وعي المرحلة

 


 

 

نحن في منتصف فوضى ... سياسية واخلاقية وقيمية وفي حال وجود من عدمه،  وفي منتصف فوضى سايكلوجية اجتماعية وفردية ، وفي حال إحباط كبير بسبب المجزرة الكبيرة في منطقتها  التي نشهدها ، ونعتاد عليها كأنها أفلام في كوكب آخر ، لا نرتعب ولا نَحِنْ ولا نتفاعل مع دمائها وقبورها وهدمهما وبراميلها المتفجرة وتفجيرات المساجد فيها ، بل لا نأبه لدمار قرى ومدن كاملة ، وبيوت الله ولا صوامع ولا دير ولا تمزيق وحرق كتب الله ورسالاته ، ولا حميِّة عندنا البتة ، نحن أسر مشردة في الحبال والعراء ، أسر كانت حياتها ليلة أمس  أو هذا الصباح ،  أرغد من حياتنا وأكثر نعومة ورفاه ، كأننا أصحاب قبور أو خُشُب مسنّدة ، وهذه هي حالة الإعتياد والإدمان التي يريد إن يوصلنا لها العدو ، وقد فعل، أو فعلنا بأنفسنا ،  وهي حالة تخثير كاملة ومتكاملة للقلوب وللدين والنخوة والعزة والشرف ، وحالة إغماء كاملة تجتاح المنطقة العربية في دائرة سايس بيكو القديمة  ، وفي منتصف فوضى إقتصادية ... وفي حالة ازاحات وتعريات وترتيب للمنطقة جديد ، وفي منتصف (دفع الله الناس بعضهم ببعض ) في هيجاء سببّها الباطل وفورته على الحق ... ليقضي الله أمرا كان مفعولا ... ونحن الآن نعيش الحياة بأضعف الإيمان ، الإيمان الأمني والاقتصادي ، والاجتماعي ... والمعيشي  فإذا أردنا أن نحيي حياة نسميها حياة  .... يبقى لنا أن نتلاءم مع هذا نفسيا وعمليا وعلائقيا .... وأن نزيد وتيرة علاقتنا بالله حتى تطمئن قلوبنا ... ونجتاز هذا الإبتلاء حيث أننا في أعظم أيام الابتلاءات التي لم نجربها من قبل ، ويجب ان نستشحذ إيماننا ووعينا لهذه المرحلة  ، وهذا الوعي يتطلب ألا نعيش هذه الأيام بطعم الماضي وبفروضات الماضي  .

الغريب في الأمر أن حال الفوضى  هذا ينطبق فقط في دائرة منطقتنا ، فبقية الشعوب في أمريكا وأوروبا وبقية دول أفريقيا وآسيا والبعيدة من الدائرة الجغرافية التي تحيط بإسرائيل والتي ليست عربية ، لا تشعر بكل هذا ، وحياتها مستمرة ، إلا من مشاركات وجدانية إنسانية عامة معنا ، وإلا فهي من ناحية أخرى إما إنهاء مستغرقة في أمراض الرأسمالية والمادية والإلحاد والعلمانية والمجون ، فحالة الفوضى الخلاقة فُصّلت فقط لنا ولمنطقتنا ، فلا بد من وعي يفصّل عليها لكي تستمر الحياة ويقل الدُار.

فبعض الوعي  القسري حصل الآن للشعب السوري بعد فوات الاوان ، وحدث وأختطف أيدولوجيا كما كان مقررا له في دول الربيع العربي وحدث في السعودية وحُمِلْ عليه بقية دول الخليج بعد أن كادت الخطة التي بدأت بحربي الخليج عتتطبق بكاملها حوله ، حدث وعيا هناك فجائيا ، بعد أن أمطرت الشعوب بالبراميل والقنابل من فوقها وهي نائمة او منومه في رفاه زائف ومعادلة منقوصة في تطور الأمم الغاصبة والباغية التي تصنع فينا نفس الدُار .

والآن جاء  دور أصحاب السياكلوجي الإجتماعي ، يجب أن توجدوا لنا نوعا من المرونة والتواءُم لأحاسيس ومشاعر الناس ونفسياتهم لإدارة حياتهم في حال الأزمة هذه ، ويتطلب من أصحاب الدعوة أن يستشحذوا فينا ويرفعوا قيم الجهاد والدفع ومعاني الإيمان وإعداد الإستطاعات من رباط الخيل والقوة ، وعلى قادة جيوشنا أن يرفعوا رؤوسنا من التفكير في  إدارة معاركنا بالبندقية فقط فبنادقنا صارت بارودا قديما وغير متكافئ وغير صالح في أرض المعارك ، على أن يعبئوا جيوشهم معنويا وإيمانيا ، وعلى أصحاب إدارة دولنا أن يغيروا منهج التفرد والتغبية للشعوب وأن يوقفوا الناس على متطلبات المرحلة من وحدة شعوب لهذه المنطقة وأن يعالجوا نفوس الناس من الخنا والذل وحالة الإنهزام التي نعيشها ، وعليهم إن يدفعوا الناس على للإنتاج الحقيقي وأن يضعوا معاول الانتاج وتقنياته وأن يحدوا من الفساد بما يتواءم مع مرحلة أن نكون أو لا نكون ، وعلى إعلاميينا أن يبثوا فينا رسائل توعية بما تقتضي المرحلة وأن يراعوا فيها حال الخوار الذي حدث لشعوب المنطقة جراء إعتياد الدماء والدمار وإدمان الخزي والهزائم ، بجرعة تستمر معها حياتنا ، وعلينا نحن الشعوب أن نزيد من جرعة الشعور بالوطن وأن ننبذ التفرقة والأدلجة والإستقطاب والتفرُق والخلاف الذي سوف لن يَصْب الا في صالح العدو الذي هو آكلُنا جميعا إن لم نع معنى هذه المرحلة وإن لن نشعر بما نحن فيه من مأساة .

الرفيع بشير الشفيع

جنوب افريقيا

            rafeibashir@gmail.com

 

آراء