تجريدها من المحمولات السالبة العرقيّة والجهويّة والجندريّة ، وأختم ، لئن أفتى أهل الإنقاذ بشرعيّة (التحلُّل ) من المال المنهوب من الخزينة العامّة ، كواحدة من الكفّارات ، فإنّ كُفّارة " خج الإنتخابات ، حتماً جائزة ، وليست مُستبعدة فى فقه هولاء !..