وصيتي لابنائي: ضد الغلو والتطرف .. وضد الانحلال والسقوط أيضاً
ما احلى التدين والقرب من الله يا بني ، وما اطيب الدنو من الفضيلة والنور ورضا الله ، ومعرفته حين ترقي النفس وتهتدي، وحين الطمأنينة بالهدى والايمان والرضا ، وحين يحلو الاتباع ، ويسهل قصد الله و ويستوي السبيل اليه ، وتعتلي قمم الهداية ، ويحصل السمو وشفافية النفس وطهر النفس وغسلها من ادران التعلق بالدنيا والالتصاق بالأرض والقعود عن الله وطريق الله.فمداومة ذلك تجلب الرضا وتزيد الايمان ويحدث الصلاح ، وفي قمة ذلك ، زيادة في الجد نحو الله فتتصعد مدارجا ، ربما تؤدي بك للغلو ، والتطرف ، أو أن تتدحرج الى ان يتساقط عنك الايمان ، والاثنين من فعل النفس الامارة بالسوء ، والشيطان ، أو ان تثبت على تلك القمة فتدير نفسك وتلجم كوابحك فتكون وسطا بين هذا وذاك ، وهذا قمة الفلاح والنجاح .
هذه الايام يا بني هناك كثير من الذين يروجون للغلو في الدين .... يصورون لنا الحلال حراما والحرام حلالا ، فيشيطنوننا ، وكثير ايضا من الذين يروجون للانحلال الفكري والديني والسقوط في الضلال والالحاد او الشرك فيشيطنوننا ايضا ، والانقياد لاحدهما يؤدي الى تيجة واحدة ، فثالوث النفس والشيطان وبيئة السوء ، اما تزيدنا اسرافا في التدين والتشدد في الدين حتى نغلو فنخرج من وسطيتنا حتى نرى كل ما ومن حولنا حرام ، اكلنا وشربنا حرام ، صلاتنا ،معاملاتنا ، حياتنا ،فننعزل ونترك معاملاتنا ، ومعاملة من حولنا ، اسرنا ، اخواننا ، ابائنا ، حتى نرى كل من حولنا كفر ، وكل ما حولنا كفر ، الترويح المباح كفر ، صلة الرحم لا داعي لها ما دام ان الموصول لا يشبهنا في تديننا ، ثم يتلبسنا الشيطان اكثر فننضم الى صداقة او فئة متطرفة او فكر متشدد او مذهب متقوقع ، فتكتمل بئة الغلو فنغلو ، ونغلو ، والشيطان فنتشيطن ، حتى نستبيح حرمات الناس ، فنرى نساء من يخالفوننا اماء ،ونرى مالهم غنيمة ، وحريمهم سبي ، ودماءهم رخيصة وحلال ، والله الخالق يحرم كل ذلك الا بحقه ، فالنفس بالنفس والجروح قصاص ، ونحن المسلمون لم نخلق متسلطين قاهرين قاتلين مغتصبين جائرين غالين متطرفين ، انما خلقنا رحمة للعالمين اذا اتبعنا من كان قبلنا رحمة للعالمين ، وخلقنا سببا للهداية ودلالة لنور الله ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، خلقنا مشاعل رحمة، نرحم الأجير والمسجير ، ونجبر الكسير ، ونرقع الكَّل ، ونعطي الزكاة ونحن راكعون ، ونخاف النار لحبس هرة ، ونرجو الجنة في سقية كلب ، ونترفع عن الغدر ونعفو عند المقدرة ونقتص من القوي للضعيف ، ونعدل بيننا وبين العالمين ، ما ارسلنا لذبح الانفس التي خلقها الله ، اذ كيف ان الله يزرع ونحن نلقع ؟ وكيف يلبس ونحن نخلع ؟، وكيف يعطي ونحن نمنع ؟ وكيف نقتل نفسا من الناس الذين لو شاء الله لهداهم اجمعين ولأعطى كل نفس هداها ،فنكون قد خالفنا الله وامره لرسوله ،( ذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) ، و (انك لن تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء).
فاذا دخلت تحت ظل هداية الله يا بني ورأيت أن نفسك تدنو من الله ، وقد إستوت على الهدى ،ورضيت بما تفعل ، وعفت ما ترتك لأجل الله الذي هداك، فلا يغرنك الشيطان يا بني وتخدعك النفس بانك افضل من عباد الله أجمعين ، وانك انت الذي اهتديت لوحدك وتعرف الحق كله ، وأنك وصي على العالمين ! لا ، انها منة الله عليك اذ خلقك من عدم ، وهداك للاسلام فالايمان ، و (ما تشاءون الا ان يشاء الله )، شاء لك الايجاد فوجدك وشاء لك الاسلام فاسلمت وشاء لك الهداية فهداك ، والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ، وصراطه المستقيم ، هو خط بين دربين، درب يودي بالغلو الى الجحيم ، ودرب يودي بالضلال الى نفس الجحيم ، فكن وسطا ولا يغرنك بالله الغرور بايمانك فتغلو وتخرج ، فإنك لا تأمن مكر الله ، إنه لا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون ، ولا تأمن تقليب الله للقلوب ، فتتدحرج من القمة فتسقط ، واذا غرتك نفسك في الله فاشكمها وان غرتك بالدنيا فألجمها ، وارخي لها حبل الله لترعى من فضله في رضاه ونور هداه ، حتى اذا جفلت فشد ، واذا بركت فارفع ، واذا رخت فاسحب ، انك قائد لنفس كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع ، وان تفطمه ينفطم.
والدكم. الرفيع بشير الشفيع
الثاني عشر من رمضان
________________________________
rafeibashir@gmail.com
///////////