العرب يدمرون أنفسهم بأيديهم وليس بأيدي عمرو!
أطل ربيع العرب عليهم قبل اربع سنوات خلت . يومها فرحوا به . ورقصوا على قدميه كما غنت نجاة الصغيرة من شعر نزار قبانى ، فارس الشعر العربى. لكن ربيعنا فاجأنا بمجيئه على غير ميعاد. فاجأ الحكام منا على عين التحديد . اخذهم فى عقلته الجبارة على حين غرة . لم يكونوا مستعدين لزورة الربيع الجامحة تلك. أو قل لم يكانوا متحسبين لها بما يلزم . فأمورهم السلطوية كانت سالكة. وسلطانهم البهى ، ما شاء الله ، كان تماما على تمام. لا ينقصهم شئ من راحات البال واستدامة النعمة ، وطول الأمل . فها هى الدنيا تدين لهم . الأفق العريض ممتد أمامهم ، ولا تبين فى تضاريسه نتؤات مريبة. اطمأنت قلوبهم التى فى الصدور الى زمانها الوضئ. وعندما تطمئن القلوب ياخذ النعاس باجفانها ، فتغفو.وقليلا قليلا أخذ البطر يستحوذ على مكامن الإحساس فى القلوب . ملاح السفين المبحر فى خضم السلطة و العواصف لا يبدو متمكنا من مجدافه وسفينه يمخر عبابا ينؤ من حوله الريح .ويقل إحساسه بخطورة الأشياء من حوله . ربما لشعوره بالعجز المكين . او لشعوره أن الأمور تسير وفق ما يراد لها . فالنسيم العابر يوشوش على نوافذ السلطان و لا يدخل اليها الاتربة والمنغصات . واحتقنت الصدور من المكوث الطويل فى برزخ الانتظار السرمدى . ولم يلبث أن فار التنور . وتعالى من الاخدود الدخان ، و انفجر الطوفان . تناهت من بعيد دمدمات العاصفة ترتطم بالابواب المغلقة تهزها هزا ، فتقلعها وترميها كتلا بعضها فوق بعض ، ويأخذها السيل كما يأخذ الاوساخ السابلة . تنبه السلطان الى دمدمات العاصفة تدخل من نوافذ خميله الساجى وتبعثر اشياءه مثلما يبعثر ثور اسبانى مذعور مستودع خزف المدينة الجميل . إذن هى تفلتات المخربين . و قلة أدبهم المجافية لطبيعة الاشيا و نواميسها المرعية. استكثر القيصر أن ينطق الصامتون بالميلاد . أن تكون لهم الخيرة من امرهم . أن يرفعوا العين فوق الحاجب . كان لا بد من اعادة الأمور الى نصابها القديم . ومثلما دمدمت العاصفة فوق عتبات السلطان المقدسة ، دمدمت الصواريخ والقنابل تسكت الهرج والمرج الآثم القادم من قلب الأكمات المتوحشة. سقط العشرات ، فالمئات ، فالالوف ، فعشرات الالوف . والاشقياء لا يبالون . ويتقدمون نحو الهلاك . جباههم العالية وعيونهم الثاقبة تنظر فى الافق البعيد ، كأنها ترى ذلك السر الدفين الذى لا تستبينه الا عيون زرقاء اليمامة فى الظلمات . ويصبح الصبح ، فاذا هى شاخصة المحنة القاسية : مدن العرب ومرافقهم وارواحهم تدمرها اسلحة العرب . ولا عزاء لاحد فى سوريا او فى اليمن او فى العراق او فى ليبيا .وعرفت أمة العرب أن السلطان يعنى ما يقول : إما هو أو الهلاك.
(الشرق)
alihamadibrahim@gmail.com