انتقلت إلى رحاب الله في يوم الجمعة 10 شوال 1436 هـ الموافق 31 يوليو 2015 م الحاجة صفية علي طه. وبرحيلها نكون قد شيعنا إلى الله تعالى كل أبناء وبنات علي الحاج طه (المتوفي عام 1928)، عمدة قرى الجعليين بمركز المسلمِّية. وقد كانوا 18 من الأولاد و11 من البنات. وكما أوصت، فقد وُوريَت عمتنا صفية الثرى في مقابر حلة حمد بجوار جدها لأمها العارف بالله الشيخ عمر عبد الله سعد الملقب بالأزهري لأنه كان من أوائل السودانيين الذين طلبوا العلم الشرعي بالأزهر الشريف. والدة عمتنا صفية هي الحاجة زليخة بنت الشيخ عمر الأزهري الذي درست عليه علوم القرآن والفقه الإسلامي والشعر العربي القديم. وقد روى لي أحد أحفادها، أن شاعرها الأثير كان عنترة بن شداد العبسي. وأنها كانت كثيرة الإنشاد لقصيدة عنترة التي مطلعها: حكِّم سيوفك في رقاب العُزَّل وإذا نزلت بدار ذلٍّ فارحلِ وإذا بُليت بظالمٍ كُن ظالماً وإذا لقيتَ ذوي الجهالة فاجهلِ ولا غرو أن اثنين من إخوانها لأبيها كانا من شعراء السودان المجيدين وهما الصديق عمر الأزهري وحسن عمر الأزهري (إبن عمر)، وأمهما هي خديجة بنت الفكي الأمين الضرير. وأم الحاجة زليخة هي فاطمة بنت الشيخ محمد الأزرق، غير أنها اشتهرت بـ"بنت المواهب". كان زواج العمدة علي طه للحاجة زليخة بنت عمر الأزهري بتزكية من بابكر بدري وكانت قد تزوجت قبله محمد النور والد شاعر المؤتمر علي نور. وقد عاش في كنف الحاجة زليخة برفاعة كل أبناء العمدة علي طه الذين تلقوا تعليمهم هناك ورُبِيّ معهم "علي نور". وإلى أن توفاهم الله جميعا كانوا يعدون علي نور أخاً شقيقاً. ونوّه عنذلك "علي نور" نفسه في مرثيته لعبد الرحمن علي طه عندما وصفه بالأخ وابن الأم (يا أخي وابن أمي). ومن أبناء الحاجة زليخة عمنا الذي نحسبه شهيداً بإذن الله، حسن علي طه، الذي كان معتداً بإسلامه وعروبته. فلما نادى منادي الجهاد في العام 1948م، تطوع للقتال في فلسطين وأصيب بجرح بليغ في معركة بيت دارس (32 كيلومتراً شمال شرقي غزة)وتوفي في مستشفى الحلمية بالقاهرة. تزوجت عمتنا صفية من الحاج عبد اللطيف وقيع الله الذي كان يعمل بالتجارة واتخذ من "ودعشانا" بغربي السودان مقراً لعمله. وقد جمعته أواصر الصداقة بإبراهيم بدري، ومحمد صالح الشنقيطي، واشترك ثلاثتهم في عضوية جمعية الاتحاد السوداني، كما توثقت صلته بإبراهيم بدري بعد زواج محمد صالح عبد اللطيف بآمال ابراهيم بدري. في زياراتي المتباعدة للسودان كنت أحرص على زيارة عمتنا صفية للسلام عليها. ولكن في آخر زيارة لها، لاحظت أنها وهنت كثيراُ وصارت تتوكأ على عصاة. ولم تعد ترغب في الحديث عن مخزونها من الشعر العربي القديم كما كان يحلو لها أن تفعل،وغشيت وجهها سحابة من الحزن لم أعهدها فيها، وتخللت حديثها فترات من الصمت.وبعد إطراق قالت لي: لقد شاء الله أن أقبر كل الأحبة وأبقى أنا. وكانت تعني بذلك الراحلين من إخوانها وأخواتها. فقلت لها لعل الله قد أراد بهذا أن يُمتِّعنا بقربك وبقاءك. فهاهي اليوم تلقى الأحبة. فالسلام عليها في منازل الصديقين والشهداء وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات.