ذكرت من قبل فى مقالات سابقة الكثير عن حلقة التلاوة فى مسجد الجيش مسجد القوات المسلحة جوار القيادة العامة للقوات المسلحة وعلى يسار محطة البنزين فهو واحد من الحسنات التى تحسب للرئيس نميرى ومعه مسجد النيلين ومسجد القصر إذكروا محاسن موتاكم وكما قال الشاعر : وترى الشوك فى الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا كما ذكرت إسماء الشخصيات التى تؤم هذه الحلقة اليوم نقف مع واحد منهم صحيح انه من الإسلاميين ولكن ليس كل الإسلاميين شر محض وليس كلهم خير محض وضيفنا اليوم من الإسلاميين المتصوفة الزاهد العابد التقى النقى الذى أحسبه من الأخيار ومن المخلصين الصادقين لشدة ماعرفته ولمسته من تدين وخوف من الله وزهد فى الشهرة والصيت ألا وهو الجراح الكبير البروفيسيور مرغنى السنهورى الذى تجده دائما يسعى تقربا إلى الله زلفى تعرفت عليه فى حلقة التلاوة وأول ما لفت نظرى إهتمامه بعابر سبيل من مسلمى الحبشة جاء إلى السودان قاصدا الحج نزل ضيفا على مسجد الجيش فكان يبيت فيه ولاحظت إهتمام البروف مرغنى بقضاء حوائجه والإحسان إليه كان هذا إن لم تخن الذاكرة قبل الإنتفاضة بين عامى 1983 و 1984 قبل إنقلاب الإسلاميين فى 30 يونيو 1989م فقد زود هذا الحاج بكل مايلزمه من أكل وشرب وقطع له تذكرة سفر إلى المملكة العربية السعودية فقد وقف مرغنى السنهورى بنفسه على كل مستلزمات هذا الحاج الحبشى غريب ديار وغريب أهل حتى غادر السودان إلى السعودية وفى أحدى المرات ذهبت إلى مستشفى الخرطوم ويومها كان فى جيبى بطاقتى الصحفية سكرتير تحرير مجلة الشورى وأنا فرح بها لقد سهلت دخولى لأماكن كثيرة ممنوع الإقتراب منها المهم وأنا داخل إلى المستشفى تذكرت الحوار الذى دار بين الراحل المقيم البروف عبد الله الطيب وخفير المستشفى الذى منعه من الدخول فقال له أنا عبد الله الطيب فرد الخفير أنا لا أعرفك لكنى أعرف الفنان الطيب عبد الله ومحمد وردى فما كان من الأستاذ الجليل إلا أن إنصرف ولهذا أخرجت بطاقتى الصحفية فى الباب إستعدادا لدخول المستشفى لزيارة أحد الأصدقاء قال لى الخفير موعد الزيارة إنتهى وممنوع الدخول بعد الساعة الخامسة قلت له لكن أنا صحفى وهذه هى بطاقتى الصحفية ومن حقى الدخول فسمح لى الخفير المسكين ولم يدر بخلدى أنه كان بجوارنا البروف مرغنى السنهورى يتابع الحوار وبعد دخولى نده لى البروف تعال يا عثمان سمعت ما قال لك الخفير قلت له نعم قال لى إذن ليس من حقك الدخول كلامه كان واضحا ممنوع الزيارة بعد الخامسة أعرف أنك صحفى ولكن هذا المسكين ما ذنبه يؤدى واجبه تخيل أن رئيسه حاسبه بسببك هل يسرك هذا قلت له : لا بالطبع قال لى : إذن إرجع وأرجع بطاقتك فى جيبك فكان هذا درسا إنسانيا رفيعا تعلمته من هذا الجراح المتواضع المؤدب المهذب حكيت هذه القصة لأحد الزملاء فى مجلس الوزراء بعد الإنتفاضة وبعد تشكيل الصادق المهدى حكومته فكنا نأتى لمجلس الوزراء لتلقى الأخبار وكان وزير العدل والنائب العام فى حكومة السيد الصادق المهدى سمع طرفا من الحديث ونادنى وذكر لى واقعة مهمة حدثت له مع البروف مرغنى السنهورى وهى عندما كان قاضيا فى كوستى سل المتهم السكين وهجم عليه وسدد له طعنة قاتلة وأخذ إلى المستشفى وأشرف الجراح مرغنى السنهورى على علاجه وأجرى عملية له أنقذت حياته من موت محقق تماما فقد حكيت رواية الأستاذ عبد المحمود صالح النائب العام ووزير العدل فى حكومة السيد الصادق المهدى وكان مادة ثابته فى صحيفة ألوان وكان حسين خوجلى يهاجمه كثيرا لأنه سجنه مع المجرمين فى زنزانة واحدة فكان يرسم زرافة فى جريدة ألوان والمعنى بها المرحوم الأستاذ عبد المحمو د لأنه كان يمتاز برقبة طويلة المهم أكد لى البروف مرغنى السنهورى الواقعة وقال لى لقد كانت طعنة السكين طعنة قاتلة على مسافة بوصة واحدة من القلب . بعد الإنتفاضة توسلت عدة مرات لإجراء حوار صحفى مع البروفيسيور مرغنى السنهورى ولكنه كان فى كل مرة يعتذر فأيقنت أن الرجل صوفى زاهد عابد لا شان له بزخرفات الدنيا وزينتها فتركته لحاله وكأنى أسمعه يردد : ليتك ترضى والأنام غضاب ليت الذى بينى وبينك عامر وبينى وبين العالمين خراب سمعت كثيرا أن البروف مرغنى السنهورى لا يدخل لإجراء أى عملية إلا وصلى ركعتين قبلها ليس هذا فحسب بعد أن إستتب الأمر للإسلاميين فى السودان كان يمكنه أن يكون وزيرا للصحة أو وزيرا للتربية والتعليم أو أن يتبؤ أى منصب آخر لكنه لا يشبه هؤلاء الفاسدين المفسدين طلاب الجيفة النتنة هو عينه في ما لا عينت رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قط هو عينه فى السرر المرفوعة واكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابى مبثوثه هو عينه فى النعيم المقيم كيف يبيع دينه بدنياه كلا وألف كلا هو ليس من ناس كلما إشتهيت إشتريت هو من الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع هو صابر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ودعاؤهم كل صبح ومساء اللهم أجريها على أيدينا ولا تجريها على قلوبنا هذا هو مرغنى السنورى الذى عرفت من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . بقلم الكاتب الصحفى عثمان الطاهر المجمر طه / لندن elmugamar11@hotmail.com ككككككككك